|
كلمات حسانية ذوات أصول عربية-الجزء الثاني
بوزيد مولود الغلى
الحوار المتمدن-العدد: 4166 - 2013 / 7 / 27 - 10:24
المحور:
الادب والفن
عطفا على الكلمات الحسانية التي رمنا تسليط أقباس من الضوء على أصولها في المعاجم العربية ، نورد فيما يأتي طائفة أخرى من الألفاظ و المصطلحات : عُرْقوب / عركوب: للعرقوب في لغة العرب معان مطابقة للمعهود من كلام حسّان، ومنها : *العرقوب : " عصب غليظ فوق عقب الانسان ، ومن الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها ...وعَرْقَبَهُ : قطع عرقوبه ...2" . " ويقال : عرقِب لبعيرك ، أي ارفع بعرقوبه حتى يقوم 3 "وهذا المعنى متداول معروف في الحسانية ، إذ يطلق العرقوب بالكاف المعقودة على عصب في عقب رجل الانسان ، و من علامات عدم جمال المرأة " شين عراكَيبْها" ، أما عرقوب الدابة في الثقافة الحسانية ، فهو المقصود ذاته الوارد في المعاجم العربية و قد ذكر صاحب مخطوط " معجم المصطلحات الحسانية " أن مصطلح " تعركَيبة " راجع لكون " الصناع " كانوا يعمدون الى قطع عرقوب الناقة التي يؤتى بها هدية في مناسبة من المناسبات حتى تبرك و لا تستطيع المشي ، الأمر الذي يمنع من أهديت إليه من تربيتها أ و إدماجها في قطيعه أي أنه يجبر على نحرها " .4 . وقد أشاد الشعراء بما يسمى عند أهل الصحراء " التعركَيبات " / الهدايا المقدمة في مختلف المناسبات كما تقتضيه أصول الكرم الحساني من إكبار المهدى له " التكبرة " سواء أكان شخصا حقيقيا أم معنويا كالزوايا والقبائل ، ومن ذلك قول محمد الغيث اكَين في الإشادة بالهدايا المقدمة لزاوية أسا ، وقبيلة ايتوسى زمن " المولود" أي عيد المولد النبوي : " عيد المولود وْ عيدها *** اللي شَورُ تْسّاير إمْلْيَانْ انْوَاشيدْها *** وْخَيْلْ جْرَيْبَاتْ حْرَايْرْ فكْتْمْ دْخّان اكْريدْهَا *** لْتَعركَيبات نْحَاير5 " * " والعرقوب : طريق ضيق يكون في الوادي البعيد القعر ، لا يمشي فيه إلا واحد . أبو خيرة : العرقوب والعراقيب خياشيم الجبال وأطرافها ، وهي أبعد الطرق ؛ لأنك تتبع أسهلها أين كان . وتعرقبت : إذا أخذت في تلك الطرق . وتعرقب لخصمه : إذا أخذ في طريق تخفى عليه"6. " ، واستلهاما لهذه المعاني ، نجد أهل الصحراء يطلقون على أمكنة بعينها اسم " العركَُوب " ، ومن ذلك قول محمد سالم الري : شوفُ لعراكَيب اتنداو ****لَشَايْف وْ ْوسَهَالُو عن بلْ اشايف ما جوْلاو *** عمو ذاك أُو هذا خَالُو شَوْفُ يَخُّوتِ لْعراكَيب *** والمَنْزلْ منْ فَمْ اكَرَيَّبْ فْبْلَدْ كَان لْلَّخْلاكَ اطْبِيبْ ***ولَلاَّ مَزَّالْ اعْلَ حَالُ8 *" وعراقيب الأمور وعراقيلها : عظامها وصعابها...، وما دخل من اللبس فيها واحدها عرقوب . وفي المثل : الشر ألجَأه إلى مخ العرقوب . وقالوا : شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب ، يضرب هذا عند طلبك إلى اللئيم"7. ويعد عرقوب في المثل العربي قمة في خلف الوعد حتى قيل : أخلف من عرقوب ، مواعيد عرقوب ، أما في الثقافة الحسانية ، فلم أقف على شيء من هذا القبيل ، وإنما أعرف تمام المعرفة أن بعض أهل البادية يطلقون على كلب حراسة الماشية " عركَاب" بالقاف المعقودة . سَرَطَ/ اسْرَطْ : وتعني في القاموس المحيط 2/416 :" ابتلع ، ومنه قولهم : سُرَّيطٌ ضُرَّيط ". أما في اللسان الحساني فان الكلمة تستعمل للمعنى ذاته مع إبدال السين صادا عند النطق ، إذ تنطق " صْرَطْ " ، ومنه قول الشاعر امحمد بن الشيخ مصطفى بن الشيخ ماء العينين : اسمع كويف اخفيف اظريف *** داخل فلمعنى يميكَ - ديوان الشاعر ، جمع محمد الامام كرام ، هوامش سعيد كويس ، منشورات منتدى الابحاث والدراسات حول الصحراء ، مطبعة طوب بريس ، 2011، ص 37. حدْ اصرط ريكَ ماهُ كيفْ*** الي ما فات اصرط ريكَ. و غير خاف أن في البيت الأخير اقتباسا جميلا لمعنى متضمن في المثل العربي : " لا يصلح رفيقا من لم يبتلع ريقا " أي لم يجرب الصبر على الرفيق ، و قد قيل على لسان من خاب ظنه في رفيق أو جاءته منه مضرة أو معرة : " يا ريق ، لو بغيرك غصصت / شرقت " * اشركَْت " باللسان الحساني ، ومنه قولهم : يعطيني شركَة من ريكَي ، نعرف عدويَ و صديكَي ". نَتَشَ/ انْتْشْ : جاء في القاموس المحيط :" النتش : استخراج الشوكة و نحوها بالمنتاش للمنقاش ، وجدب اللحم ونحوه قرصا ، والنتف ..وعيب الرجل سرّا كالتنتاش ، وبئر لا تنتش ولا تنكش : لا تنزح ... وأنتَشَ الحبُّ والنبات : ابتل واخرج رأسه من الأرض ...". إن إجالة النظر في هذه المعاني الدائرة حول الجذر " نتش" ، تفضي الى ملاحظة اتساقها و انكباقها على المعاني المعروفة لهذا اللفظ في الاستعمال الحساني ، وسنكتفي بذكر بعض الشواهد الدالة على ذلك : *النتش بمعنى النتف والعض : منه قول المثل الحساني : " الترشة وانتيش الكرشة " ، " ما هي نتشة زينة ، ولا هي ضحكة زينة ". * نكش البئر و الشوكة تفيد في الاستعمال الحساني المعنى ذاته ، لكنها تنطق بالقاف المعقودة ، فيقال : انْكَش الشوكة بالمنكَاش/المنقاش ، ونكَش " الحاسي " أي جهره أو حفره . جَهَرَ/ اجْهَرْ : " الجيم والهاء والراء أصل واحد ، وهو إعلان الشيء وكشفه وعلوه ، ورجل جهير الصوت أي عاليه " ، وجهر الارض سلكها ، وجهر البئر: نقّاها ونزحها ، كاجتهرها ، أو بلغ الماء " . و لا يختلف المعنى الأخير المتعلق بالبئر عن المعهود في الحسانية ، إذ يقال : " الفار يْخَلّي الجهَّار ". الكِرْشُ/ الكَرْشْ : " الكرش بالكسر ، لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان ، وكرِشَ الجلد : تَقَبّض ، و تكرّشوا : تجمعوا ، وكرّش تكريشا : قطب وجهه ، والمُكرّشة : طعام يعمل من اللحم والشحم في قطعة مقوّرة من كِرْش البعير " . – القاموس المحيط 2/326. إن الكرش في الاصطلاح الحساني تحمل المعنى ذاته ، ومن سياقات ورودها في الأمثال الحسانية : " الكرش لَمْلاَنَة غَفْلانة . الكرش ما ترفد لْعْوِينْ الكرش اتخلي السَّبَّاغْ والدَّبَّاغْ ، يضرب في تفاوت الاخوة في العلم والكرم وغيرهما"- الأمثال والحكم الشعبية الموريتانية ص 295 و ختاما ، فان المأمول من السادة القراء إثراء مادة هذه الورقة بملاحظاتهم و إضافاتهم التي من شأنها إثراء مادتها ورفدها بشواهد من الشعر الحساني و الأمثال الشعبية . وليست هذه الورقات في مجملها سوى إثارة للاهتمام ولفتا الانتباه لجمال وكمال ما اقتبسه أو اقتطفه أهل اللسان الحساني الأولون من سَرْحة اللغة العربية العظيمة .
#بوزيد_مولود_الغلى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمات حسانية ذوات اصول عربية
-
ايام الجد والنشاط 6
-
اراد ان يدخل التاريخ
-
هل رأيتم زعطوط ؟
-
نفَس التحدي
-
ايام الجد والنشاط 5
-
من تواقيع الربيع
-
ولد ليلا وذهب ليلا
-
محاولة انتحار هازلٍ
-
تباريح شامية
-
أيام الجد و النشاط 4
-
أيام الجد و النشاط 3
-
من تراث الصحراء : قصص قنفذ
-
الانكسار الخطير : من النخبة السياسية الى التبخة السياسية - ح
...
-
أيام الجد والنشاط 2
-
أيام الجد والنشاط 1
-
صور بلاغية في الأمثال الحسانية
-
الحسانية بين موقفين
-
طريقك الى الشهرة: موقع كلب بريس
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|