|
-مصر واجعاني- ..حكومة سلطها الله على نفسها
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 12:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كانت جدتي ـ رحمها الله ـ تقول "من غضب عليه ربه ، سلطه على نفسه"!.. تذكرت قولها هذا وأنا أتابع تعامل الحكومة في مصر مع تحركات الشارع المصري مؤخرا.. فالحكومة تتهم جماعة الأخوان المسلمين ـ المحظورة، إلا في حالة استخدامها لضرب تيارات المعارضة الأخرى ـ بأنها تتاجر بالدين وتستغل مشاعر الناس الدينية لتحقيق أهدافها في الوصول إلى السلطة؛ لكنها ما أن يصل إلى أسماعها أن هذه الجماعة "المحظورة" بدأت تعقد حوارات ـ وربما صفقات ـ مع الخارج، حتى تفقد (أقصد الحكومة) رشدها، وتتصرف بعصبية شديدة..ملاحقة الأخوان ، وأصدقائهم، وأقاربهم، وجيرانهم بحملات اعتقال عشوائية، تصل بأرقام المعتقلين إلى الآلاف، الأمر الذي يوحي لأي متابع بضخامة أعداد مؤيدي هذه الجماعة، ويزيد التعاطف معهم على غير ما ترغب حكومتنا الرشيدة بالطبع. وما أن تتحرك قوى المعارضة المختلفة تحت لافتة جبهوية "كفاية"؛ التي تضم مختلف أطياف المعارضة، حتى تبادر إلى اتهامها بالعمالة إلى الخارج، رغم أن هذه الحركة بالذات يتفق أفرادها على رفض تبعية حكومتنا السنية لهذا الخارج.. والأدهى أن الحكومة لجأت مؤخرا إلى فكرة "عبقرية"ـ لم يكن ألد أعدائها ينصحها بأقوى منها لدق آخر مسمار في نعشها، وهي تحتضر على قارعة طريق التغيير: إذ لجأت حكومتنا (المأسوف على شبابنا الضائع في ظلها) إلى تنظيم مظاهرات مناوئة للمعارضة (لا أستطيع أن أصفها بالموالاة لأن المشاركين فيها للأسف لا يفهمون شيئا في السياسة حتى يعارضوا أو يؤيدوا)، وتجلب لهذه المظاهرات نسوة مهلهلات الملبس من أفقر الأحياء العشوائية الفقيرة، يصاحبهن فتية من نفس هذه الأحياء؛ فقراء، وعاطلون، وبلطجية (لا يمكن أن يصدق طفل أنهم مغرمون بعشق الحكومة التي أفقرتهم وحرمتهم أدنى حقوق العيش بكرامة). وتطلق حكومتنا هؤلاء المساكين، الذين جلبتهم من أحيائهم بحافلات لقاء عشرين جنيها للفرد منهم ووجبة طعام، فينهالون هتافا لمبارك وسبابا للمعارضة.. بل ووصل الأمر بهم إلى إلقاء الطوب على المعارضين، وعلى نقابة الصحفيين (التي ربما لا يعرفون للآن أنها نقابة تضم بعض من مازالوا يدافعون عن هؤلاء الفقراء ويدفع بعضهم ثمن هذا الدفاع من حريته ومن رزقه وربما من حياته).. حتى وصل الأمر إلى إلقاء القبض على فريق قناة الجزيرة لأنهم صوروا مظاهرة هؤلاء المهمشين، الذين جاءوا لسب القضاة وقذفهم بالحجارة، بهدف تخريب اجتماع جمعيتهم العمومية، دون أن يعرفوا الفارق بين كفاية والقضاة!.. وإذا سألت كل منهم على حدة وبعيدا عن أعين العسس لأجابك إنه يكره الحكومة، وأنه لا يستطيع توفير ثلاث وجبات لأهله يوميا، ناهيك عن ظروف السكن أو فرص التعليم أو العلاج، وليس هناك بالطبع مجال للحديث عن فرصة الالتحاق بعمل.. وإذا سألته لماذا إذا قبل العشرين جنيها والوجبة لقاء ما يفعله لصالح الحكومة لأجابك بمثل شعبي سائد "اللي ييجي من الحكومة أحسن من عينيها". المثير للفزع، أن هؤلاء المهمشين الذين هم بالفعل أكثر من يعانون من سياسات هذه الحكومة التي أفقرتهم، وسممت حياتهم، لا يعرفون بالطبع كيف يتحاورون، وإنما يلجأون إلى الطريقة الوحيدة التي يعرفونها للتحاور: هي استخدام العصي، وقذف الحجارة ، وربما في مرحلة لاحقة استخدام المطاوي والسكاكين.. الأمر الذي سيكون من شأنه بالطبع إسالة دماء كثيرة، وتدخل الأمن كالعادة بغباء ليزيد عدد الضحايا.. وعندها ستصل "الفوضى البناءة" التي دعت إليها كوندوليزا رايس إلى ذروة احتدامها.. وهو ما يستدعي إجراء التغيير السريع، الذي تدعو إليه واشنطن ـ المختلف بالطبع عن التغيير الذي ينشده المصريون ـ وهو التغيير من" أعلى خشية حدوث "تغيير من أسفل. والملاحظ أن سيناريو "الحركة الاستباقية" الذي تتبعه واشنطن لإجراء تغييرات "من أعلى" في البلدان التابعة لها، عندما تحتقن الأجواء بين الشعوب وحكامها، وتبدأ إرهاصات تحركات معارضة تنذر بحدوث تغيير "من أسفل" تكون نتيجته تعيين حكام وطنيين يرفضون التبعية والانصياع للأوامر الخارجية.. هذا السيناريو يتكرر كثيرا طوال العقود الأخيرة. ربما مع تغييرات طفيفة.. لكن السيناريو هو ذاته.. تغيير حاكم تابع شاخ وضعف بعدما أمضى فترة حكمه في تقديم فروض الطاعة لسادته خارج الحدود على حساب شعبه، ومازال يستجدي تمديد فترة خدمته، إلا أن الظرف الموضوعي يؤكد أن موعد إحالته إلى التقاعد اقترب.. وبدلا من أن تحاول حكومتنا (المأسوف على شبابنا الذي ضاع في ظلها) إنهاء فترة خدمتها على نحو يترك لها بعض ذكرى طيبة لدى الناس في بلدنا، نجدها تتصرف كالحيوان الجريح.. تضرب هنا وهناك دون تفكير، على نحو يعجل كثيرا برحيلها غير مأسوف عليها.. رحمك الله يا جدتي، فقد سلط الله حكومتنا على نفسها كلمة أخيرة.. يسألني زوجي يوميا "ماذا يؤلمك".. فلا أجد تفسيرا لما يراه من اعتلالي سوى"آااااااااااه مصر واجعاني"...
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتهى الدرس ياغبي
-
فجر طفولته في وجوهنا أشلاء!!
-
-عندما -نستوردنا
-
ديمقراطية -هوم دليفري-
-
العصيان المدني سلاح لايجب ابتذاله
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|