وصفي أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4185 - 2013 / 8 / 15 - 22:43
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
موازين القوى تتبدل
وعلى العموم , ومع تقدم القرن التاسع عشر , ارتبط السادة بشكل متزايد بعملية جديدة معاكسة , حيث بدأ السلاطين العثمانيون يأخذون لأنفسهم عناصر القوة التي كانت موزعة حتى ذلك الوقت بين جملة من الأمراء الوارثين وشيوخ العشائر والجماعات المميزة و مدفوعين بضغوط قادمة من أوربا , ومستفيدين من الاتصالات الجديدة , كالسفن البخارية النهرية وخطوط البرق . وكان الولاة هم أدوات هذه السياسة الجديدة , وسرعان ما نجح هؤلاء في تأكيد سيادة سلطة اسطنبول في المدن الرئيسية , بينما استمرت هذه السلطة اسمية أو ضعيفة في عدد غير قليل من المناطق . وعلى كل حال , فقد وجد السادة أنفسهم يفقدون ببطء وتدريجياً نفوذهم السابق . وفي أيام علي رضا باشا اللاز ( 1831 – 1842 ) أخضع السادة ل(( خانة )) عالية , وهي ضريبة كانت لا تفرض في السابق إلا على الأسر العشائرية في ضواحي المدن . كذلك فقد نفي محمود الكيلاني , نقيبهم في بغداد , إلى السليمانية وأحل محله علي الكيلاني الأكثر مرونة . وصار ما يمكن تسميته ب(( سادة الخدمة )) أو (( علماء الخدمة )) أي السادة والعلماء الذين تعتمد منزلتهم بالدرجة الأولى على خدماتهم , أو بمعنى أصح على درجة خنوعهم للسلطان . وكان على السادة ذوي الأفكار المستقلة أن يواجهوا , عاجلاً ام اجلاً , مصير أبي الثناء الالوسي , مفتي بغداد , الذي فقد في سنة 1847 منصبه وتعويضاته وحيازته لوقف مرجان , وهو ما تبقى له من مورد لمعيشته . ورداً على الشكوى التي رفعها إلى اسطنبول بأنه أصبح محروماً , جاءه جواب وزير المالية القاطع يقول : (( وسائل عيش – العلماء المحتاجين – تكون في السماء وليس من الخزانة العامة )) . وكان لابد للين العريكة الذي أبداه بعض أثر السادة نفوذاً من أن يضعف السلطة المعنوية للسادة . ولكن الضربة الأكثر ايلاماً جاءتهم سنة 1869 عندما افتتح مدحت باشا لمدرستين حكوميتين حديثتين , وهي خطوة كسرت نهائيا احتكار العلماء للتعليم . وعلى العموم فقد تحسنت أوضاع السادة في ظل حكم السلطان عبد الحميد ( 1876 – 1909 ) ذي التوجه الاسلامي الجامع .
وأسوأ ما حصل للسادة جاء مع انفجار ثورة (( تركيا الفتاة )) . وكان أكثر ما أثار قلقهم أن الثورة لم تكتف بتجذير الاتجاه نحو الحكم التركي المباشر بل بدا منكبة على الغاء الحصانات الضريبية , وإعادة تقسيم الأراضي بين الفلاحين من دون انتهاك حقوق أصحاب الأراضي , وإزاحة السادة من مناصبهم العليا .
#وصفي_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟