|
اشكالية العلاقة الزوجية في شريعة الفقهاء
احمد الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 18:22
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تظهر هذه الاشكالية من خلال طرح العلقة الزوجية في جانبها المادي على اساس كونها عقد بين طرفين ، و متضمنة للاخذ والعطاء ، اخذ من طرف الزوجة و عطاء من طرف الزوج ، فالزوج يعطي المهر او الصداق في قبال الاستمتاع من طرف الزوجة . هذا بحسب متبنيات الفقهاء و بأختصار شديد . و السؤال هنا : هل ان الاستمتاع في العلاقة الزوجية يختص به الزوج وحده ليدفع في مقابله المال ، ام ان الاستمتاع حاصل لكليهما معا ؟ و حينئذ ماذا تدفع الزوجة لزوجها في مقابل استمتاعها منه ؟ هذه الاشكالية تتاتى على كلمات الفقهاء و على الخصوص القدماء منهم من خلال طرحهم لمسألة عقد الزواج بالشكل الذي يقاس به على بقية العقود المتقومة بين طرفين و المتضمنة لمعنى المعاوضة كعقد البيع مثلا . رغم ان صريح القران الكريم يعتبر العلاقة متقومة بالمودة و الرحمة فهي علاقة روحية مقدسة لا تقوم على اساس الثمنية و الاخذ و العطاء ، هي علاقة سكن و طمأنينة تسودها المودة و الرحمة ، و يشعر فيها كل من الرجل و المراة بانسانيته ، فلا بيع و لا شراء و لا اخذ و لا عطاء . اما الجانب المادي الذي تتعرض له الايات في سورة النساء على هامش هذه العلاقة فهو لتنظيم و تقنين لتلك العلاقة ، لئلا تسودها الفوضى و ضياع الحقوق حال الانفصال بالطلاق او الخلع ، و ليست متقومة به كما فهم الفقهاء منها . و الغريب ان القران جاء ليصحح مفهموما خاطئا كان سائدا عند العرب قبل الاسلام من مساواتهم بين الزواج والبيع ،اذ يقدمون المهر ثمنا للمراة ، و كانه بدفعه للمهر قد امتلكها كما يمتلك السلعة . هذا التصحيح نادت به الاية 21 من سورة الروم و هي قوله تعالى { و من اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة } فالعلاقة الزوجية في المفهوم القراني هي سكن و مودة و رحمة . و اما الجانب المادي من الزواج كالصداق مثلا فيعبر عنه القران بالنحلة { و اتوا النساء صدقاتهم نحلة }. (1) و النحلة تعني العطية و الهبة ، وبهذا المعنى فسرها الفخرالرازي ، و سأنقل نص عبارته ليتضح للقارئ مستوى الفهم للنص القراني و ما عليه الفقهاء من استنباطات و تفريعات بعيدة كل البعد عن الجو القراني . يقول الفخر : " انه عطية من الزوج ، و ذلك لان الزوج لا يملك بدله شئ ، لان البضع في ملك المراة بعد الزواج كهو قبله ، فالزوج اعطاها المهر و لم يأخذ منها عوضا يملكه ، فكان في معنى النحلة التي ليس بأزائها بدل ، و انما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك " .(2) و فسرها ايضا السيد الطباطبائي في الميزان " بالعطية من غير مثامنة" (3) لكن الفقهاء سامحهم الله ارجعوها جاهلية بعد اسلام عند تنزيلهم عقد الزواج بمنزلة عقد البيع . و لنا الحق حينئذ ان نتسائل : هل حقا ان عقد الزواج في شريعة الفقهاء يتعامل معه كعقد البيع او عقد الاجار مثلا ؟ فعقد البيع قوامه المعاوضة بين المال و الملك ، و في عقد الاجارة هنالك معاوضة ايضا بين المال و المنفعة ، فالمستأجر لا يملك البيت مثلا و انما يملك منفعة البيت . لكن في عقد الزواج ما هي المعاوضة بين الزوج و الزوجة ؟ ماذا يعطي الزوج و ماذا تأخذ الزوجة ؟ الظاهر من كلمات الفقهاء و عند مناقشتهم للمسائل المتعلقة بالجانب المادي للزواج كالمهر مثلا او الخلع، انهم يعرفون الزواج بانه : " معاوضة على البضع " و البضع هو فرج المرأة ، و يقصدون به الاستمتاع ، فالزوج يبذل المال او ما يعادله كمهر للزوجة في مقابل الاستمتاع بها ، كما ان الزوجة تبذل المال في مقابل خروجها من عهدة الزوج و هو معنى الخلع . و اليك نص فقهي على سبيل المثال للحصر فيه دلالة اكيدة على ملكية الزوج لبضع المرأة . يقول الشيخ الطوسي في كتابه المبسوط : " و ان خالعها بعد هذا بعوض و بذلته له ، ملك العوض الذي عقد الخلع به ، وزال ملكه عن بضعها في الوقت الذي ملك العوض عليها ، و لا يقال زال بضعها اليها فملكته لانها لا تملك بضعها ، فأن البضع عبارة عن الاستمتاع ، لكنا نقول زال ملك البضع عنه و عاد اليها كالذي كان قبل النكاح " .(4) لاحظ التعبير " زال ملكه عن بضعها " ، " زال ملك البضع عنه و عاد اليها كالذي كان قبل النكاح " فهنالك ملك للبضع من قبل الرجل زال هذا الملك بمجرد ان ارجعت اليه المال . الا يفهم من هذا الاهانة الصريحة لانسانية المرأة و كانها سلعة تباع و تشترى . ثم اين هذا الفهم من روح القران التي يعلوها التقديس للحياة الزوجية . و المصيبة انك تجد اصرارعلى هذا المعنى رغم قباحته، من قبل المفسرين و الفقهاء المعاصرين لتبرير تعريف القدماء هذا ، و كانه نص مقدس لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، فهذا السيد الطباطبائي في الميزان يدافع عن ملكية البضع ، و يعتبر الامر مناسب للطبيعة فيساوي بيننا و بين الحيوانات ، من استيلاء الذكور على الاناث فيقول : " ثم ان التأمل في سفاد (اي جماع ) الحيوانات يعطي ان الذكور منها شائبة استيلاء على الاناث في هذا الباب ، فأنا نرى ان الذكر منها كأنه يرى نفسه مالكا للبضع مسلطا على الانثى ، و لذلك ما ترى ان الفحولة منها تتنازع و تتشاجر على الاناث من غير عكس ، فلا تثور الانثى على مثلها اذا مال اليها الذكر بخلاف العكس " هل يستحق الجمود على تعريفات الفقهاء ان نفكر بهذه الطريقة ، بدلا من تهذيبها او استبدالها بما هو افضل ما دامت صياغتها من صنع بشر امثالنا . و خير ما صنع المهتمون بشأن التصنيف الفقهي حديثا بتجاوزهم عن اصطلاحات القدماء في باب الزواج و استبدالها بصياغات اكثر ملائمة مع ما هو مدون في دساتير البلدان الاسلامية .
المصادر: (1) النساء :4 (2)الفخر الرازي ،التفسير الكبير ، دار الكتب العلمية بيروت 2004 ، ص 147 (3)محمد حسين الطباطبائي ، الميزان ج 4ص 169 (4)محمد بن الحسن الطوسي ، المبسوط ، ط2 تحقيق محمد باقر البهبودي، ج4 ص 310 (5)الميزان 4/ 181, 182
#احمد_الكناني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليقات على العروة الوثقى ...العبادات النيابية و عدالة الله
-
المنهج التكفيري عند سيد قطب
-
المشروع الاسلامي في مصر ... فشل للنظرية و التطبيق معا
المزيد.....
-
خليل الحية: أسرى الاحتلال لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة
...
-
كيف تباين موقف ترامب وهاريس من الإجهاض والرعاية الصحية؟
-
النساء في ريف مصر.. عمل بدون أجر مقابل “اللقمة”
-
ماذا لو شدّ شخص ما غطاء رأسك؟ هكذا تدرب امرأة في دبي النساء
...
-
حقق حلمك بالزواج.. قرض الزواج من بنك التنمية بتمويل يصل إلى
...
-
-ملكة جمال السباحة- تتلقى عرضا مثيرا من شركة دمى جنسية (صور)
...
-
ما هي طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر
...
-
حياتك هتتغير للأفضل.. طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة ف
...
-
عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل.. طريقة التسجيل في منحة الم
...
-
بعد مزاعم عن وقوع جريمة اغتصاب.. طلاب يتظاهرون في باكستان و
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|