أسامة معذى الطويل
الحوار المتمدن-العدد: 4191 - 2013 / 8 / 21 - 18:41
المحور:
الادب والفن
أخذ بجسده المتزاحم مع المارة وصعد إلى قطار العودة، لم يعتد الجلوس في المقعد المخالف للوجهة، إلا أنه في تلك الأثناء لم يكن قادرا حتى على تكرار عاداته اللإرادية، أسند رأسه على حافة الزجاج وأخذ يرقب انعكاسات الصور والوجوه، لم يكن شيئا مما يؤطره مألوفا، وكأنه زائر الزمن المنصرم، لم يتلفت إلى شيء، ثقل يلف أعضاءه المبعثرة، غير آبه بجمعها.. تتالت الصور على تلك الحدقتين الغائرتين ببحر ميت، وارتدت انفاسه بطيئة متهالكة .. ربما تمنى بديهيَّ العامة ..فيعود للوراء .. ليجتر شهرا او اثنين إلى مواطن لم يكن فيها ..
انعكاس وآخر وصورة طفلة ملأت فراغ الخيال.. شعر أسود طويل، عينان سوداوان واسعتان وفم أحمر ..
عندما تركها آخر مرة ودعها بنظرة وبسمة حالمة، وفي كل مرة فارقها بها كان يشعر بوداع جديد ..في كل يوم كان يرقبها ويختلس الظرف والزمن كي يخاطب عينيها عن سر نفسه ، لم يكن يعنيه العالم ولا قوانين البشر، هناك بين أنفاسها وأشعة عينيها يغيب الكون وتخضع السنن، هناك عندما تخطو وتتلفت كانت تترك مسارا لتلحق بها مجرات .. هناك عندما كانت تجلس لم يكن للقداسة سر بل محض رهبة .. هناك عندما كانت تحادثه .. كان يرتمي بين احضان كلماتها ونسائم صوتها .. كانت ان تبسمت له شعر في قلبها وطنا طالما نفاه، وان تلفظت اسمه عبد ذاته وجهل الصفات.
لم يكن يبني أوهاما أو طواحين هواء، في قراراته كان يدرك الحب المستحيل لعاشق متأخر عصفت به الأيام ..لم يكن مبتغاه إلا كلمة واحدة أو اثنتين .. وعدا بلقاء روح لروح .. آها من فؤاد لفؤاد .. لمسة أو نظرة تخلد سر اللحظة إلى الأبد.
اختتم القطار مساره .. لملم أشلاءه مجددا .. وهبط تلاحقه انعكاسات الصور .. لم يبق في القطار أحد … لكنه لمح تلك الطفلة مجددا تغفو وحيدة على المقعد المقابل .. تسمر في مكانه حتى تلاشت كل الانعكاسات … حتى تلاشت كل الصور.
#أسامة_معذى_الطويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟