أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعيد قاضي - دينامية الثورة...في فهم دوافع الثورة















المزيد.....

دينامية الثورة...في فهم دوافع الثورة


أحمد سعيد قاضي

الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 03:39
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يعتقد الكثيرون بأن الثورات تنفجر بعد أن يطفح الكيل بالذل والهوان من قبل المحتلين أو النظام السياسي الحاكم. فبعد الإذلال الطويل للشعب وتسفيه معتقداته والإنزال من مستوى مشاعره وتوجهاته تظهر إلى السطح ملامح الانفجار العظيم بعد أن حبست مدة طويلة من الزمن داخل القلوب والعقول ملهبتاً المشاعر والحواس. يخرج الناس لكي يستعيدوا كرامتهم المختطفة وإنسانيتهم المسلوبة. ولكن هذا الافتراض خاطئ تماماً وهذا ما تدلنا عليه حقائق تاريخية ووقائع كثيرة في العالم.
تؤثر منظومة القيم والأخلاق ومفاهيم مثل الكرامة والحرية والإنسانية على تفاعلات الإنسان الداخلية وتحضه على الثورة ولكنها لا يمكن أن يكون لها الدور الحاسم والقطعي في خروج الجماهير. فهي تساهم في حالة الغليان ولكن لا تخرج الجماهير في حركة ثورية جارفة لإسقاط النظام أو دحر المحتل. ودليلنا على ذلك واقعة تاريخية معروفة للجميع، وهي عندما فشل عبد الناصر في حرب عام 1967 والنكسة العظمى التي لحقت ليس بمصر فقط بل بكل العرب وما زلنا نعيش آثارها إلى يومنا هذا.
عندما وقعت النكسة وألقى عبد الناصر خطابه المشهور معلناً تحمله المسؤولية وأنه يستقيل من منصبه كرئيس لجمهورية مصر سرعان ما خرج مئات الآلاف من الجماهير لعودة عبد الناصر للحكم رغم ما سببه من نكسة عظيمة للأمة العربية وما كان يسير عليه من خط دكتاتوري في الحكم! لماذا دعمه قطاع واسع من الجماهير؟
رغم تمكين الحكم العسكري الدكتاتوري على الشعب المصري وسلبه لحريته وحمه بالقبضة الحديدية إلا أن عبد الناصر كان قد منح جزء كبير من الجماهير الفقيرة أسباب الحياة بتوزيعه للأراضي وتأميم قطاعات اقتصادية كبيرة، ورأى فيه قطاع كبير من الطبقة الوسطى والمثقفين والطلاب وصغار البرجوازيين وصغار التجار المحقق لما كانوا يحلمون به من عدالة اجتماعية وتحرر الوطني.
إذن كان هنالك شبه اتفاق أو اتفاق ضمني في وعي الناس بأن يقدم عبد الناصر أسباب الحياة لقطاع عريض من المجتمع على حساب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.
فالشعب يثور بعد أن يشعر بأن الخطر يقترب يوماً بعد يوم من مصالحه الاقتصادية أو فعلياً يثور بعد ضرب هذه المصالح، وبعد شعوره بالانسداد العظيم الذي لا يمكن حدوث أي اختراق فيه إلا بدحر الاحتلال أو إسقاط النظام. وتختلف رؤية الطبقات الاجتماعية المختلفة لمدى عمق المطالب الثورية تبعاً لمصالحها الاقتصادية. فمثلاً في فترة حركات التحرر الوطنية العربية تم دحر السلطات العسكرية المحتلة عن الأراضي العربية لكن الاحتلال ما زال موجوداً بأساليب أخرى وخاصة بالاقتصاد وهو ما يحافظ عليه من وصلوا السلطة بعد أن كانوا ثائرين على الاحتلال، لأن مصلحتهم اقتضت طرد القوات العسكرية ولكن لارتباط الاقتصادي والخضوع الاقتصادي للقوى الإمبريالية هو مصلحة لهم لأن النظام الرأسمالي ربط الاقتصاد العالمي برباط متين.
ولنأخذ العديد من الأمثلة على ثورات هزت العالم، ولنضع الأمور في نصابها لكي نبين دوافع هذه الثورات ولنثبت حقيقة الإدعاء بأن الثورة تطفو إلى السطح بعد المساس بالمصالح الاقتصادية لطبقة معينة أو كل الطبقات الاجتماعية.
فإذا ما ألقينا نظرة سريعة على الثورة الإسبانية التي أفضت في نهاية الأمر إلى سقوط الدكتاتور ريفيرا والقضاء على الملكية وفرار الملك لتقوم الجمهورية بعد ذلك، فإن ما نلاحظه هو أن الإقطاعيين كانوا يحكمون الشعب الإسباني بركائز أهمها العسكر والكنيسة. ولم تكن الطبقة البرجوازية ذات المصلحة في إنهاء الحكم الإقطاعي قادرة على القيام بالثورة ضد الطبقة الحاكمة لأسباب عدة ليست موضوع بحثنا.
لقد كانت الأقلية الحاكمة تملك معظم الأراضي الزراعية التي تنتج ثلثي الصادرات الإسبانية وأكثر من 70% من الإسبان يعملون في الزراعة. مما يعني أن أكثرية الشعب الإسباني يعملون تحت أيدي الإقطاعيين في القطاع الاقتصادي الأقوى في إسبانيا وقتها وهو الزراعة. وكان الشعب يعيش تحت الحكم الدكتاتوري العسكري وهو ما لم يساهم في حسم التوجه الثوري، بل حاجة المزارعين إلى إعادة توزيع الأرضي الزراعية وانتزاعها من أيدي كبار الملاك هو ما دفعهم للثورة، وعلى الجانب الآخر كانت الطبقة العمالية الصغيرة تسعى لرفع الأجور وصرف إعانات البطالة هو ما دفعهم للثورة.
فقد شكل العمال والفلاحون أي البروليتاريا بمفهومها الواسع الفضفاض هم من شكلوا الطبقة الثورية في إسبانيا لأنهم إن لم يناضلوا من أجل تغيير الواقع الاقتصادي كان يمكن أن يجدوا أنفسهم يموتون جوعاً رغم ما ينتجونه، أو على الأقل فقد كانوا يعيشون حياة يرثى لها لذلك أرادوا تحسين شروط حياتهم الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية وهو ما شكل الدافع للفعل الثوري.
وفي حال الثورة الفرنسية أيضاً كان هنالك الطبقة الإقطاعية الأرستقراطية من النبلاء ورجال الدين(الاكليروس) يملكون غالبية الأراضي الزراعية التي كان يعتاش عليها الفلاحون الفقراء والأقنان. وكان على هؤلاء الأقنان دفع الجزء الأكبر من إنتاجهم إلى أسيادهم من النبلاء والفلاحون قد أثقل كاهلهم من الضرائب المتعددة التي كان عليهم دفعها بالإضافة إلى التزاماتهم بحق الكنيسة وهو ما أدى إلى غرقهم في الديون والفقر ومن كان يملك قطعة صغيرة من الأرض يعتاش عليها مع عائلته اضطر إلى بيعا إلى الإقطاعيين والعمل تحت سيطرتهم بسبب الضرائب الكثيفة وعدم قدرة الفلاحين على دفعها.
كان إذاً النبلاء والاكليروس يتحكمون في مصير معظم الشعب الفرنسي المعدم الذي يعيش في ظل الملكية المطلقة، وفي الوقت الذي كانت الطبقة الحاكمة تعيش في ترف كبير تحت مظلة الغناء الفاحش على حساب الفلاحين والأقنان، كان الفلاحين والسان كيلوت والأقنان وباقي قطاعات الشعب الفرنسي يعيشون حياة مهتزة يشوبها الفقر والجوع والخوف وانعدام الرؤية بسبب كثرة الضرائب والمستحقات الكنسية والأعشار وحقوق الإقطاعيين التي كان عليهم دفعها. وهو ما جعل الشعب يعيش في حالة عدم يقين والخوف من عدم قدرته على الاستمرار في الحياة.
ومن جهة أخرى كانت الطبقة البرجوازية الناشئة التي ملكت كل مقومات الاقتصاد الفرنسي ولكن الامتيازات كان مقتصرة على الطبقة الحاكمة وهي طبقة النبلاء ورجال الدين. فقد أصبحت علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج في تناقض بحيث يملك البرجوازيون قوى الإنتاج ولكنهم يفتقرون إلى السيطرة السياسية والقانونية على الدولة والتي بدورها تتيح لهم تشكيل دولتهم الجديدة التي تسهل نمو رأس المال والاستثمارات والتجارة الحرة التي تصب في مصلحتهم.
فقد وصل النظام القديم إلى أقصى مدى من تضييق الخناق على مصالح الطبقة الفقيرة والسان كيلوت، والطبقة البرجوازية الصاعدة وهو ما أدى إلى حالة من الثوران ضد النظام القديم بكل مكوناته. وعلى العكس تماماً، فالقيم والمبادئ والدين والمثالية ساهمت بشكل رئيسي في ضرب الثورة وكانت أداة في يد الثورة المضادة.
وعليه عندما وصل المساس بالمصالح الاقتصادية للشعب إلى مستوى لم يعد يطاق، انطلقت الشرارة للثورة الأعظم في التاريخ المعاصر لترسم ملامح الدولة الحديثة التي تمثل المصالح البرجوازية التي اتخذت كمثل في كل دول العالم.
وإذا ما أراد القارئ التوسع في هذا المجال فليدرس كل ثورات العالم ليدرك أن المصالح الاقتصادية هي المحرك الرئيسي للثورة والدافع القوي للأمام، وهي بنفس الوقت المضعف للثورة لأن المصالح الاقتصادية تختلف من طبقة لأخرى فمن القوى الثورية من ينكفئ عند نقطة معينة من مراحل الثورة كما حدث للحكم الإخواني في العالم العربي بعد الانتفاضات العربية لأن الاستمرار في الثورة يعني الضرر بالمصالح الاقتصادية للقيادات البرجوازية لهذه الجماعة، ومنها من يستمر للأمام أكثر فأكثر ويتعمق أكثر في الفعل الثوري حتى يصل إلى مرحلة تشكل الأرضية الخصبة لمصالحه كما الحال بالنسبة لليعاقبة في الثورة الفرنسية. وبشكل عام كلما تعمقت المطالب الثورية وكانت مطالبها أكثر جذرية تتفسخ القوى وتتراجع عن الاستمرار بالثورة، ويستمر في الثورة أكثر الأحزاب الممثلة للطبقة الأكثر فقراً وقهراً.
وهذا يصب أيضاً في ما نصبو إليه وهو توضيح أن الدوافع المادية هي الأسباب الرئيسية للثورة حيث أن الأحزاب المختلفة غالباً ما تمثل طبقات ومصالح مادية مختلف لذلك فهي تتصارع فيما بينها على السلطة وتتحالف الأحزاب الممثلة للطبقة الواحدة ضد الأحزاب التي تمثل طبقات أخرى ذات مصالح مناقضة.
فالمصالح الاقتصادية هي جوهر انطلاق شرارة أي ثورة وهي أساس المد الثوري وحجر الزاوية في استمرار الفعل الثوري لأي ثورة. وفهم طبيعة الطبقات الاجتماعية وارتباطاتها الاقتصادية التي تشكل الدافع للثورة في أي مجتمع يعطي المؤشر على احتمالية قيام ثورة أم لا، وأيضاً يفسح المجال لتفسير التفاعلات الثورية والأزمات والعقبات والتحالفات ومدى صحة توصيف الثورة بأنها ثورة خلال الفترة التاريخية التي تحتاجها الانتفاضات الشعبية التي يمكن أن تقود إلى الثورة.



#أحمد_سعيد_قاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقويض أسس الدولة 3: في خصائص السلطة!
- تقويض أسس الدولة 2:الأمة، الإقليم، السلطة!
- تقويض أسس الدولة 1:تمهيد
- عقلية التأليه عند الإسلامويين!
- إسلام بدون مسلمين!
- العمود الفقري لأحداث سوريا ومصر!
- الثورة البرجوازية في العالم العربي والمقاربات التروتسكية!
- في الماركسية-تحليل بنية النظام الرأسمالي 2
- بين غربنة ورجعنة، وأنسنة المجتمعات العربية!
- -أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة!- وتطور الأنساق الثقافية
- الأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية بناءً على أسس مادية
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 3: وجهة نظر ماركسية
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 2: دوافع عامة
- في وطني!
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 1: جرد تاريخي لمكانة ...
- أودّ-قصيدة نثرية-
- خطوة أولى على مسار النهضة العربية الإسلامية!
- دمشق
- المسلمون يشوهون الإسلام ويتهمون الغرب!!
- أسباب غياب الوعي الطبقي في الأراضي الفلسطينية


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعيد قاضي - دينامية الثورة...في فهم دوافع الثورة