|
مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الخامس
فارس حميد أمانة
الحوار المتمدن-العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 09:31
المحور:
كتابات ساخرة
مر علي في دروس الجغرافية أبان المتوسطة ان الدول الأسكندنافية وخاصة النرويج تشتهر بالفيوردات أي الأزقة البحرية Fiords وهي ممرات بحرية ضيقة جدا وعميقة تمتد في البر لمسافات قد تتجاوز عشرات الكيلومترات وعلى جانبيها جبال شاهقة الارتفاع رائعة المنظر ..وعندما تحركت بنا السفينة من فلوم غرب النرويج الى كودفاكن عام 1981 وضعت الخارطة على المنضدة أمامي وأخذت أقدر المسافة التي ستقطعها السفينة بين تلك الفيوردات .. وماهي الا دقائق حتى انتصبت الجبال الشاهقة المكسوة بالخضرة أمامي وأقدامها تغطس في ماء البحر .. ويخيل اليك من ضيق المسافة أحيانا بين الشاطئين انك لو رميت حصاة بقوة لسقطت على أحد تلك الجبال..كان منظرا ساحرا تملك لبي وأذهلني.. لكن ازدياد شدة برودة الهواء وتجلده أجبراني عدة مرات على الدخول الى قمرة السفينة وشرب القهوة الدافئة والاستمتاع بالمناظر الخلابة من الداخل.. وما ان أشعر بقليل من الدفء حتى أعاود الخروج الى الأعلى مع العديد من الركاب .. وأظل هكذا حتى يحمر أنفي وأذناي رغم ان الوقت كان بداية أيلول شهر الحر وقطاف التمر في مدينتي المشخاب.. في احدى المرات التي خرجت فيها الى سطح السفينة جذبت أنظاري سيدة وقورة بملامح شرقية وسحنة سمراء فاتحة خمنت انها قد تجاوزت الخمسين بكثير..كانت تضع على رأسها ربطة ظننتها للوهلة الأولى حجابا ثم تبين لي لاحقا انها تضعه اتقاءا لقرصات البرد الشديد وقد كانت ترافقها طفلة صغيرة في الثامنة أو التاسعة من عمرها.. وتجدون صورة لهما على هذا الرابط.. https://fbcdn-sphotos-a-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/p480x480/408710_377727462306859_527185124_n.jpg بعد تعارف بسيط عرفت انها اسرائيلية..وعندما سألتني عن بلدي أجبت ايطاليا.. هكذا.. ببساطة وبسرعة وبدون تردد .. لقد أضمرت مشاكسة الطفلة التي بدت منهمكة جدا في تلوين دفتر رسومها..لا أعرف لماذا اخترت ايطاليا بالذات.. ربما لأنها دولة متوسطية وتجد الكثير من الايطالين وقد لوحت شمس المتوسط سحناتهم .. هل أبدو مثلهم؟ لا أظن ذلك .. لكن السيدة لم تعر ذلك اهتماما.. أما أنا فقد كان البرد ينخر عظامي وأجالد لأتغلب على قوة تحمل هذه السيدة التي بدا وكأنها مستمتعة بالحديث الودي معي.. وعندما وصلت الى حافة الانهيار وهممت بالتراجع عن فكرتي الشيطانية قامت السيدة من مقعدها معتذرة بشدة البرد تاركة الطفلة مستمتعة باكمال رسوماتها..التفت الى الصغيرة وأنا أبدأ مشاكستي: أنا : حسنا اذن أتخبريني من أي بلد أنت؟ أجابتني بثقة ودون رفع رأسها من كراستها وبلغة انكليزية واضحة : لقد أخبرتك جدتي .. نحن من اسرائيل.. أنا : أوووه .. اسرائيل .. حسنا .. يا له من بلد جميل.. هي : "هل سبق لك وان كنت هناك"؟ قالت ذلك باهتمام واضح. أنا : "ستمزقني مخابرات بلدي لو حدثتني نفسي بذلك".. تفجرت هذه الاجابة داخلي فقط دون أن أتفوه بها.. قلت لها : "لا . لكنني قرأت الكثير عن اسرائيل وستكون تل أبيب محطتي التالية عند مغادرتي أوسلو"..كنت كاذبا كبيراحينها. لقد تملكتني اللعبة المجنونة هي : ستجدها بلدا جميلا.. قالت ذلك وابتسمت ابتسامة طفولية تنز منها البراءة. أنا : هل انت مسيحية اذن؟ هي : كلا .. أنا يهودية.. أنا : هل هناك الكثير من المسيحيين في اسرائيل؟ هي: كل الاسرائيلين تقريبا يهود .. لكن ربما يوجد قليل جدا من المسيحيين؟ أنا ( مشاكسا جدا ) : وهل هناك مسلمون في اسرائيل؟ هي : كلا.. على الاطلاق.. أنا وقد تصنعت الدهشة : على الاطلاق؟ لا أظن ذلك فلقد قرأت ان هناك الكثير من الساكنين في اسرائيل من المسلمين.. بل ومن العرب؟ هي وقد أجابتني بغير اكتراث : عرب؟ ماذا تقصد بالعرب؟ أنا : انهم أناس سكنوا اسرائيل منذ فترة طويلة وقد تشاطر الاسرائيليون معهم فلسطين .. هي : لا أعرف حقا ما الذي تتحدث عنه.. وطني اسمه اسرائيل ولا أعرف شيئا اسمه فلسطين ولا يوجد عرب أو مسلمون في اسرائيل..أنا واثقة من معلوماتي وأرجوا منك ان تصحح معلوماتك.. أنا : كيف ذلك؟ هناك فلسطينيون يسكنون معكم وبلدك اسمها فلسطين قبل ان تسمى اسرائيل.. هي : غير صحيح. قالت ذلك بثقة كبيرة وكأنها هي التي تشاكسني ثم عادت الى كراستها لتكمل التلوين..فسارعت للدخول الى مقصورة السفينة الدافئة وأنا أسائل نفسي ان كانت اسرائيل تنشيء أطفالها هكذا فكيف يقتنعون مستقبلا بأنهم سكنوا أرضا غير أرضهم .. ولم أفق من شرودي الا عندما سمعت صوت الجدة وهي تتقدم نحوي حاملة فنجان قهوتها قائلة : "والآن مستر فارس .. ألم يحن الوقت بعد لتحدثني عن بلدك ايطاليا؟ "
#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الرابع
-
مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثالث
-
مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثاني
-
مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الأول
-
هل يستحق عبد الهادي المجبل الفرعون كل ذلك ؟
-
قوادون .. لصوص .. متسولون .. وخمارون من الزمن الجميل
-
الجاسوسان
-
أنا .. ومعي الآخرون
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|