|
لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة المدنية
سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 4175 - 2013 / 8 / 5 - 12:19
المحور:
مقابلات و حوارات
لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة المدنية حوار مع الكاتب سعد محمد رحيم حاوره: صفاء ذياب يشتغل القاص والروائي سعد محمد رحيم في مناطق محاذية للحياة، مناطق ربما يعدُّها البعض هامشية، إلا أنها تصب في مركز الحياة. هذا الهامش جعله يحصل على عدة جوائز، منها جائزة وزارة الثقافة للمجموعات القصصية في العام 1993، وجائزة الإبداع الروائي عن روايته (غسق الكراكي) في العام 2000، وجائزة الإبداع في القصة القصيرة عن مجموعة (زهر اللوز) في العام 2010، فضلاً عن جائزة أفضل تحقيق صحافي في العراق 2005. ربما منحت هذه الجوائز رحيم (جلولاء 1957) دافعاً للتفكير في مسارات أخرى في الكتابة، فاشتغل على النقد والفلسفة، حتى اصدر كتابه (استعادة ماركس) وهو ما يؤكد على أنه كان يهم بكتابته منذ أن كان طالباً في كلية الإدارة والاقتصاد. عن القصة والرواية والدراسات النقدية كان لملحق "أدب وثقافة" هذا الحوار: الكاتب واللغة * اشتغلت بالقصة والرواية والمقالة، كيف يمكن أن نفهم تطور النص السردي لديك منذ روايتك الأولى ومجموعتك القصصية الأولى حتى أعمالك الأخيرة؟ - أدركت مبكراً أن عليّ ألاّ أكتفي بقراءة الروايات والقصص القصيرة فقط. وإنما التجول في حقول معرفية مختلفة والإطلاع على أبرز الأعمال في الإنسانيات والتاريخ. وشغلني النقد الأدبي، لا سيما ذلك المهتم بالسرديات.. واكتشفت منذ البدء بأن على الكاتب القصصي والروائي أن يعزز موهبته من ناحيتين؛ الأولى هي الانغماس بتيار الحياة المندفع الغامض والثري والنظر العميق إلى كل شيء من موقع السارد مدعوماً برؤية ناضجة أي بفلسفة خاصة. لن تستطيع أن تكون روائياً من غير الشغف الحار بالحياة، والبحث عمّا هو استثنائي وجميل ومدهش فيها.. والثانية التفكير باللغة. على الكاتب أن يطوِّر لغته على الدوام، أن يغني مفرداته وأن يحكم صياغة جمله. وألا يغيب عنه حقيقة أن مادة بنائه هي اللغة لا غير.. حين تكون اللغة سيئة يكون من المجحف أن نطلق على النص بأنه ينتمي لدنيا الأدب.. أجهد بصرامة لإغناء ثقافتي وأعاني قلقاً دائماً بشأن اللغة. استهوتني البلاغة الزائدة في فترة ما وأثقلت بعض نصوصي غير أنني عملت على التخلص منها، ومن غير أن أفقد طاقة الشعر التي لا بد من أن تمنح لكل نص أدبي قيمته الجمالية. كما أدركت مذ تورطت بحرفة الأدب أن العالم في نظر الروائي موضوع تلصص.. عليك أن تراقب البشر والأشياء والطبيعة بعيون فضولية مهتمة، وتحيل إشارات ما حولك إلى الوعي بالشكل الذي يعينك في كتابة روايتك.. الروائي صيّاد وقائع وأسرار، يتجسس على العالم لصالح المعرفة والجمال. في الفكر الاقتصادي * ابتعدت في كتابك (استعادة ماركس) عن السرد، واشتغلت على الجانب الفكري والاقتصادي، لماذا ماركس؟ وكيف دخلت في الفكر الاقتصادي؟ - لست غريباً على الفكر الاقتصادي.. شهادتي الجامعية هي في الاقتصاد. ومنذ وقت مبكر اهتممت بالفلسفة والإنسانيات والعلوم، أي بالأفكار والنظريات. قرأت كثيرا بهذا الشأن، وما زلت مع قراءة كل رواية أو عمل إبداعي أقرأ كتاباً فكرياً أو نقدياً. الروائي الذي يكتفي بقراءة الروايات فقط تُصاب موهبته، بمرور الوقت، بالضمور. كذلك كتبت عن قضايا فكرية أخرى كالعولمة والإعلام والاستشراق والتنوير وموقع الثقافة وأدوار المثقفين.. وعلى الرغم من هذا لا أعد نفسي مفكراً بالمعنى الاصطلاحي الدقيق للكلمة. أنا، وقد سبق لي أن قلت هذا، روائي تشغله الأفكار، وأحس أن الظروف التي نعيشها تتطلب الخوض بشكل مباشر في مسائل اجتماعية وسياسية وثقافية دقيقة لا تتحمل الرواية وحدها عبئها. لذا ألجأ، أحياناً، إلى كتابة المقالة والدراسة التي أحسب أنها تلقي ضوءاً على جوانب وزوايا لافتة من حياتنا. في (استعادة ماركس) لم أبتعد كثيراً عن السرد، معظم من قرأ الكتاب حكى عن اللغة السردية والأدبية فيه. صحيح أن همّي في الكتاب لم يكن اللغة أو الجانب الأدبي إلاّ أنك لن تستطيع ان تتملص من أسلوبك وطريقتك في ما تكتب. أما لماذا ماركس فلأنه مثّل فكر التنوير والعقل وابتكر طقماً من المفاهيم وأدوات التحليل والنقد ما زالت فعالة في فهم ظواهر وتحوّلات حياتنا البشرية. وما يزال يمتلك كثيراً من الحلول لمشكلات العالم، والأجوبة على أسئلته. وقد جرى اختزال ماركس بصورة سيئة وشوِّهت أفكاره في الفضاء الثقافي العربي، لذا حاولت في كتابي أن أقترب من صورته الحقيقية. لا أحد فهم منظومة الاقتصاد الرأسمالي مثلما فهمها ماركس. واليوم لا أحد يتجاهل تحليلاته واستنتاجاته بشأن فهم عالمنا. وحتى المنظرون الليبراليون الغربيون عادوا إليه ليفهموا حقيقة الأزمات الثقيلة التي باتت تعصف باقتصاديات العالم الرأسمالي اليوم. لا أقول أن ماركس يمتلك الصواب كله، وقطعاً ثمة ما هو ناقص ومختل ومتناقض في فكره كما هي حال الأفكار كلها، إلا أننا باعتقادي لن نبلغ الصواب من غير معونته. خلفيات ثقافية * منذ بداياتك وأنت منشغل بالاستشراق وكتابات إدوارد سعيد عنه، إلى أي مدى استفدت من هذا المفهوم في أعمالك القصصية والروائية؟ - انشغالي الرئيس هو بالصورة؛ صورة الفرد، وصورة ذاتنا الجماعية في نظر نفسها، وصورتها كما يراها الآخر، وصورة الآخر كما نراها نحن، وإلى أي مدى تؤثر صورتنا في نظر الآخر بصورتنا في نظر أنفسنا، والشروط والظروف الذاتية والموضوعية التي تساهم في تكوين كل صورة. من هنا ينبع اهتمامي بموضوعة الاستشراق، وبما يتعلق بمفهومي الحوار والصراع الحضاريين. ففي هذا الخضم تُطرح أسئلة الهوية، والموقع الحضاري، ومستقبل العالم. في روايتي (ترنيمة امرأة.. شفق البحر) سعيت لمعالجة موضوعة العلاقة بيننا وبين الآخر. وبمجرد أن دخلت شخصية غربية إلى متن الرواية حضرت التباسات وإشكاليات تلك العلاقة. بصراحة لم أخطط لهذا منذ البدء، ويبدو أن انهمامي بهذا الصدد كان يقودني، أو يقود مسار الحدث السردي بتلقائية تستجيب لمنطق التاريخ والأفكار وتفاعلاتهما وصراعاتهما. * أفاد الدكتور فاضل التميمي في محاضرته عن روايتك الأخيرة (ترنيمة امرأة شفق البحر) من كتاب إدوارد سعيد، إلى أي مدى كان مصيباً في أنك استندت إلى هذا الكتاب في بناء الشخصيات والحوار؟ - هذا رأيه، وأحترمه عليه، لكني أختلف معه ببعض التفاصيل. لم أستفد من كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد فقط، بل قرأت كماً كبيراً من الكتب الخاصة بالاستشراق وأدب الرحلات وتلك التي تعالج إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب، واستفدت منها كثيراً، وهي التي شكّلت جزءاً مهماً من مرجعيتي المعرفية بهذا الخصوص، لكن في النهاية كتبت عن تجربتنا العراقية والعربية والشرق أوسطية مع الغرب بتاريخه الاستعماري وموجِّهاته الإيديولوجية ولعبة مصالحه الكبرى من جهة، وبتأثيره الفكري والعلمي والحضاري الهائل من جهة ثانية، وكما خبرناها طوال العقود الماضية. لم أبدأ الرواية بأفكار مسبقة. لم أصغ الأفكار أولا لاخترع الشخصيات فيما بعد. ما حصل كان عكس هذا تماما. ولدت الرواية في رأسي من صورة رجل يلتقي امرأة إيطالية مصادفة على ساحل البحر المتوسط، ثم اتخذت الأحداث المسار الذي في السرد، أكثر الصور والأفكار والمشاهد والحوارات تفاجئني وأنا منغمس في فعل الكتابة.. كأن الرواية تكتب نفسها بنفسها وما أنا سوى أداة طيّعة بيد روائي خفي يسكنني. ثقافة عامة * من الواضح أن قراءاتك أثرت تأثيراً مباشراً على شخصيتك في السرد، كيف يمكنك توضيح هذه المؤثرات والأطر التي اشتغلت عليها من خلال الفلسفة والاقتصاد؟ - كل نص أدبي هو نتاج ثقافة كاتبه. لم تكن الكتابة الإبداعية في أي وقت رجماً بالغيب، حتى التداعي الحر ينبع من تلك الطبقات الجيولوجية العميقة في الدماغ وفي المملكة العصبية حيث ترسبت عصارات قراءات الكاتب وخلاصات تجاربه في الحياة. لا أستطيع التخلص من سطوة أفكاري في الكتابة، غير أنني أحرص على أن يجري ذلك في سياق الإبداع الفني. ليست الرواية مسرحاً لعرض الأفكار، عرض الأفكار له مجالاته التخصصية؛ علوم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة والأنثربولوجيا، والفلسفة، الخ... لكن الأفكار تحضر في نسيج العمل الروائي بعدِّها من عناصر العمل الأساسية. حين تكون الأفكار مقحمة يتيبس النص ويشحب، يكون مفتعلاً ومختلاً ومملاً. الرواية ابنة الحياة والأفكار جزء من المعجزة البشرية، وكل إنسان سوي هو مصنع أفكار. غير أن الأمر يختلف من فرد إلى آخر، هناك من يكتفي ببضعة أفكار، طوال حياته، يتعصب لها ويعيد إنتاجها ولا يرى غيرها، يصاب بالعمى الوجودي إن صح التعبير. مثل هذا الفرد يغدو مشروع عنف وإرهاب، وهناك من لا يهدأ مصنع عقله أبداً يتساءل ويفترض ويحاور نفسه والآخرين ويصوغ الأفكار ويراجعها. الروائي الحقيقي ينتمي للصنف الأخير. كل رواية راقية بقدر ما هي قطعة فنية جمالية بقدر ما هي خطاب ثقافي وفكري إنساني. * اشتغلت كثيراً على مفهوم المثقف، وأكدت على إخفاق المثقف في التغيير السياسي والاجتماعي. كيف تنظر للمثقف في ظل الأوضاع الراهنة؟ وهل هناك من سبيل لحضوره مجدداً بثوب جديد في ظل التقنيات الجديدة؟ - لا أتصور مستقبلا لائقاً لأي مجتمع من غير مساهمة المثقفين. والمثقف كما أعرِّفه بالاستناد إلى تعريفات متداولة هو صانع معارف وصانع جمال في الوقت عينه، كذلك هو شخص مشاكس لا يقدر على السكوت حين يجد الخطأ أو الظلم أو الشر. يدسّ أنفه في ما يعنيه وما لا يعنيه، يتخذ موقعاً يكون حراً فيه ومستقلاً، ويمتلك الجرأة ليقول الحق بوجه السلطات كلها. ثرثرات المثقفين هي واحدة من العناصر التي قوّضت سلطة صدام حسين قبل وقت طويل من الاجتياح الأميركي. لم تكن تلك بالثرثرات الفارغة، بل انتقادات في الصميم لآليات نظام الاستبداد. والخطأ القاتل الذي يمكن أن تقع فيه أية سلطة هو حين لا تحسب جيداً حساب النخب الثقافية ودورها. النخب الثقافية التي لا بد من أن تكون، في راهننا العراقي، عنصر مشاركة فعالة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ولكن من موقع مستقل معارض وناقد. لا يعني هذا أن وضع هذه النخب، الآن، هي على خير ما يرام. وأنهم يؤدون وظيفتهم الإبداعية والفكرية والنقدية بأفضل صورة. وأستطيع القول إنهم أخفقوا أيضاً في كثير من الحالات، لم يستطيعوا أن ينتجوا خطاباً ثقافياً واضحاً يعكس وجهة نظرهم فيما يجري على الساحة العراقية بالشكل الذي تكون له أصداء عند الطبقة السياسية وفي الرأي العام. هناك محاولات فردية جادّة، لكن لن يكون الخطاب الثقافي فاعلاً إن لم يتمأسس، أي ما لم يصدر عن مؤسسة ثقافية لها حضور اعتباري قوي في المشهد العام، هذه المؤسسة الثقافية العراقية المستقلة الحرّة والفاعلة التي لها إستراتيجيتها وخطابها الواضح والمتماسك لم توجد بعد، والأدهى أن لا أحد منا يبادر اليوم من أجل تأسيسها. هناك محاولات، وهي من عقابيل عصر العولمة، لتسفيه دور المثقفين والحط من قدرهم لصالح ثقافة الموضة، وهي في الغالب ثقافة برّاقة لها جاذبية عالية لكن محتواها فارغ، توفرها وسائل الإعلام ولا سيما القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، وتخاطب العقول الكسولة والباحثة عن المتع السهلة. والغريب أن الحركات الأصولية والإرهابية المتعصبة استطاعت أن تستثمر هذه الوسائل الحديثة للترويج لعقائدها الظلامية بنجاح نسبي وأن تستقطب العقول الغضة لكثير من الشباب وتضللها، في حين لم يحقق المثقفون نجاحاً مؤثراً في توظيف هذه الوسائل لنشر فكرهم التنويري إلاّ باستثناءات محدودة. النص الجديد * منذ عشر سنوات انهمك الأدباء العراقيون في الرواية، شعراء وقصاصون وروائيون، إلى أي مدى تمكنت الرواية العراقية من التطور في ظل هذه الإصدارات؟ ولماذا أهملت أجناس أدبية مقابل الرواية الجديدة؟ - لديّ قناعة بأن هويتنا الثقافية الجديدة لا يمكن أن تتبلور من غير أن ننشئ سرديتنا الحضارية الخاصة كأمة ومجتمع، والرواية هي النوع الأدبي الأقدر على التعبير عن هذه السردية وتقديمها للعالم. ربما تطوف هذه الفكرة الآن في أذهان كثر من روائيينا، أو تقبع في لا وعي آخرين، وهي التي تحرِّض على مغامرة الكتابة الروائية، كوسيلة لتأكيد الذات، ليست الفردية فقط وإنما الجماعية كذلك. الغرب كتب روايته ليؤصِّل هويته الثقافية والحضارية، غير أننا لم نفعل هذا بعد. لكي نكون في الحاضر يجب أن تكون لنا، إلى جانب أمور أخرى بطبيعة الحال، روايتنا بوصفها حاضنة سرديتنا الحضارية ورؤيتنا إلى أنفسنا والعالم. ليست لدينا ظاهرة روائية عراقية قارّة حتى هذه اللحظة على الرغم من كم المكتوب والمنشور من الروايات. لدينا روايات جيدة وروائيون مبدعون، لكننا لم نبنِ بعد عمارة الرواية العراقية الكبرى. قد نحتاج إلى عقود حتى تترسخ أسس هذا البناء، وتتوضح معالمه، وتتأكد تقاليده، وأظن أن الخطوة الأولى تحققت. ليس هناك برأيي إفراط في الكتابة الروائية من ناحية عدد الروايات المنشورة في بلد ذي جذور ثقافية وحضارية ممتدة لستة آلاف عام مثل العراق لا يعد نشر مائة رواية في السنة عدداً مبالغاً فيه. لكن المشكلة في القيمة الإبداعية لنسبة غير قليلة من هذه الأعمال. هناك كتّاب من قليلي الصبر والباحثين عن الشهرة السريعة ينشرون أعمالهم قبل أن تنضج على نار هادئة، وهناك أيضاً بعض من أنصاف الموهوبين أو من عديمي الموهبة الذين اقتحموا هذا الحقل الصعب من غير عدّة لغوية وتقنية ورؤيوية كافية. وهؤلاء في أفضل الأحوال حكواتيون مملون وأدعياء يوهمهم أصدقاؤهم أو أشباه النقاد بأنهم روائيون مهمون. نحن بحاجة إلى روائيين موهوبين يتحملون مسؤولية تحقيق التنوير الثقافي من خلال الإبداع الروائي، وتجسيد هويتنا الحضارية الجديدة في متون سردية مبهرة. أما ما يتعلق بتراجع القصة القصيرة والشعر فهذا باعتقادي ليس سوى ظاهرة مؤقتة، تعدّ الحاجة إلى الشعر ضرورة عقلية ووجدانية ووجودية. لن يجيء ذلك اليوم الذي يقول فيه البشر أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الشعر إلا إذا تحولوا جميعهم إلى وحوش وعاد العالم ليمسي غابة مرة أخرى. كذلك الحال بالنسبة للقصة القصيرة، تراجع مكانة أي نوع أدبي لا يعني انتفاء شروط بقائه واستمراريته. وتبقى الرواية هي النوع الأدبي الأكثر مرونة وانفتاحاً والأقدر على التعبير عن الذات الفردية والجماعية في عصرنا المعقد هذا. البحث عن خلاص * قلت في أكثر من مكان إنك تبحث عن وسائل للخلاص، أي خلاص هذا؟ وما الذي تريده من كتاباتك في المستقبل للوصول إلى بر الخلاص؟ - الخلاص لا يأتي من خارجنا، علينا أن نبحث عن طرقه في أنفسنا، هنا على أرضنا، بالاعتماد على عقولنا وإرادتنا وهمتنا. لست معنياً بالخلاص الفردي، الخلاص الفردي كذبة لا سيما لمن يشعر بالمسؤولية الأخلاقية إزاء مجتمعه. وحتى أولئك الذين هربوا من البلاد لم يجدوا الخلاص، بل على العكس، إنهم يعانون من أزمة مركّبة، يعيشون قلقاً يوميا حتى أكثر من الذين آثروا البقاء في الوطن، وقد يشعرون بالذنب أيضاً. المنفى حين لا يكون وطنك بخير يستحيل إلى مكان خانق، إلى جحيم، وحين يعاني مجتمعك من الويلات يكون التفكير بالخلاص الفردي وهماً، وفي بعض الأحيان أنانية وخيانة. أكلت السياسة أعمارنا حتى وإن لم نكن سياسيين. مجتمعنا ضحية سياسات خاطئة، أو فاسدة، وأجندات قوى خارجية. حتى وقت قريب لم أكن أؤمن بنظرية المؤامرة، الآن، بعد كل هذا الذي يحصل بت أؤمن بها، وإن لم يكن على طريقة الثورويين والفاشيين والعقيديين الدوغمائيين. نحن ضحايا موقعنا الجغرافي، ضحايا خيراتنا، وضحايا تاريخ إشكالي وملتبس، وفي الغالب دفعنا أثماناً غالية في صراعات وحروب لا تعنينا. ونحن جزء من المجتمع المبتلى منذ قرن من الزمان، أو منذ قرون. وفينا من لا يتشرب من التاريخ إلاً أقذر وأسوأ ما فيه ليعيد إنتاج الكراهية والموت والخراب. لست واهماً إلى الحد الذي أدعي فيه أن الكتابة أو الثقافة قادرة وحدها على إيصال المجتمع إلى بر الخلاص، لكن بر الخلاص لن يلوح أبداً ما لم نتجه نحوه بمجداف الثقافة. المشكلة أن كثرا ممن يشتغلون في حقل السياسة لا يرون هذه الحقيقة، لا تعنيهم الثقافة في شيء، ومنهم من لم يقرأ رواية واحدة طوال حياته، لم يقرأ ديوان شعر حديث، أو حتى مرجعاً أساسياً في علم السياسة. لا أدعو إلى انخراط المفكرين والمبدعين في اللعبة السياسية، ولكن أتمنى أن يكون السياسي مثقفاً وتنطوي روحه على فيض من الجمال. مشاريع مقبلة * بماذا يفكر سعد محمد رحيم الآن؟ وما الجديد الذي سيطرحه من كتابات سردية أو نقدية أو فكرية؟ - أفكر بما يجري هنا/ الآن، وفي لحظات معينة أُصاب بإحباط شديد إلى درجة أعجز معها أحياناً عن الكتابة. غير أن بصيصاً من الضوء سرعان ما يختلج في نقطة غائرة في داخلي يعيدني إلى نفسي وإلى إيماني بممكنات الحياة، وممكنات الشعب العراقي. لست متفائلاً ساذجاً إلى الحد الذي أقول فيه أن مستقبلنا القريب مشرق لا محالة، لكنني أقاوم جرثومة التشاؤم فيّ. حين يتشاءم المفكرون والمبدعون والناس الأخيار تقترب الكارثة وتحلّ اللعنة. علينا ان نبحث عن مصادر القوة فينا، عن الفرص وهي موجودة لا شك. وعن الحلول وهي ليست مستحيلة. أما على الصعيد الشخصي ففي بالي مشروعات كثيرة، غير أن مشكلتي مع الوقت. أحس دائماً أن الوقت يضيّق الخناق عليّ. في ذاكرة حاسوبي مخطوطات ثلاث روايات واحدة منها جاهزة تقريباً، ولي مجموعة قصصية مهيأة للطبع، فضلاً عن كتب فكرية ونقدية منجزة آمل أن يُطبع بعضها خلال هذه السنة منها؛ (أنطقة المحرّم؛ المثقف وشبكة علاقات السلطة) و(سحر السرد) و(روافد النهضة والتنوير؛ مرويات فكرية) و(السرد والمكان والتاريخ). كذلك تراودني منذ أكثر من عشر سنوات فكرة رواية تكاد تكون مساراتها واضحة في ذهني، ولا أدري متى سأبدأ بكتابتها، وفيها سأحاول اختبار تقنية جديدة. لا معنى لكتابة رواية أخرى ما لم تنطوِ على موضوعة سردية شيّقة ذات عمق دلالي، أو تقنية مبتكرة، أو لغة مشعّة، ساحرة.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أناييس والآخرون
-
يوميات أناييس نن
-
المثقف والحيّز العمومي
-
المثقف الذي يدسّ أنفه...
-
أنسنية إدوارد سعيد
-
-لقاء- كونديرا
-
المثقف والسلطة، وحقل المعنى
-
حين يقيم الشعر نصباً للحرية؛ قراءة في مجموعة -بروفايل للريح.
...
-
رحلتي في عوالم جبرا إبراهيم جبرا
-
عن السرد والواقع والتاريخ
-
الكتب في حياتي
-
كامو والآخرون
-
جان وسيمون: وجهاً لوجه
-
رياض البكري شاعراً
-
الأسلمة السياسية في العراق
-
الإحساس بالنهاية: بين الذاكرة والتوثيق
-
العابر التخوم
-
قراءة في حرب نهاية العالم
-
شرق بعيد: الخريطة السرّية للواقع في السرد
-
إلفريده يلينك والعاشقات
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|