نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1194 - 2005 / 5 / 11 - 11:28
المحور:
كتابات ساخرة
هل بدأت ماكينة الشفافية والمصارحة بالعمل بعد عقود من الهجوع والسبات؟ولماذا الإبقاء على "شعرة معاوية" معلقة بين الشفافية المطلقة ,وحالة التعتيم والمواربة والمداهنة والإغلاق؟ ومهما يكن من أمر أية تساؤلات أخرى فقد كان حدثا استثنائيا ,مذهلا,وصارخا,ومثيرا لكل تقدير ,وترحيب ,وإعجاب,وبانتظار المزيد من "الخبطات" والاختراقات,وتوسع أكبر ,وأكبر لدائرة المحاورين والحوارات. ومما كان سيزيد من روعة الحلقات الثلاث, التي بثتها قناة العربية, لو أننا رأيناها على شاشاتنا الوطنية ,التي "اشتقنا" لها كثيرا وافتقدناها,وكنا سنعتز كثيرا لو أنها كانت السباقة والرائدة دائما في ترجمة تصورات, وأماني العتبة الجديدة التي يحلم السوريون جميعهم بأن يلجوها في أقرب وقت.وما المانع طالما أن الفضاء أصبح مفتوحا؟ولماذا يتبقى بعض من هذا "الاستحياء الإصلاحي" المرتقب بما أن أية قناة فضائية متاحة للجميع الآن,ولا وجود للحدود والحواجز الإليكترونية أبدا في الفضاء,وسقوط مدو ومثير لكل الجدران؟وهناك تنافس محموم بين جميع الفضائيات لاستقطاب المشاهدين ,وهذا هو الهدف الأول للإعلام الذي يحاول أن يحقق النجاح,ويضعه نصب عينيه.
وبغض النظر عن التقييم الأولي والسريع لما تم بثه,وهذا ليس مجاله هنا ,أوما دار من حوارات ومضمون ما قدم من معلومات,وتم تناوله من موضوعات,وبعيدا عن بعض التحفظات الحذرة النابعة من تصورات مختلفة لدى البعض,ومع الاحترام الشديد لكل المداخلات والضيوف الكرام ,والآراء التي تثمن,بالمحصلة, عاليا ,طالما أن غايتها نبيلة وسامية, وهدفها إعلاء صرح الأوطان,ونابعة من نوايا صادقة,فإن ما شهدناه ,وعلى مدى ثلاث ليال متواليات من الحوار, كان وبحق خطوة طيبة في الاتجاه السليم ,وتصب في النهاية في مصلحة الجميع وبدون استثناء.وتظهر للمرة الأولى الاستعداد ,والرغبة الأكيدة لسماع الصوت الآخر الذي غاب طويلا وهمش كثيرا ,وكان أحد ألأسباب الرئيسية في الوصول إلى مآزق كان الجميع بغنى عنها من الأساس.فلم تقم الدنيا, ولم تقعد, من جراء هكذا حوارات,ولم تخرب البلاد أبدا,وسقطت كليا نظرية المتآمرين والدسائس والمؤامرات,بل على العكس ارتفعت المعنويات, وارتاحت النفوس, واطمأنت الضمائر والقلوب التي عيناها على الحب الأكبر ,والكلمة الأعظم,والاسم الأقدس.
ولو ألقينا فعلا نظرة محايدة على سوريا من الداخل,لأتينا فعلا على الوجه الحقيقي لهذا البلد العظيم ,ولوجدنا كنوزا تفتقر لها دول كثيرة في العالم ,وهي مؤهلة للعب دور ريادي,وعلى مستوى دولي, لو تم استغلال تلك الطاقات ,والإمكانيات الهائلة, والموارد الطبيعية, والبشرية العملاقة التي لاتنضب . هذه هي النظرة الحقيقية التي نتمنى أن نرى بها سورية من الداخل ,ومن الخارج ,ومن الفضاء. وهذه هي الصورة المشرقة والطيبة التي يريد أن يراها الجميع عن سوريا المستقبل,سوريا الحوار ,والشفافية ,وتبادل الآراء ,والحلقة الأهم التي تتشكل أجنتها الوليدة الآن برغبة جامحة ,ونية طيبة وصادقة ,من الجميع ,وعلى أعلى المستويات, ونتمنى من القلب أن يكتب لها النجاح, وسد الذرائع أمام كل من يحاول التطاول والنيل من شرف ,وعذرية هذه الأرض المباركة ,التي احتضنت, وولدت الحضارات على مر التاريخ ,ولا نظنها عاجزة عن ذلك في الألفية الثالثة, وهي تمتلك كل مقومات ذلك ,من الحكمة الواعية والبراغماتية,والواقعية السياسية, والعارفة بخطورة ودقة المرحلة والأوضاع ,إلى الشعب المسلح بالعلم ,والمعرفة, والخبرات, والمؤهلات, وجيوش جرارة لا نهاية لها من الكوادر الماهرة في كل المجالات ,والتي أثبتت وجودها على الساحة وفي غير مكان,إلى الأرض الثرية بكل الموارد والخيرات والثروات ,وامتلاك الأساليب الحديثة والعلمية في الإنتاج,إلى موقع جغرافي وجمال طبيعي رائع, أخّاذ, وفتّان يبهر الأنظار, ويجمع البحر اللازوردي الأزرق الخلاب, والسهل الخصب,والجبل الأشم ,والنهر الغزير المدرار, والغابة الخضراء, والبحيرات الشاسعة الزرقاء , والبادية المترامية الأطراف, ووفرة المياه العذباء, التي هي سر وسبب وجود واستمرار الحياة .فكم كنت أتألم, وأنا في طريق السفر من وإلى اللاذقية ,حين كنت أرى شلالات من المياه الصالحة للشرب ,الصافية والباردة , في عز الصيف اللاهب, وهي تنسكب ,هدرا, في عرض البحر دون أن يتم استغلالها بأي شكل, مع الإدراك العميق لأهمية هذه الثروة الباهظة التي لا تقدر بثمن,حيث أن سعر ليتر المياه في كثير من الدول أغلى من سعر البنزين الخالي من الرصاص. وكما هو معلوم فإن الحضارات الكبرى في التاريخ نشأت على ضفاف الأنهار,وستبقى الزراعة أهم من كل الثروات. وأمريكا ,ماغيرها, وعظمتها هي بلد زراعي في الدرجة الأولى, وتتحكم بأهم المنتجات الغذائية في العالم,
وللعلم الأكيد ,وهذا ليس من الإحصاءات الرسمية ,فإن سورية هي مع كندا ,والولايات المتحدة ,وفرنسا, من الدول القليلة في العالم التي تتمتع باكتفاء ذاتي غذائي زراعي , ووفرة تصديرية في مادة غذائية استراتيجية كالقمح مثلا,ولديها فائض احتياطي من هذه المادة لمدة عشر سنوات على الأقل.وهذا ما يجعلها تتبوأ مكانة متقدمة على جميع دول العالم الثالث في هذا المجال,وتصنف كدولة مصدرة ,ومنتجة للعديد من السلع الغذائية الاستراتيجية الهامة كالحبوب بأنواعها ,والزيتون ,والفواكه والخضروات,ولن نطيل أكثر ,ونخرج عن سياق الموضوع,برغم وجود الكثير من المعطيات الهامة في هذا المجال.
وعود على بدء ,وعذرا للاستطراد نتيجة للعشق والوله, وتقديسا لكل الأسماء العظيمة الكامنة في ثنايا وبواطن القلب والوجدان,فإن ما يسعد فعلا أن نرى هذا الحراك المتنوع الرائع الذي يشهده الشارع السوري, وذلك عبر قرارات جريئة ,ونشاطات حثيثة ,وفعاليات مختلفة , ومبادرات شجاعة , تكاد لا تصدقها العين ,ولا تقبلها الآذان. حتى أن البعض قد بدأ يتكلم فعلا عن "ربيع دمشقي" آخر طال انتظاره ,مكلل بالحب, والياسمين والغار ,والانفتاح والشفافية ,لتتبرعم أزهار الحرية , وتتفتح ,مرة أخرى, شقائق النعمان, وتعود الروح للجسد الذي كاد يصيبه العجز والهزال. ويتوقع الكثيرون مزيدا من خطوات الانفتاح ,والشفافية ,والإصلاح التي تعود بالنفع العام على الجميع دون استثناء,وماعلى الجميع سوى الترقب, والانتظار, وعدم الاستعجال بالتشاؤم ,وإطلاق أية أحكام.فطالما هناك تشخيص للداء,واعتراف بوجود الأخطاء , فيتمنى الجميع حقا أن يكون هناك قابلية للعلاج وشفاء تام وبراء,وانعدام كل تلك الملطخات التي شوهت الصورة النقية الزاهية الناصعة البياض.إنها الخطوات الأولى التي ينتظرها الجميع, في ماراثون بناء الأوطان ,وذلك إذا ما اقترنت عمليا بدفع كل الاستحقاقات,والتخلص نهائيا وكليا من كل الأوزار والأثقال. وأي تردد ,أو تراجع ,ونكوص ,ولا سمح الله,سيعني ,حكما, دفنا, ووأدا مأساويا ,مؤلما ,وجارحا لكل الآمال ,والأمنيات ,والتطلعات,واقترابا أكثر وأكثر من ,شفير الهاوية ,وحافة البركان.
وكل خطوة صحيحة ,في الاتجاه الصحيح, تستحق ,دائما,الشكر والثناء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟