يحيى الحميداوي
الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 23:06
المحور:
كتابات ساخرة
وطن لا تملك فيه شبرا ,وطن يأخذ منك الكثير ولا يعطي غير الألم ,وطن لا تشعر بأنك تشتهي احتضان تفاصيله ,وطن كلما وجهت وجهك نحوه أشاح بوجهه رغبة لمشتهاة من يحكموه ,وطن تغفو في أحداقه صور القوادين والزناة واللوطيين والطائفيين والعصابات ويغمض عينيه عن اليتامى و الثكالى وأبناء الطرقات ,وطن تملئه الأرصفة العارية إلا من أجساد الجوع والفاقة والقتلى مجهولي الهوية وبائعات الهوى النتن بعد إن تشبعن بغبار التمني الشحيح ,وطن تباع خمرته ليسكر المؤمنين فتقطع الطرقات وتصمت الأفواه ويقتل الحب وترقص الفاحشة في قلوب تلهج بذكر الرب ,وطن يغرق كل من حوله بالدمع والدم ,فيبتسم رغيف الخبز في سماء الكروش المنتفخة ويتجهم بوجه الحفاة ,وطن مزق ماضيه وكشف عورته ليمتطيه المخنثون ,وطن أسكت الريل وحمد والبنفسج وأفيش وسلامات ونصب العزاء لنخيله وهو يموت ذليلا ,وطن طرد البلابل من سمائه وجاء بألوان تكرهها الفصول , وطن يقطع أصابع شعبه وينحني لسراق يمصون دمه من شماله لجنوبه ,وطن تتقاتل على خارطته ( جا) و(عجل ) وهو مازال يمنح أصحاب الفتنة رائحة الطين , وطن شتت أطيافه وأصبحت متعته التلذذ بالتفرقة ,وطن يكره الشوارع الممتلئة بالرقص ويشتهي الصراخ في أزقة الجوع ,وطن فيه كل أمة تلعن التي سبقتها وتغرق الأسماع بخيباتها ومجونها , وطن تفوح منه رائحة الدم منذ أن وطئته خطى الخيبة , وطن يهب جسده للآتين كالجرذان ويده مغلولة إلى عنقه لأبنائه ,وطن متعته حين تقرع طبول الحرب وهو يرى رجاله تساق إلى المحرقة كالنعاج ,وطن من يرسم القبلة على شفتيه جبان ومن يعطر حدوده برائحة الحب متخاذل ومن يمزق مساماته بطلقات الحقد يمنحه أوسمة البطولة , وطن تهديه باقة ورد فيهديك حبل ,وطن تحمل نهريه على كتفيك لتسقيه فيمنحك العطش ويرتوي القادمون بالموت من رحيقه ,وطن لم أشعر أنني أنتمي إليه فعذرا أيها الوطن الذي يمنحني الخوف والخيبة والكره واللانتماء ,,
#يحيى_الحميداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟