أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - شيء من الوجل - الكتاب كاملا















المزيد.....



شيء من الوجل - الكتاب كاملا


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 20:11
المحور: الادب والفن
    



الطبعة الأولى :يناير 2004
دار القرويين الدارالبيضاء
لوحة الغلاف: الفنان الفلسطيني زاهي خميس.
رقم الإيداع القانوني : 2004-0063
عدد الصفحات 73صفحة.

الحلم


وحدها لفظة "الحلم" انسلت من ثنايا الذاكرة..في طريقها مضت، تخاتل كل العوائق، متقدمة في تؤدة، لكن بإصرار لا يلين..أحس بها قادمة من أغوار الذاكرة، وعنها تنكشف حجب سديمية، فتطفو واضحة جلية، تناضل في صراع مرير من أجل أن تكون..تلقفها ذهنه بلهفة واشتياق، حينئذ، فقط، وجد نفسه وجها لوجه مع حلم الليلة الماضية.. مدد أطرافه، طاردا بقايا النوم، وقد أمسك بأول الخيط..الحلم كان قويا ومؤثرا، لكنه، اللحظة، لا يتذكر منه شيئا..فرك عينيه بقوة. ثم تهادى مع إحساس لذيذ، أيقن معه أنه، لابد، متذكر رؤياه. لاح في ذهنه النهر..نعم يتذكر الآن أن الماء كان طاغيا في الحلم.. أجال بصره في الغرفة القاتمة. مد قدميه نحو نعليه..النهر كان يتدفق بقوة..ثم ماذا بعد ؟ دلف نحو الحمام..أطرافه تنفض عنها الإرتخاء..عمد إلى المغسل..أدار الصنوبر..اندلق الماء..تأمله للحظات..رش وجهه بحفنات منه..أحس بالبرودة تبعث فيه بعض اليقظة..آه الحلم..إنه ينفلت من الذهن كما ينفلت الماء بين أصابعه..لكن، لابد من التذكر..هاجس ما أسر لبه..لا يدري كيف ألقي في روعه أن هذا الحلم يمثل رسالة ما..واضحة المعالم..النهر..الماء يتدفق..بدا له أن لونا ما كان طاغيا على الأحداث..لا يكاد يتذكره..ثم أشجار..نعم أشجار تتمدد سامقة..كان يركض..الركض لا يمكن نسيانه..نظر في المرآة..سحنته شاحبة..تأمل شعيرات ذقنه المتنامية..أكسبت وجهه حزنا مضاعفا ..تذكر أن ركضه كأن لا يبارح مكانه..وإلا ما معنى أن نفس المشهد ظل يتكرر طول الحلم..الماء..الأشجار. خرج من الحمام..أهم شئ في الحلم لا يتذكره. وبدونه لا جدوى منه..رسالة ما.. كلمة..رمز..معنى..ربما رائحة..تذكر أنه حاول تفسيره وهو يعيش في كنف الحلم..حين فاجأ نفسه وهو يحلم..اطمأن إلى ما وصل إليه ثم انقذف في النوم بعد يقظة خفيفة تلت نهاية الحلم..دلف نحو المطبخ..هل كان ذلك صوتا..صورة..إحساسا..كيف يمكنـه أن يتأكد ؟..أعد بعض الطعام لفطوره. الحلم ألقى بظلاله على كل شئ." كان الركض متعبا..والنهر يتدفق ماؤه بقوة..أكاد أجزم أن اللون كان أرجوانيا" اقتعد كرسيا.. ارتشف بعض الشاي..فجأة تذكر أنه نظر إلى أعلى. وأن طائرا ما لاح في الأجواء..حسن السمت أغرم به..علت الفرحة الآن محياه..إنه في الطريق الصحيح، والطائر بدايته..كان يلوك دون وعي منه قطعة خبز..الأمور تتضح تدريجيا..ود لو يمسك الطائر بين يديه. لذا انخرط في الركض..لكن الطائر كان مصرا على الطيران. ما أدهشه حقا، أنه لم يكن يبعد عنه إلا بأمتار قليلة..ربما لذلك انفتحت شهيته للإمساك به..انتبه فجأة أن الطائر في الضفة الأخرى للنهر. ها هي الأحداث تنساب مطواعة.. أفرحه ذلك..ارتشف جرعات متتالية.. ثم ماذا بعد ؟ ..نعم، اللحظة يتذكر..انذهل بحسن الطائر وجماله..أحس في أعماقه وهو يحاول تفسير الحلم أن إمساكه بالعصفور – لو تم – فأل خير. وإذا ضاع منه كان ذلك إشارة سوء..وطد عزمه على عدم إفلاته..ضاعف ركضه..مع أنه كان يركض في مكانه.. وبغتة وجد نفسه يركض فوق الماء..أشعره ذلك بانتشاء لا يقارن..قدماه لا تغوصان، بل ولا تبتلان وفي غمرة انشراحه، وهو يركض على صفحة الماء تقدم نحوه الطائر..دنا منه إلى حدود كبيرة..وكأنه يدعوه إليه..فجأة أحس أن شيئا يتغير داخله. وإذا به منبهرا يرى نفسه يحلق جانب الطائر.. كان الطيران متعة..النهر، وهو يطل عليه من عل روعة..تمدد على كرسيه منتشيا حين بلغ هذا الحد من التذكر..وإذا برسالة الحلم أضحت واضحة لا لبس فيها..حينها فقط، بدا له أن العالم ملك يديه، وأن حدثا مفرحا في طريقه إلى التحقق، وما عليه إلا الانتظار.


لفــــــــارس
فاترا, اعتدل الزبون في جلسته .. في ذهنه ترتع أفكار متناقضة .. تحاشى أشعة الشمس المؤذية . الشارع المتمدد أمامه موحش, مقزز, لا معنى لامتداده .. فكر, للحظة, أن في أعماقه ما يماثل هذا الامتداد القاحل.. امتدت يده إلى الكأس الفارغة..
ارتشف لا شيء .. اختلط صوت المذياع الصاخب, بالصوت القادم من أعلى المئذنة .. الظهيرة أرغمت الناس على لزوم جحورهم .. في المقهى الفارغ, كان النادل يقتعد كرسيا منزويا, ينتظر انسحاب آخر زبون .. بين لحظة وأخرى يستـرق النظر إليه, يتعمد تحريك نقوده, فيسمع لها رنين, يتجاهله الزبون .. حين يئس من استجابته, انتصب واقفا, تقدم نحوه بخطوات حازمة .. لمحه الزبون, عمد إلى جيبه, أحصى دريهمات, وضعها, بفتور, على المنضدة .. أخذها النادل وانصرف .. فجأة لاح في أقصى الشارع شبح, يتقدم في اتجاه المقهى .. تحفزت مخيلة الزبون .. بدا له الطيف شخصا قادما من زمن سحيق .. لذ له أن يضع أمامه حصانا أبيض .. ابتهـج الطيف بالحصان, فلم يتردد في امتطائه .. خب الحصان في الشارع الفارغ .. فكر أنه لا بأس أن يمتشق الطيف سيفا, ويعتمر جبة بألوان زاهية .. لا معنى لهذا الفارس, دون هدف يسعى إليه .. انبثقت من مخيلـة الزبون امرأة, شبه عاريـة .. لا ضير أن يكون شعرها أشعث, وقدماها حافيتين .. يسحبها رجلان فظان, بحبال متينة .. المرأة تستغيث .. تتطلع ببصرها في كل الاتجاهات .. لا من مغيث .. الفارس يواصل طريقه .. مزهوا بفروسيته, يسحب نحوه اللجام, بخبرة وإتقان .. سرعة الحصان تتضاعف .. الرجلان يصلان بالمرأة إلى شجرة سامقة, ضخمة .. من أغصانها تتدلى أفاع بأعداد لا حصر لها .. يقيدانها في جذع الشجرة, ثم يختفيان.. الأفاعي الملتفة بأذيالها على الأفنان, تسعى برؤوسها المفزعة, لتنهش المرأة .. الفارس يعدو نحو الشجرة .. المرأة أخرسها الرعب, يبدو أنها فقدت وعيها.. الزبون عاجز عن الحركة ..لم تسعفه مخيلته لتدارك الأمر.. عزى نفسه بالفارس القادم .. لا ريب أن شهامته ستدفعه لإنقاذ المرأة .. الفـارس يصـل الشجـرة .. دقـات قلب الزبون تتضاعف .. المرأة تستفيق من غيبوبتها .. من جديد يلعلع صراخها في الفضاء .. تترقرق دمعتان في عيني الزبون .. الأفاعي تدنو, بشكل كبير, من رأس المرأة .. توشك على التهامها . الفارس يمر .. لا يتوقف, وكأنه لا يرى شيئا .. يكبس الذهول على أنفاس الزبون .. كيف لم يستجب الفارس لصراخ المرأة ؟ كاد ينتفض من مكانه, ليخف إلى نجدة المرأة .. في تلك اللحظة ينتشله صوت غير مألوف من ذهوله :
ـ هل تشرب شيئا ؟
رفع بصره نحو مصدر الصوت .. إنه نادل آخر, عوض زميله بعد أن انتهت حصته الزمنية .. رد عليه بخجل :
ـ لا سأغادر .. حالا .
حين مد بصره في الشارع, كان الطيف قد تميزت ملامحه .. امرأة متوسطة العمر .. رشقها بنظرة معاتبة .. لملم شتات ذاته, وغادر المقهى .


الإمبراطور

حقا إنها ليلة ليلاء. لم يعش الإمبراطور ما يماثلها. وأبدا لن تذروها ريح النسيان، بل ستغدو مع الزمن علامة بارزة في حياته، يسترجعها كلما عنٌّ له أن يتذكر حقيقته.. انفض مجلس جلالته في وقت متأخر، بعد أن سمع أغرب الحكايات وأطرفها. لذ له السمر، فقاوم رغبته في النوم، لم يبخل ندماؤه بأبهي ما يملكون من حوادث وغرائب.
سلطان النوم أخيرا تمكن منه.. التجأ إلي سريره، لم يمض زمن طويل حتي غرق في نوم عميق، وسرعان ما انسابت الأحداث، قوية في إقناعها وكأنها امتداد لما يعيشه رأي نفسه في حديقة قصره، يتمدد علي أرجوحته المفضلة، تظلله شجرة سامقة، وارفه الظلال. صنفها مستورد خصيصا لحديقة جلالته.. علي مرمي البصر أزهار من كل صنف ولون.. أمامه تستلقي في هدوء، بركة صافية. في أوقات متباعدة تتجعد صفحتها. ثم لا تلبث أن تستعيد سكينتها، حين تخفت حركة النسيم.. ممتلئا بالاعتزاز يرنو إلي الصبايا، يتقدمن متتاليات بمشي يضارع الرقص.. حين أشرفن علي البركة، ارتمين في أحضانها، متجردات من كل ما يخدش البصر، وكأنهن من عالم آخر.. في الناحية الشرقية من البركة يتربع أسد قدٌّ من حجر تفاصيله توحي بشراسة لا تلين، افتر فم الإمبراطور عن ابتسامة وهويتأمله، بدا له أن الأسد رمز موفق، إلي أبعد الحدود، لسطوته فتعاظم داخله إحساس بالجبروت، كان التأرجح لذة لاتوازى، حتي إن إغفاءة داهمته، استسلم لها بانتشاء لذيذ.. فجأة وبشكل لايمكن توقعه، هدر صوت رعد مفاجيء أيقظه من غفوته، حملق فيما حوله، فإذا الصبايا قد غزاهن الذعر.. أخدن يتلفتن وجلات في كل الإتجاهات. رفع رأسه نحو الأعلي.. لم ير مايدل علي أن سحبا تحجب زرقة المساء، استغرب أمر هذا الرعد.. فيما كانت الصبايا قد شردن نحو بناية القصر.. مستجمعا قوته، حاول أن يغادر أرجوحته، فلمس ثقلا في أعضائه،، وكأنها تجمدت.. تضاعف الذعر في قلبه، حين انقصف الرعد للمرة الثانية، أراد أن يستغيث فلم يسعفه لسانه، تخشب ما داهمه، حانت منه التفاتة نحو الأسد، فكاد يفقد رشده.. الأسد يبكي، ومن عينيه تسح دموع بلا حصر، كثيفة في سيلانها، ماؤها ينساب نحجو البركة بسرعة منذهلة الرعد يقصف للمرة الثالثة، قوته مضاعفة، أغصان الأشجار، في تلك اللحظة، ارتجت بقوة. أوراقها تناثرت علي امتداد أرض الحديقة الغريب أنها أوراق بلا حصر.. الهلع شق طريقه نحو قلب الإمبراطور.. الأسد لايكف عن البكاء.. الماء غمر البركة، فأخذ يتدفق علي حواشيها. ثم سرعان ما امتد إلي عشب الحديقة. الإمبراطور متجمد في مكانه، لايقوي علي الحركة، فقط عيناه طاوعتا رعبه، فسحتا دموعا بئيسة.. لم تغن عنه شيئا وما هي إلا لحظات حتي املأت الحديقة بالمياه. انغمر الأسد، فلم يعد يري منه إلا الرأس. الإمبراطور لم يسلم من الغمر، لكن ما ضاعف حيرته وزاد استغرابه أن المياه دافئة.. لم تلسعه برودتها كما توقع إنها دافئة ولطيفة، الماء لا يتوقف، بل تزداد قوة انسكابه، الغريب أن ذعر الإمبراطور أخذ يتحول شيئا فشيئا إلي اطمئنان، أحس وكأن حضنا دافئا يضمه، بيد أنه ما إن بلغت المياه رأسه حتي أحس بالإختناق، حينها فقط استجمع كل قواه، محاولا إنقاذ حياته، انتفض من أرجوحته، فإذا به يفتح عينيه، ليجد نفسه متمددا علي سريره.. ولكم كانت دهشته كبيرة ، يمازحها بعض الخجل، حين أحس بالبلل قد اكتسح ملابسه.


توقــــع

مشيته , دوما , عجلى .. أبدا لا يلتفت وهو منهمك في سيره . المرة الوحيدة التي ضبطته فيها ملتفتا , التقت نظراتنا .. ارتسمت ابتسامة لا معنى لها على شفتيه , ثم دلف نحوي بخطوات حثيثة .. فاجأني تصرفه .. اشتغل ذهني بسرعة , حاولت أن أتوقع ما يمكن أن يصدر منه .. حدث كل ذلك فجأة, فعجزت عن التصرف .. عبرت عن ذلك بابتسامة بلهاء استقلت على مبسمي .. حين دنا مني بشكل كبير, ميزت ملامحه .. التوتر باد عليه , وفي عينيه شرود واضح .. ملابسه رغم اتساخها , بدت وكأنها صممت له , وليس لأحد غيره .. كتفاه عريضان وشعر لحيته اعتراه اصفرار مقرف .. انتصب أمامي, خالجني إحساس بالضعف تجاهه .. فكرت أنه يمكن أن يقوم بأي تصرف أهوج .. لا بد من الحزم, وإلا تعرضت لموقف لا أحسد عليه .. ركزت نظري عليه, وقد تحفزت كل حواسـي .. مــد نحــوي يــدا مرتعشـة, أدكنتـهـا أشـعــة الشمـس المحرقة.. خاطبني باقتضاب شديد :
ـ درهما !
فكرت للحظة أن أمنحه ما يريد .. شيء ما هجس بداخلي, جعلني مترددا .. قلت في نفسي إن أعطيته شيئا, فلن يتردد في مضايقتي كلما رآني .. رفعت يدي إشارة للرفض .. ابتسم ببلاهة, ثم انصرف .. تتبعت خطواته السريعة .. لم تبرحه عيناي إلا حين اختفى .. وأنا أرتشف قهوتي, استرجعت حدثا وقع أمام بصري .. حين رأيته يوما يتأبط ركاما من الورق, وهو ماض في طريقه .. فجأة توقف .. أطلق صرخة قوية, انزلقت الأوراق منه .. تناثرت على الرصيف .. هرع إليها, التقطها متلهفا, جمعها فيما يشبه كومة صغيرة .. أخرج عود ثقاب, أشعله, ثم عمد إلى الركام من الورق, فأوقد النار فيه .. تأمل للحظات اللهيب المتصاعد, ثم أخذ يحوم حوله في طقوس غريبة .. بمرور الزمن, اشتد طوافه وزعيقه .. توقف السابلة ليتفرجوا على المشهد .. بغتة وأمام ذهول الجميع, شرع يتخلص من ملابسه قطعة قطعـة .. لم يمض زمن طويل حتــىأضحى عاريا, متجردا من كل ما يستره .. فرت النسوة والفتيات, فيما أخذ الصغار يرجمونه بالحجارة .. لم يلتفت إليهم.. كان مستغرقا في لذة لا مثيل لها .. متحملا الأذى ومنتشيا بطقوسه, ثابر, بتفان مثير, في رقصته .. كانت جلبة الأطفال واحتجاج الكبار قد بلغا حدودهما القصوى .. لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه .. لكن ما إن خمدت النار حتى عاد إليه هدوؤه .. قرفص للحظات .. عمد إلى ملابسه, ارتداها بتؤدة, حين انتهى من ذلك, نظر متحسرا إلى بقايا النار .. في تلك الأثناء أصابه حجر يبدو أنه أوجعه .. التفت إلى الصغار غاضبا, وبشكل آلي انخرط في الجري, يطاردهم .. وأنا أسترجع هذه الأحداث, لاح لي من بعيد, قادما بعجلته المعهودة .. ظهوره المفاجئ أفزعـني .. تمنيـت لحظتهـا , لو كنت قد غـادرت المقهى .. هل سيتوجه نحوي ثانية ؟ اكتسحني الإضراب, فبدا ذلك على تصرفاتي .. حركت أصابعي بعصبية ظاهرة .. ناديت النادل, وكأنني أود الاحتماء به .. قبل أن يستجيب لندائي, كـان الرجل قـد وصل أمام المقهـى .. توقف عن الحركة .. التفت نحوي .. دقات قلبي تضاعفت . أعصابي شدت إلى حدودها القصوى .. وكما توقعت تقدم نحوي بخطوات راسخة .. حاولت تجاهله, فتشاغلت بالنداء على النادل .. لكنه قصدني بشكل مباشر .. انتصب أمامي, ثم تطلع إلي بنظرة ساخرة .. فكرت, هذه المرة, أن أناوله ما طلب اتقاء لشره .. لكن وبشكل يستحيل توقعه, مد يده نحو منضدتي, وضع درهما .. ذهني شلته المفاجأة, فعجزت عن الإتيان بأي رد فعل ..حملقت فيه بعينين ذاهلتين .. ابتسامته المستفزة لا تزال معلقة على شفتيه .. ودون أن ينبس ببنت شفة, استدار نحو باب المقهى, ثم انخرط في هرولته المعتادة .. حين انتشلت نفسي من الصدمة, كان قد اختفى .. جاء النادل.. ناولته ثمن المشروب .. وحين هممت بالمغادرة, امتدت يد النادل إلى الدرهم, فلحقتني عبارته وأنا أعبر باب المقهى :
ـ شكرا أستاذ.


شــيء مـن الوجــل
ليس في الأفق غير غبش يتراقص.. كلما اقترب، اتخذ شكلا مختلفا.. السائق منهمك في قيادته، يتهادى مع التواءات الطريق، وكأنه مأخوذ بلعبة المنعرجات، التي ما فتئت تتناسل كلما توغلنا في المسير.. الصمت يرين، بثقله، على أجسادنا المنهكة.. فقط، وشوشة خافتة تصلني بين الحين والآخر.. وكأن الجميع يتوقع حدوث مكروه ما.. من مقعدي الأمامي كنت أقرب إلى الوجل، ليس بسبب السائق المأخوذ بلعبته فحسب، بل وبالفراغ الذي ما فتئنا نتلفع بردائه، في هذه الأرض الجرداء.. كل ذلك ضاعف من الحزن في أعماقي, فانتابني سهوم متنام ..كانت الطريق في بدايتها، روعة.. على جانبيها أنواع من النباتات، تتفاوت خضرتها حسب المكان.. والأبنية البشرية لاتفتأ تغيب عن البصر.. وجودها يبعث في النفس بعض الألفة..حتى أنني رددت في أعماقي، غير مرة، أن السفر متعة.. لكن منذ ما يربو عن ساعة من الزمن، غـدا الطريق موحشـا، والجبال التي تحاصره جرداء، منفرة، لا يقوى على العيش فيها طيـر أو بشر.. عزيت نفسي، لفترة من الزمن، بأن الأمر استثنائي، ولابد أن يتغير المشهد بعد حين.. لكن، بحسرة، وبعد أن التهمت الحافلة مسافات طويلة، لم أملك بدا من التسليم بحقيقة الأمر، إنها أرض قفر.. أجمل ما فيها، نصاعة الزرقة التي تظللها.. ولا سحابة واحدة. وكأنها رقعة طليت عن آخرها بطلاء أزرق فاتح.. لم تفلح الأغنية المنطلقة من جهاز الحافلة أن تخفف من وطأة الكآبة التي انتهبتني..شيء واحد ظل يبعث في نفسي بعضا من المرح الخفر، إنه السائق، وانغماسه حتى الثمالة في لعبة السياقة.. كان منتشيا بقيادته، يتوقع المنعرجات، ويظهر حدقا في التجاوب مع التواءاتها.. كلما استرقت النظر إليه، ارتسمت ابتسامة خجلى على شفتي، سرعان ما تندثر حين يسرح بصري في الأفق البعيد، أو تلتقط حواسي السكون المطبق على المكان من حولي..التفت إلى الخلف بحثا عما يبعد الوحشة عن نفسي..كان جل الركاب يداعب الكرى أجفانهم.. بعضهم راح في نوم عميـق.. أفواههـم مشرعـة عن آخرها.. كانت كريهة بشكل يبعث على الاشمئزاز, بل الضحك .. التقطت عيناي شيخا ارتخى جسده على جانبه الأيسر، وقد تفككت عمامته البيضاء، فلاحت جلدة رأسه الجرباء .. بجانبه كانت دجاجتان منبطحتين، مستسلمتين لقدرهما .. قدرت أن تكون إحداهما قد فارقت الحياة .. في أوقات متباعدة كان صوت المساعد يرتفع بالزعيق، معلنا حضوره القوي رغم عدم الحاجة إلى ذلك .. وكأنه يذكرنا بسلطته .. فجأة، ودون سابق إنذار، توقفت الحافلة, وإذا بالسائق يصرخ بأعلى صوته, حاثا المساعد على القيام بواجبه مع مراقبي الطريق .. ركض المساعد نحو الباب الخلفي، فتحه، ثم نط خارجا. أخذت الحافلة تنفث أنفاسها متباطئة، بشكل رتيب، وكأنها تستجمع أنفاسها لما تبقى من الطريق .. ما كاد الركاب يستفيقون من إغفاءاتهم حتى التحق المساعد بالحافلة، معلنا استئناف المسير .. احتج البعض بدعوى أنه يرغب في التخلص مما تجمع في متانته .. تجاهل السائق الاحتجاج ومضى في سبيله، فما لبث الركـاب أن عـادوا إلى ارتـخائهـم .. فيمـا انسابت الحافلة في طريقها، تلتهم المسافات، غير عابئة بما يدور حولها، والسائق يتمايل برأسه مدندنا بأغنية انتشر ضجيجها في الأجواء .. بينما كنت لا أزال منشغلا بالغبش المتراقص في المدى البعيد، متسائلا في أعماقي، متى يمكنه أن يتشكل في هيئة تتحدد ملامحها .. عل ذلك يطرد بعضا من الوجل، الذي ما فتئ يتجذر في دواخلي.

قبـل الغـــروب

رن الهاتف رنينا مفزعا, فارتج قلبي, وكأنني أنتظر خبرا ما, والحقيقة أنني لا أنتظر أي شيء .. تحفزت حواسي, وضعت الكتاب الذي كنت أغوص في مجرى أحداثه .. هرولت نحو الهاتف, وقبل أن ينقطع الرنين الثاني أمسكت بالسماعة, وخفقان قلبي لم يستقر بعد :
" ألو من؟ "
" أنا علي "
" علي من ؟ "
"أرجوك لا تستغرب ولا تقطع الاتصال قبل أن تسمع كل ما أقول"
" تفضل ما دام الاتصال على نفقتك, فلا يهم, قل ما تشاء "
" أنا علي .. ألا يذكرك هذا الاسم بشيء ؟ "
" لا أظن ذلك .. هل تود أن تتسلى, لقد أخطأت الرقم "
" أرجوك لا تغضب, أنا فقط .. أرغب في عدم مفاجأتك "
" يا سيدي لن تفاجئنا, قل لي من أنت, وماذا تريد "
" أنا علي بطل الرواية التي تقرأها "
تسللت ابتسامة إلى شفتي في الوقت الذي شق الاستغراب طريقه نحوي .. تمالكت نفسي محـاولا الحفـاظ على برودة أعصـابي:
" مــاذا تقول ؟ من أنت ؟"
" أعرف أنك ستستغرب .. لكنها الحقيقة .. فأنا بطل الرواية التي تقرأها الآن.. قل, ألا تقرأ رواية عنوانها " قبل الغروب " ؟
شيء من القلـق أخذ يتسـرب إلى ذهـني .. تصنعـت الجـديـة والصلابـة في قولـي :
" اسمع أنت .. لعبتك تافهة, ولست مستعدا لسماع سخافاتك .. ابحث عن غيري "
"أرجوك لا تقطع الاتصال, وأجبني من فضلك, فالمسألة مسألة حياة أو موت, هل تقرأ الرواية التي سألتك عنها سابقا ؟ "
تمالكت نفسي .. زفرت آهة عميقة ثم أجبت :
" نعم أقرأها, ثم ماذا بعد ؟ "
أردف بكلمات مستعطفة :
" أعرف أنك لن تصدقني .. لكنني أنا علي بطل الرواية .. وأرجوك أن تساعدني "
انفلتت مني ضحكة خفيفة تمازجها نبرة احتجاج واضحة :
"اسمع يا بطل الرواية . ولو أنني لا أعرف من أخبرك بأنني أقرأ هذه الرواية ولا من أعطاك رقم هاتفي .. إلا أنني لست مستعدا للاستمرار في هذه اللعبة السخيفة . أرجوك اقطع الاتصال وإلا بادرت بقطعه ".
أخذ يصلني من الجهة الأخرى نحيـب جعلـني أتوقـف عن كلامي .. ثم تهادت إلى مسمعي كلماته المستعطفة :
"أرجوك ساعدني فأنا في ورطة, لا أعرف ما أقوم به .. إن مصيري معلق بين يديك .. "
لمست الصدق في كلماته .. فأخذت أتراجع رويدا رويدا عن صرامتي تجاهه .. ثم قلت بكلمات خفت حدة غضبها:
" ولو أنني لا أصدق شيئا مما تقول . إلا أنني لن أخسر شيئا إذا سايرتك في لعبتك .. ماذا تريد مني إذن ؟ "
تغيرت لهجته لحظتئذ, وظهرت علامات البهجة على نبرات صوته " شكرا لك يا سيدي .. فقط أريد منك أن تذكرني بما يجب أن أقوم به .. لقد اختلطت علي الأمور, وأنا الآن في موقف لا أحسد عليه .. دخلت المصرف .. أخذت النقود, وفي الوقت الذي كنت أنوي مغادرته . تقدم نحوي موظف أخبرني بأدب أن المدير يريد أن يحدثني في أمر يهمني .. ولقد أخبرني أن التوقيع الذي سحبت به الأموال غير مطابق للتوقيع الأصلي الذي يحتفظون به في أرشيفهم ..
قاطعته :"ولكن كل هذه التفاصيل غير موجودة في الرواية.. ما قرأته أن البطل بعد أن أخذ الأموال .. غادر المصرف دون أن تعترضه كل هذه التعقيدات"
عاد صوته إلى تهدجه :
" أرأيت يا سيدي ألم أقل لك ؟ إنني في ورطة حقيقية أرجوك ..ساعدني من فضلك . فلقد طلبت منهم أن يسمحوا لي باتصال لأحل المشكل .. فسمحوا لي بذلك .. وكان من حظي أن اتصلت بك .. أرجوك ساعدني ولا تتخلى عني . "
ساورتني الحيرة .. فكرت في الأمر من جميع وجوهه . الشك لا زال يداعب وجداني .. والمعلومات الدقيقة التي تصلني من الشخص تربكني .. قطع علي حبل تفكيري. "اِسمع يا سيدي .. إنهم سيستدعون لي الشرطة إذا لم أبرهن لهم أن التوقيع صحيح .. أو على الأقل سيجردونني من المبلغ "
قلت والحماس أخذ يستولي علي :
" اِسمع, إنك لست إلا وهما .. أنت إنسان من كلمات, فلم الخوف ؟ "
أحسست أن صوت الرجل تكتنفه نبرة غريبة : " أنا من كلمات وأنت تقرؤني في الرواية .. أما الآن, فأنا من لحم ودم ..أنا في مصرف حقيقي وأمام أناس حقيقيين "
فوجئت بمدى الجدية التي يتحدث بها, فتبرعم في ذهني عدد من الأسئلة أجلت الإجابة عنها إلى حين .. ثم توجهت إليه بالكلام :
" اسمع, إذا قلت لي من أين حصلت على رقم هاتفي.. أعدك أن أقدم لك العون "
"سوف لا تصدق إذا قلت لك "
"بل سأصدق .. أنـا بعـد كلامـك هذا .. مستعد لتصديـق أي شيء "
" الحقيقة يا سيدي أن الشيك كان يحمل توقيعك واسمك, وقد رجوتهم أن يعطوني هاتفك لأحل المشكل معك "
نزلت علي كلماته كالصاعقة . فبدا الارتباك والغضب على حركاتي .. وقبل أن أتفوه بكلمة سمعته يقول :
" لا تنسى يا سيدي أنك وعدت بمساعدتي ".
قاطعته بعنف : " ولكن كيف حصلت على شيكي وتوقيعي ؟"
أجاب بارتباك " لا أدري يا سيدي, اسأل المؤلف,"
حينها خطرت لي فكرة فسألته:
" ما اسمي واسم المصرف الذي أتعامل معه ؟ "
فإذا بإجابته تأتي دقيقة, بيد أن ملامح الصوت بدأت تذكرني بشيء ما.. استدرجته في الكلام حتى أستطيع أن أتبين ما أفكر فيه ثم سألته :
" اسمع بقي سؤال واحد إن أجبتني عليه ساعدتك "
" تفضل يا سيدي, اسأل ما تشاء ؟ "
" كيف عرفت أنني أقرأ هذه الرواية ؟ "
وقبل أن أتوصل بجوابه, انقطع الاتصال .. شرد ذهني للحظات .. انتبهت بعدها لنفسي .. وضعت السماعة في مكانها.. عدت إلى روايتي, وكلمات البطل المزعوم ما فتئت تلقي بظلالها على كياني ..



شرود
- لا أطيق عليك صبرا.
قالت ذلك و تمددت على السرير.قميصها الشفاف التصق بجسدها ، فأبرز تفاصيله ، بدا الثديان مكورين ، على رأسيهما حبتان بارزتان. شعرها انساب على الوسادة ، فيما نفرت بعض خصلاته ، فحجبت جزءا من وجهها .. حائرا كان يرمقها ، و لا يحير جوابا . مسح جسدها الساجي بعينيه المتعبتين ، ثم قال و ذهنه لا يستقر على حال:
- لن تطول غيبتي كثيرا.
الضوء المتسرب من شقوق النافذة رسم خطوطا متعرجة على السرير ، فانطبعت على الجسد السادر فوقه ، ترنحت متباطئة ، تثاءبت ، و دون أن تنظر إليه انسابت كلمتها يمازجها دلال خفر:
- ألا يمكن أن تؤجل السفر؟
انهمك في ترتيب أزرار قميصه . عيناه تجولان في أرجاء الغرفة.. الضوء الخافت ألقى ظلالا كئيبة على الجدران . تعلق بصره بلوحة أعلى السرير ، حفظ تفاصيلها عن ظهر قلب: شلال تتساقط مياهه في رحاب خضرة كثيفة .. برقت في ذهنه فكرة أن تكون الصورة غير حقيقية ، لكنه سرعان ما تجاهلها و تشاغل بإدخال قميصه في سرواله ، رد عليها:
- تعلمين أنه لا مجال للتأجيل . الأمر مستعجل و ملح.
تثاءبت و هي تمدد أطرافها . فكرت للحظة أن سفره كثر في الشهور الأخيرة.لم تر يوما أن من حقها أن تحسب علي خطواته، ثقتها في سلوكه لا يتسرب الشك إليها . ما يؤلمها حقا شروده الدائم " ترى ماذا وراء هذا الشرود؟" جال السؤال في خاطرها . كتمته و هي تتمطط على السرير ، و فجأة راودتها فكرة لم تملك منها فكاكا:
- هل يمكن أن أرافقك؟
أذهله الاقتراح . بدا الارتباك على ملامحه ، لكنه تدارك الأمر بسرعة . رسم على شفتيه ابتسامة لا معنى لها ، و دون أن ينظر إليها أجابها:
- السفر متعب ، والأمر لا يستحق . هما يومان فقط.
لفظ الكلمات ، وفي ذهنه ترتاع بعض الشكوك " أيمكن أن ترتاب في سلوكي؟" .حاول جاهدا طرد هذا الهاجس من ذهنه . عمد إلى حذائه . أسرع في ربط خيوطه ، و كأنه أحس أن الأمر قد يتطور إلى ما لا يرغب فيه.
رد فعله ضاعف من توجسها. فكرت أنها لو أصرت على مرافقته ، فلن يذعن لها ، و ربما كان ذلك بداية شقاق بينهما . أخذت تعبث ببعض خصلات شعرها ، و بين حين و آخر تفرك عينيها . استحضرت في لحظات أياما سعيدة عاشتها معه . لم يكن يقوى على فراقها يوما واحدا . كلما عزم على السفر يستنفرها لإعداد نفسها . كثيرا ما كانت تتمنع ، بيد أنها أمام إصراره تستجيب . مرات عدة أخبرها بالسفر فقط قبيل ساعة واحدة من موعده. كان ذلك يربكها ، فتتخلى عن كثير مما تحب أن تحمله معها خلال السفر ، و رغم احتجاجها إلا أن انتشاء عظيما كان يعتريها . يبدو ذلك من بريق عينيها و لكنتها التي يصيبها بعض التهدج ، بسبب فرحها المفاجئ . ألقت نظرة عليه و هو يأخذ من خزانة الملابس قميصا . لاحظت أنه يتجنب طلب مساعدتها لإعداد لوازم السفر . شيء من الألم طفق ينبث في مكان ما من قلبها.. قاومت إحساسها و سألته:
- هل تأكدت من أوراقك؟
أحس بمدى رغبتها في الغوص في أعماقه : التمس العذر لها . و إرضاء لها أخرج حافظته، و بطريقة استعراضية فحص أوراقه، ثم أجابها و في نبرته امتنان لاهتمامها:
- كل شيء على ما يرام.
اختلست إليه نظرة متفحصة . بدا لها مهتما بمظهره أكثر من اللازم . لجمت في أعماقها زفرة حرى ، كانت على وشك أن تصرخ أو تقتلع شعرها من جذوره ، خاصة حين حمل حقيبته الصغيرة. دلف نحوها بخطوات عجلى .انحنى عليها . كان يود تقبيلها في ثغرها كما اعتاد كلما ودعها . مالت برأسها فواجهته وجنتها . طبع عليها لثمة خفيفة ، ثم استدار نحو الباب . شيعته بنظرات معاتبة ، و قبل أن يختفي جسده ، التفت نحوها قائلا:
- اهتمي بنفسك . لن أتأخر.
لم ترد بكلمة ، و حين سمعت باب البيت يوصد ، دفنت وجهها في الوسادة ، و نشجت ببكاء متقطع و صوت مكتوم.




على ضفة النهر
بيد متوترة اعترتها ارتعاشة خفيفة ، أخرجت من جيبي قطعة نقدية صفراء .. تفحصتها بتمعن ، رشقت مرافقي بنظرة قاسية ، تحمل في ثناياها مسحة من التحدي .. في عينيه الضيقتين ما يماثل ما ارتسم على ملامحي من حدة.. انتزعت بصري من ناظريه ، و قد تملكني شعور بمدى التنافر الذي انتصب بيننا .. أعدت النظر إلى قطعتي الصفراء ، و بما يشبه الحسم خاطبته:
- هذه ستفصل بيننا.
لم يرد بكلمة . فقط ملامح وجهه تمططت ، ثم شدت ،علامة على قبوله للتحدي .. ضغطت بشدة على القطعة النقدية . إحساس بالقوة أخذ طريقه نحو دواخلي . فتحت يدي المشبعة بالعرق ، فالتمعت القطعة النقدية متلألئة تحت أشعة الشمس الحارقة.
-ماذا تختار؟
سألته و عيناي مسمرتان على وجهه المتوتر. استرق نظرة خاطفة نحو القطعة النائمة في راحتي . لمست في نظرته نوعا من الاحتجاج الصامت . تداركت الأمر.. اقترحت عليه – دون اقتناع حقيقي – أن يقوم هو نفسه بالعملية..ارتسمت الحيرة على محياه .. تراجع خطوتين إلى الخلف ، ثم استدرك قائلا:
- لا ، لم أقصد .. يمكنك القيام بذلك.
ودون أن أدع له المجال للتراجع ، ألححت عليه قائلا:
- ماذا تختار ؟ الوجه أم الظهر؟
شرد للحظات .. نظر إلى أعلى . شفتاه ارتجفتا ، و كأنه يردد تعويذة ما .. حانت منه التفاتة نحو المجرى المائي المتمدد.وكمن يتخلص من عبء ثقيل أجاب:
- الوجه.
لحظتها أحسست بخفقات قلبي تتسارع . عمدت إلى بلع ريقي ، شعرت بالجفاف يكتسح حلقي .. متحسرا نظرت إليه و في أعماقي أمل في أن يتراجع ، خاصة لما قدرت العرض الحقيقي للمجرى المائي . شيء من الندم طفق يتسرب إلى نفسي ، فإذا ما كنت الخاسر، لزاما علي أن أقفز بين ضفتي الوادي ، و أنا متأكد من أنني أبدا لن أستطيع ذلك . وضعت القطعة النقدية بين السبابة و الإبهام . رمقت صديقي بنظرة متفحصة ، و كأنني أنتظر منه التراجع عن هذا التحدي الأحمق ، فأحدنا لابد هالك إن نحن تمادينا في هذا العناد . استحضرت لحظتئذ حكايات كثيرة عن أناس ابتلعهم النهر ، فأحسست بالهلع . ارتعاشة خفيفة استوطنت أصابعي ..حملقت في وجهه من جديد .. لم ألمس في سحنته أي استعداد للتراجع ، رغم الارتجاف الذي بدا على شفته السفلى ، ففي أعماق عينيه كان يلتمع بريق من الإصرار و العناد .. نظرت إلى أعلى مستسلما لقدري .. رميت القطعة النقدية بقوة . ترصدتها أعيننا و هي تسبح في الهواء . ارتفعت محلقة ، تلتف حول نفسها ، ثم ما فتئت أن انسابت قافلة . بلهفة بسطت يدي لأمسكها ، محاولا أن أطبق عليها كفي بقوة . فجأة و أمام أعيننا الذاهلة انفلتت القطعة النقدية من قبضتي ، و ارتمت في اتجاه المجرى المائي .. انقطعت أنفاسنا و نحن نتتبع دورانها .. لم تتوقف .. شلت حركتنا ونحن نتطلع إليها . الدهشة تتربع على وجهينا. و ما كدنا ننتزع نفسينا من الذهول ، حتى كانت القطعة الصفراء قد استقرت في أعماق النهر . تبادلنا النظرات . على شفتي كل منا نبتت ابتسامة خفرة ، و كأن الأمر حسم بطريقة ترضي كلينا .. لم ننتظر كثيرا قرب النهر.. لحظات فقط كانت كافية لتتشابك يدانا كصديقين قديمين ، و نمضي في طريق العودة نحو القرية.



الفرح الجديد
الامتداد لا حدود له .. أشجار التين و الصبار تنتشر في كل مكان .. خضرتها اليانعة تشلح عن المكان وحشته .. أكوام من التربة المتراكمة تتخللها صخور تميل إلى البياض ، تنغرس في أعماق الأرض فلا يبدو منها غير بقع متناثرة في غير انتظام، و الطفل يركض مع باقي الأطفال في كل الاتجاهات . جلهم أقاربه الذين يقضي العطلة الصيفية في ضيافتهم . جسده الصغير ينضح بسيل من العرق تحت أشعة الشمس الحارقة .. في الظلال الشاحبة تنبطح كلاب ترقب الأطفال بأعين متكاسلة . لهاثها يبعث على الضحك .. البحر الذي لا يبعد عن القرية كثيرا يرسل بين الفينة و الأخرى أنفاسه المنعشة ، فتتلقفها أجساد الصغار الملتهبة بلهفة و شوق ..
بغتة وبشكل لم يتوقعه ، لاحت له من بعيد ، تحمل على رأسها كيسا تغوص بأقدامها الصغيرة في اتجاه طاحونة القرية .. تراكضت خفقات قلبه .. داهم الاضطراب حركاته .. وحتى لا ينفضح أمره دارى ارتباكه ، ثم خاتل أصدقاءه و تسلل مبتعدا . لمحه ابن عمه يبتعد ، فسأله أين يذهب . تحجج بأمر ما ، و لما أصر على أن يرافقه رفض بقوة .. موه الجميع و غاص في كثافة أحد البساتين .. الحرارة تلفح جسده ، غير أن الاخضرار الذي احتضنه بلطف خفف من قسوتها .. عيناه لا تفارقانها .. تعلقتا بها بكل إصرار .. يخشى أن تضيع منه إن غفل عنها برهة . تذكر حينئذ تلك اللحظات المتوترة ، حين تأججت في أحشائه لوعة لم يشعر بمثلها من قبل . كان الوقت صباحا ، قابلها قرب البئر ، حينما رافق أحد أقاربه لجلب الماء .. ما إن تشابكت نظراتهما ، حتى أحس بأنه أبدا لن يستطيع الانفلات من سطوتها .. اخترقه لحظتها شيء ما، لم يتبين طبيعته.. رعشة اعترته ، دوار خفيف اكتنفه . الدماء تدفقت بكثافة نحو رأسه ، فتسارعت نبضات قلبه .. لم يستطع أن يحدد بدقة ما إذا كانت دواخله قد فقدت شيئا أو أضيف إليها شيء جديد ، بيد أنه كان متأكدا من أن نفس الشيء حدث لها .. صعب أن يبرهن على ذلك ، لكنه أحس به . انتزعت نظراتها من نظراته و انصرفت ، بينما استغرقته حالة من الذهول دامت مدة من الزمن .. فيما بعد عرف اسمها و ارتشف أخبارها قطرة قطرة. علم أن الكثيرين يطمحون إلى الفوز بقلبها .. لم ينل ذاك من عزمه .. أحس أن انتماءه للمدينة يرجح كفته ، و يمنحه امتيازا أثلج صدره .
انبثق لها من بين النباتات الكثيفة ، فبدت سيماء المفاجأة على ملامحها .. أسرعت في مشيتها ، فتبعها بقدمين لا تكادان تحملانه ، و هو يلتفت في كل الاتجاهات خوفا من أن يراه أحد .. دنا منها بشكل كبير ..حين تبينت إصراره على ملاحقتها ، التفت نحوه متصنعة الغضب :
- ماذا تريد مني ؟ اذهب لحالك.
أحس بأن غضبها مفتعل . عيناها الباسمتان أوحيتا له بذلك . قهر اضطرابه ، و بصوت متهدج خاطبها :
- فقط أريد أن أكلمك.
تابعت سيرها ، غير أن خطواتها تباطأت قليلا ،وهي تحدجه بعينيها العسليتين:
- قل ماذا تريد . أخاف أن يرانا أخي.
نبضه كاد يتوقف .. الكلمات انحبست في حلقه ، فلم يدر ما يقول. لاحظت ارتباكه ، فرمقته بنظرة حانية ،أججت من حدة الوجع الذي باغته . لم ينبس ببنت شفة .. انجذب جسده نحوها .. تقدم خطوتين . أدخل يده اليمنى في جيبه .. الاضطراب يكتنفه.. أخرج "علكة" التمع لون غشائها الأصفر بين أنامله المضطربة ، و بيد متوترة مدها إليها . بعد تردد لم يدم طويلا ، بسطت يدها . تناولتها منه ، و ابتسامة خجلى تداعي شفتيها القرمزيتين . فرحة غامرة اكتسحته . بعد برهة استأنفت سيرها . حاول أن يتبعها غير أن قدميه تصلبتا .. بعينين ذاهلتين شيعها ، و بعد هنيهة انتشل نفسه من ذهولها .
" لقد كلمتها و قبلت العلك مني". تردد ذلك في أعماقه ، وقد افترت شفتاه عن ابتسامة ماكرة . انسل وسط االبساتين ، و ما هي إلا فترة قصيرة حتى أخذ مكانه بين أقرانه . سأله قريبه عن المكان الذي ذهب إليه .. تجاهل السؤال ، و انشغل – إلى أبعد الحدود- بتأثيث دواخله بالفرح الجديد ، الذي حل ضيفا على كيانه ، محاولا أن يفرد له أجمل مكان في قلبه.





توق
هناك في قمة الجبل، لمع ضوء، ثم اختفى... لم يلمحه – أول الأمر – إلا قلة، فلم يجرؤ أحد على تأكيد رؤيته.. انشغل الذين رأوه بأشيائهم الخاصة... لكن ما إن سطع في الليلة الثانية حتى تحركت الألسن.. تهامس الناس فيما بينهم.. التقطت آذان الصغار ما حرص الكبار على تمريره – سرا – بينهم.. فتداولوا نبأ الضوء، الذي ينبلج فجأة أعلى الجبل، ثم يختفي كما ظهر.. تنافسوا في تفسيره.. هامت عقولهم الصغيرة في احتمالات لا حصر لها .. لكن الإجابات تعددت وتناقضت في أكثرها.. كان لظهور الضوء، في الليلة الثالثة، تأثير أقوى على القرية.. لم يعد من الحكمة تجاهله.. تطلع الناس، حين انبلج الصبح، إلى مصدر الضوء، فلم يظفروا بشيء... ترنحت الحيرة على وجوههم، وتسلل القلق إلى الأفئدة.. اجتمع الرجال بعد الصلاة.. تداولوا في الأمر، فتباينت آراؤهم.. انقسم الجمع إلى أكثر من فريق.. هناك من رأى ضرورة فعل أي شيء.. ومنهم من سفه الأمر من أساسه، وفريق ثالث ظل التردد يراوده.. تسلل ثلاثة أطفال إلى الجمع، يسترقون السمع، علهم يفهمون شيئا.. لكن ما إن انتبه الرجال إليهم حتى هموا بطردهم.. ابتعد الأطفال، وارتكنوا في مكان غير بعيد.. شيء ما طفق يتسلل إلى أجسادهم الصغيرة.. أحسوا بتأثيره دفعة واحدة، فبدا ذلك على سحناتهم.. تمدد ألق مثير عبر أجسادهم، ليستقر في محاجرهم.. فاكتسبت عيونهم بريقا خاصا.. همهم أحمد " لابد أن نعرف ما يحدث".. ارتعشت أجسادهم وهي تستقبل الكلمات التي تردد صداها في دواخلهم.. تبادلوا النظرات.. رمى خالد السؤال وكأنه يلقيه على نفسه "ولكن كيف؟" وبحركة عفوية تقهقر الصغار نحو الظلال المستلقية على امتداد الجدار المتداعي .. الجدول المترقرق في الجهة الموازية للجدار، يبعث خريرا، لم يحفل الصغار به.. لكن أيمن – أصغرهم – مد بصره على امتداد مجرى الماء.. رمق امرأة تتطلع إليهم في فضول زائد، فحذر صديقيه.. انخرط الجميع في الركض.. لم يتوقفوا إلا وهم في مأمن من أعين الفضول.. تساءل أيمن " متى نذهب ؟" ران صمت ثقيل.. أجال أحمد بصره في كل الإتجاهات ثم أرسل الكلمات بحذر شديد:" الليلة " تسرب الوجل إلى القلوب.. داري كل منهم خوفه بالعبث بما لديه.. قذف أحمد الأحجار برجله، فيما تناول خالد حجرا.. صوبه نحو شجرة، فانتفضت مجموعة من الطيور، وطارت دفعة واحدة.. الإحساس بصعوبة المهمة ألقى بظلاله على الصغار.. غير أن شعلة من الإصرار تأججت في أعماقهم.. من الصعب إخمادها.. اتفقوا على الوقت المناسب للقائهم.. ثم تفرقوا في اتجاهات مختلفة..

ما إن انتشر، في أجواء القرية، غبش أول الليل ، حتى التأم جمع الصغار.. تقدموا في صمت نحو الجبل.. أقدامهم الصغيرة تتصادم بالأحجار المتناثرة في السفح.. الجبل يتسامق شامخا، جبارا، يطاول السماء.. يكاد يلامسها.. الطريق الملتوي يضيع في تفريعات لا حدود لها.. البرد المتسرب من ثنايا الجبل حرك في أجساد الصغار ارتعاشة خفيفة.. ما فتئت تتوطد مع مرور الزمن.. كان السير في بدايته، هينا خفيفا.. التفتوا إلى القرية.. لاحظوا أنها تنأى عنهم تدريجيا.. إنها تبدو من هذا المكان المرتفع، كثلة من السواد، يصعب تحديد تفاصيلها.. توغل الثلاثة في الجبل.. المسافة تتسع فيما بينهم.. شيئا فشيئا أضحى السير ثقيلا، متعبا.. أحس أيمن أنه يتأخر تدريجيا، فصاح " انتظراني.. لقد تعبت ".. التفت أحمد إليه مشجعا " يجب أن نسرع، وإلا لن نصل أبدا " خطوات خالد تجاري قدمي أحمد.. أصر أن يلازمه رغم التعب الذي أخذ يتسلل إلى أوصاله.. إحساس بالأمان يلفه وهو يلتصق به.. فكر أيمن أن يقلص المسافة التي تفصله عن صديقيه.. ركض، غير أن قدمه اليمنى اصطدمت بصخرة.. انفجرت من أعماقه صرخة تردد صداها في جنبات الجبل.. انذهل صاحباه.. توقفا عن الحركة.. ثم تقهقرا نحوه.. بصعوبة تبيناه وسط الظلمة.. كان يتلوى من الألم.. أحاطا به، وهو ينشج ممسكا برجله.. حاول أحمد أن يفحص قدمه، فندت عنه صرخة قوية.. جلس الصديقان بجانبه وقد تسرب إلى قلبيهما إحساس بالفشل.. بكاء أيمن لا يتوقف.. أحمد يحاول تشجيعه.. فيما كانت عينا خالد تجولان في رحابة الجبل وشموخه وهو يقاوم البرودة المتسللة إلى جسده.. فجأة صاح منبها صاحبيه " انظرا .. هناك.. في تلك الناحية ".. انعقدت ألسنتهم، وهم يرنون بذهول إلى الضوء، الذي انبلج في قمة الجبل، متوهجا، شديد اللمعان.. وماكاد الثلاثة يتخلصون من ذهولهم حتى اختفى الضوء، مخلفا حسرة تعتصر قلوبهم.. فقد ضاعت فرصة معرفة مصدر الضوء.



انتظار
الطريق مترب ، متمدد في اتجاه واحد ، و الطفل يركض وسط سحابة من الغبار المتطاير، يتشابك مع قدميه الصغيرتين المتعبتين . العرق الناضح من جبينه يشكل خطوطا ترابية ، تتقاطع على صفحة وجهه الغض . عيناه تعانقان في حسرة البياض الراشح من البيت القابع في نقطة ما من هذا الامتداد ، يحمل في رأسه الصغير الخبر ، الذي تستعر لظاه في ثنايا ذهنه . يود لو يتخلص منه في أقرب وقت ممكن ، يرميه كالقنبلة على أركان البيت ، فيسمع له دوي ، يذهل كل أفراد العائلة.
منذ علمه بقرب عودة الأب من سفره ، و هو يحمل جسده الصغير ، و يمضي إلى جانب الطريق الاسفلتي لينتظره . لم يتأخر عن موعده يوما .. يستقر في مكانه المعهود ، يتطلع إلى السيارات المارقة . تبهره سرعتها . يتعلق بصره في فضول آسر بلوحاتها . يقرأ بصعوبة أرقامها ، ثم ما يلبث أن ينقل بصره في الاتجاه المعاكس ، الذي ستأتي منه حافلة طال انتظارها .. حافلة ستحمل أبا أتعبه غيابه .. يمر بعض البدويين على صهوات دوابهم ، يسأله أحدهم :
- "ماذا تنتظر يا أيمن؟".
يجيب بحماس يمازجه تباه غير خاف :
- أبي سيأتي في أي وقت.
ثم يعود إلى الطريق ، يحملق في السيارات ، و هو يرسم في خياله صورة للأب القادم من مجاهيل السفر.
كانت أمه تمارس معه لعبة الانتظار بطريقتها الخاصة . تقوم باكرا ، تعد الفطور بحيوية ملحوظة ، ثم تجهزه ببعض الطعام و الشراب ، و تودعه بعينين التمع بؤبؤاهما ببريق يتأجج لمعانه مع مرور الأيام. لحظتها يسري بين قلبيهما تيار خفي ، يعفيهما من الكلام ، فيمضي أيمن في طريقه بنشاط و حيوية ، و هو يؤمن في أعماق قلبه بأنه يمارس عملا مقدسا ، عملا يضخ السرور في قلب أمه. يشعر بأنه كبر خلال هذه الأيام بسنوات . من أعماقه ينتظر تلك اللحظة التي تتوقف فيها الحافلة جانب الإسفلت محدثة زوبعة تثير النقع ،تمكث هناك للحظات ، ثم ما تلبث أن تمضي في طريقها . ينجلي الغبار فينبثق جسد أبيه . يرتج كيانه و ينخرط في الركض . لا يتوقف إلا عند قدميه . ينحني الأب. يحضنه ، ثم يحمله و ينخرطان في عناق أبدي .. يحس بصلابة وجه أبيه و أنفاسه ، و رائحة الرجولة المنبعثة منه . يشعر حينذاك أنه ما يزال طفلا ، لكن هذا الشعور لا يحزنه ، بل يبعث في نفسه إحساسا جميلا ، رائعا بالأمان . ينطلق بكل ما يملك من قوة نحو البيت حاملا إلى أمه الخبر. في الطريق و هو يتدحرج بخطوات مرتبكة ، يتبرعم في ذهنه الصغير صورة لما يحمله أبوه في حقائبه الكبيرة . دغدغت عواطفه أشياء لا نهاية لها ، تكتظ في أحضان الحقائب ، تنتظر اللحظة التي سيفرج عنها: ملابس بأشكال و ألوان مختلفة .. لعب لم تر مثلها عيناه الذاهلتان من قبل.. أقراص الحلوى متعددة الأشكال .. ضاعف كل ذلك من قوة ركضه . تعثر فانكفأ على وجهه .. تألم إلا أنه سرعان ما لملم جسده الضئيل ، و انخرط من جديد في حمأة الركض . التفت خلفه ليرى والده، فتراءى له خطا يشطر الإسفلت إلى شطرين . احتضنه بعينين باسمتين ، ثم تابع ركضه . الكلب الذي كان يقعى تحت ظلال شجرة التين يانعة الخضرة انتفض و ساير أيمن في جريه .. ما فتئ الطفل بعد ذلك أن انخرط في سورة من الصراخ المتقطع، ضاعف من حالة الإجهاد التي تملكته:
- أمي .. أمي . أبي وصل . أبي وصل.
أطلت أمه من فتحة الباب . على محياها الجميل تربعت الدهشة ، وقد استلقت على شفتيها ابتسامة مترددة ، ما فتئت أن انغرست جذورها عميقا في تربة ذاتها.
- حقا يا بني؟
بلهجة الواثق أجابها:
- نعم أمي . أقسم..
تمدد حينئذ تيار الفرح من الجسد الصغير . تسرب إلى جسد أمه ، ليعزف القلبان على إيقاع واحد ، و تغدو لزرقة السماء التي تظللهما نكهة خاصة .. انبسطت زرقتها في بؤبؤي عينيهما بصفائها الأسطوري ، و تغلغلت في أعماقهما ، لتنسج من زخم اللحظة رداء يضم جسديهما بألق و لطف لا مثيل لهما.
تتقدم الأم نحو الزريبة . تبردع الأتان . تساعد ابنها على امتطاء صهوتها، و بكلمات انسلت من أعماقها المخضبة بزرقة السماء قالت:
- اذهب وساعد أباك في نقل الحقائب . لا بد أنه متعب من طول السفر.




سحابة دخان
و نحن على مشارف المدينة، بدا لي عمود من االدخان يتصاعد كثيفا نحو السماء. سواده القاتم يبعث على الهلع . تساءلت في نفسي عن سببه . لم أظفر بإجابة مقنعة تهدئ هواجسي. التفت نحو مرافقي ، الذي كان يدس وجهه في جريدة . سألته:
- ترى ما سبب ذلك الدخان؟
و كأنني انتزعته من نوم عميق ، التفت إلي حائرا ، ثم استفسرني:
- -أي دخان؟
أشرت بحركة من حاجبي في اتجاه العمود الدخاني المتصاعد .. كان قد كون في الأعلى سحابة سوداء ، ما فتئت تتمدد.. حملق مرافقي في المكان الذي أشرت إليه ، ثم ما لبث أن عاد إلى جريدته ، و هو يلفظ كلمات تدل على عدم اهتمامه :
-حريق ما في المدينة.
استسمجت إجابته . دست على البنزين بحركة لاإرادية ، فيما اعترت قدمي ارتعاشة خفيفة .. لا أدري لم شغلني هذا الدخان المنبعث من وسط المدينة ..كنت بين لحظة و أخرى أتطلع إلى سحابته المتكاثفة.. التفت مرة أخرى إلى مرافقي. و حين ظهر لي عدم اهتمامه ، لزمت الصمت وآلاف الأسئلة تنهب ذهني . أحسست في أعماقي أنني معني بهذا الحريق . حين حاولت أن أتبين سببا منطقيا لانشغالي به، ارتسمت على شفتي ابتسامة ، تسخر من هواجسي التافهة . اخترقت سيلا من السيارات . انعطفت يمينا نحو محطة البنزين .. توقفت لأزود السيارة بالوقود.
جاء المستخدم . لم أتمالك نفسي ، فطرحت عليه السؤال الذي يحيرني:
- ما سبب الدخان المتصاعد وسط المدينة؟
نظر الرجل إلي نظرة استغراب ، فأحسست بالخجل ، خاصة حين رفعت بصري نحو الأعلى ، و تبينت أنه من هذا المكان لا يمكن لأحد أن يرى كتلة الدخان المتصاعدة.. ابتسمت للرجل ، ثم قلت له موضحا:
- من مدخل المدينة المرتفع ، تلوح سحابة من الدخان.
كان الرجل منشغلا بعمله إلى درجة الاستغراق ، فلم يبد أي اهتمام بتوضيحاتي .. نقدته ثمن البنزين ، و عدت إلى السيارة ، فيما حرقة السؤال ظلت تلهب دواخلي ، و علاماته معلقة على ملامحي . مرافقي ما يزال يلتهم سطور جريدته . حانت مني التفاتة نحوه ، عنوان بارز عريض يشرئب نحوي بصلافة" الجيش الإسرائيلي يقتحم مخيم جنين الصامد" .
شعور بالقرف انتابني .. هربت ببصري من العنوان المستفز . أدرت المحرك ، فانطلقت السيارة نحو الشارع ، و على حين غرة ألقى علي مرافقي سؤاله:
- ما رأيك فيما يحدث؟
حاولت التهرب من إجابة واضحة ، فرددت بسؤال :
- ماذا تقصد؟
دون تباطؤ أجاب:
- ما يحدث للفلسطينيين.
تردد السؤال في ذهني للحظات ، فوجدت نفسي عاجزا عن الجواب . استرقت نظرة خاطفة نحو مرافقي ، فإذا به يحدثني ، و هو ما يزال منغمسا في قراءة جريدته . حاولت تجاهل سؤاله ، غير أنه أردف قائلا:
- ماذا قلت ؟ ما رأيك؟
فكرت أن الإجابة على مثل هذا السؤال كانت ممكنة قبل الأحداث الأخيرة .. أما اليوم فالأمور تعقدت بشكل كبير ، و القذارة أسفرت عن وجهها بدون حياء . كنت قد فكرت مثل الكثيرين في سلام ممكن الحدوث ، أما اليوم فصعب على من يحمل ذرة عقل أن يفكر في احتمال ذلك . سؤال مرافقي ما زال منتصبا أمامي في تحد . أجبت بمخاتلة:
- الأمور لم تتضح بعد . من الصعب الحسم.
- طرحت هذه الكلمات ، و أنا أتطلع بين الفينة والأخرى في الأجواء بحثا عن الدخان المتصاعد نحو السماء . و خوفا من أن يصر مرافقي على طرح السؤال بشكل مغاير ، بادرت إلى سؤاله:
- ما رأيك أنت؟
أجاب و كأن الجواب مرتب لديه منذ مدة:
- أمريكا سبب البلاء.
و انا أتلقف إجابته ، كنت أرتقي مرتفعا ، طريقه متعرج ، وفي جنباته أشجار تعرت أغصانها من الأوراق . في الأفق تلوح بنايات أثرية .. فكرت أن إجابته تبسيطية إلى حد كبير ، لكنني لم أجرؤ على معارضته . كان همي أن أتخلص من إبداء وجهة نظري حول وضع يكاد يصيبني بالعجز .. ما إن بلغت نهاية المرتفع ، حتى كان الدخان قد لاح واضحا ، فجدد معه رغبتي في معرفة سببه .. صوت المذياع كان خافتا ، لكن ما إن حان وقت الأخبار ، حتى عمدت يد مرافقي إلى الزر أداره ، فارتفع الصوت: " مقابر جماعية للفلسطينيين لإخفاء جرائم الجيش الإسرائيلي".
تلاشى الصوت رويدا رويدا و سط الأزيز المنبعث من آلات ضخمة تحفر على جانب الطريق خندقا كبيرا.. البناية الأثرية بلونها الترابي شاهقة . في أعلاها فتحات بارزة ، تطل منها فوهات مدافع من حقبة موغلة في القدم. أشرفنا على المنحدر ، فخففت السرعة بضغطي على الكابح . قافلة من الدواب تزحف على الرصيف في الاتجاه المعاكس .. يمتطي صهواتها بدويون يقصدون وسط المدينة . كان مرافقي ما يزال منكبا على جريدته . المذياع في هذه اللحظة يبث وصلة إعلانية.. حين انتهى المنحدر انعطفت نحو طريق إلى اليسار.. تطلعت ببصري بحثا عن عمود الدخان ، فلم أر شيئا . لاحظت أن انشغالي به خفت تدريجيا . الاضطراب الذي لازمني منذ دخلت هذه المدينة ما فتئ يتناقص حتى اختفى كليا .
حين اصطدم بصري باللوحة التي تشكرني على الزيارة ،و تتمنى لي سفرا سعيدا ، تيقنت أنني أبدا لن أعرف سبب الدخان ، فما كان إلا أن ركزت ذهني على الطريق ، فيما كان مرافقي قد انتهى من جريدته . طواها ،ورمى بها إلى المقعد الخلفي، ثم توجه إلي بالكلام:
- - لم أتفرج على معالم المدينة.
لذت بالصمت ، و انشغلت بالشريط المتمدد أمامي إلى ما لا نهاية.





حكـايـــة سـيـــاف

حلقت طيورالدهشة فوق رؤوس الحاضرين, وهم يرمقون بعيون تمدد في مآقيها التحفز والانفعال , الرأس المقطوع يتدحرج دون توقف , بعد أن هوى السياف على الرقبة بضربة حادة وقوية .. كاد هول المفاجأة أن يجرف عقولهم إلى حافة الإغماء .. انقبضت قلوبهم التي تضاعف خفقانها, فيما تجمدت الدماء في عروقهم , فاستغرقتهم حالة من الذهول , ألقت بظلالها حتى على السياف ، ففغر فاه , وقد انزلق السيف من قبضته , محدثا صوتا لم ينتبه إليه أحد .. الرأس لم يتوقف عن التدحرج.. أخذ الناس يتقهقرون وجلين , استبد الرعب بأفئدتهم , وهم لا يكادون لا يصدقون مما يرون شيئا .. تراجع الجميع غير امرأة التصقت قدماها بالأرض, فلم تخط خطوة واحدة, فيما كان الرأس المقطوع يتقدم نحوها بثبات , حتى لامس رجليها , فخضبهما ببعض السائل الأحمر , الذي خلف خطا مستقيما أحمر بين الجسد المتهالك, الذي لا تزال الدماء تنز منه ساخنة بتدفق , أقسم الكثيرون أنهم لم يشهدوا مثله من قبل, وبين المرأة الواقفة بملامحها الجامدة, وهي تنظر, في شبه شرود, إلى الرأس الذي كانت قسماته حادة, كأنها لم تنفصـل عن الجسـد الذي كان يحملها .. تقدم الناس بخطوات حذرة, فتحلقوا حول المرأة والرأس المقطـوع, وهم لا يكادون يفقهـون شيئـا .. المفاجـأة أخرست ألسنتهـم فنابت عنها العيون بنظرات مستجدية تحاول فهم ما يحدث .. انحنت المرأة وأخذت الرأس بين يديها برفق وتؤدة. وسط انبهار الجميع, أخرجت قطعة ثوب نظيفة, وبعد أن قبلت الرأس في جبينه, وأغمضت بيديها العينين اللتين ظلتا مشرعتين بشكل مثير, يجعل المرء يشك في أنها لشخص فصل رأسه عن جسده .. لملمت المرأة الرأس في الثوب النظيف, تقدمت بخطوات راسخة .. الدهشة لا زالت تستبد بعقول المتحلقين, فلم يتدخل أحد منهم ليمنع المرأة من تقدمها, بل لقد تراجع الكثيرون , وقد أقسموا أنهم أحسوا أن إرادتهم سلبت منهم, فتقهقروا بالرغم عنهم .. وأما السياف , الذي انتشل نفسه من هول اللحظة المتوترة, فحين حاول أن يلحق بها, لينتزع منها الرأس لم يستطع أن يحرك قدميه , أحس أنهما تصلبتا , بل وحتى لسانه تخشب, فلم يفلح في التفوه بكلمة واحدة , اكتفى بنظرة متحسرة, شيعت المرأة وهي تبتعد رويدا رويدا , فتحولت إلى جسد يتضاءل تدريجيا , ثم أصبحت مجرد نقطة في المدى الفسيح , وسرعان ما اندثرت وكأن الرمال ابتلعتها .. حينئذ فقط , تحرر السياف والناس معه من إحساسهم بالعجز والانبهار , فاندفعوا في الطريق الذي مرت منه المرأة , وارتفعت أصواتهم باللغط , محاولين فهم ما حدث . بيد أن الأسئلـة التي تنـاسـلت , تـاهت في السبـل التي تقـاطعت في
متاهات الصحراء , دون أن تظفر بما يشفي غليلها , الذي زاده لهيـب القيـظ قسـاوة وحرقـة .. ولما عجز الناس عن الوصـول إلى تفسير مقنع لهذا الحدث الغريب, تفرقوا نحو بيوتهم, وقد هالهم ما كانوا عليه شهودا, والذي سيرونه لأبنائهم, وسيغدو مع مرور الزمن حكاية يتسامرون بها. يصدقها البعض, ويهزأ منها البعض الآخر. أما السياف فقد ظل وحيدا بعدما تفرق الجمع, جالسا القرفصاء, ممسكا سيفه وغارسا ذؤابته في التراب, لا يكاد يصدق ما حدث, محاولا أن يبحث عن رد يقنع الخليفة بالحكاية التي لا يصدقها العقل .. والجثة مرتمية بجانبه دون رأس , وقد تدرجت في دمائها, التي ما فتئت تتزايد بشكل أحس معه وكأن الأرض امتنعت على امتصاصها .. وفجأة انتفض السياف قائما , وبحركة مثيرة, غرس السيف في الثرى جانب الجثة , ولم يشعر إلا وقدماه تحملانه نحو الطريق , التي مضت منها المرأة , وهو ينظر إلى الأفق البعيد بعينين استقر فيهما الشرود , الذي يكون عادة في عيون من أصابهم الخبل , ثم مضى بخطوات حثيثة وكأن قوة خفية تسحبه نحو المجهول .
حاشيـــــة :
جاء في بعض كتب السير, أن البحث عن السياف لم يصـل
إلى أي نتيجة . غير أن بعض المسافرين في أعماق الصحراء , تواتر عنهم أنهم كانوا بين الفينة والأخرى , يرون رأسا متدحرجا في الرمال , لأن الحيوانات الضارية عافت التهامه , كما التهمت باقي الجسد . بيد أن التشوهات التي أصابته , جعلت من المستحيل التعرف على هوية صاحبه .







ما يشبه الحلم
شيء غامض لا يفلح المرء في تفسيره، امتد في غفلة من الزمن، لينسج شبكة متداخلة الخيوط، تربط بقوة بين قلب الطفلة الصغيرة وقلب الشيخ، الذي يسكن بيتا ، يفصل بينه وبين باقي البيوت مساحة من الأرض فارغة، تنتصب في أحد جنباتها شجرة جرداء، تتدلى من أحد أغصانها أرجوحة اعتاد الأطفال اللعب بها.
كان الشيخ، حينما أوشك النهار أن يفقد قوته على البقاء، وشرع في جمع عدته مستعدا للرحيل، يقتعد كرسيا أمام منزله المنزوي. ينظر بفتور إلى ما حوله، ممسكا بيمينه عكازته الصفراء المعقوفة، متجهم الوجه، كالح النظرة، تستغرقه حالة من الذهول.. لكن ما أن ظهرت البنية بضفيرتها اليتيمة، التي تتراقص خلفها في حبور، حتى ارتسمت على محياه مسحة من الانشراح، ونضحت تقاسيمه بإشراقة، فاضت من أعماق كيانه..افتر فوه عن بسمة لمعت لها عيناه.. تقدمت الطفلة نحوه، وهي نتط في تمايل طفولي، معبرة عن روح فياضة بالحبور.. استقبلها بذراعين منفرجتيين، وطبع على جبينها قبلة رائعة بشفتيه الدرداوين، ثم شرع في ترتيب بعض خصلات شعرها، التي تنافرت في غفلة منها، وهو يمرر راحته على وجنتيها، ليمسح بعض الغبار الذي علق ببشرتها، في الوقت الذي تعالى فيه نباح متقطع لكلب أغبر، مر بالقرب منهما دون أن يلتفتا له.
خاطبته راجية:
- لم لا تلعب معنا؟
أجابها بكلمات تخالطها كحة خفيفة:
- كم أتمنى ذلك، لكن الأمر غير مناسب الآن.
تردف قائلة:
- أرجوك قم لنلعب!
تنفلت منه قهقهة خفيفة سرعان ما يلجمها، ثم يضع يدا مرتجفة في جيب معطفه، الذي فقد جزءا من لونه، ليخرج قطعة نقدية. سلمها لها في كفها الصغير، وخاطبها بلهجة خافتتة وودودة:
- اشتري لنا قطعتين من الحلوى، وبعد ذلك نرى ماذا سنفعل.
أحكمت البنية قبضتها الصغيرة على القطعة النقدية، ثم ركضت في اتجاه الدكان، الذي يوجد في آخر الزقاق. فيما شيعها الشيخ بنظرة حنون، تصاحبها زفرة عميقة، أعلنت عن تسلل الوجوم إلى نفسه، بعد أن نجحت روح الفتاة في طرده لمدة قصيرة.
ما إن لاح شبح الفتاة على بعد، حتى احتواها الشيخ ببصره، فانبلجت من أعماقه بسمة، تربعت على شفتيه الشاحبتين .. بيد أنها ما أن اقتربت منه، حتى نادتها إحدى صديقاتها بإصرار:
- تعالي لقد حان دورك.
انعطفت الفتاة نحو الشجرة بعد أن رمت الشيخ بنظرة اعتذار، تقبلها منها برحابة صدر. وما إن أصبح وحيدا، حتى انكفأ إلى ذاته، يصوب النظر نحوها، فلم يزده ذلك سوى كآبة وتعاسة.
في المساء حين تمددت الفتاة على فراشها، بعد أن نالها منها التعب، شعرت بخدر لذيذ يتسلل إلى أوصالها، ما لبثت أن استسلمت له فأغمضت عينيها، ثم غاصت في نوم عميق احتضن جسدها الغض.. وما هي إلا لحظات حتى انبثق رحم العتمة، التي اكتنفتها، نور سحيق كنجمة في سماء كالحة، وشيئا فشيئا أخذ الضوء يتكاثف ليغمر المكان من حولها، ثم تراءى لها شبح يتقدم نحوها من المدى البعيد. شعرت حينئذ، بنسمة خفيفة تهب على كيانها، تطايرت معها بعض خصلات شعرها، حاولت عبثا أن ترتبها. الشيخ يدنو منها باستمرار، والنسيم الخفيف يغدو ريحا تتضاعف قوتها رويدا رويدا.. تتضح ملامح الشيخ تدريجيا، وما أن تعرفت على القسمات، التي أضحت أكثر وضوحا، حتى داهمهما اطمئنان تحفزت له أعصابها. إنه الشيخ بلحمه ودمه، يلوح لها بيديه اللتين غدتا أكثر نضارة، واكتسبت سحنته بريقا لامعا، فيما جادت شفتاه بابتسامة شجعت الفتاة على أن تتقدم نحوه، محاولة التمسك بتلاليبه ناصعة البياض.. لكن عبثا حاولت ذلك، إذ ما تكاد تدنو منه، حتى تشعر أنه تحول إلى سراب، أجهشت في بكاء مرير، لم تستطع ابتسامة الشيخ العريضة التخفيف منه.. ولما أحست أنها عجزت عن اللحاق به، انفجرت من أعماقها صرخة استعطاف مجلجلة. وفي تلك اللحظة امتدت يد حنونة، تهدهدها بلطف وصوت خافت يخاطبها:
- باسم الله الرحمن الرحيم ماذا أصابك يا ابنتي؟
استيقظت الفتاة من نومها، أخذت تحكي لأمها حلمها الغريب.. ربتت الأم على رأسها، وطلبت منها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تنام على جنبها الأيمن.
في صباح اليوم الموالي، استيقظ أهل الحي على إيقاع حركة دائبة. الناس يتجمهرون أمام منزل الشيخ. وفي مكان ما توقفت سيارة الشرطة وسيارة الإسعاف، فيما تناقلت الألسن كلمات مبهمة، حرص الكثيرون على أن تكون خافتة. حين خرجت الفتاة من البيت، وجدت نفسها تنجذب نحو الناس المحتشدين، وحاولت أن تقترب أكثر من باب المنزل، إلا أن أحدهم نهرها، فلم تجد بدا من التقهقر إلى الخلف. وفي تلك الأثناء انتبهت إلى طفلتين، تتأرجح إحداهما في الأرجوحة التي تتدلى من غصن الشجرة، والأخرى تدفعها وهي تعد الدفعات. وبالقرب منهما كلب متسخ رفع إحدى قوائمه، وشرع يفرغ ماءه النتن على جذع الشجرة.. اقتربت منهما بخطى متسارعة، فألقت على إحداهما السؤال:
- ماذا حدث، لماذا يحتشد الناس أمام بيت الشيخ؟
- أجابت الفتاة وهي تدفع الطفلة المتأرجحة:
- لقد عثروا عليه ميتا.
لم تستطع الفتاة أن تستوعب ما حدث بالضبط. اكتسحها بعض الشرود، وهي تحاول أن تتذكر حلم الليلة الماضية. بيد أنها سرعان ما انتزعت نفسها من هواجسها، لتدافع عن دورها في الـتأرجح بعد صديقتيها.



المريد
كلماته تنساب إلى أعماقي كجدول رقراق ، عذب زلال، يستقر في بركة القلب ، فلا يزيدها إلا صفاء.. يتعلق سمعي بألفاظه، لينسج منها رداء ، أتلحف به كي يقيني من الغواية و الضلال .. تغدو عباراته النورانية مصباحا يضيء طريقي في رحلة الحياة ملتوية السبل . أتقرب منه خطوة ، فيدنو مني فرسخا . أخاطبه في أعماقي ، فإذا الرد يأتيني متهاديا ، يميس في خيلاء ، فتعزف أوتار القلب حينئذ لحن الوفاء و الطاعة . أتطلع إلى وجهه الطاهر النقي ، الذي تنبعث منه الضياء ، فتشمل بجلالها كل ما يحيط له . أتملى في لحيته المنسابة في لطف ، فتزيد الوجه السمح وقارا و عفة ، و تزيد ألباب الضعاف المفتقرين إلى الرحمة انجذابا نحو الذات التي تطهرت من أردان الدنيا الفانية ، و تعلقت بالصفاء و السمو ، بالعالم الطاهر، الذي لا تشوبه شائبة .
في غمرة الانبهار أدنو حثيثا من الذات المتسامية و أسألها:
- ما السبيل إلى الخلاص يا مولاي؟
يأتي الرد بكلمات ، تمنيت من صميم قلبي لو مكث صداها في مسمعي إلى ما لا نهاية:
- كل شيء في ذاتك يا ولدي.
ما إن انتهت جلسة العبر، حتى تقدم نحوي أحد أتباع الشيخ المقربين ، و حدثني مؤنبا:
- ما هكذا يخاطب الشيخ.
استفسرته متلهفا:
- و كيف يخاطب يا سيدي؟
أجابني قائلا:
- لكي تعرف عليك أن تحضر معنا الجلسات الخاصة، التي يقيمها الشيخ في محرابه.
منذ ذلك الحين و أنا أواظب على الحضور. أغترف من المعين الذي لا ينضب، و أتخلص مما علق بي من مفاسد الدنيا . أحفظ كلمات الشيخ دون أن أفقه لأكثرها معنى، و كلما سألت عن شيء مما أصبح يتردد على لساني، يجيبني أحد المريدين الأوفياء :
- لا يعلم تأويله إلا الله و سيدنا الشيخ.
ترتعد فرائصي، و أنغمس في ذاتي باحثا عن الخلاص ، لكن ذلك لا يدوم إلا بالقدر الذي أتناول فيه من المريد الوفي الصادق" سائل الحكمة" الذي لا يسلمه إلا لمن وثق في إيمانه ، و لا يقبل عنه أجرا إلا بعد إصرار كبير.
تعددت الجلسات ، ومع كل جلسة جديدة تترسخ أقدامي في الإيمان ،ويتسرب الشيخ إلى كل خلية من خلايا الجسد ، فأصبحت أركض كباقي المريدين لأعب ما خلفه مولاي الطاهر من شراب ، بعد أن كانت نفسي تعاف ذلك، فجاهدتها و وطنتها على المحبة و السمو إلى الدرجات العلا ، تلك التي لا ينالها المريد إلا بعد أن يقتل في نفسه الكبرياء و عزة النفس ، و يصبح الشيخ الحامل لمشعل الهدى و المنقذ من الضلال أحب اليه من ذاته الفانية، التي لا تساوي جرعة ماء ، طهرها الشيخ بلعابه المبارك ،و رمى بها في كأس ،فيتنافس المريدون على اقتنائها بالدنيا و ما فيها ، ليتجرعوها كي ينالوا العافية و الصحة الدائمة، و يتخلصوا من أنانية النفس التي تقود الانسان الى المعاصي و الخطايا ،فتكبه على وجهه في الجحيم.
ارتقت مرتبتي عند الشيخ و علا نجمي في سمائه، بالقدر الذي تطهرت فيه من نرجسيتي و من حبي للحياة الفانية . تخلصت من كل ما أملك من حطام الدنيا و وسخها ،و وهبته للشيخ العفيف الذي لم يمسك منه درهما ،و إنما رمى به الى أحد أتباعه المخلصين الذي كان يلازمه كظله.
أقيمت لي ليلة خاصة، اطلعت فيها على بعض ما يحيى في كنفه شيخنا المتعلق بالخلود .. و رويدا رويدا طفقت أنال الرضى و اشعر أن الذات تتخلص من الوحل الذي علق بها ردحا من الزمن.
بمرور الزمن تأكدت من أعماق قلبي أن العالم يعج بالجهل و الظلام ،و أن الخلاص كل الخلاص بيد مولانا الشيخ ،الذي ننهل على يديه الكريمتين الحكمة ،ونعرف السبيل الى الانعتاق، و بما أنني مجد مجتهد أسعى بكل كياني نحو الكمال فقد دأبت – انا العبد الضعيف- على التزلف الى أحد المقربين من الشيخ لتنكشف أمامي الاسرار و أفوز بالرضى و الرضوان
ذات يوم سألته بعد ان خلا المقام:
- ماذا علي أن افعل ليحسن إيماني و يستقيم؟
أجابني بالكلام اليقين:
- يجب أن تعرف اصل الرجس و تتجنبه.
سالته بلهفة
- وما أصله نفعنا الله ببركتك و بركة الولي الصالح
أجاب:
– أصل الرجس المرأة.
قلت:
- كيفٍ؟
فأجاب:
- - أليست هي التي أغوت أبانا آدم ٍ، فٍأخرجته من النعيم
- سألته:
- - ما الطريق الى الخلاص؟
أجاب بلهجة صارمة:
- الطاعة و أن لا تسال عما ليس لك به علم و ألا تطلع على الأمور إلا بما رضي به الشيخ الإمام، و إياك أن تفهم الأشياء بظاهرها الخادع، فوراء القشور اللب الذي لا يصله الا أهل اليقين :سادتنا أولياء الله الصالحين.
في ليلة بعد أن دثرت الظلمة المكان ،و امتنع النوم عن جفني، تراءى لي جسد شممت فيه رائحة الأنوثة ، يمرق اتجاه غرفة الشيخ.. جرني الفضول إلى حيث تسرب شبح الانثى، الذي لا أعرف كيف أيقظ في أعماقي الحنين الى الحياة الفانية ، بيد اني سرعان ما لعنت الشيطان المتوجس أبدا بخطواتي، و النائم في مكان ما من قلبي الضعيف فعدت الى حضن النونم الدافئ
بغتة أخذت الآهات ترتفع، و الصوت الأنثوي ينساب بعنف و شدة الى كياني النائم في أحضان الوقار ..دلفت نحو غرفة الشيخ و التردد يخالج الذات التي حنت إلى الفناء، تطلعت لى داخل الغرفة ، كان الضوء باهثا واهنا ،و الانثى منبطحة على بطنها و قد تخلصت من كل ما يسترها ،بينما جثا الشيخ عاى ركبتيه يمسح بعينيه الطاهرتين جسد الانثى، الذي بدت تضاريسه بشكل كاد يجرف قدمي اللتين اغتسلتا في النهر الطاهر من أدران الرذيلة نحو الآثام.. لعنت ذاتي التي أوشك أن يصيبها الوهن و يكتسحها الضعف.. تراجعت الى الخلف متقهقرا نادما يعتريني الخجل لأنني اطلعت على سر من أسرار الشيخ دون أن يسمح لي بذلك، فاقسمت أن أكفر عن خطئي ،و أجاهد النفس الأمارة بالسوء، و لن أتهاون حتى أصل درجة الكمال، و أبتعد عن رجس الشك ،الذي لن يقودني سوى إلى ظلمات الجهل و الانغماس في أوحال اللذة الفانية.





لحظات لا مثيل لها
بصوت متقطع مشبع بالدهشة، وملامح استوطنها التحفز إلى أقصى الحدود، خاطبنا:
- إنها عارية... عارية تماما..
أصابنا بعض اندهاشه، فانفجر السؤال من أعماقنا حارا، متوترا، يشي بمدى الانفعال الذي تأججت جذوته في أحشائنا:
- من .. من هي؟
جاء رده أكبر من توقعنا، فضاعف من حدة الاضطراب الذي ساورنا.
- عائشة بنت المعطي
كادت المفاجأة تلحس عقولنا الصغيرة، فانفتحت أعيننا، وانشرعت أفواهنا، واندلقت علامات التعجب مكثفة، قوية ، جارفة لا قدرة لنا على صدها.
- أواااه !!!
وحين أحس بمدى الأثر الذي خلفه في نفوسنا، أطلق ساقية للريح، وهو يحرضنا بكلماته المقتضبة:
- اتبعوني وسترون!
انطلقنا خلفه مخلفين وراءنا أوراق اللعب متناثرة، وقد تسارعت دقات قلوبنا المتضائلة، وسيماء الانبهار تربعت على سحناتنا، ونحن بين المصدق والمتشكك في صحة ما نقله إلينا..
حين بلغنا بيت " المعطي "، كانت جباهنا قد تفصدت بالعرق، ولهاثنا تناغم – بشكل كلي – مع وجيب قلوبنا، فاندلق السؤال عبر شفاهنا، بكل علامات استفهام العالم:
- أين هي؟؟؟؟
أجاب بلهجة يقينة:
- إنها تستحم في حمام السطح.
كان الباب مفتوحا، فتسللنا إلى البيت، وارتقينا الدرج تباعا، وهو في مقدمتنا، وبين الفينة والأخرى كان يلتفت إلينا، ويحضنا على مواصلة الصعود بخطوات صامتة لا تخلف أي صدى.. انضاف الخوف من انكشاف أمرنا، إلى الضغط الذي يكبس على أنفاسنا، ونحن على وشك أن نحيا لحظات لا مثيل لها. وما إن بلغنا السطح حتى أشار إلينا بيده النحيلة، كقصبة مرتجفة أمام عاصفة خريفية، نحو الحمام المنزوي في ركن من أركان السطح الفارغ، إلا من ملابس نشرت على حبل، ممدد بين قضيبين مثبتين على حدي الجدار القصير..
تقدمنا بخطوات وجلة، مرتجفة، حتى أشرفنا على الباب الذي بدت بعض شقوقه بارزة، فالتصقنا به وشرعنا نختلس النظر بحثا عن الجسد المتجرد من ملابسه.. كان المشهد قويا مثيرا، جفت له حناجرنا وتحلبت أفواهنا.. كانت عارية، بضة،غضة ، رائعة.. أغشاني بعض الدوار، وأنا أتملى في الجسد النافر الممتلئ، بتضاريسه المستفزة، ومناطقه شديدة المهابة والقداسة.. أحسست بغليان في رأسي، وبالدماء تتدفق بجنون في صحراء جسدي، فجرفتني معها إلى مصبات الرغبة، المستعرة في كل خلية من الخلايا المنتشرة عبر امتداد الذات المتوترة، واندلقت الكلمات من حلقي بانتشاء وحرقة لا مثيل لهما:
- الله.. ما أجملها!
ثم تهادى إلى مسمعي صوت صديقي، الذي لم يستطع انتزاع نفسه، من أسر الجسد السافر أمام أعيننا العطشى:
- هل رأيتها.. أنظر إليها.. هل رأيتها.. إنها هي.. نعم هي..
التفت إليه وأمرته بالصمت، حتى لا يفسد علينا أجمل لحظات ظفرنا بها. ثم عدت إلى الشق أرتشف تفاصيل الجسد، وأنا ازدرد رضابي، الذي نز بكميات لا عهد لي بها.. وفجأة وصلنا صوت خطوات ترتقي الدرج، فانخطفت قلوبنا.. تبادلنا نظرات مرتبكة.. وقبل أن نهتدي إلى مخرج من ورطتنا، لاح جسد أم عائشة، التي أربكتها المفاجأة، لكنها سرعان ما استعادت ثقتها بنفسها، وانخرطت في سورة من الصراخ والشتم:
- أولاد الحرام.. ما كتحشموش. الله يلعن والديكم..
ثم هاجمتنا بجسمها المربع، كبطة أحست بخطر يحدق بفراخها.. فيما نحن تفرقنا في السطح، وتسللنا تباعا نحو الدرج، وقد بلغ توترنا درجاته القصوى، خاصة أنا الذي كانت تربط أمي بأم عائشة علاقة وطيدة، فكنت على يقين أنني سأدفع الثمن، نيابة عن الآخرين. وتأكدت من ذلك بما لا يدع مجالا للشك، حين وصلتني بقايا كلماتها الحانقة:
- وأخا آ ولد فاطمة.. راك معروف.
حين لفظ باب البيت أجسادنا المتوترة، انخرطنا في سباق محموم نحو مكان أكثر أمنا، وشرع الجميع يجتر المشهد بتعاليق متباينة.. حاولت أن أشارك فيها، غير أن طيف الجسد تمدد بكل جبروته في وجداني، أخرس لساني، وتملكتني حالة أقرب إلى الذهول، لزمتني زمنا طويلا، أنستني إلى حين ما ينتظرني في البيت من عقاب.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورتريهات قصصية في -ظلال حارقة - للكاتب المغربي ادريس الواغي ...
- ثيمة الصمت في -حطب بكامل غاباته المرتعشة - للشاعرعبد الغني ف ...
- ضجة بسبب صورة غلاف مجموعة قصصية
- العرب تحاور مصطفى لغتيري حول اتحاد كتاب المغرب
- امرأة تخشى الحب
- ورقة حول مشروع النشر و الإعلام و التواصل.‎
- إلى أصدقائي الرائعين
- التجديد تحاور لغتيري حول المبادرات الجديدة لاتحاد كتاب المغر ...
- في ذكرى ميلادي السابعة و الأربعين.
- البيان الختامي للمؤتمر الوطني الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب
- فجر جديد في اتحاد كتاب المغرب
- هواجس امرأة - مجموعة قصصية - الكتاب كاملا.
- -رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري: أو : جدلية الوضوح والتعتيم
- رواية ابن السماء للروائي المغربي مصطفى لغتيري
- -تراتيل أمازيغية- مخطوط رواية جديدة لمصطفى لغتيري.
- اللعب بتقنيات السرد في رواية عبدالغفور خوى -الطيور تغني كي ل ...
- الفانطستيك و لعبة الإيهام بالحقيقة
- الفانطاستيك في رحاب أكادير الجميللة
- الرؤية البانورامية و تعدد الأصوات في -على ضفاف البحيرة - لمص ...
- الأديب عبد الغفور خوى يكتب الرواية كي لا يموت


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - شيء من الوجل - الكتاب كاملا