|
في وصف حالتنا
عصام حافظ الزند
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 23:42
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
فإني انتهز هذه الفوضى،لاطرح سؤالا أنيق الشكل: ماذا تبقى من الهيكل؟*
يتضح أن الامر لآ يتعلق "ألا قليلا" بطبيعةالحكومات والزعامات السياسية فردية كانت"دكتاتورية"أو عشائرية أو مناطقية أو دينية أو مذهبية،بل أن العلًة تكمن في طبيعة المجتمع (طريقة تكونه تفكيره نمط حياته قيمه الثقافية وترتيب أولوياته)وفي هذا المجال لا يسعنا الا أن نشير الى ماكتبه العديد من علماء الاجتماع العرب والاجانب وفي المقدمة منهم الدكتور علي الوردي وسؤاله المشروع والمهم "هل يختلف العرب عن غيرهم من الأمم؟". فالأافراد ومنهم الحكومات والزعامات هم في نهاية الامر ابناء ونتاج مجتمع وطريقة تفكير و ثقافة عامة سائدة ، (والعراقي يقول على سبيل المثال:"ولله لو بيدي لا اقطعة واشرب من دمه"ربما تشبها بهند بنت عتبة التي أجرت وحش بن حرب الحبشي في معركة أحد ثأرا على قتل أبوها واخوها وعمها في معركة بدر، ولكنها لم تكتفي بقتل حمزة بل بقرت بطنه واخرجت كبده كي تمضغه) .
بدأت أرهاصات "حركة التحرر الوطني"كما تسمى" قبل ولادتنا بجيلين أو اكثر قليلا وعاصرنا ونحن اطفال أو شباب تتوجها في بعض البلدان العربية بانقلابات عسكرية"قيل فيها انها تنفيذ لارادة شعبية وتعبير عن التلاحم والترابط وقتها دخل القائد ببزته العسكرية وبندقيته "وأسقط الاستعمار واذنابه" وخرج الينا ببزة مدنية" بطل وطني "،نصفق له ونغني ونطبع صوره على العملة وكتاب المدرسة وابريق الشاي ،نذكر والاعلام اسمه في كل شاردة و واردة أيجابية في حياتنا اليومية،محبة لاتضاهيها حتى محبة نجوم البوب من الخنافس وحتى مايكل جاكسون ، وهكذا تم انشاء صنم جديد و"حكومات وطنية"(وهنا لايعني أننا نغفل ايجابيةاشراك ودور بعض الشخصيات من السياسين المخلصين والتكنوقراط والمثقفين )وقد احتجنا الى أكثر من نصف قرن لاحق "أحيانا "لنكتشف خيبتنا بذلك "التحرر الوطني"وحكوماته وانقلاباته المتتالية فقد شهدناه وهو يفشل يوما فيوما سنة اثر سنة تجربة بعد اخرى خطوة تلو اخرى كنا نزداد ضعفا ومرضا "وبطلنا الوطني"يزداد قوة وصحة حتى غدى عدوا لحياتنا اليومية وامننا وحريتنا اكثر مما كان عليه الاستعمار، بل ومن المفارقة أننا عدنا الى القوى الخارجية ودول الاستعمار من أجل مساعدتنا في أقتلاع "حكومات التحرر الوطني " وهكذا فأن شعار الله ومعمر وليبيا وبس والذي وبعد 41 سنة ،وبفضل المدفع الغربي، حولناه الى ليبيا حره حره والقذافي يطلع بره اسقطناهم ولكن هذه المرة ليس تحت شعارات التحرر الوطني ولكن شعارات الديمقراطية والدستور وحقوق الانسان، لقد فهمنا الديمقراطيةانها حق الرأي وحق التظاهر وربما فقط ناسين انها حق الجميع بالرقي وبالتنظيم السلمي للمجتمع و الفرد وبالتالي جعل المجتمع يسير نحو التنمية والرفاه والاستقرار والامن انها تربية الفرد للجماعة والجماعة للفرد وفهمنا الدستور "كتاب"اذا استعجلنا في اصداره عن دار النشر قرأه الجميع وحفظوه وبالتالي عم الوئام وتقاسم الشعب والمسؤولين السلطة والصلاحيات وعرف كل حاكم وزعيم ،شروطه حقوقه و واجباته، ولم نفهم الدستور "حتى وإن كان شفويا"على انه عقل جماعي لايعطي من يشاء مايشاء ينظم البيت والحاكم والمحكوم ،يحميني ويحترم حقوقي وخصوصيتي ممارستا وبالمقابل فأنني احترم النظام العام.واخضع لقرارته
قلنا أننا إحتجنا الى قرن كامل لنعرف ونعترف أمام أنفسنا وأمام التاريخ بأن "تجربتنا الوطنية"قد فشلت تماما بل واصبحت خطرا على وجودنا نفسه ، وهكذا بدأنا بنسج اسطورة خلق وتكوين عربية بدل البابلية(حيث قتال الالهة والذي يتزعمه في نهاية الامر مردوك الذي يقضي على تيامت ليصبح كبير الالهة)
دعونا المستعمر كي يخلصنا من شرور أنفسنا دعوناه أن يساهم في تحريننا من "زعمائنا الوطنيين" مباشرة أو عبر وكلائه ومساعدية وهذا ماحصل امام أعيننا وبين ايدينا في وقت كنا فيه "قد هرمنا" كما عبر مواطن تونسي طاعن. غير اننا لم نحتاج في هذه المرة لقرن لمعرفة خطل تجربتنا الجديدة،بل اكتفينا حتى بأقل كثيرا من نصف عقد لنعترف أننا في نفق جديد "زعيم وطني مستبد جديد"وحتى هذه المرة نسينا التاريخ والعادات والاستخدام غير الديني للدين والطائفي للطائفةوالقومي للقوميةأو كما قال شاعرنا محمود درويش تحول "العلماني الى عثماني والثوري الى قدري،والطائفة الى عاصفة" أو كما يوصف المشهد:
عشرون مملكة ....ونيف كوليرا وطاعون ... ونيف من ليس بوليسا علينا فليشرف من ليس جاسوسا علينا فليشرف (ونيف الياءبالشدة المكسورة والراء ايضا في فليشرف)
وهكذافأن مقولة الثورات تأكل رجالها كانت صحيحة على عهد ثورات حركة التحرر" لان قادة الثورة كانت تقريبا على الدوام بعض الرجال من قادة الجيش، ولكنها اليوم وبفضل التطور والتوسع تمددت لتصبح الثورة تأكل شعوبها. لم نوجه هذه الثورة ضد أنفسنا ومجتمعنا أيضا ضد طريقة تفكيرنا واسلوب حياتنا واولويات مدنيتنا و اعتقدنا أن التاريخ والظلام فرد وليس مجتمع وقيم عامة وان كانت للفردية اهميتها ولاشك. ليست المشكلة في "العلمانية او الدين أو المذهب أو القومية ولكن في اقحام هذه المفاهيم في السياسة (يقول فلبي في مذكراتهعن مجتمعنا أنه مجتع من اشد المجتمعات تعلقا بالسياسة) وجعلها ادوات للحصول على السلطة والمال والمثل الانكليزي يقول:"اذا اردت أن تعرف حقيقة أنسان فأعطه مالا أو سلطة وما صراع البداوة والحضارة التي كانت مدار بحوث عبد الرحمن أبن خلدون في اغلب بحوثه في الكتاب الذي عرف فيما بعد بمقدمة ابن خلدون، أو في اهم دراسات علي الوردي، والذي اكد أن البداوة ليست مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي، بل هي نظام أجتماعي مرتبط بالصحراء لايتغير أو يتطور مادام فيها وانه وان انتقل الى القرى والمدن تغير بصعوبة و ببط شديد (يقول الوردي أن هناك مثل يقول :أن البدوي أذا تحضر فسد) وهذا ما نلاحظه اليوم في معظم البلدان العربية وخاصة فيما يتعلق بالقيم القبلية والعشائرية التي تسود في هذه البلدان وبالتالي فأن هذا يمثل طبيعة المجتمع العربي الذي نؤكد عليه (وان اتخذ هذا الصراع اشكالا ودرجات مختلفة في البلدان العربيةالمختلفة) أن الدين ،اي دين عندما يدخل اروقة السياسة ويصبح اداة بيد الحاكم او الزعيم أو الجماعة يبتعد عن مثله العليا ويجر الى الويلات والتشرذم والتاريخ والراهن ملئ بالامثلة ويكفي ان نذكر منها الهند قبل التقسيم وقبلها اوربا في العصور الوسطى وسيطرة الكنيسة وتركيا العثمانية والاردوغانية.واخيرا وليس آخرا ايران الاسلامية، وفي موضوعنا نهضة تونس واخوان مصر وبرقة ليبيا ونصرة سوريا وشيعة وسنة العراق. هل خرجت مجتمعاتنا فعلا من عصور الظلام وسطوة العادات البدوية ،أم لازلنا في لبها (على الرغم من بعض الاضاءات) هل أن تفجير سوق شعبية أو قتل شرطي في قرية أو صحراء ورمي طفل من اعلى البناية أو استخدام الحزام الناسف لقتل معزين أو أغتيال معارض هل هي اعمال موجه نحو الحاكم والسلطة (أي سلطة) أم انه استمرارلصراع قابيل وهابيل كما قال وليم ويلكوكس(مهندس بريطاني عمل في العراق ومصر وبلدان مجاورة اخرى وشارك في مشاريع مائية كثيرة وله اهتمامات تاريخية ولغوية) ام انه الواقع الذي كتبه جورج اورويل في قصتيه"جمهورية الحيوانات"و"1984 "وصدرتا في نهاية الاربعينات. أم أنه استمرار للمثل البدوية أن تكون قاتل لا مقتول معتدي لا معتدى عليه مهاجم لا مدافع أم انه بين أعداء روافظ ونواصب أم عصبية قبلية وثار. هل ذلك الشرطي الأمي أو الموظف البسيط ،او الاستاذ الجامعي هم رموز قصر الاتحادية المصري، أم المنطقة الخضراء أو قلعة باب العزيزية أم قصرسيدي بوسعيد في تونس. أم هم مجتمع "النهايات "رواية عبد الرحمن منيف. أو رواية مجتمع أولاد حارتنا رائعة نجيب محفوظ قلنا للحاكم ارحل ونمنا في الشوارع اياما وعندها صحا وعاظنا وسالت محابرهم في وصف رائحة الربيع: يا ثورة الياسمين تبارك خطبك نحو العلا سيري بعزمك نصعد وسرى الشذى عابرا الحدود (اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر وصدقنا ماكتبوه لنا حتى قبل أن يأتي فجرنا.ودون أن نحس تأهب البدوي فينا الذي ما عاد يفكر في غير الغنائم والسبايا ،ًوعشية مغادرة الرئيس وجدنا امامنا عشرات الرؤساء يًدعون بحق الخلافة ملوك الطوائف حملوا الصولجانوكأن السفينة "واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين وهكذا استبدل المعين "العلماني" محمد مبارك العسكري ،نائب الرئيس المقتول، الدارس في الاتحاد السوفياتي وبعد اكثر من 30 سنة ب المنتخب المدني الاخواني محمد مرسي الدكتورالمهندس الدارس في امريكا الهارب من سجن الرئيس ولكننا في هذه المرة و في سنة واحدة اكتشفنا ان محمد م الثاني أنما هو نسخة اكثر قتامة من محمد م الاول. واريد لنا أن نصدق أن اخوان مصر ونهضة تونس وعدالة وبناء ليبيا وقبلهم سنة وشيعة واكراد العراق سيقدمون لنا الديمقراطية على طبق من ذهب وان ميشيل كيلو المسيحي السوري سيكون مرشدا لجبهة النصرة.(وهكذاسنعيد طباعة كتاب السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخارالصادر عام 1942 في بغدادومثيله الحديث عام 2000السيف البتارفي نحر الشيطان نزار ومن وراءه من المردين الفجارالصادر في السعودية)
صحيح أن لنا الكثير من المثقفين والعلماء والاعلام ولكن لايمكننا الحديث عن ثقافة عامة في مجتمعاتنا بل نستطيع القول أن هناك جدارسميك بين عالم الجهل والامية و عالم الثقافة والعلم فلا الاول بقادر على خرق هذا الجدارللاستفادة والتعلم واعادة التربية و الثاني لا يمتلك الوسائل للدخول الى عالم الاول وافادته واعادة بنائه، أنهم يعيشون في جزيرة منعزلة، بل وقد استغل الكثير من اشباه المثقفين أو ما اسميهم"المثقف الامي"هذا الوضع خاصة بعد ظهور وانتشار الفضائيات من اجل خلق "نجومية "غير مدركين لحجم التدمير التربوي،الذي تحدثه مساهماتهم في شتى مناحي الحياة وهكذا انجرف العشرات من الشباب والفئات الاجتماعية وراء شعارات ومفاهيم وممارسات فسرت على انها ديمقراطية صوتوا على دستور لم يقرأوه ودعموا مرشحا لايعرفون عنه شئ لقد اسس معاوية من قميص عثمان دولة تعد اكبر دولة في التاريخ الاسلامي استمرت لما يقرب من قرن فهل يستطيع رجال الثورات العربية من صنع دولة من قميص الديمقراطية "والله انا في شك من بغداد الى جدة"**
...................... * العنوان مقتبس من مقالة لمحمود درويش أنا لا أريد دعائكم أنا لا اريد سيوفكم فدعاؤكم ملح على عطشي وسيفكم عليَ (وهو في ذلك يحاكي الفرزدق حين سأله الحسين، وهو في طريقه الى الكوفة عما يعتقد فأجاب أن اهل الكوفة قلوبهم معك وسيوفهم عليك) **مظفر النواب
#عصام_حافظ_الزند (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|