|
الصناديق السيادية - وأهميتها في النظام المالي الدولي
عدنان عباس علي
الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 13:12
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الصناديق السيادية، صناديق استثمارية أنشأتها الحكومات وغذتها بفوائض الموازنات الحكومية والفائض من الاحتياطي الأجنبي، وهكذا تراكمت لدى هذه الصناديق أصول مالية معتبرة، كان قد جرى استثمارها في الشركات المالية والصناعية الأمريكية والأوربية. وتشترك هذه الصناديق بثلاث خصائص بينة: أولاً، أنها مملوكة للدولة ملكية تامة؛ وثانياً، أنها غير ملزمة بتسديد مدفوعات دورية، شبيهة بالمدفوعات الواجب على صناديق المعاشات التقاعدية الوفاء بها بنحو دوري؛ وثالثاً، أن هذه الصناديق تدار بمنأى عن احتياطي العملات الأجنبية، أي أنها تعمل بمنأى عن السياسات، التي ينفذها المصرف المركزي الوطني في مجال الاحتياطي الأجنبي واستثمار هذا الاحتياطي. وتترتب على هذه الخصائص المشتركة خصائص أخرى تشترك فيها أكثرية الصناديق مدار الحديث. فعدم الالتزام بتسديد مدفوعات دورية، يعزز لدى هذه الصناديق الميل لتفضيل استراتيجيات استثمارية طويلة المدى. وتأسيساً على هذا الميل، تختلف الصناديق السيادية اختلافاً جوهرياً عن صناديق المعاشات التقاعدية، المُلْزَمَة بمراعاة ما بذمتها من ديون وما يترتب على هذه الديون من التزامات نقدية دورية. من هنا، فإن الصناديق السيادية أكثر شبهاً بصناديق الاستثمار الخاصة. فعدم وجود ديون في ذمة الصناديق السيادية، يترك بصماته على استعدادها للمجازفة والدخول في نشاطات تتسم بشيء من الخطر. فعادة تحتفظ الصناديق الملزمة بتسديد مدفوعات نقدية بنحو دوري على نسبة أعلى من الأوراق المالية ذات الفائدة الثابتة، أي أنها تفضل الاستثمار في السندات الحكومية في المقام الأول. علاوة على هذا وذاك، تركز الصناديق السيادية نشاطاتها على الاستثمار في الدول الأجنبية عادة. ويشير تأسيس الصناديق السيادية إلى توافر البلد المعني على احتياطيات مالية تفيض عن حاجته، أي أنه ليس بحاجة إلى استهلاكها و/أو إلى استخدامها في تمويل المشاريع التنموية. وبهذا المعنى، يمكن القول إن الصناديق السيادية تمثل وسيلة لتوظيف الأصول الخارجية المتراكمة لدى الدولة المعنية إما بسبب الفوائض المتحققة في ميزان الحساب الجاري، أو بسبب الفوائض المتحققة في الموازنة الحكومية. وهكذا، يمكن التمييز بين مصدرين من المصادر المالية المغذية للصناديق السيادية. فمن ناحية: • هناك الصناديق المرتكزة على ثروات طبيعية من قبيل البترول والغاز الطبيعي وما سوى ذلك من ثروات معدنية. ومن ناحية أخرى، • هناك الصناديق السيادية، المرتكزة على الاحتياطيات من العملات الأجنبية، التي يحولها إليها المصرف المركزي. وفي اليوم الراهن، تشكل الصناديق المرتكزة على فوائض الموازنة العامة حوالي 62 بالمائة من إجمالي استثمارات الصناديق السيادية، هذا في حين تشكل الصناديق المرتكزة على احتياطي العملات الأجنبية حوالي 38 بالمائة من مجمل الثروات المستثمرة. على صعيد آخر، يمكن تقسيم الصناديق الاستثمارية بناءً على الأهداف، التي تسعى هذه الصناديق لتحقيقها، أي يمكن تقسيمها إلى: • صناديق مدخرات الأجيال القادمة، المناط بها توزيع عوائد الموارد، المعرضة للنضوب، بين الأجيال المختلفة وذلك من خلال استثمار هذه العوائد بنحو طويل المدى، والعمل، بالتالي، على أن تدر هذه الاستثمارات، مستقبلاً، مردوداً مالياً يشارك في المحافظة على مستوى الدخل القومي أو في ارتفاع هذا المستوى. • وصناديق الاستقرار، التي تميل إلى أن تكون نشاطاتها قصيرة ومتوسطة المدى. ويكمن الهدف من تأسيس هذه الصناديق في تحييد التقلبات التي تطرأ على أسعار السلع عامة، وأسعار الموارد الطبيعية بنحو مخصوص، وفي الحد من انعكاس هذه التقلبات على الميزانية الحكومية وسعر صرف العملة الوطنية. فهذه الصناديق تشكل وسيلة لسد حاجة الموازنة الحكومية في حالة انخفاض أسعار الموارد الطبيعية إلى مستويات معينة. وكانت الكويت الدولة الرائدة في مجال تأسيس صندوق يضمن للأجيال القادمة الحق في الانتفاع بالموارد الطبيعية الوطنية. ففي وقت مبكر، في عام 1953 على وجه التحديد، أي قبل أن تنال استقلالها التام في العام 1961، دأبت الحكومة الكويتية على تحويل 10 بالمائة من عوائدها البترولية إلى الهيئة العامة للاستثمار، إي إلى الصندوق السيادي، الذي قام باستثمار هذه الأموال في أسهم الشركات العالمية. من ناحية أخرى كانت سنغافورة أول دول تؤسس صندوقاً مهماً لا تغذيه عوائد الموارد الطبيعية. ففي عام 1981، أسست سنغافورة شركة استثمار حكومة سنغافورة (Government of Singapore Investment Corporation)، وذلك كصندوق حكومي مكلف باستثمار فائض الاحتياطي الأجنبي. ومن نافلة القول الإشارة إلى أن ثمة علاقة متينة بين تأسيس الصناديق السيادية وتطور أسعار الموارد الطبيعية عامة، وسعر البترول بنحو مخصوص. فبعد فترة وجيزة من الارتفاعات، التي طرأت على سعر البترول ابتداءً من عام 1973، سجلت الصناديق السيادية ارتفاعاً كبيراً في عددها وفي قيمة أصولها المستثمرة. وفي الحقبة التالية على عام 1996، شهد العالم، ثانية، طفرة كبيرة في تأسيس الصناديق المرتكزة على عوائد الموارد الطبيعية وعلى فوائض الاحتياطي الأجنبي. على صعيد آخر، سجل عدد الصناديق السيادية، المكلفة باستثمار الاحتياطي الأجنبي، طفرة كبيرة أيضاً، بعد عام 2000. فبفضل إصرار بعض الدول على تقييم عملاتها الوطنية بأدنى من قيمها الفعلية حيال الدولار، استطاعت هذه الدول أن تراكم رصيداً من الاحتياطيات الأجنبية يزيد على 6,5 بليون دولار أمريكي. وتحتفظ الصين، لنفسها، من هذا الرصيد، بأكثر من بليونيين دولار أمريكي في اليوم الراهن، أي أنها تحتفظ لنفسها بحصة الأسد من الاحتياطي الأجنبي في العالم اجمع. وعلى خلفية هذه التطورات المواتية، ارتفعت القيمة الإجمالية للرأس المال المستثمرة من قبل كافة الصناديق السيادية في العالم من حوالي 500 مليار دولار أمريكي في عام 1996، بحسب تقديرات المصرف المركزي الأوربي ، إلى 3971,7 مليار دولار أمريكي في سبتمبر من العام 2010، بحسب ما أعلنه المعهد الدولي للصناديق السيادية (Sovereign Wealth Fund Institute) ، علماً أن الواجب يقتضي منا أن ننظر إلى هذه البيانات على أساس أنها تعكس قيماً تخمينية ليس إلا، وذلك لأن غالبية الدول المالكة للصناديق لا تنشر إحصائيات دقيقة عن حجم وهيكل محافظها الاستثمارية، ولا تلتزم بوضع حدود بينة تفصل بين الصناديق السيادية وباقي المؤسسات المالية الحكومية، أعني مؤسسات من قبيل مصارف التنمية الاقتصادية على سبيل المثال وليس الحصر. وتمتلك، حالياً، 35 دولة صناديق سيادية يبلغ عددها 47. ومن هذه الصناديق تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة خمسة، والصين أربعة صناديق. وعند النظر إلى هذه الصناديق من زاوية الإقليم الذي تنتمي إليه، يتبين لنا أن حوالي نصف هذه الصناديق (47 بالمائة) يعود إلى دول شرق أوسطية، وأن 28 بالمائة منها تعود ملكيته إلى دول في شرقي أسيا، وأن 17 بالمائة منها، فقط، تعود ملكيته إلى دول صناعية غير آسيوية. ولا تزيد حصة روسيا من إجمالي رأس مال الصناديق السيادية على 6 بالمائة. وبلغت قيمة أصول الصناديق السيادية العائدة لدول مجلس التعاون الخليجي حوالي 1380 مليار دولار أمريكي في سبتمبر من عام 2010، أي أنها شكلت ما نسبته 34,8 بالمائة من أجمالي أصول الصناديق السيادية في العالم. وقد أصدر المعهد الدولي لصناديق الثروة السيادية تحديثًا حول تطوّرات قيمة صناديق الثروة السيادية في العالم من يونيو 2010 إلى 2012م. وكشف هذا التحديث عن ازدياد قيمة أصول الصناديق السيادية من: 4.1 تريليون دولار إلى 5.2 تريليون دولار، أي أنه سجل في هذا العام نمواً بلغ معدله 9 بالمائة مقارنة بالعام 2010. وبحسب ما أعلنته شركة «ستاندرد وشاترد» يعادل حجم الموجودات في الصناديق السيادية 12 بالمائة من إجمالي القيمة المتداولة في بورصة نيويورك أو 42 بالمائة من إجمالي القيمة المتداولة في بورصة طوكيو. وتستحوذ أذرع الاستثمار السيادية مثل (صناديق المعاشات، وصناديق التنمية، والمؤسّسات الحكومية) على 7.2 تريليون دولار، إضافة إلى احتياطيات رسمية من النقد الأجنبي قدرها 8.1 تريليون دولار، وتكون عادة في البنوك المركزية. ويشير تقرير (ذا سيتي يو كيه the city u.k) إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد حازتا على حصة الأسد من استثمارات صناديق الثروة السيادية العالمية، حيث إنهما استحوذتا على 19 و 17% من تلك الاستثمارات خلال ست سنوات سابقة. فعلى سبيل المثال، كانت هذه الصناديق قد سارعت في إنقاذ بنية الاقتصاد الأمريكي بضخّها الأموال فيه بعد أن هرّب المستثمرون الأمريكيون أموالهم من السوق خوفًا من تعرّض اقتصاد بلادهم للركود إثر اندلاع أزمة الرهون العقارية. وبحسب الدراسة التي قدمتها شركة الاستشارات الاقتصادية والإستراتيجية البريطانية "مونيتور غروب" (Monitor Group) إلى منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس/شعبة الشرق الأوسط، تكبد البعض من الصناديق الخليجية، خلال الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة، خسائر فادحة في قيمة ما يملك من أصول. وتبقى هذه الحقيقة قائمة حتى إن أخذنا بالاعتبار إلا أن الغالبية العظمى منها استطاعت أن تحافظ على ما لديها من أصول مالية مستثمرة في العالم الغربي، وذلك لأن هذه الصناديق، كانت قد اهتمت اهتماماً قوياً بتنويع محافظها الاستثمارية. وكانت أكبر الخسائر قد تحققت جراء صفقات شراء حصص بعض المصارف في الدول الصناعية خلال العامين 2007 و2008، كشراء هيئة الاستثمار القطرية حصص في بنك باركليز وشراء هيئة الاستثمار الكويتية حصص في ميرل لينش وإقدام هيئة أبو ظبي للاستثمار على شراء حصص في سيتي جروب. وكانت إحدى الدراسات قد قدرت خسائر هذه الصناديق بنهاية العام 2008، بحوالي 40 بالمائة و70 بالمائة و60 بالمائة على التوالي. على صعيد آخر، فبما أن المصارف المركزية والحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي ما كانت تتوافر على ما تتوافر عليه مثيلاتها في الدول الصناعية من فرص تمويلية، لذ جرى تكليف الكثير من هذه الصناديق بالعمل على إنقاذ القطاع المالي المحلي من تداعيات الأزمة المالية الأخير. وفي حين لم يجد البعض من هذه الصناديق صعوبة تذكر في الوفاء بما عُهد إليه، كان البعض الآخر منها، في وضع حرج وبأمس الحاجة للعون. ولم يكن هذا التباين من محض الصدفة. فبما أن جل الصناديق الخليجية كان قد دأب على التصرف بحذر كبير، حتى قبل اندلاع الأزمة، لذا لم تتكبد هذه الصناديق خسارة عظيمة في الصافي. وإذا كانت هيئة أبو ظبي للاستثمار قد تكبدت خسارة بلغت 11 مليار دولار أمريكي، إثر اندلاع أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن استحواذها على نحو 5% من رأسمال سيتي غروب، قد عوضها عن خسائرها إلى حد ما. وكذلك الحال بالنسبة للهيئة العامة للاستثمار الكويتية. حقاً تكبدت هذه الهيئة خسائر فادحة من جراء شرائها أسهم مصارف أمريكية مختلفة، إلا أن الأرباح التي حققتها، بفضل تنويعها للمحفظة الاستثمارية، مكنتها في نهاية المطاف، من أن تحقق بعض الأرباح في الصافي. إن صناديق دبي هي الحالة الاستثنائية هاهنا. فهذه الصناديق خرجت من الأزمة بمديونية تبلغ حوالي 13 مليار دولار أمريكي. إلا أن علينا أن نأخذ هنا بالاعتبار، أن هذه الخسائر جزء يسير، مقارنة بمجمل ما بذمة حكومة دبي من ديون بلغت قيمتها 80 مليار دولار. والملاحظ هو أن العديد من الصناديق الخليجية قد أخذ يستثمر أصوله في محيطه الإقليمي بنحو متزايد أو في الاقتصاديات الناشئة الممتدة من البرازيل وحتى أذربيجان. وكيفما اتفق، الأمر البين هو أن الصناديق السيادية لا تزال متواضعة التأثير في أسواق المال العالمية. حقاً تخطت الصناديق السيادية شركات المساهمة الخاصة (Private-Equite) وصناديق التحوط من حيث حجم ما تستثمر من رؤوس أموال، إلا أن الأمر الذي تتعين ملاحظته أيضاً، هو أن مجمل رأس مال الصناديق السيادية لا يزال متواضعاً، مقارنة برأس مال صناديق الاستثمار (21 بليون دولار أمريكي)، وأنه يعادل حوالي 5 بالمائة فقط مما في العالم من أصول مصرفية. ومهما كانت الحال، فإذا كان الرأس المال المستثمر من قبل صناديق التحوط يتوزع على الآلاف من صناديق صغيرة الحجم، فإن الرأس المال المستثمر من قبل الصناديق السيادية يتوزع على 47 صندوقاً سيادياً، ويبلغ ضعف إجمالي ما تستثمر صناديق التحوط من رأس مال. وبهذا المعنى، فإن لدى الصندوق السيادي، في المتوسط، أضعاف ما لدى صندوق التحوط من رأس مال. فبحسب التقارير المُعلنة عن العام 2012، يمكن ترتيب أكبر الصناديق السيادية العشرين على النحو التالي: المركز الأول: أبو ظبي، حيث تصدّر جهاز «أبو ظبي للاستثمار» «أديا» قائمة أكبر الصناديق السيادية، إذ وصل حجمه إلى 627 مليار دولار. المركز الثاني: النرويج، حيث حلّ صندوق التقاعد النرويجي في هذا المركز من خلال ما لديه من موجودات بلغت قيمتها 611 مليار دولار. المركز الثالث: الصين، بثروة سيادية بلغت قيمتها 567.9 مليار دولار. المركز الرابع: المملكة العربية السعودية، إذ وصلت موجودات مؤسّسة النقد العربي السعودي «سما» إلى نحو 532.8 مليار دولار. المركز الخامس: الصين، حيث بلغت الموجودات السيادية لـ «شركة الصين للاستثمار» 493.6 مليار دولار. المركز السادس: الكويت، بموجودات بلغت قيمتها 296 مليار دولار. المركز السابع: الصين، حيث بلغت محفظة الاستثمار التابعة لمؤسّسة النقد «هونغ كونغ» 293 مليار دولار. المركز الثامن: سنغافورة، إذ بلغت قيمة موجودات «شركة حكومة سنغافورة للاستثمار» 247.5 مليار دولار. المركز التاسع: سنغافورة، من خلال «تيماسيك القابضة» 157.2 مليار دولار. المركز العاشر: روسيا، الصندوق الوطني للرعاية الاجتماعية 149.7 مليار دولار. المركز الحادي عشر: الصين، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، 134.5 مليار دولار. المركز الثاني عشر: قطر، هيئة الاستثمار القطرية 100 مليار دولار. المركز الثالث عشر: استراليا، حيث بلغ حجم «صندوق المستقبل الاسترالي» السيادي نحو 80 مليار دولار. المركز الرابع عشر: دبي، مؤسّسة دبي للاستثمارات 70 مليار دولار. المركز الخامس عشر: الإمارات العربية المتّحدة، الشركة الدولية للاستثمارات البترولية 65.3 مليار دولار. المركز السادس عشر: ليبيا، المؤسّسة الليبية للاستثمار 65.5 مليار دولار. المركز السابع عشر: كازاخستان، صندوق كازاخستان الوطني 58.2 مليار دولار. المركز الثامن عشر: الجزائر، صندوق ضبط الموارد 56.7 مليار دولار. المركز التاسع عشر: الإمارات العربية المتحدة، مبادلة التنمية 42.8 مليار دولار. المركز العشرون: كوريا الجنوبية، مؤسسة الاستثمار الكورية الجنوبية 43 مليار دولار. ومع أن مجمل أصول الصناديق السيادية متواضع الأهمية مقارنة بمجمل ما في العالم من أصول مصرفية، تخشى الدول المضيفة الاستثمارات المباشرة على وجه الخصوص، وذلك: • لأن استحواذ الصناديق السيادية على حصص في شركات العالم الغربي يمكن أن ينطوي على نوايا سياسية معينة، وأهداف إستراتيجية، قد تشكل خطراً على الأمن القومي، وعلى مجمل النظام الاقتصادي الوطني، لا سيما حين تستغل هذه الصناديق مواردها للسيطرة على الصناعات الرئيسية ذات الأهمية القصوى في الاقتصاديات الغربية، أعني صناعات من قبيل شركات الطاقة والاتصالات. • ولأن النشاطات التي تقوم بها الصناديق السيادية في المجالات الاستثمارية يمكن أن تؤدي إلى إحباط مزايا سياسة الخصخصة المنتهجة في الدول الغربية في الثلاثين عاماً الأخيرة. فبما أن الحكومات هي الطرف الذي تعود إليه ملكية الصناديق السيادية، لذا يعني استحواذ هذه الصناديق على الشركات التي تعمل الحكومات الغربية على خصخصتها، العودة ثانية إلى الملكية العامة. أضف إلى هذا أن الاستحواذ على هذه الشركات يمكن أن يكون وسيلة للحصول على ما تستخدم هذه الشركات من تكنولوجيا متقدمة. • ولأن ملكية الدولة للصندوق السيادي، يمكن أن يمنح الشركات التي يستحوذ عليها الصندوق ميزة خاصة، وذلك لأنه قد ينتفع بما لدى الحكومة من معلومات قد لا يتوافر عليها المشروع الخاص أصلاً. ولا نشط كثيراً، إذا قلنا إن هذا الفزع له علاقة بالصناديق الروسية والصينية في المقام الأول، وليس بالصناديق العربية. لا سيما أن الصناديق العربية قد لعبت دوراً ايجابياً رحبت به الدول الغربية عند تعرضها للأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة. فهي زودت مصارف عملاقة ومشاريع صناعية كبرى بما تحتاج من رأس مال، أضف إلى هذا، أنها لا تطلب، ولا حتى، بمقعد واحد في مجالس إدارات الشركات رغم استثماراتها الكبيرة فها. من ناحية أخرى تشير الدول الغربية إلى جوانب سلبية، فعلاً، في عمل الصناديق السيادية، فهذه الصناديق تفتقر إلى أبسط متطلبات الشفافية في عملها. فهي لا تقدم تقارير سنوية مدققة تعكس أدائها المالي والتشغيلي وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية. وعلى خلفية هذه الانتقادات، وبعد جولات من المحادثات، وأربعة أشهر من المداولات في أكثر من عاصمة، كان أخرها سانتياغو، عاصمة تشيلي، توصلت، في تشرين أول/أكتوبر من عام 2008، لجنة عمل دولية معنية بصناديق الثروات السيادية، وبدعم استشاري وفني من قبل صندوق النقد الدولي، إلى اتفاق على حزمة مبادئ وممارسات صارت تُعرف بمبادئ سانتياغو. وتعهد 26 صندوق ثروة سيادية بالالتزام بتنفيذ هذه المبادئ وبما جاء فيها من معايير تخص الشفافية والحوكمة الرشيدة والمساءلة. وضمت اللجنة في عضويتها أبرز الصناديق السيادية العربية والأجنبية، وكذلك الدول الراغبة في استضافة استثماراتها، وهي الإمارات والكويت وقطر والسعودية والبحرين وليبيا وعمان، إضافة إلى سنغافورة والصين وروسيا والنرويج والولايات المتحدة وتشيلي وأذربيجان وإيران وبوتسوانا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وفيتنام. وتمثل مبادئ سانتياغو القواعد والممارسات المتعارف عليها في النشاطات التجارية والتي تعبر تعبيراً دقيقاً عن ممارسات وأهداف استثمارات الصناديق السيادية. ويتمثل الغرض الإرشادي لهذه المبادئ في إلزام الصندوق السيادي بالإفصاح عن حجم وتفاصيل الإنفاق والتمويل، إضافة إلى تطبيق معايير الحوكمة لا سيما التقسيم الواضح للوظائف. كما تلزم مبادئ سانتياغو الصندوق السيادي بتقديم تقرير سنوي مدقق يعكس أدائه المالي والتشغيلي وفقاً لمعايير المحاسبة الدولية. أضف إلى هذا أن هذه المبادئ توجب على الصندوق السيادي الإفصاح عن سياساته الاستثمارية وإدارته للمخاطر إضافة إلى الإفصاح عن أداء أصوله، وتطالبه بالالتزام بكافة متطلبات التنظيم والإفصاح المرعية في البلدان التي يستثمر فيها؛ والتأكد من أن استثماراته تراعي المخاطر الاقتصادية والمالية واعتبارات العائد؛ وبضرورة المساهمة باستقرار النظام المالي العالمي وبحرية تدفق رؤوس الموال والاستثمارات. كما تؤكد هذه المبادئ على أن لا يُفرض أي قيد على الصفقات الاستثمارية لدواعي الأمن القومي، إلا بالتناسب مع الأخطار الأمنية الحقيقية، التي تثيرها الصفقات المعنية. والملاحظ هو أن أربعة فقط، من صناديق الثروة السيادية الستة والعشرين، الموقعة على وثيقة مبادئ سانتياغو، قد طبقت المبادئ، فعلاً. من هنا، فإن الإعلان عن هذه المبادئ لا يطمئن بال الدول المضيفة أبداً، لا سيما إذا لم تحظ هذه المبادئ بتأييد أوسع. وهكذا، لا غرو أن يصادق البرلمان الألماني في شباط/فبراير من عام 2009، على التغييرات التي أدخلتها الحكومة الألمانية على قانون التجارة الخارجية، وذلك بهدف اعتماد قواعد تمكنها من حماية الشركات الوطنية من استحواذ الصناديق الاستثمارية السيادية التابعة لحكومات أجنبية. إلا أن هذه التعديلات اعترض عليها الكثير من المعنيين واعتبروها قواعد تتصف بالعنصرية ولا مُبرر لها، لا سيما أنه ليس هناك دليل واحد يشهد على أن الصناديق السيادية تسعى إلى كسب نفوذ سياسي من خلال الاستحواذ على الشركات أو شراء حصص منها. إن خصخصة الصناديق السيادية من خلال طرح 30 أو 40 أو 50 بالمائة، مثلاً، من رأسمالها كأسهم يحق للجمهور الاستحواذ عليها، وإخضاعها إلى أنظمة الشركات وأنظمة الهيئات المكلفة بمراقبة أسواق المال، يجعل هذه الصناديق تتمتع بالإفصاح والشفافية وبقبولها والترحيب بها كشركات استثمارية عادية. من ناحية أخرى، لا مفر لنا من أن نؤكد هنا أيضاً على أن الاستثمار في الأقطار العربية غير البترولية يزخر بفرص استثمارية مضمونة النجاح وقادرة على در معدلات ربحية تفوق المعدلات التي يحققها الاستثمار في الدول الصناعية؛ ناهيك عن الحديث عن المخاطر التي تحف بالاستثمارات في الدول الصناعية. فالأزمة المالية والاقتصادية ليست إلا فصلاً واحد من فصول الأزمات التي تتعرض لها الدول الغربية بنحو دوري. Heiko Ueberschä-;-r, Staatsfonds: Neue Gefahr für Finanzmä-;-rkte und Unternehmen oder bekannter und willkommener Kapitalgeber?, in: WiSt-Wirtschaftswissenschaftliches Studium, 39. Jg. (2010), P. 128. Europä-;-ische Zentralbank, The Impact of Sovereign Wealth Funds on Global Financial Markets, Occasional Paper Series, No. 91, Frankfurt/Main 2008, P. 6. Europä-;-ische Zentralbank, 2009, S. 84. Europä-;-ische Zentralbank, Monatsbericht Januar 2009, Frankfurt/Main 2009, S. 88. Sovereign Wealth Fund Institute, Online: htt://www.swfinstitute.org/funds.php, 10.10.2010. Heiko Ueberschä-;-r, 2010, P. 130. Energy Compass (2008) Sovereign Risk, October 31. Gewinne in der Heimat, Wirtschaftswoche, 17.8.2009, Nr. 34, P.29. Kern, S., Staatsfonds - Staaltliche Auslandsinvestitionen im Aufwind, Deusche Bank Research, Frankfurt/ Main 2007, P 8.
#عدنان_عباس_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النشاط الاقتصادي الصيني في أفريقيا: أهو استعمار جديد أم منهج
...
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|