رساله الى الجمود الفكري باللغة اليابانية.1-2

د اثير حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 09:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

في الجزء الاول من هذا الجهد المتواضع عن التجربه اليابانيه انتهينا الى ان نجاح هذه التجربه استندت وتاسست على التعليم والاقتصاد، الواجب تناولهما في هذا الجزء.

التعلـــــــــــــــيم
عادتا لا ارغب في اثقال كتاباتي بالارقام لانها مرهقة للقارء، الا ان الحكم والقياس على اي تجربة لا يكون بدرجة قوية من دون دعم رقمي لما وصل اليه هذا ام ذاك من الامور. ولهذا فساحاول ان ابخل بالارقام الا عند الضرورة الاستدلالية.
باللغة اليابانية التعليم هوا " كيو- اكو " ، وتعني كيو التشجيع على التقليد، واكو تعني تربية الاطفال. اي انها تعليم الاطفال وتشجيعهم على التقليد. وسوف يتوضح هذا فيما بعد عند تناول فلسفة التعليم الياباني.
وتعتمد فلسفة التعليم في اليابان على عنصرين،الاول: لا ينحصر التعليم الدرسي على المدرسة فقط بل يمتد الى المجتمع كله. حيث يزج باولياء الامور في عملية تعليم ابناءهم. اما التلاميذ فيجري تعليمهم ان يكونوا جزاء من المجتمع. فالتلاميذ اثناء تناول الغداء ينقسمون الى ثلاث مجموعات، الاولى تقوم باعداد القاعه، والثانيه تقوم بترتيب الطعام واعداده للتقديم اما الثالثه فتقوم بتوزيعه على التلاميذ.
والمثال الاخر ان اي زائر للمدارس اليابانيه سيلاحظ نظافتها بدرجه متميزه. ففي المدخل لكل مدرسه توجد احذيه رياضيه خفيفه ونظيفه كتب عليها اسم الطالب، وعلى كل تلميذ خلع حذائه القادم به وارتداء الحذاء المخصص للمدرسه. كل هذا سيخلق حتما الشعور بالجماعيه والانتماء والمسؤليه لدى التلاميذ.
اما الركن الثاني من الفلسفه التعليميه في اليابان فانها تستندء على مبدء " الجهد والمثابره اهم من الذكاء ". فاليابانيون يؤمنون بان النجاح يتحقق بالمثابره والاجتهاد، وبهم يمكن تعلم اي من العلوم حتى التي لا يميل لها التلميذ، فيمكن بالجهد تعلم الرياضيات لدارسي الادبي ان احتاج اليها. وهذا يختلف عن فلسفة التعليم في الولايات المتحدة المستندة على الذكاء.
ان المعلم في اليابان يحتل مكانه اجتماعيه مرموقه. كما ان نسبة التلاميذ الى المعلم هي 21 : 1 اما في الجامعات فان النسبه لا تتجاوز 9 طلاب الى استاذ جامعي واحد.


الاقتصــــــــــــــــاد.
خرجت اليابان بعد الحرب العالميه الثانيه باقتصاد محطم، وملكيات زراعيه اقطاعيه تسمى تلك الطبقه بالنبلاء. ولا تمتلك اليابان مصدرا للطاقه البتروليه التي كانت المحرك الاساس لاقتصاديات ما بعد الحرب الثانيه، ولا مصادر للمواد الخام لتستند عليها للانطلاق. واليوم تعتبر اليابان ثاني قوه اقتصاديه بعد الولايات المتحده، وهذا لم يتم طبعا بالامنيات والتمنيات الطيبه ولا الدعاء بل عبر سياسه ستراتيجيه اثبتت نجاحها فنقلت اليابان الى المقدمه.
عندما ادركت اليابان انها متخلفه، ويتوجب عليها اللحاق بركب الامم، كانت الامم الاخرى تسبق اليابان بعقود من الزمن بل مئات. الا ان اصرار اليابانين على التطور كان حاضرا بقوه.
بدات الصوره بالشكل التالي. اشترت شركة سوني اليابانيه رخصه صناعة راديو الترانسستر من شركه بل الامريكيه بسعر زهيد وهو 250الف دولار، ثم قامت بتطويره وطرحه للاسواق بسعر اقل من السعر الامريكي، ثم تبعت شركات اخرى نفس المنهج لشركة سوني. ولم تدرك الشركات الامريكيه خطورة الوضع الا متاخرا، وحين ذاك كانت اليابان قد انتقلت من مرحلة التقليد الى مرحلة الابتكار. وبدات مرحلة الابداعات الذاتيه اليابانيه.
واليوم تستند اليابان في اقتصادها على الصناعات الثقيله القائمه على تحويل المواد الخام المستورده الى سلعه اما تستخدم داخليا او تصدر، وتعتبر اليابان من كبريات الدول المصدره للحديد الخام ورؤوس الاموال بعد الولايات المتحده. وينتج قطاع السفن اليابانيه 40% من الانتاج العالمي للسفن، وتمتلك قطاع لانتاج السيارات والالكترونيات مكن اليابان من ان تحتل موقع ثالث قوه تجاريه عالميه.
واثناء مرحلة الانتقال من التقليد الى الابتكار استضافت اليابان د. ادوارد ديمنج و المهندس جوزيف جوران صاحبا نظرية الجوده فقدما محاضراتهم عن الجوده في المصانع والورش والمراكز التجاريه. وقد مكنت نظرية الجوده اليابان من اختراق السوق الامريكيه التي كانت تعتمد على السعر فقط. وحين ذاك لم تفهم الشركات الامريكيه السبب في غزو البضائع اليابانيه للسوق الامريكيه فلجاة الى تخفيض السعر، الا ان ذلك لم يحول المستهلك الى سلعها لان اليابانيه تفوقها جوده. والى ان وعت الشركات الامريكيه موضوعة الجوده كان العديد منها قد خرج من السوق.
واعتمدت اليابان في التطوير على " الخمسة اصفار "
1- صفر اخطاء
2- صفر اوراق
3- صفر اعطاب
4- صفر تاجيل ..و
5- صفر مخزون وهذه تعتبر احد اهم نظريات التكلفه اليوم وتسمى just in time.
ولم تكتفي اليابان بهذا بل تتسابق لكسب المستقبل. فشركة هوندا طورت انسان الي يدعى " اسيمو " يمكنه السير على قدمين ويتحث لغات بشريه. وتمتلك اليابان اكثر من 50% من الروبوتات العالميه، حيث تمتلك410000 روبوت من مجموع 720000 روبوت موجوده في العالم.
ان الذي مكن اليابان من الوصول الى هذا النجاح القياسي وبزمن قياسي، هوا انفتاحه على الياباني الاخرفي الداخل اولا، والمختلف عنه ربما في الاصل والدين ولكن متحد معه في الوطن المشترك، ومن ثم على العالم المختلف عنه ثقافتا ولغتا وحضارتا واقتصادا.
وربما سنحتاج الى وقفة اخرى لنفهم كيف خرجت اليابان من محنة التسونامي، في حربه ضد الكوارث الطبيعيه لنستخلص الدروس ايضا في ان بناء مواطنه صحيحه مستنده على الحريه الفرديه وعدم احتكار "الحقيقه المطلقه" من اي طرف تستمر في تقديم امثلتها الرائعه في البناء والتنميه والرافهيه، وان الانسان الحر يستخدم عقله للتفكير لحل اكبر المشاكل. وربما تصبح مقولة انا افكر اذن فانا موجود وصفه علاجيه للمشاكل.

#د_اثير_حداد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات