|
إلى أين تسير تونس؟
عبد الحميد الموساوي
الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كانت تونس أول دولة عربية ترفض السلطة الاستبدادية عن طريق انتفاضة شعبية سلمية تم التعبئة لها تحت شعار فعّال واحد تمثّل في كلمة :(ارحل)، وكانت تونس الدولة الرائدة، فقد كانت انتفاضتها ملهمة للحركات الثورية الشعبية الأخرى التي اجتاحت الدول العربية. وفي الحقيقة تمتلك تونس كل المميّزات من أجل بناء أنموذج للديمقراطية، وهذه المميّزات هي: - مستوى متقدم من التعليم. - وجود نخبة نوعية. - تتمتع تونس بنظام اقتصادي مستدام. - وجود مجتمع مدني نشط ، وطبقة وسطى قوية. - فضلا عن اعتناق الإسلام المعتدل( المذهب المالكي). والآن وبعد مضي أكثر من عامين على الانتفاضة وتغيير النظام، وها نحن في العام الثالث من الثورة. فما هي الاستنتاجات التي يمكن لنا أن نستخلصها؟ لو أردنا في الحقيقة مقارنة تونس مع ما يجري في دول أخرى، مثل:( مصر، وسوريا، واليمن، وليبيا)، فانّ النتائج والتوقعات هي بكل تأكيد اقل أهمية، ومع كل ذلك موجود في تونس اليوم، وفي أعقاب اغتيال المعارض اليساري ( شكري بلعيد)، ثم تلاه اغتيال ثاني للمعارض(محمد البراهمي) أزمة حقيقية عميقة تبدو وأنها تتحدى السلطة القائمة التي تهيمن عليها حركة النهضة التونسية، إن لم يكن أزمة تهدد العملية الديمقراطية برمتها. فما هي الاستنتاجات التي يمكن أن نستخلصها من حصيلة الأشهر الثلاثين التي مرت على رحيل الطاغية، وقيام الثورة؟ وما هي حقيقة الأزمة القائمة الآن؟ وما هي المشاهد المحتملة لتطور الموقف في تونس؟ إنّها أسئلة عدة، وتحتاج إلى إجابات وافية، سنحاول الإجابة عنها عبر مفردات السطور الآتية: للوهلة الأولى إن تونس هي البلد العربي الوحيد الذي نجح في الوقت الحاضر في إقامة آلية لعملية الانتقال تعمل بشكل مقبول وان كان ذلك بطريقة توافق بين الكتل الفائزة دون أن تعرف الاضطرابات والاشتباكات المسلحة التي تعصف بدول عربية أخرى مثل: مصر، وليبيا، واليمن وسوريا... وكانت الاحتجاجات الواسعة والصدمة القوية التي أعقبت اغتيال (شكري بلعيد) والتي عمت البلاد قد بينت بشكل واضح وأظهرت تعلق الشعب التونسي وتشبثه بالعملية السياسية الجارية دون اللجوء إلى العنف، ومع ذلك وبعد أن اجتازت تونس الأزمة- اغتيال شكري بلعيد- وتم تشكيل حكومة برئاسة السيد (علي العريض) وبدا أن الأزمة التي اندلعت فجأة في تونس بعد اغتيال شكري بلعيد انها في طريقها إلى الحل، ولان المصلحة المتبادلة للقوى السياسية التونسية قد عجلت في إخمادها كذلك،فان الأزمة الجديدة باغتيال البراهمي لا تبدو كذلك اليوم.
لذلك فانّ الأوضاع في تونس ما تزال مائعة جدا ومفتوحة جدا على كل الاحتمالات، فالعملية لم تنته بعد، إذ نرى: أن في تونس تيارين اثنين يتقاسمان الشارع التونسي وجمهوره، وهما: _ التيار الإسلامي المحافظ.( حركة النهضة، والتيار السلفي) _ والتيار الليبرالي التقدمي.( الشيوعيون، والاشتراكيون، والقوميون..) وهما تيارين يتشابهان من حيث دعم الشارع التونسي ومساندته لهما، وقد كان انتصار التيار الأول يعود بشكل واسع إلى الانقسامات القائمة في التيار الليبرالي التقدمي، ويرجع كذلك إلى الفوضى، وعدم التنظيم لهذا الأخير،إلاّ أنّ ذلك قد يتغيّر إذا ما استطاعت المعارضة تقديم برنامج حكومي موثوق به، وقابل للتطبيق، وان تنتظم على نحو فعال، وإذا ما كانت هنالك أغلبية على كلا الجانبين تريد وترغب في بناء الدولة التونسية الجديدة، الدولة الديمقراطية ، فانّ هنالك أيضا مخاطر للانزلاق نحو الفوضى، واندلاع العنف يمكن أن يتأتي من العناصر الإسلامية المتطرفة. ولكن أيضا يمكن أن تأتي من الاستفزازات المتأتية من الحنين إلى العودة للنظام القديم (تيار نداء تونس...). فهل سيتم تمرير الدستور بسرعة وذلك لرغبة الأقطاب السياسية في التوصل إلى حل وسط حل سيكون غامض وضبابي وقابل للعديد من التأويلات والتفسيرات، أم ستزداد حوادث العنف ويزداد نفوذ العناصر السلفية، وتنجر تونس إلى الفوضى وتزداد المواجهات بين مكونات المجتمع في تونس...، أم سيعلو صوت العقلاء من اجل المحافظة على المكتسبات وعلى التماسك الوطني. ستكون الأشهر القليلة المقبلة أشهرا حاسمة بكل تأكيد ليس لتونس فقط، بل للعالم العربي برمته، إذ أن تونس لديها في الواقع كل شيء من أجل الانتقال الناجح إلى الديمقراطية، ومن شأن أي فشل في تونس أن يكون له عواقب وخيمة، وسيعطي العذر إلى أولئك الذين يعتقدون: أن العرب ليسوا على درجة من النضج والاستعداد للديمقراطية. ومن الواضح كذلك: أن شيئا لن يكون كما كان من قبل، وان عملية التحوّل نحو الديمقراطية، والتي يمكن أن تكون عملية طويلة ومؤلمة في الوقت نفسه هي عملية لا رجعة لها في العالم العربي، كما كان الحال في أماكن أخرى من دول العالم. أ.م.د. عبد الحميد العيد الموساوي باحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية/جامعة بغداد.
#عبد_الحميد_الموساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية.
-
المعوقات الجديدة في العام 2012م
-
العراق و توازن القوى في الشرق الأوسط
-
(قوس الأزمات) كما يراه الرئيس أوباما ومستشاروه
-
رؤية للسياسة الأمريكية المتوقعة لعهد الرئيس (أوباما)
-
الدروس المستخلصة بعد ستين عاما من الصراع
-
تساؤلات ورؤى حول المنعطف التاريخي في فلسطين
المزيد.....
-
اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق
...
-
مقربون من بشار الأسد فروا بشتى الطرق بعدما باغتهم هروبه
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|