لطيف الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 19:55
المحور:
الادب والفن
( فل كلمتك قبل ان تموت فأنها ستعرف حتما طريقها
,لا يهم ما ستوؤل اليه , المهم هو ان تشعل عاطفة
او حزنا او نزوة غافية فى المناطق اليباب الموات)
محمد شكري من مقدمه الطبعة العربيه دار الساقي .لندن 1982
الخبز الحافي عمل يحكي عبر سيرة ذاتية روائية , دراما ضياع الانسان وتغيرات العلاقاته الانسانيه المفجعة ,ونمو مشاعر في شرائح المجتمعات الفقيرة تخرج تماما عن اعراف الواقع الاجتماعى العربي , القتل بسبب الفقر, الجريمية اليومية , والكراهيه تطبع اجزاء من هذا العمل . شخوص الرواية هم الواقع الملموس ,وليس البديل عنه في تلك الفترة, لحظة الطواف في القرن الافريقي الشمالي الغربي، لقاء البحرالابيض المتوسط بالمحيط الاطلسي , لقاء الحضارة العربية والاوربية ,يعطي مسارات الاحداث نكهة خاصة ,ويروي حقيقة الانسان والمجتمع تحت ظروف القمع والحرب , الانسان الفقيرالجاهل المعدم ,قصة مجتمع ,كتل بشرية هائلة في القاع , بكل سلبياتها وايجابياتها ,احاسيسها ومشاعرها ، صراع الانسان اليومي مع نفسه وعائلته من اجل لقمة العيش .
تصورالرواية جنود الاحتلال يدخلون الوطن العربي من كل جنس ولون ومن كل حدب وصوب , الاسبان والفرنسيون ، الانكليز والايطاليون ، الهنود الحمر والسينغاليون , يتألق فيها المغاربة الاسبان ,يطوفون على خريطة المغرب العربي , يتواصل امتداد الطواف ويلف وهران والجزائر ويعم المكان العربي الموبوء بقذارات الحرب و العهروالبطالة , تدفع الى كل المعاصى والخروج عن العرف الديني والاجتماعي السائد . رغم ذلك نري هذه الشراح الاجتماعية اكثر تمسكا بالشراع السماوية , لكنها سريعة الغضب والنسيان ,تستخدم كلمات نابية ,القذف والتجديف والشتيمة ,الخارجة عن مألوف الدين وتشكل الجزء الاكبر من لغة حوارها . القناعة بالحرام والحلال تغور في اعماق هذه الشرائح الاجتماعية الصغيرة والتي ننعتها بالشراح الساقطة , حين اراد " محمد" أن يواطئ " سلافة " في فترة الحيض رفضت وأعتبرته حرام من منطلق " من يولد في فترة الحيض " ابن سفاح "
يبدأ الاستهلال الروائي في روايه الخبز الحافي بذكرى الخال ( ..ابكي ذكرى خالي ..) . ثم تتوالى الشخصيات الاساسية بعد صوت الراوي ، ( امي تقول لي بين لحظه واخرى .. أسكت سنهاجر الي طنجه ) .( اخي عبد القادر .. لايبكي تقول امي ) ( دخل ابى ، وجدنى ابكى على الخبز اخذ يركلنى ويلكمنى ) . الرواية ص - 9- » الخال – الام – الاخ – الاب – الحاكي – يتحركون على مساحة ضيقة جدا , صفحة واحده من الرواية , ثم يدخل الاخ "عاشور" في منتصف الفصل الثانى ، يليه الصديق "التفرستي " في الفصل الثالث .
ان سرد سيرة الحياة بحد ذاته عملا ابداعيأ حينما ياخذ شكل القصة او الرواية التي يكون فيها المبنى الحكائى "الحبكة " متين الجوانب والمتن الحكائي متعدد اشكال السرد ولا يكون هذا السرد مستويا بل متموجا , تقول الكاتبة الالمانية " كرستا فولف " : (إ ن تارخ حياتك يهمني ولكن ليس بحد ذاته ، وانما فقط بقدر ما ينعكس في العمل الفني ) . ان السيرة الذاتية وقوانين حركة العصر لايتطابقان ولكنهما يرتبطان بعلا قة وئيقة , فسرد الوضع الاجتماعي من خلال السير الذاتية يوصل بالضرورة الى وصف بعض الظواهر والسلوك الاجتماعى. فاللغة يتقسمها الراوي وابطاله ,خليط من الفصحى والعاميه الدارجة من اجل الوصول الى سرد محبوك لاحداثه المتلاحقة والمتعددة الاماكن .
منلوجها الداخلي"الحوار مع النفس" لا يختلف عن الاستهلالات المألوفه في الروايه العربية الا انه يتميز في "الخبز الحافي " بتقدم الكاتب كل الشخصيات الرئيسية في الروايه وليس الشخصيات الثانوية و صوت الراوي هو الطاغي على حواراتها واستمرار الزمان لتوضيح حقبه زمنية معينة ، والمكان هو العنصر الفاعل فى مسارات احداثها . الفصل الاستهلالى هو فصل اساسى من فصول الروابه , يمتد موزعا أحزانه واحداثه على مساحات الروابه ويحدد ايضا بنيتها , وترتبط الفصول الاخرى بشكل مباشر او غير مباشر .
( الاستهلال الموسع بانورما للبديات يمكن ان يستوعب نوع العمل كله ، الصراع ببن الانسان والمجتمع .) ياسين النصير مجلة الاقلام العدد السادس 1987 علاقة الشخصية الرئيسية فى الرواية ´"محمد" بابيه قائمة على الاستلاب والسطوة ، الرعب والخوف الهلع من طاغوت اسمه اب ، يركل ويلكم ويدمي وجه امه ثم يضاحعها ويسمع الصبي ( محمدا اصطفاق لحم جسديهما ), ويرن في أذنيه كصفعة او لكمة, فالعنف والعسف يرتبطان بشخصية الاب ويشكلان صورته البشعة التي تدفع محمد للحلم الدائم بالخلاص من ابيه او حتى قتله ( يضربني ويلعنني جهرا ، اضربه والعنه في خيالي لولا الخيال لأنفجرت ) الرواية ص -53- , في مجتمع متخلف تحكمه طقوس دينة صارمة ,ومشايخ وخرافات , يأخذ هذا العسف والرعب الاجتماعي طابعا مقدساخرافيا ايضا, يضفى على الاب شكل وقداسة الاحترام ، مجتمع تراكمت فيه صورة الاب والجد والعمل والمعيل الوحيد للعائلة , اضافة الى ماغرسته التقاليد من مواصفات للاب من حنو وعاطفة , نلمس تشبع ذهنية بطل الرواية "الراوي " برجولة المجتمع وترسخ عادات وتقاليد الرجال والفحولة عنده , رغم صراعه مع ابيه وانشغاله في اشكاليات الحياة والعيش اليومي ( الرجل يجب أن لا يغسل الثياب الداخلية لرجل اخر ) ص 57 .
نضج بطل الرواية في عالمه الخاص ، عالم الحشيشة والسكر والخمر بنفس الوقت , يخوض صراعا مريرا دفاعا عن الشرف واثبات رجولته ضد غريمه " كوميرو" . ان ماكتبه محمد شكري "هو تاريخ الموروث الشعبي المطبوع في اخلاق الجماهير الكادحة وخارج كتب السلطة " عاش " محمد " بطل الروية فعلا العلم السفلي , مناخات المناطق الشعبية ، السكر ،الجنس ،القوادون . المهربون, عالم لا تحكمه سوى الرذيلة القوة والخوف والخيانة , يعم الجنس اغلب فصول الرواية وهو الفعل السائد والمتعة الوحيدة, يخال لممارسها أنه يمارس الحب وهو تعويضا عنه ,وهوايضا عامل من عوامل دوام علاقة " محمد " بصديقه " التفرستي" وذهابهم الى المباغي بحثا عن المتعة الجسدية ، وليس غريبا حيث الجنس مشكلة طاحنة في المجتمع العربي لم تحل بعد . والجنس مشكلة عند كل من كتب الرواية من الكتاب العرب وحتى بعض الاحيان تكون قمة العمل وذروته . يعيش بطل الرواية الهروب الدائم من المكان الى المكان من دفئ العائلة الذي لايجده الى المقابر او حظائر الخيول والاسطبلات . يروي الكاتب وقائع حقيقية تحكي طبيعة المجتمع المكوي بنار الاحتلال والعبودية ، جنود الاحتلال في كل مكان في الوطن العربي , ومن كل مكان يغادراليهود الوطن العربى . تعرضت علاقة بطل الرواية بالمجتمع الى صعود وهبوط ,خذلان وذهول دائم ,تشده الفورات الاجتماعية , السلطة المشتركة ,العنف المشترك القسوة المتفاوتة ( صفعني الشرطي المغربي مرتين وشدني من قميصي على صدري ) " قبح النظام البوليسي العربي وتعسفه مثل قبح العاهرة العربيه وتشوهها , صمت الشرطي الاسباني وهدوءه مثل جمال عاهرة اسبانية تمنح جسدها كاملا ."
المكان عند محمد شكري( سجن الوطن ولا حريةالمنفى) هكذا يصرخ الشوق في جسد محمد شكري الي تطوان الى المكان الى العلاقة الجذرية بالوطن الساحات ,الاحياء وازقتها الاسنة , الحانات المشبعة برائحة القيئ ، المواخير ، المقاهي . البساتين الخضراء ، انه يعرف مقابر الوطن المزروعة بالريحان ,ويعرف ايضا عطور البغايا واجمل بساتين وهران , يغورالوطن عميقا في روح الكاتب ويستفز ذاكرته بالحاح ، يدخل وطنه عبر بساتين الحشيشة ، افخاذ النساء ,اعشاش الطيور ، بيوت المهربين ، قبور اخوته " عبد القادر ، وعاشور " .كم يعشق هذا الرجل وطنه ، مدينته حارته ويذوب غزلا با سماء يكررها كأنها الاسماء اهسنى !! ينغمر في ملاذ ومواخير"حي السانية " يجلس في, مقهى السي موحند, باب التوت , الطرنكات , الفدان ، كتامة , حي الطحطاحة , الدار الجديد ,سريمين ، الحشاشون والمهربون ,الارتشا ء والشرطة السرية . تقارب الرواية على الانتهاء , يبدأ محمد يفكر بوضوح ويعن له صديقه ( التفرستي ) وكيف اصبح له رأسمال وامراءة يعشقها ويضربها ويألفها . بدأ محمد يشعر بالنقص أمام المتعلم يدفعه هذا الى ابراز عضلاته أمام قدرة المتعلم ، رغبته كبيرة لتعلم القراءة والكتابة وخاصة بعد ظهور الجمعيات السياسية . يخاطب احد المتعلمين قائلا " أنا امي جاهل لكنك كذاب ، افضل أن اكون اميا وجاهلا من اكون كذابا مثلك " الرواية ص 219 ينتهى الجزء الاول من سيرة محمد شكري الذاتية الروائية يتبعه بالجزء الثاني " الشطار ", ثم يتبعه جزء ثالث زمن" الاخطاء "
" لا اعرف ما يحفزني دائما الى التجوال في المقابر ؟ اهو سلامها ام هي عادتي ايام نومي فيها ؟ ام حبا في الموت " ص 42 زمن الاخطاء
مازلت امارس هذه العادة حتى اليوم . بعض كتاباتي – منها الجزء الاول من سيرتي الذاتية الخبز الحافي وهذه التي اكتبها اليوم , كتبت فصولا منها في المقابر اليهودية والنصرانية , والاسلامية ,خاصة المقابر التي يرجع عهدها الى القرن التاسع عشر في طنجة , ربما لان المقابر القديمة اكثر ايحاء ,او لاني احب الموت القديم ! هامش ص 42 "زمن الاخطاء ".
#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟