جمشيد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 00:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بين الوجوه الفارغة
عندما دخلت المدينة بعد سفرتها الطويلة تعجبت السيدة ذات الوجه المعبر من كثرة الوجوه الفارغة فيها. هل هذا معقول؟ وجوه ساكتة لا تحكي شيئا؟ بدأت تنظر هنا و هناك و لكنها لم تجد الا وجوه خالية لا تعكس شيئا. وجوه بدون ذكريات و آثار. وجوه بدون آلام و دموع.
دعني اقول لك بان الوجوه لا تهمني فقط بل اعتبر نفسي خبيرا بصريا رغم قصر نظري و كانما انا جراح الوجوه. نعم الوجه هو السطح و لكن استطيع ان ارى تحته. لا تسيء فهمي فانا لا ابحث عن جمال او صحة او شباب بل عن وجه لا استطيع حتى وصفه. لا يهم يستطيع الوجه ان يكون تعبانا او مريضا او وصل الى الشيخوخة. يظهر وجه من الوجوه على ورقة او لوحة او شاشة اتوقف.
توقفت و انا امام اللوحة لاكتشف اكثر. فجأة مرت السيدة ذات الوجه المعبر و اكياس الدموع تحت عينيها و كانما بكت نفسها كالطفل للنوم و لكني لم استطع النظر اليها طويلا خوفا من احراجها. اردت ان اذهب اليها لاقول لها: عفوا هل تسمحين لي ان انظر لوجهك ساعة على الاقل؟ هل تسمحين ان اقرأ الاثار و الذكريات في وجهك؟ و لكنها اختفت.
خرجت الى المقهى خلف المعرض لاشرب فنجان قهوة و ادخن. نعم ادخن لان الهموم تخرج مع الدخان بعد كل سحبة اسحبها. كانت هناك جريدة غير مهمة على الطاولة التقطتها لاتخلص من مللي.... لا اعلم لماذا تبعني الوجه حتى في الجريدة؟ رميت الجريدة بغضب على الارض تحت انظار و تعجب عاملة المقهى و انا اقول: هذا غير ممكن! لا يمكن ان يكون هذا الوجه كما تقول الجريدة! اسرعت الى التواليت دون ان اكمل شرب القهوة: الرجال من هنا من فضلك. دخلت و انا أتأمل في الشباك الكبير عندما بدأ وجهها يظهر كما تخيلته و عندها عرفت بان الجريدة كذبت.
www.jamshid-ibrahim.net
#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟