|
المشكلة ليست في المفاوضات بل فيمن يفاوض
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 22:35
المحور:
القضية الفلسطينية
كما جرت العادة مع كل جولة مفاوضات فلسطينية إسرائيلية احتدم الجدل والنقاش خلال الأيام الأخيرة حول احتمال العودة لطاولة المفاوضات بناء على مقترحات أمريكية جديدة تقدم بها جون كيري ،اتسم الجدل بالجدية عندما كان موضوعه التحذير من عودة المفاوضات قبل وقف الاستيطان،ولكنه كان نقاشا وجدلا عبثيا ويأخذ طابع المناكفات السياسية السطحية عندما يتركز على رفض المفاوضات من حيث المبدأ أو رفضها من حيث التوقيت والآلية دون أن يطرح أولئك المحتجون والرافضون بديل سوى تكرار القول بأن المقاومة بديل للمفاوضات مع أن أولئك الرافضون أوقفوا المقاومة باتفاقية هدنة رسمية. أثارت جولة كيري وخطته للعودة للمفاوضات خلافات فلسطينية داخلية ونجحت بجس نبض الشارع الفلسطيني وردود الأفعال الحزبية الفلسطينية والرسمية العربية من عملية التفاوض والتسوية وأبعدت الأنظار عن قضايا أكثر أهمية يجب التفرغ لها كإنهاء الانقسام ، أكثر مما كانت تعبيرا عن جسر الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو جعلت المفاوضات الجادة والمنصفة قيد الإنجاز،كما أن حالة الغموض والتردد عند الأطرف الثلاثة: الفلسطيني و الأمريكي والإسرائيلي أثارت مزيدا من الشكوك حول جدية واشنطن بإحياء عملية السلام وحول الأهداف الحقيقية من وراء جولات كيري المكوكية وخصوصا ونحن نسمع عن الإصرار الإسرائيلي على رفض وقف الاستيطان ورفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. اليوم أو غدا سيعود الفلسطينيون والإسرائيليون لطاولة المفاوضات،سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة استكشافية أو توفيقية أو تمهيدية، لأنه في ظل الوضع الفلسطيني الراهن وخصوصا حالة الانقسام ،وفي ظل نفس النخب الحاكمة لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات.في حقيقة الأمر لا توجد مشكلة في المفاوضات من حيث المبدأ لأنه لا سياسة بدون مفاوضات ولا تسوية سلمية بدون مفاوضات،والمفاوضات بشكل عام ليست مؤشرا أو تعبيرا عن مواقف ضعف أو قوة ،حيث الأقوياء المنتصرون يفاوضون كما يفاوض الضعفاء المنهزمون ،والمفاوضات قد تكون لحصد مكتسبات المقاومة والحرب ،وقد تكون من اجل تهدئة تمنح استراحة للمقاتلين ، أو تكون نوعا من المناورة والتكتيك،أو وسيلة جادة لحل صراعات لم يتم حسمها من خلال الحرب،وقد تكون أيضا وسيلة للتفريط بالحقوق الوطنية . المشكلة لا تكمن في المفاوضات من حيث المبدأ ولكن في الصفة التمثيلية للأطراف المفاوضة وفي موضوع المفاوضات وأهدافها وفي موازين القوى بين الأطراف المتفاوضة وأوراق القوة بيد كل طرف،فالنبي محمد فاوض الكفار واليهود في ظروف محددة ،وكل حركات التحرر الوطني فاوضت المستَعمِر،والقيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير حسمت أمرها منذ دورة المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 – بل يمكن إرجاع هذه التوجه لعام 1974 - بسلوك طريق المفاوضات السياسية لتحقيق الأهداف الوطنية،وهي منذ مؤتمر مدريد نهاية عام 1991 إلى اليوم منخرطة في عملية مفاوضات مع إسرائيل ،وفي ظني أن المفاوضات منذ 1994 لم تتوقف يوما وإن كانت تتعثر أحيانا أو ينخفض مستوى أشخاص المفاوضين أو موضوعات التفاوض،وذلك بسبب قيود واشتراطات اتفاقية أوسلو والترابط والتداخل الاقتصادية والأمني والبشري بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبسبب النخبة الفلسطينية الحاكمة بعد وفاة أبو عمار والتي قطعت مراكب العودة لأي نهج غير نهج المفاوضات . المفاوضات ليست المشكلة بل المشكلة تكمن في القيادة والنخبة السياسية الحاكمة ،ويجب عدم الانجرار وراء من يريدون تحويل المفاوضات إلى ملهاة للشعب لإخفاء تقصيرهم وعجزهم. عندما تتفاوض قيادة منظمة التحرير لعشرين سنة وتكون النتيجة مزيدا من الاستيطان والتهويد لصالح إسرائيل وحقا وكرامة أقل للفلسطينيين ،وعندما تتوقف المفاوضات ويستمر الاستيطان والتهويد ويستمر تآكل الحق الفلسطيني وانتهاك الكرامة ويتزايد الفقر والبطالة .... فإن المشكلة لا تكون في المفاوضات ولا حتى في إسرائيل بل في المفاوض الفلسطيني وفي النخبة السياسية الفلسطينية. من السذاجة تحميل المسؤولية لواشنطن من خلال اتهامها بأنها ليست وسيطا نزيها ولم تضغط على إسرائيل ،لأن واشنطن لا تخفي علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل ولا تخفي تأييدها لسياسة إسرائيل،فكيف يريد المفاوض الفلسطيني أن تساوي واشنطن بين إسرائيل والفلسطينيين،والمضحك المبكي في الأمر أن القيادة الفلسطينية تطلب ضمانات أمريكية كشرط للعودة للمفاوضات وكأنها لم تجرب عديد الضمانات الأمريكية التي بقيت حبرا على ورق ! أيضا من السذاجة تحميل المسؤولية لإسرائيل فهذه الأخيرة هي العدو الذي يحتل الأرض والواضح في مواقفه برفض قيام دولة فلسطينية على حدود 67 ورفضه وقف الاستيطان وتأكيده على أن القدس موحدة عاصمة لإسرائيل . نعم المسؤولية تقع على عاتق القيادة الفلسطينية لأنها عندما قررت قبل ثلاث سنوات وقف المفاوضات وعدم العودة لها إلا إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان ،لم تضع إستراتيجية فلسطينية للتعامل مع حالة استمرار وقف المفاوضات وما سيترتب عليها ،كما لم تضع إستراتيجية فلسطينية لمواجهة استمرار إسرائيل في الاستيطان والتهويد . منذ ثلاثة سنوات قالت قيادة المنظمة إنها لن تعود للمفاوضات إلا إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان ، ووقفت تنتظر انصياع إسرائيل لهذا الشرط أو أن تتحرك اللجنة الرباعية راعية عملية التسوية لإجبار إسرائيل على وقف الاستيطان ،وعندما لم يحدث أي من ألأمرين ،وكان من الطبيعي أن لا يحدث لأن السلطة ومنظمة التحرير لم يوظفا أي أوراق ضغط أو تهديد حتى بالمقاومة السلمية أو بإنهاء الانقسام وتوحيد الحالة الفلسطينية ، واستمرت إسرائيل في عمليات موسعة للاستيطان والتهويد ،قررت القيادة الفلسطينية اللجوء إلى الأمم المتحدة، وصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين دولة مراقب وتم إظهار الأمر وكأنه انتصار خارق حيث تم استقبال الرئيس أبو مازن في رام الله استقبال الأبطال وانتفخت أوداج وزير خارجية السلطة وفريق المفاوضين من شدة الفرحة وانتابتهم حالة من الغرور ،ووسط هذا (النصر) كانت إسرائيل تواصل الاستيطان والتهويد وتواصل تهميش السلطة وإضعافها.انتظر الشعب ما بعد صدور القرار لأن الشعب لا يريد مجرد قرار يضاف إلى عشرات القرارات الدولية ، إلا أن الشعب فوجئ بل صُدم بتردد القيادة في مواصلة المعركة الدبلوماسية سواء تعلق الأمر بالانضمام لمحكمة الجنايات الدولية أو إلى المنظمات الدولية الأخرى،أو تجسيد القرار ممارسة سيادية على أرض فلسطين . لقد تفهمنا بداية موقف القيادة بعدم العودة للمفاوضات حتى توقِف إسرائيل الاستيطان كما تفهمنا بحذر تدويل القضية الفلسطينية حتى لا يبقى الملف الفلسطيني بيد واشنطن والرباعية وحتى يتم الخروج من ورطة اتفاقية أوسلو،إلا أن غياب الرؤية والإستراتيجية والتفرد بقرار المفاوضات ،واستمرار الارتهان للإرادة الأمريكية وعدم الاستعداد لتوظيف قوة الشعب من حلال المقاومة الشعبية كسند ودعم للمعركة الدبلوماسية ،وحالة التبجح التي تنتاب الفريق المفاوض الفلسطيني واستمرار نفس الشخصيات في التفاوض بالرغم من فشلها الذريع طوال عشرين عاما من المفاوضات في تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني بل إن ما أنجزنه إسرائيل في ظل استمرار المفاوضات يستدعي محاكمة المفاوضين الفلسطينيين وليس مكافئتهم باستمرارهم في مواقعهم ... كل ذلك يجعلنا نتخوف على مصير قضيتنا الوطنية إن بقيت أسيرة نهج المفاوضات الراهن وأسيرة نفس النخبة السياسية وخصوصا الفريق المفاوِض. لا يوجد في الوضع الفلسطيني أو العربي أو الدولي ما يجبر إسرائيل تنفيذ الاتفاقات السابقة والانسحاب من الأراضي الفلسطينية كاملة ، وهي أوضاع لا تشكل حالة ضاغطة على واشنطن لتضغط بدورها على إسرائيل لتقديم هذه التنازلات ،ولذلك فإنه في حالة قبول إسرائيل العودة للمفاوضات فإنما لتحقيق أهداف تتشارك فيها مع واشنطن وهي: شطب حق العودة وتثبيت شرعية الكتل الاستيطانية الكبرى من خلال تثبيت مبدأ تبادل الأراضي ،وحل قضية القدس بما يضمن السيادة الإسرائيلية عليها وقد مهد الاتفاق الفلسطيني الأردني حول الوصاية على المقدسات الطريق لحل إشكال القدس،ويبدو أن مفاوضات سرية بين بعض المفاوضين الفلسطينيين وإسرائيل حسمت في هذه المسائل مسبقا .مع انه من السابق لأوانه تأكيد العودة للمفاوضات الأسبوع القادم كما تقول بعض المصادر ،إلا أننا لا نستبعد هذه العودة لضعف السلطة ونخبتها في مواجهة الضغوط الأمريكية ولعدم ثقتنا في فريق المفاوضات الذي استمرأ المفاوضات من اجل المفاوضات حتى يستمر حاضرا في المشهد السياسي، وهو فريق جزء من نخبة سياسية باتت أكثر انحيازا لمصالحها الخاصة وهي مصالح مرتبطة ومستمدة من استمرار وجود السلطة واستمرار السلطة يتطلب عدم إغضاب واشنطن وإسرائيل.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة 30 يونيو التصحيحية تخلط الأوراق عربيا وفلسطينيا
-
تحالفات غير مقدسة في الحرب على وفي سوريا
-
الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات
-
العرب: من مقاطعة إسرائيل إلى التطبيع المجاني معها
-
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
-
مصالحة فلسطينية كجزء من عملية تسوية برعاية أمريكية
-
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
-
غزة لا تمنح صكوك غفران لاحد
-
تغيرات الهوية في المشهد السياسي العربي وتأثيره على خياري الم
...
-
العصر الذهبي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
-
ما بعد قبول استقالة سلام فياض
-
اتفاقية الوصاية الأردنية على المقدسات وعلاقتها بالتسوية
-
إشكالية المسألة الانتخابية في مناطق السلطة الفلسطينية في ظل
...
-
انتخاب مشعل والقمة العربية والتنافس على التمثيل الفلسطيني
-
مهرجان غزة : الانتفاضة الوطنية المغدورة
-
متغيرات البيئة التمكينية للمصالحة الفلسطينية
-
غزة تستنهض الوطنية الفلسطينية مجددا
-
البيئة التمكينية والفرص المتاحة للمصالحة الفلسطينية
-
انجازات تحتاج إلى حاضنة وطنية
-
هل الدم الفلسطيني رخيص لهذا الحد؟؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|