|
سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 5 – الإيمان بالتنجيم!!
توماس برنابا
الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 19:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تندرج ظاهرة الإيمان بالتنجيم أو الإيمان بالأبراج وقراءة الطالع أو قراءة الكف أو قراءة البخت أو قراءة الورق أو قراءة الفنجان أو ضرب الودع، وما شابه تحت موضوع التفاؤل والتشاؤم الذي تم معالجته في العدد السابق. ولكن الفرق الوحيد بين هذه الظاهرة و القضية السابقة بخصوص التفاؤل والتشاؤم ينصب في أن الباعث داخلي للتشاؤم والتفاؤل ينبع من داخل الفرد!؛ أما بخصوص الإيمان بالأبراج وقراءات الطالع والبخت والورق والفنجان والودع وغيرها، يكون فيها الحافز خارجي ينبع من خارج الأنسان عن طريق من يقدم البخت في الأبراج أو يقوم بقراءة الورق أو الفنجان أو الطالع أو البخت!!
تختص هذه الظاهرة بقراءة وإستباق معرفة المستقبل وهي سمة شائعة لدى البشر ربما تنبع من الخوف من المجهول الذي ربما يفسد ويدمر حياة ومجريات الأمور الحياتية للأنسان، فيغلب على الأنسان توقع الخير وتزداد لديه الرغبة في معرفة المستقبل مسبقاً ليرتاح نفسياً ويكف عن القلق والتوتر الذي يمكن أن يُمرضه إن زاد عن حده!
ولذلك أستغل بعض الناس من العرافين ورجال الدين هذه الرغبة الشديدة عند الناس، وأدعوا أن لديهم المقدرة على الأتصال بالعالم الروحاني حيث تسكن الملائكة أو الشياطين أو الجن أو الأسياد أو أي كانت هذه الكائنات النورانية؛ وبذلك ينكشف عن أعينهم الحجاب الذي يحجب رؤية المستقبل عن الجميع! وأشاعوا بين الناس هذه القدرة بترديد قصص كاذبة لجذب الزبائن إليهم. وتعددت أسماء ممارسات معرفة المستقبل في مختلف الثقافات والمجتمعات والبلدان وأخترقت الأديان الأبراهيمية بأسماء مختلفة بالرغم من أن الأيمان الديني في اليهودية والمسيحية والأسلام يؤكد أن لا أحد يعلم المستقبل الا الله وحده!
ولكن العرافين والسحرة والشيوخ والكهنة ورجال الدين المختلفين الممارسين لهذه المهنة قدموا تبريراتهم بأن هناك أناس مبروكين لديهم دالة عند الله وبذلك يتمتعون بشفافية ويكون الحجاب مكشوفاً لعيونهم؛ ولا مانع من أن نستشيرهم في أمور حياتنا المستقبلية مع تقديم الهدايا والعطايا لهؤلاء المبروكين من القديسين الأحياء!!
فأنت تجد هذا في الأسلام والبلدان الاسلامية، حيث يتخصص بعض الشيوخ في قراءة الطالع لمن يلجأ اليهم وتنتشر في القرى نسوة تخصصن في ضرب الودع وقراءة البخت أو قراءة الكوتشينه ( الورق) أوقراءة الكف وغيرها من الممارسات التي تعد البسطاء بكشف مستقبلهم المكنون المحجوب! وتنتشر في بعض الكنائس الأيمان بأن لبعض الرهبان والكهنة قدرة على التنبؤ بمستقبل من يلجئون اليهم. وفي بعض الكنائس البروتستانتية وخاصة الكنائس الرسولية والخمسينية والكاريزماتية ينتشر البعض الذين يُشاع عنهم أنهم يُعطوا ( رؤية أو إعلان!) لحيوات الأفراد المستقبلية الذين يلجئون اليهم، ويدعون أن (الإعلان) موهبة من مواهب الأمتلاء من الروح القدس مستشهدين بالنص الكتابي: (فما هو اذا ايها الاخوة متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم له لسان له اعلان له ترجمة فليكن كل شيء للبنيان (1كو 14 : 26))!!
ولم يفلت من براثن هذه الظاهرة حتى المثقفين والعلمانيين، بل حتى اللادينيين أنفسهم! فأنا أعرف البعض من أصدقائي اللادينيين ما زال يؤكدون على صحة الأيمان الأبراج مدعين بأنه علم معترف به ويدافعون عنه بإستماته!! وكيف أن دوران الأبراج السماوية يمكن أن يؤثر في حياة ومستقبل الناس! وتجدهم حبيسي هذه العقيدة رغم تحررهم من عقائد الأديان! فلماذا تتمكن هذه العقيدة من أذهان البسطاء والفقراء بل حتى الأغنياء والمثقفين، المتدينيين منهم واللادينيين؟!
هذا لأن القائمين على هذه المهنة من كتابة البخت في الأبراج، ومقدمي قراءات الكف والفنجان والطالع بكافة أشكاله وأنواعه ليسوا أغبياء أو بسطاء محدودي العقل والحيلة والدهاء، بل هم يتمتعون بقدر كبير من الدهاء والحكمة والتفكير المرتب الذين يمكنهم من خلاله قراءة الوجه والشكل العام ( الفراسة) لمتلقي خدمة قراءة المستقبل أيّ كان مسماها! يتفرسون مقدماً في الوجه والملابس والاكسسورات وهيئة الزبون ويا حبذا لو عرفوا بعض المعلومات الشخصية من الغير.. ويقوموا بدراسة هذا الواقع للزبون ويدرسوا السيناريو الذي يعيش فيه ومن خلال دراسة المعطيات يستطيعوا أن يتنبئوا لما قد تقود الى نتائج في حياة مستقبلية للزبون مثل زواج أو طلاق أو نجاج أو مكاسب أو خسارة حسبما يكون السؤال المقدم من الزبون الى مُقدم الخدمة!! وغالباً ما تصيب وتصدق تنبؤاتهم مما جعل البعض يقول ( كذب المنجمون ولو صدقوا)!!
ولكن القراءات التي يحصل عليها الناس من تنجيم الأبراج وما يسمعون من تنجيم من العرافين والسحرة والمشعوذين ورجال الدين بخصوص المستقبل؛ هذا يتم تدعيمه وتقويته بإيمان قوي بقدرات هؤلاء الناس، مما يؤثر على اللاشعور داخل الفرد المؤمن بالتنجيم. حينئذ يتحكم اللاشعور الذي تم التأثير فيه في قيادة أفكار وأفعال الفرد نحو الوصول الى ما تم التنبؤ عنه وبذلك يَصدق التنجيم أو التنبؤ أو الإعلان الذي سبق فسمعه أو قرأه!! فقد يخبر رجل دين فتاة أن الله يعدها للزواج من أبن عمها؛ فتصدق الأمر وتتقرب وتتودد الي أبن عمها بعد أن كانت بعيدة عنه نفسياً، مما يجعل أبن عمها يحبها فيتزوجها! فالأمر برمته تحديد وتخطيط سيناريو مستقبلي للفتاة حتى توجه حياتها للسير في هذه الخطة حتى تصل الى تحقيق النبوءة !! فهكذا تتحقق النبواءت؛ تستلزم أيمان وتصديق يتبع من توقع وإيحاء، ثم السير في هذا السيناريو وتهيئة حياة الفرد ومفرادتها لتحقيق هذه النبوءة!!
وهذه المهارة يجب أن تتوافر في القائمين على البلاد والجيوش. وهو علم حديث نسبيا يطلق عليه أسم علم المستقبلياتFuturology . حيث يتم دراسة معطيات الماضي والحاضر في رسم سيناريوهات مختلفة للمستقبل المجهول ، ثم إختيار السيناريو المرغوب والذي يناسب توقعات وأماني المؤسسة أو المنظمة أو المجتمعات أو الدول أو حتى الأفراد، ثم تسخير كل قوة متاحة في صياغة المعطيات الحالية للسير داخل هذا السيناريو المستقبلي حتى يتم الوصول الى الأهداف المرجوة! هكذا كان يفكر العرافين ويؤثرون عليك لاشعوريا حتى تصيغ حياتك لتحقيق نبؤاتهم! ولكن ليس كل العرافين يبتغون لك خيرا وربما يتحكمون فيك وفي عقلك لا شعوريا للوصول الى مآرب شريرة لك!
وهذا يجعلنا أن لا نلجأ لأحد لمعرفة المستقبل؛ فبأمكاننا أن نتحكم في مستقبلنا ونجعله غير مبهم وغير مجهول وبذلك لا نخافه بل نتوقع كل خير منه! هذا عن طريق دراسة شخصياتنا وماضينا وحاضرنا، ثم نرسم سيناريوهات مختلفة إعتماداً على هذه المعطيات المتاحة، لنختار السيناريو المناسب لنا ونكرس كل قدراتنا وممتلكاتنا للوصول الى الهدف الذي نبتغيه... وهذا السيناريو لن يقيدنا ويمكننا تغيره في أي لحظة مع تغير الظروف والمعطيات...فلا يوجد شئ ولا إنسان ولا أي كان يمكنه التحكم بمستقبلنا غيرنا!
كل شئ في هذا الوجود قائم على نظرية الاحتمالات والعشوائية ولذلك يجب أن نكون مستعدين ونرسم سيناريوهات مستقبلية لاي مجال ما في حياتنا لان هذا يلغي عامل المفاجأة ويجعل الانسان مستعد لحدوث أي أمر جيد كان أم شرير لأن الانسان قد سبق ورسم سيناريوهات ووضع حلول للأزمات المحتملة وهذا ما يسمى Crises management ) إدارة الازمات) وهو مهارة تدخل في نطاق علم المستقبليات Futurology.! فنحن نحيا في صحراء من العشوائية والانسان مسئول عن حياته في رسم طريقه الخاص، واضعاً سيناريوهات مستقبلية مختلفة، ومختاراً منها ما يناسبه ثم يسير في خلالها نحو المستقبل المجهول واثق الخطى ، وليس أحمق الخطى!!
العدد القادم سيختص بالتبرك بمخلفات وزوائد الأولياء والقديسين:
6- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 6 – الإيمان بكرامات الأولياء والقديسين !!!
مقالات سابقة في السلسلة:
1- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 1 – الإيمان بالجن والعفاريت !!!....... الرابط : ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=371574 ) 2- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 2 – الإيمان بالعين والحسد !!!...... الرابط: ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=371836 ) 3- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 3 – الإيمان بالسحر والشعوذة !!!...... الرابط : ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=371984 ) 4- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 4 – الإيمان بالتفاؤل والتشاؤم !!! ..... الرابط: ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372083 )
#توماس_برنابا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 4 – الإيمان
...
-
سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 3 – الإيمان
...
-
دعوة علمانية خالصة لإفشاء إطلاق اللحية بين الجميع !!!
-
سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 2 – الإيمان
...
-
إستراتيجية التفريغ النفسي كعلاج نفسي ومعرفي لادوائي للكثير م
...
-
سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 1 – الإيمان
...
-
خسئ كل من قال أن أجدادي الفراعنة كانوا من عابدي الحجر والشجر
...
-
حورس ( المعبود المصري الفرعوني) متخفياً في عقيدة وعبادة المس
...
-
هل يوجد فعلاً إله يتحكم في مصائر ومقادير البشر ؟!!
-
كتابات أرسطو هي مصدر محمد لقضية مراحل تكون الجنين ونوع الجني
...
-
هل هناك علاقة دالة إحصائياً بين الضعف الجنسي والتدين ؟!!
-
تقويض تاريخية قصة يونان النبي ( يونس) وبقائه حياً في جوف الح
...
-
هل هناك علاقة دالة إحصائياً بين التدين والفصام العقلي Schizo
...
-
العلاقة بين الفول المدمس والإسلام في الساحة السياسية في مصر
...
-
وأد الابداع... حينما يكون الأختلاف إقتراف لجريمة !!!
-
هل من فائدة تُذكر للتبشير ( أو التبليغ) !!!
-
الإختراق الصهيوني للمسيحية !!!
-
الطرب المقدس !!!
-
أليست س – س = صفر ؟!...وأليس الجمع بين الأخلاق ونقيضها في آن
...
-
لماذا القولبة والإستنساخ الفكري ... يا أهل الخير؟!!
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|