أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - صباح باللبن














المزيد.....

صباح باللبن


عبد الستار البلشي

الحوار المتمدن-العدد: 4175 - 2013 / 8 / 5 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


كنت لا أزال أدعك عينى من أثر النوم وأنا أسير بجانب عمتى مع تباشير الفجر الأولى . الدنيا يميل لونها إلى الأزرق الغامق . والبلدة ببطء تسحب نفسها من ليلة دافئة ، تتصاعد من جنباتها رائحة هى مزيج من نفثات الحقول والحطب المحترق مع بخار الروث ، والأرض مبللة بندى الفجر ، عندما قالت لى عمتى كالمعتذرة : نسينا نبيت على اللبن وأخشى أن يسبقنا أحد إلى أم إبراهيم ولا نستطيع عجن الكعك والبسكويت اليوم .

كانت تمشى ويسراها على كتفى ويمناها تهتز برفق إلى جانبها ، بينما تستقر على رأسها حلتان أدخلت إحداهما فى الأخرى . قالت تجرجرنى فى الكلام : إن الحلة الكبيرة للبن الرايب والصغيرة للبن الحليب . لكننى كنت مستسلما لأمان صحبتها ولسحر الفجر الطالع زاهدا فى الكلام .

*******
ـ صباح الخير يا أم محمود .
ـ صباح الخير يا سيد .
ـ صباح الخير يا عم أحمد .

هكذا طوال الطريق ، كانت عمتى بصوت رائق توزع التحيات بالاسم على ما تتكشف عنه الحارات والشوارع من أشباح ، أحار أنا كيف تتعرف عليهم بهذه السهولة رغم غبشة الفجر ، وكانوا يردون لها التحية بأحسن منها ، فتتلقى ردودهم فى انشراح يسرى إلى كيانى عبر يدها التى تستقر على كتفى .
تعثرت بحجــــر وانكفأت علــى الأرض ، فانحنت علــى بلهفة والتقطتنى : اسم النبى حارسك وصاينك ، ألف سلامة يا حبيبى . لم أحس بأى ألم ، لكننى نعمت بلهفتها وانزعاجها على .





وأمام باب لا إحكام فيه ـ مكون من ألواح خشبية متفاوتة الطول ـ يتوسط سورا ، من الطوب اللبن ، يختفى تحت ربطات متراصة من حطب الذرة ، وقفت عمتى تنادى : يا أم إبراهيم ، أم إبراهيم . حتى أتانا صوت الأخيرة ملبيا : أيوة يا أختى . ثم انفتح الباب عن امرأة أربعينية مدكوكة ، ما كادت ترى عمتى حتى تهلل وجهها ومالت قليلا عن فتحة الباب لتفسح لنا . نظرت عمتى إلى ثوب المرأة الخفيف الذى يصل إلى منتصف سمانة ساقيها ويكشف عن ذراعيها إلى ما فوق الكوع وقالت : الله يخيبك بنت ، هل تلبسين الجلباب على اللحم ، ألا تخشين برد الفجر؟
فطنت المرأة إلى تلميح عمتى وأمسكت تكة سروالها من تحت الثوب وجذبتها ثم أطلقتها فارتدت على بطنها البارز بصوت كالطبل ، وحلفت أنها منذ أكثر من ساعة لم تهمد ما بين حلب وإطعام طيور وإشعال الفرن لخبز فطيرتين للإفطار ، وهكذا تظل طول النهار كالمكوك من هذه لتلك حتى تنام مع المغرب كالجثة الهامدة .
سألتها عمتى عن وجبتين أو ثلاث من اللبن الرايب ووجبتين حليب . قالت المرأة فى أسف : الحليب موجود لكن الرايب أخذته سعدية بنت سيد احمد ليلة أمس . ثم دلت عمتى على أكثر من واحدة من الممكن أن تجد لدى أى منهن ما تريد .

*******

كانت الشمس قد بزغت عندما ناولتنى عمتى ، على باب شارعنا ، الحلة الصغيرة كى أعود بها إلى البيت ، فيما تذهب هى للبحث عن اللبن الرايب ، مشددة على بضرورة الحرص حتى لا تقع منى الحلة أو يندلق اللبن . وصلت إلى البيت وسلمت الحلة إلى أمى ، ثم ذهبت لأكمل نومى . وكان آخر ما يرن فى أذنى ، وأنا أستسلم لدفء الفراش ، صوت تكة السروال وهى ترتد إلى البطن الخمران بصوت كالطبل .



#عبد_الستار_البلشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - صباح باللبن