|
ثورة 23 يوليو المجيدة : ثورتان في ثورة واحدة
عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 22:52
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تصادف اليوم الذكرى الحادية والخمسين لثورة 23 يوليو ، ثورة الضباط الأحرار ، بقيادة خالد الذكر جمال عبد الناصر ، في ظروف عصيبة تحيط بثورتي الناس الأحرار ، التي فجرها الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 ، وفي الثلاثين من يونيو الماضي. ثورة 23 يوليو كما قال عبد الناصر ، في كتابه الأول " فلسفة الثورة " كانت ثورتين في ثورة واحدة ، " ثورة سياسية ، استرد الشعب فيها حكم نفسه بنفسه ، من يد طاغية فرض عليه ، ومن جيش معتد أقام في أرضه بدون رضاه " . وثورة اجتماعية تتصارع فيها طبقاته ، حتى تستقر الأمور فيها لتحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء الوطن الواحد. ولم يكن بوسع قيادة الثورة أن تنجز الثورة الأولى ، ومن ثم تنتظر فترة طويلة لتحقيق الثورة الاجتماعية ، لأن إنجاز الأولى بمعزل عن الثانية يجعل الثورة الأولى في خطر ، وبهذا الصدد قال عبد الناصر بحسه الثوري العظيم : " لقد أدركت منذ البداية ، أن نجاحنا ، يتوقف على إدراكنا الكامل لطبيعة الظروف التي نعيش فيها ، من تاريخ وطننا ، كما أننا لم نكن نستطيع أن نغير هذه الظروف بجرة قلم ، وكذلك لم نكن نستطيع أن نؤخر عقارب الساعة ، أو نقدمها ونتحكم في الزمن ... وكذلك لم يكن في استطاعتنا أن نقوم على طريق التاريخ ، بمهمة جندي المرور فنوقف مرور ثورة ، حتى تمر أخرى ، ونحول بذلك دون وقوع حادث اصطدام وإنما كان الشيء الوحيد الذي نستطيعه ، هو أن نتصرف بقدر الإمكان وننجو من أن يطحننا شقا الرحى ".
ويضيف عبد الناصر : " كان لا بد من أن نسير ، في طريق الثورتين معاً ، ويوم سرنا في طريق الثورة السياسية ، فخلعنا فاروق عن عرشه سرنا خطو مماثلة ، في طريق الثورة الاجتماعية ، فقررنا تحديد الملكية." " لقد رسم عبد الناصر الخطوط الواضحة منذ البداية ، والموصلة إلى تحقيق أهداف الثورتين - التي كانت تحتاج إلى وقت وكفاح طويل لتحقيقها واستكمالها- حيث أدرك منذ البداية ، حجم التحديات التي سيواجهها من قبل القوى الرجعية في الداخل ، وعلى رأسها الإقطاع ومن قبل القوى الإمبريالية والرجعية في الخارج ، وعلى رأسها بريطانيا ، والولايات المتحدة ، والعدو الصهيوني ، وقوى الرجعية العربية . وفي إطار الخطوط سالفة الذكر ، عمل عبد الناصر على استكمال ثورته السياسية من خلال ما يلي : أولاً: تحقيق جلاء القوات البريطانية عن مصر بموجب اتفاقية الجلاء في 19أكتوبر / تشرين أول 1954 . ثانياً : التأكيد نظرياً ، وفي الممارسة على البعدين الوطني والقومي للثورة المصرية ، وعلى خصوصية الدوائر الثلاث " الدائرة العربية ، الدائرة الإفريقية ، الدائرة الإسلامية " . ثالثاً : وفي إطار التحالف ، مع الدول المستقلة في العالم الثالث والساعية للتحرر والإنعتاق من التبعية ، كان عبد الناصر أحد أبرز أقطاب مؤتمر باندونغ في 18 إبريل / نيسان 1955 ، إلى جانب عمالقة ذلك العصر " جوزف بروز تيتو – يوغوسلافيا / جواهر لال نهرو – الهند وغيرهما " اللذين أبدعوا في خلق منظومة " الحياد الإيجابي " ، التي شكلت في المحصلة محطة مركزية ورئيسية لمناهضة الاستعمار . رابعاً: عقد صفة الأسلحة التشيكية " السلاح السوفييتي " في 27 سبتمبر / أيلول 1955 ، وبداية الانفتاح التحالفي مع الاتحاد السوفييتي – صديق الشعوب ونصير قضاياها العادلة ، بعد أن رفض الأمريكان تزويده بالسلاح . خامساً: قراره التاريخي بتأميم قناة السويس في السادس والعشرين من شهر يوليو تموز 1956 ، وتصدي الشعب المصري تحت قيادته للعدوان الثلاثي الغاشم ، الذي شاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا ( وإسرائيل ) حيث انتهت الحرب بهزيمة نكراء لأطراف العدوان ، ما أدى إلى خروج بريطانيا من التاريخ ، كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، وخروج مؤسس دولة الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه آنذاك ديفيد بن غوريون من التاريخ أيضاً ، بإعلانه اعتزال العمل السياسي وتوجهه إلى منطقة سد بوكر في النقب ، ليمضي بقية حياته هناك بعد أن قال قولته المشهورة : "لقد ظهر في مصر فرعون جديد ولا قبل لي به ولا أستطيع مواجهته " . سادساً: استجابة عبد الناصر ، لنبض وتطلعات الشعب السوري وضباطه القوميين في الوحدة ، بتوقيعه إعلان الوحدة المصرية السورية ، في 22 شباط / فبراير من عام 1958 ، وكانت أول تجربة وحدوية عربية في التاريخ الحديث . سابعاً : شكلت مصر بقيادة عبد الناصر ، إقليم قاعدة لحركة التحرر العربية ، وفي أفريقيا ، حيث قدمت كل أشكال الدعم للثورة الجزائرية وللثورة في شمال اليمن وجنوبه ، وأسقطت الأحلاف الاستعمارية وخاصةً حلف بغداد ، ودعمت الثورة العراقية عام 1958 ، وكذلك الثورة في لبنان ، ووقفت إلى جانب حركات التحرر الوطني في أفريقيا بقيادة باتريس لوممبا وأحمد سيكيتوري وغيرهما من القادة الوطنيين الأفارقة . ثامناً : ورغم خطه السياسي الواضح ، في معاداة الرجعية العربية إلى جانب الاستعمار ، إلا أنه سعى إلى إحداث اختراقات في تلك الدول من خلال صيغة القمم العربية ، التي تم تثميرها قبل عام 1967 ، في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ، وفي أخذ قرارات لصالح سوريا كبناء سد الوحدة ، بعد قرار العدو الصهيوني بتحويل مياه نهر الأردن ، كما تم تثميرها بعد عام 1967 ، من خلال قرارات قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث " لا صلح ، لا مفاوضات ، لا اعتراف " . أما على صعيد الثورة الاجتماعية : فيمكن القول وبكل ثقة وجرأة أن ثورة يوليو المجيدة بقيادة عبد الناصر ، قطعت شوطاً كبيراً على تحقيق أهدافها في العدالة الاجتماعية ، والحد من الفوارق الطبقية ، وفي تحقيق الديمقراطية الاجتماعية ، ممثلة بدخل حقيقي متحقق ، عبر التعليم المجاني بكل مراحله ، وعبر الصحة المجانية ، وغيرها من الخدمات الاجتماعية ، وعبر إصلاح زراعي متقدم حول ملايين الفلاحين الفقراء من أقنان إلى ملاك . وما كان لهذه الديمقراطية الاجتماعية ، أن تتحقق ، بدون تأميم المصالح الرأسمالية الكبرى ، وبدون قوانين يوليو الاشتراكية ، التي وجدت طريقها للتطبيق ، في مطلع ستينات القرن الماضي ، والتي انعكست بالإيجاب على الإنتاج وعدالة التوزيع ، بعد أن أرسى التصنيع الثقيل والتنمية المستقلة الأساس المادي للاشتراكية العربية ، أو لطريق التطور اللا رأسمالي . وما كان للثورة الاجتماعية ، أن تقطع شوطاً في تحقيق أهدافها بدون خلق الأساس المادي لها ، الكفيل بتوفير الخيرات المادية ، وتوزيعها بشكل عادل ، وهذا الأساس المادي ، وفرته قيادة عبد الناصر من خلال التصنيع الثقيل ، ومن خلال قرارها التاريخي ببناء السد العالي بتمويل ودعم هائل من الاتحاد السوفييتي ، ذلك السد الذي أنقذ مصر من المجاعة ، ومكن من استصلاح مليوني فدان ، ناهيك عن توفير فائض من الكهرباء اللازمة للصناعة ، ولجميع الاستخدامات في البلاد . هذا الاستعراض السريع لثورة 23 يوليو ، ببعديها السياسي والإجتماعي لا يجوز أن تغفلنا عن الإشارة إلى الهنات ، والثغرات التي قادت إلى هزيمة 1967 وأبرزها : = أن اتحاد قوى الشعب العامل " الاتحاد الاشتراكي العربي " كان صيغة فضفاضة ، تسللت من خلالها قوى الثورة المضادة ورموزها لضرب التجربة ، بمعنى أن الاتحاد الاشتراكي لم يكن حزباً طليعياً لقيادة البلاد. = أن هنالك مراكز قوى ، في الجيش وبقية أجهزة الدولة ، لعبت دوراً خطيراً في الإساءة للتجربة الثورية في مصر ، ولم تكن على قدر المسؤولية في مواجهة التحديات ، لا سيما الخارجية منها ، وفي الذاكرة دور عبد الحكيم عامر في إفشال تجربة الوحده ، ودوره ودور شمس بدران في نكسة 1967. وعندما حصلت نكسة 1967 ، كان الرد عليها بتجذير الثورة سياسياً واجتماعياً من خلال بيان (30 ) مارس ، الذي أكد على ما يلي : إعادة بناء القوات المسلحة / تحقيق الصمود الاقتصادي/ تصفية مراكز القوى من خلال محاكمات علنية ،لاعتبارات أخلاقية ومعنوية / العمل على كل الجبهات العربية والدولية ، والاتصال المباشر مع الأصدقاء في الدول الاشتراكية ، وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي ، الذي أكد لمصر في ظروف النكسة ، صداقته المخلصة ، وتعاونه الصادق ، ووقوفه الصلب في جبهة الثورة العالمية المعادية للاستعمار. لقد تضمن بيان (30) برنامج عمل متكامل على صعيد الإنتاج وتغيير قيادات الإنتاج ، والقيادات العسكرية، وتغيير في السلك الدبلوماسي والمحافظين ، وفي رؤساء المدن ، وفي إعطاء دور للشباب المتعلم وكذلك على صعيد تجذير تجربة الاتحاد الاشتراكي ، وإعادة بنائه بالانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة ، وبحيث يظهر في وسطه تنظيم سياسي طليعي ، قادر على قيادة العمل السياسي لمصلحة الجماهير الشعبية. لقد بذل خالد الذكر جهوداً مضنية ، لإعادة بناء القوات المسلحة من أجل إزالة آثار العدوان ، وتمكن من إنجاز هذه المهمة الصعبة من خلال الدعم العسكري السوفييتي غير المحدود ، وخاض حرب الاستنزاف التي حقق فيها الجيش المصري ، انتصارات كبيرة على العدو الصهيوني وعمل على إنجاز خطط ومناورات العبور ، لخط بارليف بالتعاون مع الخبراء السوفييت ، عبر خطط " جرانيت 1، 2 " وتمكن قبل ذلك من بناء حائط الصواريخ ، لحماية العمق المصري ، من ضربات الطيران الإسرائيلي . كما بذل عبد الناصر جهوداً مضنية ، لإعادة عجلة الإنتاج لما كانت عليه قبل عام 1967 ، وأبدى انحيازاً كبيراً ، للعمال والفلاحين في الممارسة ، وفي النظرية ، من خلال برنامج التنظيم الطليعي ، ، في إطار الاتحاد الاشتراكي ، لكن الموت عاجله ، قبل أن ينجز المهمات التي حددها وأبرزها مهمة إزالة آثار العدوان ، في الوقت الذي كانت مصر ، والأمة العربية ، وحركة التحرر العربية ، أحوج ما تكون لقيادته . لقد كان عبد الناصر المطلوب رقم (1) للإمبريالية الأمريكية وكان قائد الأمة العربية بلا منازع ، وسر عداء الإمبريالية له يكمن في سيره في طريق التنمية المستقلة ، المرتبط بنهجه القومي الأصيل ، الذي جعل من مصر إقليم قاعدة لمواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين ، وإقليم قاعدة لحركة التحرر العربية .
#عليان_عليان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفى رهاناً على جون كيري وعلى خيار المفاوضات البائس
-
حملة مكارثية ظالمة ضد الفلسطينيين المقيمين في مصر
-
اغتيال القائد الميداني رائد جندية استحقاق لتحالف حماس مع قطر
-
في مواجهة الإجراءات التهويدية للنقب
-
مرسي يتسول ود أمريكا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق
-
انكفاء مصر في عهد مبارك والأخوان سهل مهمة (إسرائيل) في حوض ا
...
-
مسلسل المصالحة الفلسطينية وسراب الصحراء
-
الحصار المصري الرسمي لغزة لا يزال مستمراً
-
في الذكرى أل (65) للنكبة : العودة تقترن بتحرير فلسطين
-
نريد قيادات تتصدى لمهزلة - تبادلية - حمد بن جاسم
-
حلف شيطاني بين الإرهابيين في سوريا وبين العدو الصهيوني
-
نحو إعادة الاعتبار لخيار المقاومة ونبذ خيار المفاوضات
-
في خندق سوريا في مواجهة العدوان الأطلسي
-
الوعي بالقضية الفلسطينية في مدارس الأونروا
-
مغزى وأبعاد التصعيد النووي الكوري الشمالي
-
نحو انتفاضة فلسطينية ثالثة ...ولكن ؟
-
في ذكرى يوم الأرض ... الاحتلال إلى زوال
-
صهيونية أوباما وقراءة في نتائج زيارته للمنطقة
-
لا أهلاً ولا سهلاً بزيارة أوباما
-
لا خير يرتجى من زيارة أوباما
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|