جوزفين كوركيس البوتاني
الحوار المتمدن-العدد: 4165 - 2013 / 7 / 26 - 18:25
المحور:
الادب والفن
كانت هناك طفلة تائهة تتجول في الزقاق القديم. كانت تمشي بثوبها الرث وصندلها القديم وشمس الظهيرة تحرق وجهها النضر، وهي غير مبالية بشيء الشمس لأنها "ابنة الدربونة". إنها تبحث عن والدها الذي ترك البيت منذ الفجر ذاهبًا إلى "الدرب الي ما يرد"، كما يقولون. وحسب ما قالته لها امها، لقد ذهب بابا إلى الحرب، ولأن الطفلة بفكرها البريء ظنت الحرب في مكان قريب من أطراف الزقاق، تجدها قد لحقت بأبيها لتقول له: "بابا أخذت البارحة عشرة من عشرة في الإمتحان!"
وبعد عدة محاولات، تمكنت من الهرب من خلف السياج لتلحق بأبيها، ولكنها تاهت.. ولم تعد تعرف كيف تعود.. لقد ابتعدت كثيرًا. وعند دخولها إلى أحد الأزقة الضيقة، لحق بها كلب مسعور كما ولحق بها رجل مخمور، فأخذت ترتجف من شدة الخوف، ولكن الرجل تمكن من ان يكمم فمها الصغير، بعد ان حاصرها، ونال منها مبتغاه.. كما ونال الكلب المسعور مبتغاه من الرجل بعضة قوية!
وهرب الرجل ولحق به الكلب وبقيت هي مرمية على الأرض سابحة في عرقها ودمها المقدس.. لقد فقدت القدرة على النهوض، وكل ما ملأ مخيلتها هي صورة أبيها الذي ذهب إلى الحرب ولم يعد. كم تمنت لو انه لبى ندائها وجاء لنجدتها، ولكنه كان بعيدًا عنها؛ مشغول بمعارك لا يعرف أحد غايتها ومن يكمن خلفها..
مر رجل كهل في طريقه إلى دار العبادة، فرأى الطفلة سابحة بدمائها النقية، فأخذ بيدها وسحلها جاهدًا إلى بيته العتيق ومن يومها والطفلة لم تسأل ولا حتى عن أمها، التي هربت هي الأخرى مع رجل غريب بعد ان فقدت الأمل بعودة بعلها المسكين. وكرست الأم حياتها لخدمة ذلك الغريب بكل أخلاص تنجب له أولادًا ليصبحوا رجالاً يقاتلون في الحروب التي لا تنتهي، لا يهم أين ومع من، فالمهم ان يقاتلوا لأجل أحد قادة اللعبة الذين يتغيرون كل يوم واللعبة هي هي..
كركوك، 2-2-2000
#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟