حذام الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 00:03
المحور:
الادب والفن
وجع إمرأه
بعدَ أن إنتهت من إعداد طعام الغداء نادتْ على زوجها ليتناولوا الطعام معاً,نهض زوجها من الصالة بعد أن كان يراقب التلفاز والذي يقضي أمامه أغلب الوقت لامبالياً بشيء من حوله وما أن جلس الى المائدة حتى صاح:
ــ أين السلطة ياإمرأه؟
ــ لقد نفذت الخضار ولم أنتبه لذلك.
ــ ولماذا لم تذهبي الى السوق لشراءها؟
ــ كما ترى فأعمال المنزل كثيرة ولم يسعفني الوقت للذهاب الى السوق
ــ ولماذا لم تقولي لي لكي أذهب أنا؟
ــ قلت لك لم أنتبه لمحتويات الثلاجة,فقد كانت لدي أعمال كثيرة في المنزل وقد رأيتَ ذلك بأم عينك,ثم لم يحصل شيء إذا تناولنا الطعام بدون سلطة اليوم..
فردَّ بعصبية كعادته:
ــ هكذا أنت دائماً مهملة وعلاوة على ذلك تبررين إهمالك
فردت بتعجب:
ــ أنا ..بعد كل هذا التعب تقول لي هكذا,قل لي بماذا قصرت؟كان الأجدر بك أن تنتبه الى ماينقص ولست المسؤولة الوحيدة عن إحتياجات البيت
فنهض من كرسيه بعد أن رمى الملعقة بقوة على المائدة وحملق فيها حتى كادت عيناه تخرج من محجريهما من شدة عصبيته وصاح غاضباً:
ــ قلت لك ألف مرة لاتجيبيني عندما أتكلم ,أعلاوة على غباءك لسانك طويل؟
ــ لقد سئمت منك ومن طريقة تعاملك معي ولم أعد أحتملك وإن بقيت معاملتك لي بنفس هذه الطريقة سأترك لك البيت..
ــ الى جهنم ,هل تعتقدين إني سأموت بدونك ؟سوف أرتاح منك ومن وجهك البغيض, كل لحظة أندب حظي لأني تزوجت إمرأة مثلك.
تعودتْ حياة أن تسمع الألفاظ النابية منه بإستمرار فهو دائم الشجار معها على كل صغيرة وكبيرة ولا يرتاح دون أن ينغص عليها في كل لحظة ولم تعد قادرة على سماع المزيد فحملت حقيبتها وخرجت من البيت ,لكي تهدأ ولا تصطدم به مجدداً ,ومشت وإنتهى بها المطاف بعد أن تعبت من المشي الى متنزه ليس بقريب عن منزلها .
وجلست على مصطبة وهي حزينة وشاردة الذهن وأخذت تخاطب نفسها :
ــ ماذا فعلت بحق السماء لكي أُعاقَب برجل كهذا؟لم أعد أحتمل إهاناته المتلاحقة, ثم غطت وجهها بكفيها وبكت..
كانت حياة إمرأة جميلة وعلى قدر عالي من الذكاء والفطنة,وكانت ربة بيت ممتازة وتجيد أعمال كثيرة , وبالإضافة لهذا فهي مربية فاضلة فقد ربت أولادها على الخلق الرفيع والمباديء الحسنة ولم تترك من الخصال الحميدة إلاّ وزرعتها فيهم ولم تقصِّر في رعاية زوجها طيلة السنين التي عاشتها معه ولم تسمع منه مرة كلمة منه تطيّب خاطرها إلاّ فيما ندر.
ومرت ببالها كل الذكريات كشريط سينما,وكيف ضحت بكل شيء من أجل راحة أسرتها حتى نسيت إنها إمرأه كسائر النساء وأصبحت كآلة تعمل بدون توقف طيلة خمسة وعشرون عاماً و تحملت ما تحملته من أجل إسعادهم.
فهي التي حملت همهم مذ كانوا صغاراً وهي التي تعبت في توجيههم وحل مشاكلهم ,وإن أشركتْهُ في أمر ما فليس له إلاّ الصراخ فلذلك كانت تتحاشى أن تخبره في أغلب المشاكل التي تواجههم لتتكفى شر كلماته البذيئة والتي لايتخلى عنها وعلاوة على ذلك كان يلقي اللوم عليها في كل مشكلة تواجههم وكإنها هي السبب في كل تلك المشاكل , ولم يكن موجوداً طيلة تلك الفترة إلاّ بجسده فقط, وجُلّ إهتماماته بالطعام.
وتذكرت إهاناته المتلاحقة لها وكان لايوانى عن إهانتها أمام القريب والغريب وحتى أمام أولادها ومتعته في أن يسخر منها ليقلل من شأنها
وعادت تخاطب نفسها:
ــ الى متى ياربي سأبقى على هذا الحال؟ لقد أصبح شرساً لدرجة لاتحتمل ,سأتركه ,نعم سأتركه وسأخبر أولادي بأني ماعدتُ أحتمله ,إنه يتصرف كالمجنون,وأصبح قاسياً ولا يعي مايقول,وزاد أضعاف ماكان عليه,نعم سأتركه.
وصمتت برهة وكإنها كانت تصغي لصوت في داخلها يخاطبها:
ــ ماالذي تفكرين به ياحياة ,هل حقاً ستتركيه,والى أين ستذهبين؟
وهل هذه أول مرة يسيء بها التصرف معك؟ إهدأي وتراجعي عما يدور في رأسك
ــ وهل يقبل هو أن أتصرف مثله أم لأنه الرجل ؟ لالا لن أتراجع عن قراري بل سأتركه
ــ وهل من المعقول أن تتركيه بعد هذا العمر الذي عشتِه معه ؟ فلربما إزدادت عصبيته بسبب مشكلة ما لم يبح بها ,أتتركيه بدل من أن تسنديه؟
ــ لم أقصر معه طيلة السنوات الماضية وكنت أسانده معنوياً ومادياً ولم أقصر بشيء وتلك كانت النتيجة ,لايتوانى عن إهانتي في أي لحظة .
ــ ولكن كنت في كل مرة تسامحيه فماذا جرى هذه المرة؟
ــ الذي جرى إنني لم أعد قادرة على الصبر على شجاره وكلامه الجارح
ــ إذ ن أصبحت قاسية مثله ,ولا تفرقي عنه بشيء
ــ لا لا أنا لست بقاسية ولكن يأست من أن ينصلح حاله
ــ أما تعودتِ على إسلوبه طوال تلك السنين؟المفروض إنك عرفت طباعه ,ثم هل فكَّرت بوضع أولادك المساكين فمثل هذا القرار سيؤلمهم كثيراً
ــ آه لقد تحملت العذاب من أجلهم ولكن لم أعد أحتمل عيشي المر معه
وبقيت حياة في حالة صراع قوي مع نفسها الى أن قررت أخيراً:
ــ سأخبر أولادي بأنني سأتركه وليكن مايكون
وبعد أن جلست حياة طويلاً وسرحت بأفكارها ومضى على غيابها عن البيت بحدود الخمس ساعات ولم تنتبه للوقت وصاحت:
ــ اولادي لابد إنهم عادوا الى المنزل وقلقوا علي ّ,نسيت أن أحضر هاتفي معي لأكلمهم ,لاأريد ان أعود الى البيت وأراه مرة أخرى ,ولكن يجب أن أعود لأخبرهم جميعاً بقراري.
عادت حياة وهي بصدد مواجهة زوجها بالأمر وحين وصلت أخرجت مفتاحها من حقيبتها وفتحت الباب وسمعت صوت أولادها وهم يقبلون عليها
ــ ماما ..أين كنتِ لقد قلقنا عليكِ كثيراً
نظرت إليهم ولم تنبس ببنت شفة وخمنت إنهم عرفوا مافي داخلها لأن هذا الوضع ليس بجديد عليهم ولكنهم حتماً..لايريدون إثارة المشاكل .
ــ ماما ماالذي حصل ؟هل أنتِ بخير؟
ــ نعم نعم كن..كنت أتمشى قليلاً فقد سئمت الجلوس في البيت
ــ ولكنا تعودنا وجودك دائماً ولم يسبق لك أن خرجت الاّ القليل كان المفروض أن تتصلي بنا على الأقل لتخبرينا بمكانك
ــ لقد نسيت أن آخذ هاتفي معي ..أخبروني بربكم هل أنا سجينة؟ وهل أحتاج أن إذن منكم لكي أخرج؟
أجاب إبنها البكر:
ــ عفوك ياأمي ولكن أظنك نسيتِ أن عيد ميلاد رانيا اليوم ,قال هذا وأومأَ
بيده الى الصالة وإلتفتت حياة ناحيتها وكانت هناك كعكة وحلوى وشمع على المنضدة وقد تهيأوا جميعاً ليحتفلوا حيث كانوا في إنتظارها .وكان زوجها جالس كعادته كسلطان في عرشه لامبالٍ بأي شيء من حوله
سمعت رانيا ماقالته أمها وتألمت لكلامها ونظرت لأمها نظرة عتاب
فتقدمت حياة نحوها وإحتضنتها وقبلتها وقالت لها:
ــ أعذريني ياإبنتي هذه أول مرة أنسى فيها عيد ميلادك فليلة أمس لم أنم جيداً وأحس بتعب شديد وتفكيري مشوّش ,كل عام وأنتِ بألف خير وسأجلب لك أحلى هدية في الغد.
بعد ذلك قادها أولادها الى الصالة ليحتفلوا جميعاً وقالت في نفسها:
سأؤجل هذا الموضوع اليوم ولا أتكلم فيه لئلا أفسد فرحة إبنتي
وإحتفلوا جميعاً ,وبقي الموضوع ......مؤجل
ستوكهولم
10.8.2013
#حذام_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟