|
الجاسوسان
فارس حميد أمانة
الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 14:27
المحور:
كتابات ساخرة
سعة الادراك نعمة لا يدركها ضيق الأفق..هذا ما كنت ولا أزال أعتقد به..ضمتنا حديقة صغيرة في مكان عملنا ونحن نودع عام 1982بالتقاط بعض الصور التذكارية مع بعضنا ونودع معه زميلنا الهندي سيد بشير أحمد الذي ساقه الحظ ليقضي معنا سنتين..المكان هو محطة كهرباء الدبس شمال العراق .. ولكوننا نعرف ان التصوير ممنوع داخل المحطة فقد اخترنا الحديقة الصغيرة خارج المحطة وقرب الدور التي كنا نسكنها للتصوير. مر شرطي بالقرب منا ثم توقف وعاد أدراجه ليخبرني بصوت أجش ان التصوير ممنوع فأجبت باننا نعرف ذلك ولهذا نصور خارج سياج المحطة الداخلي ..يبدوا انه لم يقتنع اذ لم يجبني فواصل سيره بخطى سريعة .. فحدست ان اليوم لن يمر بيسر..كانت كانت الكاميرا تعود لصديقي المهندس رعد عبد الوهاب سعيد الطبقجلي..وهنا تكمن المعضلة..كان هذا الرجل يبدوا للآخرين فضا متعجرفا صعب المراس وكان من المعروف عنه ابتعاده الدائم عن كل حلقات المتنفذين أو المسؤولين في الموقع أو حتى على مستوى الادارة المحلية والحزبية والأمنية للمدينة..لكنه كان في الحقيقة على عكس كل ذلك تماما..فالرجل طيب القلب لدرجة كبيرة.. حريص جدا على عمله .. عادل على مستوى المسؤولية المناطة به..لكن صفته الظاهرة هي ندرة أصدقائه وابتعاده عن الناس لسبب أعرفه ولا أود ذكره.. أخبرت الجميع أن لا يقولوا ان الكاميرا تعود لرعد الطبقجلي بل لي وسأتولى الموضوع بنفسي..اتصل سيد عرفان مسؤول الاستعلامات ليخبرني بأن صاحب الكاميرا مطلوب للحضور في مركز شرطة الكهرباء .. ولمن لا يعرف سيد عرفان أقول انه شخص تجاوز الأربعين بكثير .. أعزب ولا يريد الزواج..والأصح هو عدم رغبة أية فتاة الارتباط به .. يعيش في المحطة مع العزاب ولا يذهب الى أهله مطلقا.. مكروه من قبل جميع الموظفين دون استثناء..يرفع مذكرات كثيرة للمدير بمبرر أو بدون مبرر.. ومن السخرية انه رفع مذكرة للمدير يطلب منه أن يعاقبه ( أي يعاقب سيد عرفان ) لكونه تأخر عن الدوام لمدة عشر دقائق فما كان من المدير سوى أن أمر بعقوبة له .. وظللنا نتندر طويلا من هذه الطرفة..هل يكفي ما ذكرته عنه حتى تكتمل الصورة فنعود للقصة؟ ذهبت الى ضابط مركز الشرطة مستصحبا فلما آخر لا علاقة له بالفيلم الذي صورناه دون أن يعرف رعد الطبقجلي بذلك حيث لحق بي متوجسا.. وبعد أن تلا سيد عرفان اتهامه علينا طلبت منه توضيح " مصدر الخطر على الوطن الغالي ".. فأجاب : بأنه من المحتمل أن تظهر في الصورة أحد أرجل أبراج نقل الطاقة الكهربائية فيستفيد منها العدو.. فالتفت الى الضابط قائلا : يا سيدي العزيز .. هل ان الأعداء بهذا الغباء لبذل أموال طائلة وجهد عظيم لتنشئة جاسوس سيء الحظ مثلي للحصول على معلومة عن أرجل البرج وهذه المعلومة متاحة لدى الشركات المصنعة؟ ياسيدي العزيز ان دول العالم تتجسس على بعضها بالليزر والميزر والأقمار الصناعية والتقنيات التي ما أنزل الله بها من سلطان.. فكفانا قلة ادراك.. وبعد نصف ساعة من المساجلات وضياع الوقت الذي لا نحترمه لان قلب الضابط فما كان مني الا انتهاز فرصة كونه من منطقة عشائرية معروفة بكرمها وسجاياها العراقية العشائرية الأصيلة وكرم الضيافة فيها سمة بارزة ( تحديدا من مدينة حديثة ) فبادرته قائلا : أيخلوا مضيفك من الشاي يا سيدي؟ فابتسم لملاحظتي.. وكبادرة حسن نية استخرجت الفيلم من الكاميرا وسلمته للضابط لفحصه وأضفت متندرا : في حال لا يوجد ما يضر بالوطن فعليكم ان تدفعوا لنا 750 فلسا ثمنا للفيلم.. فابتسم وأعاد لي الفيلم. فكانت تلك العبارة السخونة التي تذيب ما تبقى من الجليد وتذهب بالتوتر الذي سيطر على الحشد.. وعند تداول أقداح الشاي وهدوء الموقف طلب الضابط من سيد عرفان التغاضي عن الموضوع فوافق مرغما ونزولا عند رغبة ضابط الشرطة .. الا ان رعد الطبقجلي نسف كل هذا النجاح بحركة قاتلة اذ التقط مني الفيلم وأتلفه بأن عرضه للنور قائلا : وحتى لا تظنوا ان اسرائيل ستستفيد من هذا الفيلم فانني أتلفه أمامكم لتطمئنوا.. فما كان من سيد عرفان " الغيور على الوطن " حتى هب من مقعده ملسوعا .. صارخا الى الضابط : ثبت هذا الموقف.. لو لم يكن هناك من معلومات أمنية خطيرة لما أتلف رعد الطبقجلي الفيلم..ثم خرج قائلا سأذهب الى أعلى الجهات الأمنية لطرح الموضوع.. قال لي رعد لاحقا عندما لمته على اتلاف الفيلم انه تذكر انه يوجد برج في خلفية احدى الصور.. يالك من طيب القلب يا رعد الطبقجلي.. لماذا تفجر بوجوهنا قنبلة كهذه.. أسقط في يدي فالتفت الى الضابط الذي أشارت تعابير وجهه الى انه أسقط في يده أيضا. عرفنا بعد ساعات ان سيد عرفان رفع تقريرا الى مسؤول الأمن في المديرية .. كانت تلك الطامة الكبرى فهذا الرجل ورعد الطبقجلي متنافران جدا .. وقد نشأنا كعراقيين على شخصنة كل قراراتنا وتوجهاتنا..وبالتأكيد لن يكون رد فعله بصالح رعد الطبقجلي.. فما كان مني الا ان استصحبت رعد مساءا الى دار مسؤول الأمن وكان يسكن في نفس الحي الذي نسكنه داخل المحطة .. استقبلنا الرجل ببرود أول الأمر.. لكنني نجحت باذابة الجليد المتراكم بعد تشغيل رشاشات الدغدغة العشائرية وأخذت منه وعدا قاطعا بعدم اتخاذ أي اجراء أمني ضد رعد الطبقجلي وغلق الموضوع تماما .. حمدا لله .. أخيرا زال" تهديد الخطر عن وطننا العزيز" ................. أحسب ان صديقي رعد الطبقجلي تنفس الصعداء في هذه اللحظة فقط .. ملاحظة : في نفس اليوم الذي كتبت فيه هذه المقالة عرفت ان رعد الطبقجلي قد أحيل على التقاعد قبل يومين فقط .. تحية لهذا الرجل الطيب القلب..............................
#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا .. ومعي الآخرون
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|