|
الظل / قصة قصيرة
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 4174 - 2013 / 8 / 4 - 14:00
المحور:
الادب والفن
الظّل
اعتبر إن مكاســبي الثقافية الضئيلة من تلك الصداقة هي خير ما حصل لي في عطلة الصـّيف الماضي إضافة إلى الرغبة الملحّة في أن أصبح ثالثهما ، وبصورة عامة كانت أموري على ما يرام . كنت أدرس وأعمل معا . تعارفنا في ( حديقة الشـــــهداء) والحديقة متوسطة الحجم تقع في وســـــــط المدينة تقريبا وفي أوقات الدراسة أقضي فيها معظم وقتي . أقرأ فروضي وأرتاح حتى إني آخذ غفوة أحيانا وأتناول وجبة سريعة قبل التوّجه للمدرسة المسائية التي أدرس فيها . كانا دائما يحملان بعض الكتب أو المجلات الثقافية ويدعيّان المعرفة في كل شـــــــيء . وبعد أن توطدت علاقتنا من خلال اللقاءات اليومية في الحديقة وكنوع من التغّير اتفقنا على التسكع هنا وهناك في أماكن مكتظّة من مركز المدينة مثل ( شارع النجفي ) وفي الأماكن التاريخية الخالية من المارة ، وفي كل مكان نســتمتع بوقتنا أحيانا ، ونتظاهر بالاســــــــــــــــــتمتاع أحيانا وعندما يهّدنا التعب نسـتقل إحدى باصّات مصلحة نقل الركاب دون التفكير في النزول بأية محطة وكانت هذه بمثابة استراحة لي أتفرج على المارّة والأســـواق أما هما فغالبا ما كان يحتدم النقاش بينهما على أمر كنت أعتبره غير مجديا أول الأمر بل تافها في معظم الأحيان ، فماذا يهمني من أمر أبن خلدون إذا كان قد ولد في غير زمانه ، ولماذا أهتم بتلميذه علي الوردي المشحوذ اللسان ، والى آخره من تلك الاهتمامات والتفاصيل الصغيرة جدا حيث بإمكانهما قضاء شهر يبحثان في المكتبات ويقلبان الكتب ليثبتا وجهة نظر ليس إلا ، أما أنا فكنت قبل أن التقي بهما أنام الظهيرة ، وادخل دار ســــــــــــــــــينما أيام الخميس ، ونادرا أقتني كتابا أو مجلة . لا أدخن ، ولا أعاقر الخمرة ، وكل ما يهمني دراســــــــــــــــــتي وعملي الصغير بدوام جزئي في معمل أهلي للنســــــــــــيج يدر علي بعض المال يكفي مطالبي المتواضــعة بل يـزيد ، وهذه الزيادة كنت أصرفها بحبّ على صديقاي الجـديدين ثم لاحظت إنهـما يتوقعان مني المزيد دون أن يقولا ذلك بصـــــراحة ، فلم أبالي وتجنبّت الدخول معهما في نقاش حسـّـــــاس من هذا النوع بل تعمّدت تأجيل ذلك ، فهما عاطلان عن العمل كأغلبية الناس ولكنهما يأملان في وظيفة حكومية لأنهما من أصحاب الشهادات وكنت أسـتغل فترة العطلة لأتعلم منهما فأعلم إن رفقتهما مؤقتة وسيتخليان عني في أقرب فرصة وهما يسـخران مني سّرا الآن ومن ضآلة ثقافتي العامة ولكن لا حيلة بأيديهما أيضا . فطالما الأوراق الخضراء تحافظ على دفئها في جيبي ســـــــــــأرافقهما في جولاتهما المعتادة مثل ارتياد المكـتبات العامة وحضور بروفات بعض المســـــــــــــرحيات بطريقة أو بأخرى وبذلك نكون قد وفرنا ثمن التذكرة فلا نضطر لمشـاهدتها عندما تعرض فعلا ، وكان لهما أسلوب غريب في الدخول للســـــــينما وكنت أجاريهما عندما نكون سوية حيث كنا نكتفي بالتفرج على الصور الفوتوغرافية للفلم وقراءة البوسترات والإعلانات ، والشيء الوحيد الذي يكّلفنا بعض النقود فعّلا هو الطعام وفي الغالب طعام الغداء أما العشاء فكانا يدّعيان أن لا وجود لشيء اسمه العشاء فهو من اختراع الأغنياء ، وذوي الكروش الكبيرة وكانا كعادتهما لا يترددان في استخدام القياس في جدلهما فيأتيان بمقدمة منطقية ويستنتجان منها النتيجة التي يرغبان فيها وهذه المرة ذكرا، بما إن المرء وفي كل الأحوال بحاجة للفطور في اليوم التالي فلا داعي للعشاء ليلا ناهيك عن سردهما لفوائد المعدة الخالية في الليل وعند النوم . بمرور الأيام اكتشفت سرّ من أسرار شخصيتيهما حيث كانا يجدان متعة في تعليم وتثقيف الآخرين ولا يدّخران جهدا في سبيل ذلك ، وربما كان هذا سببا مباشرا في رغبتهما العمل في أحد حقول التدريس ، وكلمّا سنحت الفرصة كانا يتناوبان في شرح موضوع نختاره بعناية وكنت أناقش بأسلوب الطالب المجدّ فأعطيهما بذلك لذة يستحقانها وأحصل بالمقابل على فائدة علمية أو أدبية ما كنت احلم بها ، ففهمت منهما نظرية فرويد في التحليل النفسي وتعرّفت على آثار بعض من تلامذته المجتهدين أمثال الفرد أدلر والدكتور الكسندر وغيرهما . ومن الفلاسفة .... سقراط والفارابي ونيتشه . ومن العلماء .....أديسون وأينشتاين . ومن الشعراء اخترت ملكهم وأميرهم وفارسهم وصعلوكهم . ومن الأدباء .... الجاحظ والأعمى . ومن المطربات.... أم كلثوم وفيروز . ومن العشاق ..... العذريين . ومن الطغاة .... أكثرهم قسوة . وأعدّنا سوّية قراءة القصص المحذوفة والممنوعة من ألف ليلة وليلة . وتعرّفت على عدد كبير من العقائد الشرقية والغربية . وأطلعت على الكثير من الأمثال الشعبية السائدة والتي يستخدمها الكتاب في كتاباتهم ويستشهدون بها . كانت العطلة الصيفية تقترب من نهايتها وصديقاي يقفزان من الفرح فقد صدر أمر بتعيينهما في الريف . سررت لفرحهما الطفولي ، ولكن في داخلي كنت أفضّل بقاءهما هنا لأتعلم منهما أكثر وأكثر ، وذات يوم رافقتهما إلى محطة القطار لأودّعهما وأنا أعلم بأني لا يمكن أن أكون ثالثهما أو ظلهما بعد اليوم ، وقلت مازحا أتعلمان بأننا لم نأت إلى هنا يوما للتسكع ، وعندما يزورانني في عطلات نهاية الأسبوع في حديقة الشهداء يجدان معي دائما بعض الكتب أو المجلات الثقافية .
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدّي / قصة قصيرة
-
السيرة الذاتية للأكتع
-
سبعة أيام في الجحيم
-
بيوت من طين
-
بتلات الورد 40
-
رسائل (3) رسائلك
-
رسائل (2) رسالة إلى أنثى
-
رسائل (1) رسالة من أنثى
-
الطمع واليأس
-
العصفورة
-
ولا أزال أبحث عنك
-
لأنك غجرية
-
ثرثرة حرة
-
روحي وقلوبي السبعة
-
نعم للغزل لا للتحرش
-
البداية
-
العزاء
-
ابن الحكيم
-
زهور من شنكال
-
المفكرة
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|