|
جسر المقام نهاية حلم
مفيد بدر عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4172 - 2013 / 8 / 2 - 14:39
المحور:
المجتمع المدني
تتفاخر الشعوب مثلما تتفاخر الحكومات في العالم بمدنها الجميلة وعمرانها الذي يحكي قصة تطورها ويعكس ثقافتها ، فلكل زمان بصمته وطابعه في البناء ، ولماضي بصرتنا القريب طرز معمارية غاية في الجمال ، شناشيل وأبواب خشبية فخمة مطعمة بالنحاس وشبابيك منقوشة تفنن بصنعها الحرفيون ، فصارت مصدر الهام للشعراء والفنانين ولم تغب عن بال المغتربين ، فنجدها جلية في أشعارهم ورسومهم وكتاباتهم ، يدفع حب الأفراد لبلدانهم للمبالغة في وصفها فيحيطونها بهالة من وحي خيالهم لتضفي لجمالها جمالا . ذات مرة تعرفت من خلال محادثتي بالانترنت على مهندس معماري من الأردن مولع بتصاميم المدن ، واخذ يبعث لي صورا لمناطق في الأردن ، فبادلته بصور من البصرة الفيحاء فحصلت بيننا شبه منافسة استمرت أشهرا ، ما كان يدعم موقفي الصور القديمة لغابات النخيل والشناشيل وأماكن أخرى غاية في الجمال . شاء القدر أن يزور صاحبي البصرة لحضور مؤتمر في فندق مناوي باشا ومن الفندق اتصل بي ودعاني لمقابلته ، لبيت الدعوة وبقيت معه لبعض الوقت ، لكنه فاجأني بطلب لم يكن في الحسبان ، طلب مني أن اصحبه في جولة ليشاهد على ارض الواقع المناظر الرائعة التي كان يشاهدها من على شاشة الانترنت قبل عودته إلى بلده . بقيت للحظات في حيرة من أمري ، حاولت التملص لكن دون جدوى ، خطرت لي فكرة رائعة وهي أن اصحبه في جولة محددة جدا تبدأ من الفندق الذي يقيم فيه والكائن في ساحة الطيران ومن ثم انتقل به للكورنيش عبر الجزء الجميل من شارع الخورة بعدها أعود به بعدما أستدير من حول ساحة أسد بابل التي تقع في نهاية الكورنيش وبذلك أكون قد مررت بأماكن جميلة ونظيفة وسيتوافق المشهد إلى حد كبير مع ما كنت أتحدث به عن البصرة ، ما كان يزيدني ثقة بنفسي هو أنني من سيمسك بمقود السيارة . انطلقت بسيارتي واثقا وأخذت أشير له إلى مطاعم الأسماك ( المسكوف ) الفاخرة على نهر الخورة وأشبهها بمطاعم أبي نواس في بغداد والى المزروعات المنسقة التي تحيط بالمشاتل و ( الكاردن ستي ) ، وصلنا الكورنيش فصرت أتحدث بثقة اكبر ، أشرت له إلى الأماكن الجميلة ، شط العرب بسفنه الجميلة ، الشيراتون ، المطاعم العائمة و مدينة الألعاب ، ما لفت نظرنا قطع الإعلانات ( الفلكس ) المبالغ فيها على جميع الأعمدة الكهربائية للكورنيش والتي تتحدث عن الأعمار وعن نظافة المحافظة ، وصلنا ساحة أسد بابل فتفاجأت بما لم يكن في الحسبان ، حادث مروري عند الاستدارة مع وجود شرطيين للمرور يعملان على تحويل مسار السيارات إلى منطقة الداكير عبر جسر المقام ، خيم علي اليأس لعدم تمكني من التحكم في الجزء المضاف لسيناريو مسرحيتي ، بدأت أتلعثم بالكلام ، تعرقت خجلا وانا أعبر الجسر وبدأت المطبات والحفر وكأننا دخلنا نفقا مظلما ، الجزرة الوسطية مهشمة ، السيارات تستدير من أي مكان ، الأزبال منتشرة على الجانبين ، أما عن التجاوزات من قبل أصحاب المحال واحتلال الأرصفة فلا توصف ، من المؤكد أن لوحات ( الفلكس ) اختفت تماما فلم تعد تتلاءم مع المكان رغم أنها كانت تتحدث عن إعمار البصرة ونظافتها ولم يقتصر محتواها على الكورنيش ، دام صمتي دقائق ومن ثم كسر المعماري حاجز السكون بقوله : أشاهد أسوء من هذا عندكم من على شاشات الفضائيات ، ولكني لم أتصور مابين الصورتين مسافة عبور جسر ، ضحكت وقلت له ( أن الحادث المروري كان السبب ) ، استدرت وعدت بصاحبي إلى الفندق ، تركته ولم تتركني عبارته فهي حقيقة مرة ، أن شارع الكورنيش لا يبعد سوى أمتار عن الداكير المركز التجاري الضخم الذي يعاني الإهمال ، فمتى تصبح كل شوارعنا بنظافة شارع الكورنيش ؟ السبب الرئيس تتحمله الحكومة ، هي من جعلت شارع الكورنيش نظيفا فالمواطن هو المواطن فما إن يعبر البعض منهم الجسر ويشاهد الإهمال حتى يلقي ما بسيارته من نفايات ( مخلفات ما أكل وشرب ) في الكونيش من أغلفة ( الشبس ) وقشور الكرزات وعلب فارغة عبر النافذة لإحساسه بأنه لن يضيف شيئا فالأوساخ موجودة أصلا ولم تتخذ الجهات المعنية العقوبات الفاعلة بحق من يلقي بها وفي وضح النهار ، في دولة الأمارات العربية المتحدة والتي تعد من البلدان الرائدة في مجال النظافة ، يعد إلقاء منديل ورقي على الأرض جريمة تكلفتها غرامة باهظة تصل إلى مئات الدراهم ، ولو طبق مثل هذا عندنا لما استهان الكثير منا بنظافة الشوارع الواجهة الحضارية ومقياس وعي المواطن وثقافة المجتمع . إن المواطن يتحمل مسؤولية أخلاقية وشرعية ، فكل الأديان تحث على النظافة ، ولكن البعض منا يفهم حدودها إلى بداية حد سياج بيته أو عتبة دكانه ، فتلقى مخلفات البناء على قارعة الطريق ، و الصناديق الفارغة أمام المحال وأحيانا في وضح النهار أمام أنظار المارين دون خجل أو حياء . احمد الله بان صاحبي الأردني التزم أثناء التنافس على الانترنت بإظهار جمالية مدينته ، ولو أن الأمر تطور بيننا إلى أبراز مساوئ المدن لانسحبت خاسرا من الجولة الأولى .
#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سهرة لا تنسى
-
ملايين البصريين ينتظرون جواب الشرط من مجلس المحافظة
-
مراعيهم ومزابلنا
-
من يمسح دمعة البصريين
-
انقذونا من ملائكة الرحمة
-
مهندس في الصباح حمال في المساء
-
في معرض الزهور ذكرى لبوسطن وبغداد
-
عزيزه وصلت البرلمان
-
مقتنيات الحاج خنياب تدخل موسوعة جينيس
-
لن تعود لزوجها الا بقرار سياسي
-
اوباما للبيع
-
حريق نهر
-
مهندسا في الصباح حمّالا في المساء
-
رجل بحاجة لحرب عالمية ثالثة
-
هم ليسوا اغبياء
-
مد ايدك للسمه اكرب
-
لن اصفق لافتتاح المجسرات
-
دولة سيد فرج
-
ترحموا على جدي والنخيل
-
ما تعلمت من القطة
المزيد.....
-
وصول 9 معتقلين أفرج عنهم الاحتلال إلى قطاع غزة
-
نتنياهو يطالب الوسطاء بضمان سلامة الأسرى
-
أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين.. ماذا تغيّر في غياب محمد فلنة؟
...
-
-صفعة جديدة للمحتل-.. تفاعل مع مشاهد تسليم الأسرى في جباليا
...
-
مواجهات بين الجيش الإسرائيلي وفلسطينيين لدى استقبالهم الأسرى
...
-
بتسليم الأسرى.. فصائل غزة تتحدى إسرائيل
-
إصابة شابين بالرصاص واعتقال طفل خلال اقتحام الاحتلال غرب رام
...
-
إسرائيل تكشف شروطها لاستئناف الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
-
تقرير ميداني:الاحتلال يخنق الضفة الغربية بمئات الحواجز والبو
...
-
ترصد معاناة الأطفال حول العالم: صور اليونيسف لعام 2024
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|