أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - يوميات نصراوي: يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح















المزيد.....

يوميات نصراوي: يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


يوميات نصراوي: يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح

نـبـيـــل عـــودة
أجواء
ارتبطت طفولة ابناء جيلي بواقع مليء بالقيود العسكرية والسطوة البوليسية. بقينا جزء من شعب تقطعت اواصره، فقد مؤسساته ، تمزقت عائلاته بين الوطن والمهجر. يعيش في مهب الريح لا يعرف ما يحدث غدا، الخوف من التهجير القسري ظل مخيما فوق مجتمعا، ليس مجرد حديث عن سياسة عنصرية وخطط صهيونية، انما خطر قائم وملموس.
عاني ابناء شعبنا من قلة العمل ومن منع التصاريح للخروج للمدن القريبة للبحث عن لقمة خبز. حتى في الفترة التي تخرجت فيها من الثانوية الصناعية ورغبت بالعمل قبل مواصلة تعليمي، كان من الصعب بمكان ان اجد مكان عمل اذا لم اكن محسوبا على حزب صهيوني ما او مرضي عني من السلطة . الوظائف بيد جهاز الحكم العسكري والمخابرات وزلم الأحزاب الصهيونية من المرتزقة العرب. هذا واجهته حين وجدت عملا في كيبوتس من كيبوتسات مبام في منطقة الكرمل ( شاعر هعمكيم) في مهنة الحدادة واللحام الكهربائي. بعد اسبوع من العمل جاء للمحددة عضو في حزب مبام من الناصرة، يسكن في حي الروم المشهور بأنه حي أحمر وهو نفس الحي الذي أسكن به واعرفه شخصيا. ذهب وتحدث مع المسؤول وهو يشير الي، بعد قليل حضر المسؤول وسألني: انت هو نبيل عودة؟انت عضو في الشبيبة الشيوعية؟ كيف حصلت على العمل في الكيبوتس؟ اجبت اني وصلت عن طريق قريب لي يعمل بالبناء... وآرائي السياسية لا علاقة لها بالحدادة ولحام الكهرباء.
كنت اسما معروفا من كتاباتي الأولى في مجلتي " الجديد" و"الغد" الشيوعيتين وعضوا نشيطا في الشبيبة الشيوعية.
مع انتهاء يوم العمل قال لي المسؤول ان لا اعود غدا للعمل.
كانت تلك اول مواجهة لي مع سياسة الحرمان من العمل بسبب الإنتماء السياسي.
اردت السفر الى حيفا للبحث عن عمل. وقفت ساعة ونصف الساعة بالدور للحصول على تصريح. شرحت للموظف العسكري الهدف من التصريح. شعرت به يتردد ويتأملني بنظرات تخلو من اي تعبير انساني. ثم كتب لي تصريحا ليوم واحد من السابعة صباحا وحتى الخامسة عصرا، وان التزم بطريق الباص من الناصرة طريق مجدال هعيمق ( المجيدل العربية المهجرة) رمات يشاي( جيدة العربية المهجرة) طبعون،تل حنان ( بلد الشيخ العربية المهجرة) مفرق السعادة ("التشيك بوست" باسمه المعروف اليوم) والسفر من هناك الى المنطقة الصناعية خليج حيفا. سُجلت ملاحظة في قاع التصريح: ممنوع النزول في اي بلدة في الطريق ما عدا محطات الوقود، الهدف من السفر البحث عن عمل!!
عدت بكفي حنين.
اراد والدي ان يثنيني عن اصراري للعمل في الحدادة وان اعمل مساعدا له في منجرته.
رفضت بشدة.
بعد اسبوع حصلت على تصريح لدخول حيفا. اول شيء قمت به ان ذهبت لشاطئ البحر وبللت قدمي بمياه البحر. ثم احترت اين يمكن ان اجد عملا ؟
تجولت في شوارع حيفا بدون هدف وقرب وادي النسناس العربي رأيت مشغلا للخراطة. دخلته وسالت صاحب المشغل اذا كان يريد ان يشغلني عنده، فانا خريج ثانوية صناعية ، خراطة ،حدادة ولحام كهربائي. بلا تردد قال لي : حسن تعال غدا. تلعثمت وانا اشرح له اني اريد تصريحا منه باني سأعمل لديه لكي احصل على تصريح من الحكم العسكري للوصول الى حيفا. كتب لي ما طلبت منه.
بعد يومين بدأت العمل لديه بحماس واصرار ان اثبت نفسي مهنيا.
اعجبه عملي وتعلمي السريع للعمل على مخرطة بخمسة رؤوس وهو ما لم نمارسه في تعليمنا الصناعي في المدرسة الثانوية الصناعية.
خلال اسبوع كنت ملما بكل تفاصيل العمل، بل وبات يترك المشغل لساعات طويلة ، ثم اعطاني مفتاحا للمشغل، شعرت بسعادة كبيرة بأني اصبحت عاملا مهنيا مسؤولا عن نفسي وعن العمل ، كان يكفي ان يعطيني برنامج وطلبات العمل ليوم وليومين ، ثم لأسبوع، ثم صرت اطلع على ما يتلقاه من طلبات ومواعيد انتاج وتسليم واصبحت مقررا في اولويات العمل...
هكذا بدأت حياتي المهنية.
كان اصعب ما في عملي ان احصل كل صباح احد على تصريح سفر الى حيفا لمدة اسبوع. اذ اضطر للتأخر عدة ساعات كل صباح احد ، سمعت مشغلي يشتم الحكم العسكري الغبي لأنه يخاف من شاب مثلي .بعد ستة اشهر اشتكى لي ان الطلبيات تقل.. وانه قد يضطر لإغلاق المشغل. بعد اسبوعين اغلق المشغل حقا.
مرة اخرى وجدت عملا في كيبوتس قريب من بيسان، ايضا تابع لحركة مبام. وصلته بتصريح كالعادة، سؤلت عن مجال عملي قلت اني متمرس في الخراطة، هذا جيد نحن نحتاج الى خراط مهني قالوا. سجل المسؤول اسمي ورقم هويتي، بعد ساعة ناداني بشكل شخصي واعتذر لي بأنه لا يستطيع قبولي.. لم اعرف من شاهدني من مرتزقة مبام العرب، او ربما فحص اسمي مع الأجهزة الأمنية؟؟
فيما بعد عملت حدادا في خليج حيفا واصبحت رئيسا لفرقة رغم صغر سني، كان الإصرار على التميز يعطيني قوة وارادة.. ويوجهني نحو النجاح في المهنة التي قضيت فيها 35 سنة من عمري لأصل الى مدير عمل في أكبر مصانع اسرائيل ثم مديرا للإنتاج يعمل تحت اشرافي مكتبا من عدد كبير من المهندسين وأكثر من 400 عامل وصاحب خبرة مهنية والمام هندسي متطور في بناء المنشئات الثقيلة خاصة منشئات تكرير النفط ، بناء محطات الكهرباء ، بناء شبكات تحلية مياه البحر، بناء مصانع انتاج الإسمنت وغيرها من المشاريع الضخمة، رغم اني لم اكن مهندسا، بل سافرت للاتحاد السوفييتي لدراسة الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وعدت للمهنة بعد عدم تيسر اي وظيفة مناسبة لي بسبب الجهاز الوظيفي الخاضع لسيطرة الحكم العسكري..
هذه مقدمة لإعطاء صورة عن واقع عشناه في سنوات مقتبل الحياة.. ولتمهيد فهم اجواء الحكاية التي سأرويها.. او الواقع الذي عانينا منه.
خلطة نصراوية
الناصرة مدينة المسيح كما تعرف، لها عيد خاص هو عيد البشارة، "عيد الناصرة" كما يسمى... حين بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم انها ستلد ابن الله يسوع المسيح.
لهذا العيد قيمة خاصة في الناصرة.. كان يجري الاحتفال البارز في كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس ، يحضر البطريرك الأورتوذكسي من القدس، عادة بعد الصلوات الرسمية يقام احتفال في ساحة الكنيسة الرحبة يحضره كل مواطني الناصرة من كل الطوائف، هذه هي ابرز قيم ذلك العيد واعياد الناصرة التي لم تعرف التفرقة بين مسيحي ومسلم. اصلا من كان ينتبه الى كون ذلك الشخص مسيحيا او مسلما؟ لاتينيا او كاثوليكيا او اورتوذكسيا؟ كنا ابناء وطن واحد منكوب ـ اعيادنا واحدة ، فرحنا واحد والمنا واحد..
كانت تعقد دبكة يشارك بها المئات، في وسط الحلقة سيافان من عائلة مزاوي النصراوية يرقصان بشكل فني بالسيوف .. وتتوارد قناني العرق .تفتح القناني ويخلط بعضها بالماء لتدور على الجميع، الجميع يشرب، واعني المسلمين والمسيحيين... والسحجة تصبح اكثر حماسية، السيافان يبدعان ب "القتال" الراقص .. والعرق يتدفق من كل النواحي.. ثم تبدا المسيرة من ساحة الكنيسة الى دير المطران (كنيسة القلاية) يتقدمها كشاف الروم الذي يضم شبابا مسيحيين ومسلمين يسيرون امام موكب المطران وضيفه البطريرك الي دير الروم في مدخل سوق الروم ، المسيرة التي بدأت كاحتفال ديني تتحول بدون مقدمات الى تظاهرة سياسية يطرح فيها المحتفلين هموم حياتهم ويعبرون عن غضبهم من الظلم والتمييز العنصري بأبشع صوره في تلك الأيام.
تبدأ الهتافات ضد الحكم العسكري.. وتنطلق الأهازيج الوطنية والزغاريد وتقام الدبكة التي يصطف فيها الرجال والنساء جنبا الى جنب... وتبدأ السحجة في الشارع وتمتد من ساحة كنيسة البشارة حتى مدخل دير المطران.. أكثر من 3 كيلومتر.. ويرقص المحتفلون بعيد البشارة ويطلقون اغاثة للعذراء مريم سيدة البشارة:
يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح
ستي يا عدرا نجينا من الحكم العسكري خلصينا
يا عدرا احمينا احمينا احنا الك التجينا ( أي التجأنا)
هذه بعض الأبيات التي أتذكرها. سالت كبار السن لعلهم يتذكرون، للأسف ضاعت بقية الأبيات..
بعد ان تفرغ قناني العرق ، التي لا تخلو منها السحجة والتي لها حصتها في الغزل مثل: "اللذة مش من اول كاس اللذة بقاع القنينة" وغيرها من أغاني الغزل بالعرق يبقى الهم الوطني...
ما بقي ان أذكره ان الشرطة لا بد ان تعتقل مساء بعض المتظاهرين الذين بحت اصواتهم وهم يهتفون ضد الحكم العسكري ويناشدون ام المسيح ان ترفع عنهم التصاريح!!

[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور محمد البوجي* يحاور الكاتب والناقد نبيل عودة حول معنى ...
- يوميات نصراوي: خمسة زهرات تقتل بوحشية
- الناصرة عشية انتخابات بلدية: يجب احداث نقلة نوعية
- حين تصبح القبيلة دولة..!!
- يوميات نصراوي: المعلم والطالب
- يوميات نصراوي: عن الثقافة والتهريج
- وفاة الشاعر الفلسطيني ابن الناصرة جمال قعوار
- يوميات نصراوي: الزنزانة
- يوميات نصراوي: مرحى للإنتفاضة!!
- خرجت من الظل إلى الضوء مباشرة
- لقاء بعد عشرين عاما
- ملوك خالدون
- يوميات نصراوي: عاشت اللحى الثورية !!
- حل الدولتين؟.. ضم 8000 دونم جديد للمستوطنات
- محمد الدرة يقض مضاجعهم
- يوميات نصراوية: نجمة داوود لحماية قفا الولد
- لا ربيع عربي بدون عصر نهضة عربي
- خطة تطهير عرقي يطرحها وزير خارجية إسرائيل المنتظر
- ثلاثة احدات في الذاكرة من استقلال اسرائيل
- شعر بالمحكي من واحة البقيعة للشعراء


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - يوميات نصراوي: يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح