نضال شاكر البيابي
الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 05:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يمثل الصيام لدى الأغلبية أزمة روحية، تحرض أحياناً لا إلى تجنّب الانفعالات الحادة أو تهدئتها، بل إلى إثارتها وتصعيدها إلى الأوْج. فإما أن تكون فترة الصيام فترة خمول وتباطؤ واسترخاء، فترة فراغ وغياب، أو قد يستبدّ الغضب والهياج بالصائمين، فيما تتقلص مساحات الهدوء والطمأنينة. إنها ذروة الجمود في وتيرة النشاط العام. في حين تشهد ليالي رمضان – شهر العبادة والإحسان للفقراء والإحساس بمعاناتهم - تبذيراً وإفراطاً في هدر كل الطاقات التي تم ادخارها أثناء النهار، وانتهاكاً لأقدس "المحرمات"، تلك المحرمات التي تبدو الحياة الاجتماعية، وهذه هي المفارقة، مؤسّسة عليها. ثمة إلحاح نفساني مثير للفضول يحرض على ارتكاب ما كان يُحسب دينياً إثماً عظيماً.
الواضح أن الامتثال الإكراهي لا الإيمان، هو السائد، وهو الذي أيضاً فَرغ الدين من بُعده الروحي كلياً، لصالح معايير خارجية. فالظاهر البيّن وحده، والاجماع على القيم المُهيمنة لا يعبران بالضرورة عن المُضمر والمسكوت عنه، إذ توفّر الانتهاكات للنظام القيمي متنفساً وسخرية في آن معاً من سطوة الفضيلة، الفضيلة التي تنطوي على عكسها، والتي لا تعدو كونها قشرة رقيقة على مستوى السطح الاجتماعي فحسب، بل هي كذلك أيضاً على صعيد سطح ذهننا، ولهذا يُستبدل الاقتناع الراسخ بالامتثال الإكراهي.
عندما يشعر المؤمن بالذنب لأنه لا يتناغم مع عباداته كما ينبغي، ولفشله في القيام بصلواته وصيامه على نحو مرض، ولخوفه من العقاب من أي شيء يمثل في نظره سلطة، فإنه سيتصرف بإحساس من الدونية والفسوق، بل غالباً ما يصاحب هذا الإحساس بالذنب رغبة شعورية أو لا شعورية في معاقبة النفس. وليس عسيراً أن نكتشف أن هذا الشعور المستبد بالذنب نابع من ميل تسلطي. فالممارسات الطقوسية ذات التوجه التسلطي ليس دافعها الحب، بقدر ما تكون تعبيرات عن خوف مضمر من عذابات الجحيم، ومن يشعر بأنه قذف بلا حول ولا قوة تحت رحمة السلطة لا يسعه سوى الشعور بالندم والخوف والقشعريرة، وفي الفكر الصوفي ثمة مقولة تفصح عن هذا الميل: "ما من أحد يتحدث عن شر ارتكبه ويفكر فيه، إلا ويكون متفكراً في الوضاعة التي قارفها، وما يفكر فيه الإنسان يظل حبيساً فيه، حبيساً فيه بكل روحه، وهكذا يظل الإنسان حبيساً في وضاعته. ولن يكون قادراً بالتأكيد على التحول، ذلك أن روحه سوف تغلظ. وقلبه سوف يفسد، وربما غمرته إلى جانب ذلك غاشية حزينة..." وبالتالي ليس غريباً أن تستبطن بعض مظاهر التدين فعل اغتصاب للإرادة الحرة، حيث التظاهر بممارسة طقس ما خوفاً من عواقب "الانتهاك" بصرف النظر عن مدى القناعة الداخلية قد يتحوّل بفعل التكرار والعادة إلى عقيدة، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال بأن هناك انسجاماً داخلياً بين المؤمن ومعتقداته، وهذا ما يقوله الواقع يومياً. إنّ الشيء حين يكون مرغوباً ومحرّماً بشدة، فإنه قد يتحوّل إلى هوس!
#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟