فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 00:54
المحور:
الادب والفن
الرجفة الأخيرة :ــ
ها خرجتم من عطش طويل وجوع مستمر...ها خرجتم من غرفتكم المغلقة دون الفضاء ودون الحدائق إلى ضباب ...تحملكم غيماته ...فوق سماء الوطن...لن ترى عيونكم عسكر السلطان ولن تعكر وجوهكم الباسمة غبار القذائف...ذهب بكم الوقت ...وتركتمونا دون وقت...لأن الوقت لايعبر الأموات الأحياء مثلنا...وأنتم مجرد عصافير وفراشات صغيرة ...لاعلاقة لكم بزمننا..
هكذا الخطأ التاريخي وضعكم في سجلاتنا ..لتنتموا ذات يوم لأناس...لم يتمكنوا من حمايتكم.....فاذهبوا حيث تستحقكم حياة أفضل مما وفرناه لكم....طيروا ورفرفوا بأجنحتكم الرقيقة...اخرجوا من هذا الطين وهذا العار...ناموا هناك قريري العين ..حيث فراش الله الرباني...حيث أشرعة السفن الهاربة من جحيم الحياة ...في دنيا الأسد...
وَهمٌ كلُ ما نقوله ...وَهمٌ كل ماندعيه وما نتشدق به...وكل مانرويه مجرد حشو ولَغو أكبر من هاماتنا ومن قدراتنا...فلا نريدكم أن تكبروا في وهمنا وعجزنا وتروا كم هي سخيفة أبوتنا...وكم هي تافهة ...خُطَبنا التي نحشيها في أدمغتكم...ونحن مدركين أننا نكذب...
فيا أيها الموت...كن رحيماً بهم أكثر منا وكن كريماً في رحلتك معهم...وعجل بالاختناق...عَجِّل كي لايتـألموا...عَجل كي لاتنتفض أجسادهم الرقيقة...فقد شفت كثيراً منذ عامين...فقط امسح على صدورهم...تكفي منك لمسة كي تُرَحِلهم إلى حيث لاوقت ولا كوابيس ولا رعب....هي الرجفة الأخيرة...وتوقف...
حّسَنٌ.. حَسَن.. لاجراح ولا أنين...هي رجفات وينتهي الأمر...هي نكهة لطعم مُر...هي رائحة لعطر منشم أسدي...لم نعرفه ولم نحدثهم عنه...المفاجأة كانت ...خاطفة...هكذا يذهبون دفعة واحدة...فلماذا تتركني إذن؟
انظر هذان جسدان يتخاصرا كراقصين...أو يحتمي كلٌ منهما بدفْ الآخر...خذهم إلى ضفة عدن...واتركهم للهو والمرح ...
افتح حدائق الرب الموعودة...فهم خير من يستحقها...لاتمشي بهم في دروب صامتة...دروب هجرتهم أحياء وغدرت بهم حين فارقوا الحياة..
أتراني سأظل بمكاني مجرد مراقبة تتلظى...ارفق بعيني ..وخذني من وقتي الميت ..إلى حيث وقتهم الدائم...فرفقتهم أجمل من هذا الموات اليومي...وعالمهم أرحم من كذبة كبرى اسمها الإنسانية.
ــ باريس يوم فاجعة حلبجة الأسدية في ريف دمشق 21/8/2013.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟