|
مصر..عودة الروح وسقوط المراهنين
كمال هماش
الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 20:40
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
مصر ....عودة الروح، وخسارة المراهنين
بقلم: كمال هماش من اليسير على المتابع للشأن المصري منذ ما قبل ثورة الشعب التي أسفرت عن تنحي الرئيس الاسبق حسني مبارك، ومواقف الاحزاب والقوى السياسية المصرية من ذلك النظام، أن يرصد تخلف التيار الاسلامي من سلفيين واخوان مسلمين عن المشاركة في فعاليات الثورة حتى لحظة ما قبل انتصارها،والتحاق الاخوان والسلفيين من خلال وضعهم لقدم في ميدان التحرير والقدم الاخرى في الاجتماعات مع المرحوم عمر سليمان والمجلس العسكري، في محاولة لتقاسم السلطة مع المجلس العسكري . وقد قدم الاخوان بالفعل استعراض قوتهم في موقعة الجمل لاثبات قدرتهم على اجهاض الثورة ،الا ان فشل هذه الموقعة في فض الجماهير بل وازدياد اصرار الاخيرة على رحيل مبارك، عجل في قفز الفئران من سفينة التفاوض مع النظام الى مركب الثورة وبشعارات لا تختلف مع شعاراتها ،حيث استبعد الاخولن وتجاهلوا شعاراتهم الدينية التقليدية ليعرضوا انفسهم كمدافعين عن الدولة المدنية والحداثة. وقد نجحت خطة الاخوان في الدخول الى جوف حصان طروادة ، واستخدام الثوار في اسقاط مرشح الرئاسة المنافس لمرشح الاخوان ،بل واستبعاد المنافسين الاخرين من الليبراليين والقوميين من الجولة الأولى، واستمر التلاعب بالثوار منذ لحظة حلف مرسي لليمين في ميدان التحرير وحتى استلامه مهامه ،حيث بدأت رحلة الخروج من جوف الحصان والانتقال الى مرحلة حرقه بمن حوله . وجاءت قرارات مرسي متسارعة بعد ان استلب السلطات الثلاثة بهدف تمكين جماعة الاخوان من مفاصل الدولة ومحاربة معارضيه بعد أن أصبح واضحا أن من يحكم ليس راعيا لمصالح الدولة والشعب المصريين وانما راعيا لجماعته، بل وراعيا بالوكالة عن مكتب الارشاد والتنظيم الدولي للاخوان ،مما أدى الى الخوف في كافة مفاصل الدولة وفي أوساط نخبها على مصير الدولة المصرية الحديثة. ومع تصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية وتجاهل الرئاسة الاخوانية لهموم المصريين وادارة الظهر لشعارات الثورة، بالتوازي مع سوء ادارة الحكم وفضائح الفساد المالي وعقد الفقات السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية على حساب الامن القومي لمصر، كان لا بد من لحظة للحقيقة المرة ،وهي تلك الحقيقة التي حاول الجيش المصري والنخب المصرية في اكثلر من مناسبة ان يضعو مرسي امامها، الا أن ثقافة الرجل وبيئته الفكرية والسياسية لم تسعفه في تقدير موقفه ووضعه. وقد جاء الحراك الشبابي المصري الذي قادته حركة تمرد ودعمته معظم القوى السياسية المصرية ، ليمثل القشة التي قصمت ظهر النظام حين توافد عشرات الملايين من المصريين الى ميادين وشوارع مصر وطالبة بانتخابات مبكرة ، الا ان تعنت مرسي وجماعته نقل شعارات الثورة في وقت قصير الى اسقاطه وعزله ، وهي اللحظة التي تدخل فيها الجيش لعزل مرسي حفاظا على ما تبقى من الدولة وهيبة مؤسساتها. وقد راهن رعاة وممولي ربيع العرب بنبته الشيطاني على حكم الاخوان وانعدام خبرتهم معززا بفكرتهم في محاربة الدولة الوطنية، على الغاء الدور المركزي لمصر والذي اصبحت تتنازعه تركيا وقطر واسرائيل رغم التحالف السياسي العميق بين الثلاثة والتظيم الدولي للاخوان ، كما ان هذه القوى أبقت على خياراتها الاخرى في حالة فشل الاخوان وطردهم عن الحكم متمثلا بسيناريو الفوضى الدائمة عبر الارهاب والتخريب والتحريض على الفتن الاثنية . ولدى استشعار هؤلاء لمخاطر السقوط ، اخرجوا افاعيهم من اوكارها لتفتي بتحريم اسقاك مرسي والتهديد بالرعب والارهاب ، وبيع مفاتيح الجنة للموالين ، الا انه من الواضح اصرار الشعب المصري وجيشه على اظهار الاخوان على حقيقتهم قبل اغلاق ملفهم واقصائهم كجماعة عن الحياة السياسية المصرية والتي باتت قاب قوسين أو ادنى . ولعل هذه النتيجة هي ما اخرج الاتراك عن صوابيتهم عندما تصدى اردوغان لمعاداة ثورة الشعب على مرسي ، وما تلى ذلك من ضبط لعمليات تهريب للسلاح والزي العسكري من تركيا الى مصر، لكون الثورة المصرية طعنت مقتلا للاستراتيجية التركية في المنطقة والقائمة على استعمال الاخوان لمنع نشوء اي مشروع عربي حداثي في المنطقة كما يقر بذلك داؤد أوغلو في كتابه الخاص بهذه الاستراتيجية ورؤيته للعالم العربي بمنظور العثماني لتنابل السلطان . ولعل العثماني الجديد العامل وكيلا للسياسات الاميركية منذ تقديمه العون للعدوان الاميركي على العراق سابقا وضد سوريا حاليا ، يعلم بأن جهوده تصب مباشرة في خدمة الكيان الصهيوني ومشاريع تصفية القضية الفسطينية عبر امارة غزة الموسعة، و التي يعترف بها اردوغان رغم نفاقه الدولي، حيث يأتي مشروع برافر الصهيوني لتهجير بدو النقب، وتركيزهم ضمن مخطط هيكلي يتجاوب وترتيبات امارة غزة ،في ظل التعطيل الذي طرأ على الشق المتعلق بصحراء سيناء نتيجة سقوط مرسي وجماعته من الحكم. ولعل الخارطة القائمة من فشل للمشروع الاخواني في مصر وعجز عن تحقيق الانجازات في سوريا قد انعكست بشكل مباشر على النظام السياسي القطري الذي لا يستطيع احتمال ما تحتمله تركيا واسرائل واميركا من نتائج الفشل ، فكان لا بد من تغيير وتراجع بطيئ قد يتحول الى هرولة النكوص قريبا. كما ان المعلومات التي تتسرب عن مجريات عزل مرسي في لحظاتها الاخيرة ، لعبت دور المرجل في تبخير التعنت الاسرائيلي والفلسطيني تجاه استكمال المفاوضات وان شكليا للحفاظ على ماء الوجه لادارة أوباما التي لم تستطع ري حديقتها الشيطانية واستنبات ربيعها ، فمارست قوتها لانجاز تافه كاستئناف هذه المفاوضات ، بينما تصرح حماس فجأة استعدادها للتعامل مع سلطة رام الله من اجل تنظيم حركة معبر رفح مع الجانب المصري . ان الاخطر والاهم فيما يجري على الساحة المصري هو تداعيات خطاب الجيش وقيادته التي تدير الازمة بتأن وحكمة وضبط للنفس أذهل المراقبين ، رغم امتلاك هذه القيادة لاوراق اللعبة اضافة لورقة دعم الشعب المصري ومؤسساته السيادية والوطنية ، وهو الامر الذي يستدعي قراءة حكيمة متأنية من جميع الاطراف الدولية والاقليمية والمحلية. ورغم القناعة بأن قطيعة اميركية مصرية لن تحصل أبدا ولكن لحسابات أميركية هذه المرة، ونتيجة لانفتاح الخيارات امام القيادة المصرية ،الا ان المصريين يدركون ايضا الاهمية الاستراتيجية للعلاقة المميزة مع اميركا في وسط بحيرة من وكلاء وصنائع وعملاء اميركا . فالتفاعلات الاميركية المصرية في ظل الازمة ، وقيام الطيران المصري بالتحليق فوق القطع البحرية الاميركية في المتوسط ، أعادت ذاكرة الرئيس الاميركي الى اجابة الرئيس الاسبق حسني مبارك له بانه لا يفهم مصر ، وأقنعت أوباما بحكمة رفض طلب مرسي بالتدخل لحمايته ،رغم استعداد الاخير للقيام بكل ما قام به بريمر في العراق، من استئصال كامل لمؤسسات الدولة العميقة واستبدالها بنموذج مطيع من الحكم . ومن هنا فان الاعتكاف على قراءة العقل المصري الجديد والمسلح بارادة شعبية جبارة لا بد وان يشير الى مجموعة من الحقائق التي يمكن استشراف وقوعها مثل: 1- ستسترد مصر دورها القيادي في العالم العربي ،يردفها في ذلك دعم مركزي من الخليج الذي يتحسس عنقه من سكين الفوضى التي لن يستطيع غير المصريين مجابهتها . 2- ستستعيد القضية الفلسطينية عمقها المصري ومن منطلق حسابات الامن القومي المصري التي ستنعكس بالضرورة على كيانية انقلاب الاخوان في غزة والذي تمت رعايته سابقا بفساد نظام مبارك واجهزته التي أطالت من عمر الانقسام الفلسطيني. 3- ستنعكس التجربة المصرية البطيئة على الاقطار العربية التي تعرضت لموجة الربيع المسمم مما سيصحح مسار المتغيرات ويعيد الثورات الى جماهيرها التي قامت بها. وعليه فان امكانية التحول الديمقراطي الشعبي في العالم العربي اصبحت حقيقة واقعة بعد ان استحضرت مصر ديمقراطية أثينا الشعبية لتقود الجيش وتصنع الدستور في ظلال الخوف من شبح الجماهير.
#كمال_هماش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحمدالله......أستغفر الله لنا ولكم
-
حديث المصالحة والاستخفاف بالعقول
-
ربيع عربي.....شتاء حمضي..
-
انتخابات..وتضامن..وانقسام
-
فلسطين بين الضم والكسر .. ومعامل التوحيد
-
التعاونيات بوابة للتشغيل ومدخل للتنمية
المزيد.....
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|