|
ميكانيزما علاقة المثقف والسلطة وئام أم خصام؟
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 21:47
المحور:
الادب والفن
ميكانيزما علاقة المثقف والسلطة وئام أم خصام؟
لم تتجل حدود علاقة المثقف بالسلطة، في يوم من الأيام، كما يحدث الآن، منذ أن أطلق البوعزيزي، في أواخرالعام2010، شرارة ربيع المنطقة، في عدد من محطاتها التي تشكل ظاهرة عامة، ليس في المنطقة وحدها، وإنما على مستوى عالمي، حيث أن الأعين، وسط كل ما يجري من إيقاع عال للحراك العام، في هاتيك المحطات، لاسيما في ما يخص ظهور حالتين، فجاءة،على صعيد المواجهة، والمواجهة المضادة، في تلك العناوين الموغلة في التوتر والسخونة، والتي لكل منها أنموذجها، وأمثولتها، وإن كان هناك العمود الفقري الذي يربط بين كل طرف في هاتيك الثنائية، أي: السلطة، بكل حصانتها، وغواياتها، وجبروتها، وآلة قمعها، ورعبها- من جهة- والمثقف، بكل حالاته، وتصانيفه، ورؤاه، مادمنا لسنا- كما هو معروف من قبل- أمام مجرد حالة مثقف واحد، وإنما أمام عدد من النماذج المتباينة، منهم من هوغيري، ومنهم من هو ذاتي منفعي، معلن الموقف، ومنهم من هو صامت موارب الموقف، حيث أن هذين الأنموذجين الأخيرين، ليظهرا تحت موشورات مختبر التحليل، كمجرد أنموذج واحد، بقطبين مختلفين، مادام أن الذاتي المنفعي، والصامت، يلتقيان في نهاية المطاف، في أن كليهما منفعي، فمنهم من دفعته ظروفه لاحتلال الموقع الصدامي، إلى جانب السلطة، كي يدورفي فلكها علانية، وما دفاعه عن عوراتها إلا تجسيد للدفاع عن مصلحته الخاصة،إنه استقتال، وتخندق للدفاع عن الذات، بكل ما يستلزم من أدوات الزيف، والمراوغة، والانسلاخ عن الحقيقة، والواقع، والناس، وهو ما يمكن تتبع أحداثياته في مثل تلك الرقع الجغرافية، المتداخلة، المتباعدة، المختلفة، كل بحسب طبيعة وطأة المعاناة الخاصة، مقابل سلوك هذه السلطة، حيث أنها- هي الأخرى- متراوحة في طبائعها، ويكاد رغم ما بينها من قواسم مشتركة، أن يكون بينها من علامات فارقة، ماهو أكثر، وقد بينت ردود فعل كل حالة، من الحالات التي تم تشخيصها في المختبر الكوني، المفتوح، على الاستقراء، تبعاً لطبيعتها الذاتية، رؤية، وسلوكاً، وفضاء، بل محيطاً وطنياً، ودولتياً. بيد أن الأنموذج الثقافي الوحيد الذي ظلَّ محافظاً على أصالته، ولم يقبل التلون، والانسلاخ عن منظومته المفاهيمية، حيث الوفاء للعامة، ومواجهة كل ممارسات وسلوكيات الاستبداد، مقابل الأنموذج السابق، كان ثمن مثل هذا الموقف لديه مكلفاً بالنسبة إليه، لاسيما وأنه لم يكتف دوره بالظهور في اللحظة الانفعالية، تحت وطأة ردة الفعل التي انفجرت فيها بوتقة الصمت، بعيد لحظة البدء المدونة"بوعزيزياً"في الذاكرة القريبة، وإن كان ما قام به هذا الشاب التونسي البسيط، لم يكن إلا ردة فعل، نتيجة إحباطه مما تعرض له، من ظلم- هو تاريخي- كان وراء سوء حال أسرته، بمعنى أنه لم يكن بمستوى فهم أن مايقوم به إضرام النار، بعد إشعاله عود الثقاب، في جسده، مدعاة اندياح رمزي واقعي لجسده، ليكون ليغدو دويه، وتصاديه، وفعل مؤثراً، خارج أسر المكان الجغرافي الذي ينتمي إليه، متجاوزاً إياه، إلى حدود أخرى، معروفة التموضع في ذاكرة متابع حدث التحولات العظمى في المكان. ومن يدقق- بشكل عميق- في لحظة ماوراء إضرام النار،تلك، لوجدنا أن هناك جملة عوامل قدأثرت فيها، نتيجة الخلل الذي أصاب منطقة ردة الفعل، ولكن الإحساس بحجم هذه المظالم، وزرع الثقة في نفوس من تداعوا إثرهذه اللحظة التاريخية لم يكن محض عفوي، وإنما هناك تراكمات كثيرة، دفعت بهذا الحس، أن يأخذ مجاله الحيوي، الواعي، ولعلنا-هنا- قد نعود عقوداً إلى الوراء، حيث تعد اللحة المؤسسة لها، تلك الرؤية، والثقافة التي أسهم أبو القاسم الشابي" 1909-1934 " مع جيله، ومن سبقوه من مربيه، وأساتيذه، التنويريين، في وضع ركيزتها الأولى، حين كتب رائيته المعروفة: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابدّ أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
إنه- وبعيداً عن الدلالة الرمزية لأنساق الرؤى المتكاملة- هنا، الرؤى التي وصلت إلى وجدان المتلقي، وهو ييفكُّ شيفرات النص، لاشعورياً، منذ تلقيه، في طفولته الأولى، ليشكل ركيزة معرفية لديه، في إطار الخريطة الأكبر، ضمن قراءة اللغة، وإيقاع القصيدة، بل وحتى ضمن ترجمتها، إلى مختلف اللغات، نجد أن المبدع، الحقيقي، الفاعل- وهو المثقف- لا يكتب مجرد خطاب جمالي، بل إن خطابه يؤسس بنية ثقافة مؤثرة خارج حدودالمكان، بل والزمان، وما الاحتفاء بهذه القصيدة، بعد بضعة عقود على كتابتها إلا دليل على هذا الأمر، وهو مؤشر واضح على أن المثقف-الأصيل- يمهد للثورة عبرخطابه، ليكون أبو القاسم الشابي- ضمن هذا التوصيف-شريكاً للبوعزيزي، في لحظة وعيه، خارج دارة الانفال، بل شريكاً لصدمة رائحة شواء جسده، وهي تعلن نفيرها العام، كي يتم التعبير عن الحالة الاحتجاجية، عبر دوي الكلمة، مدونة، وصائتة، إلى جانب الانفعالات التي تحدث لدى من يسري في أرواحهم مسُّ كهرباء تلك الصدمة التي لا تزال تواصل فعلها في هاتيك المحطات، بل وترسل إشاراتها الواضحة لكل حالات الاستبداد المماثلة، خارج إطار الترجمة المرئية. و بدهي، أن المثقف- وقد خلق وهو مدجج بكلمته الناقدة المهابة- قبل أن يشذب وفق متطلبات منفعته، أو تخوفه من آلة الاستبداد، و لوذه بالصمت، وهو أحد مفردات المنفعية- ذاتها- لا يساوم على أي خطأ يبدو، من حوله، وإن كان التنطع لذلك، يكون عبر الوسائل المتاحة له، بيد أنه في الوقت نفسه، يجب أن يمارس كل ذلك نتيجة وعي عال بهذه الوظيفة، حيث أن حالة الرفض يجب ألا تكون محاكاة ببغاوية، من دون أي تبصر بالواقع، مادامت مهمة ممارسة دوره النقدي، لا تعفيه من الإشارة إلى ما هو مضيء، والسعي للحفاظ عليه، وهو المطلوب من مثقف الثورة، شريطة أن تتوافر لديه مقدرة التمييز بين ما هو إيجابي، وما هو سلبي، وألا يخلط بين هاتين العلامتين الفارقتين في سلم التقويم، نتيجة أهواء ما، أو عمى ألوان، أو تخل عن مهمته الأولى، إذ ما أكثر هؤلاء المثقفين الذين كانوا ضمائر شعوبهم، وأدوا وظائفهم المطلوبة منهم، على أكمل وجه، بيد أنهم باتوا في مرحلة- مبعد ثورات شعوبهم- يحتلون مواقع مثقفي السلطة السابقة، في دورة رتيبة، دون الاستفادة من تجربة التاريخ، حيث هناك انقلاباً في سلوكهم، مايجعلهم يخونون المرتكزات الأولى التي انطلقوا منها، بل إن في سلوكهم خيانة لمن صنع هذه الثورات، وهم من الأسباب التي أدت إلى انحراف بوصلة السياسي عن دوره المنوط به.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوسف عبدلكي يرسم لوحة السجن..!
-
المثقف و-الأنتي ثورة-
-
مختبرالزمن والاستقراء
-
بين السياسي والثقافي حديث في عمق الثورة السورية ومشاركة الكر
...
-
المثقف بين مواكبة الزمن ونوسان الرؤية
-
بيان شخصي: لتكن تل أبيض الملتقى..!
-
قصة وحكمة:
-
أدنسة الثورة
-
عامودا2013
-
حكمة الكاتب
-
الثنائية القيمية وإعادة رسم الخريطة الثقافية..!
-
استعادة قابيل
-
قيم الثورة ثورة القيم
-
رواية مابعد العنف
-
الممانعة ومستنقع القصير..!
-
الباحث وخيانة الأدوات المعرفية-عبدالإله بلقزيز أنموذجاً
-
استقراء الالتباس
-
ثلاثية المكان الكردي: 1-عفريننامة..
-
على هامش اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب
...
-
دمشق الياسمين
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|