مغسلة الكلمات

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

الحوار المتمدن-العدد: 4180 - 2013 / 8 / 10 - 23:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع

مغسلة الكلمات...!!
يتنازع الكاتب احيان كثيرة صراعان ، ما بين الفظاظة ولطافة الالفاظ ، وبين الدقة الاصطلاحية والحفاظ على نقاء التعبير ،وغالبا ما تنتصر اللطافة والنقاء على الفظاظة والدقة . لذا يعمد كثير من الكتاب الى لغة المجاز والكناية وصولا الى الرمزية والسوريالية المغرقة في الابهام والضبابية .
لكن ...هناك حالات لا تنفع معها المجازية ولا الكناية ، لا .. ولا اساليب البلاغة اللغوية والتي هي كثيرة في لغتنا ، والحمد لله ،.!! لكن ... يجب علينا احيانا أن "نبق الحصوة " ، ونسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية والواضحة ، وأن نستغني عن "مغسلة الكلمات " ومساحيقها من حُسن بيان وبلاغة ، كناية ومجاز !!
ففي مثل هذه الاحوال تصبح اللغة لغوا باطلا ، يقود ومن غير قصد ربما ، الى "التخفيف " من حدة الحدث ، معناه ووقعه على الاذان والنفوس .
ولكي اكون محددا وواضحا ، فسأتناول في هذه العجالة تعبيران متداولان كثيرا ، في الاونة الاخيرة ، اولهما : اغتصاب البراءة !! هذا التعبير الذي يُطلقه الكتاب على الاعتداءات الجنسية على الاطفال !!
البراءة ، مسمى معنوي ، يُفهم منه غالبا ، السذاجة والجهل بأشياء لم يحن اوان معرفتها على حقيقتها ، والبراءة ايضا هي عدم القدرة على الخديعة والمكر والغش ، وهي ايضا انعدام سوء النية في القصد والعمل ... هذا ما افهمه كقاريء من كلمة "براءة " الاطفال . لم اذهب الى قاموس ، بل استعنت بفهمي كقاريء قديم !!
لكن ، الاعتداءات الجنسية ، ليست اغتصابا للبراءة في المقام الاول ..!! الاعتداءات الجنسية ، هي اعتداء واغتصاب لجسد طفولي ، بواسطة اعضاء جنسية بهدف الحصول على متعة جنسية !! الاعتداء هو اعتداء جسدي على اكثر اعضاء الجسم حميمية وخصوصية ، وليس اغتصابا "للبراءة الطفولية "!!
اما عواقب ومضار ولواحق الاعتداء الجنسي الجسدي ، فمن ضمنها فقدان البراءة الطفولية ، التي تميز الاطفال وتدفعهم للوثوق بكل بالغ ، مع عدم القدرة لدى الطفل من التحقق من نوايا هذا البالغ ..
الاغتصاب الجنسي يتسبب للطفل بجملة من المشاكل والصعوبات النفسية والجسدية المباشرة ، وليس هذا هو المكان لتفصيلها والخوض فيها !!
لا " تغسلوا " الكلمات ..فأما اعتداء جنسي أو اغتصاب اطفال ، لكن ، ليس ولا بأي حال من الاحوال ، "اغتصاب البراءة " ..!!
وكذا هو الحال مع كلمة " تحرش " ، فهي كلمة تحمل في ثناياها معان كثيرة ، قد تعبر احداها ، عن استفزاز مقصود يقوم به صديق مع صديقه ، أو خصم سياسي مع خصمه ، ولربما "يتحرش " كاتب بقرائه بغية استفزاز اذهانهم !! ولعل احد هذه المعاني هو التحرش الجنسي !!
الاعتداءات الجنسية متنوعة ومتعددة ، ومنها الكلامية والجسدية ، لكنها جميعا اعتداءات جنسية !!
فلا تحرش بعد اليوم ، لأنها كلمة تحمل معان عدة !!
وتسمية الاشياء بأسمائها ، يساعد على الوضوح ويحدد طرق ووسائل التعامل معها !!
فوداعا لمغسلة الكلمات ..!! وأنا شخصيا اعرف كثيرا من الكلمات المتداولة في لغتنا ، قُمنا بغسلها وتنظيفها بمساحيق معطرة ، في مغسلة الكلمات !!
لكن هناك كلمات ، مجرد ادخالها الى مغسلة الكلمات ، هو جريمة بحق انفسنا ..!!

#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات