أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - أقدام حافية














المزيد.....

أقدام حافية


ليندا حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1192 - 2005 / 5 / 9 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


الى صبحي حديدي تحديدا..
أنت كائن مدهش..
ولهذا الجهد.. أقدم كل الامتنان..
باسمي وباسم كل من يفتح كومبيوتره على الحوار المتمدن.. كاول نشاط يقوم به بعد الاستيقاظ..
محبتي

.....
لم يكن سعيداً أن يرى العالم من ثقب جورب، ولم يفكر طويلاً قبل أن يقرر جعل حذائه الوطني العتيق وحدة قياس الأمور كلها. في صدر مخزنه لم يضع
حاسباً، ورفض أن يشتري نقالاً لتنظيم مواعيد تصليح أحذية المواطنين.
كان الإسكافي يمرر يديه على جسد الليل حين أيقن أن مهنته قد صدعت الأصابع. لكنه كان قد استغنى إلى الأبد عن تكنولوجيا تشذيب الأصابع، وترميم العظام، وتطويل الأطراف.

* * *

دكانه مغلق، والشمس لم تغب بعد. أهل السوق أكدوا أنهم رأوه اليوم خلف طاولته، ومثل كل الأيام، كانت تنتصب على يمينه أصيصة حبق، وعلى يساره مذياعه العجوز، مؤشره على محطات إذاعية تحاكي إيقاع الإذاعة الوطنية، وتحاكي جحره الذي يعمل فيه، والذي يُعتبر الأكثر صدامية والأكثر وقاحة في تقديم نفسه.. مظلماً وقبيحاً ومليئاً بالغبار والجلود والنعول التي لم يعد أحد يحتاجها.
لم يترك على بابه أية إشارة إلى أنه سيعود بعد قليل، أو أنه موجود في الداخل. وقف بعض الزبائن بانتظاره أمام الباب. أخذوا ينبشون الحكايات والأقاويل التي كثيراً ما رويت عنه...
ــ الإسكافي الأقدم في البلد.
ـ بيعرف كتير .. بس كتير ما بيحكي. .
ــبيقولو إنه بيعرف عن القصر القديم اللي ما بيعرفه حتى أصحابه.. قصص نسوانه.. والأيادي اللي تناوبت على نقل مفاتيحه.
وكان ذلك القصر المهجور يتعالى قبالة دكانه..

* * *

كان للإسكافي مزاج آخر.. يأتي دكانه عند الفجر.. يجالسه مجنون الحي،
يشربان معاً كأسين من الشاي .. قبل أن ينصرف المجنون، ليأخذ زاويته في أول
الشارع، يصرخ هناك ويشكو.. هكـــــــــــــذا إلى أن تسكر الظهيرة من الزحمة والدخان، فيختفي. أما الإسكافي فيأخذ مكانه في دكانه المعتم، يحتضن أحذية الناس المهترئة، وعندما يتم إصلاحها يرميها بنفور إلى أصحابها عاجزاً عن النظر إليها مثلما عجز دوماً عن النظر إلى حذاء ليس بحاجة إلى التصليح.

* * *

ما زال الزبائن منتظرين أمام الباب المغلق، أحاديثهم لا تخلو من تهكم وسخرية. كانوا يتحدثون عن رفضه الأخير لنيل الجائزة السنوية التي تنظمها لجان الحفاظ على التراث الصناعي للمدينة. وكان الإسكافي قد رُشح لنيل الكثير من الجوائز هنا، لكنه رفض كل تلك الشهادات والمنح والجوائز والألقاب، وصرخ في وجه مندوبي المؤسسات المبادرة..
ــ جوائزكم وصباطي.. سوا.

* * *

ــ دفعوا له ملايين ..
ــ أووف..
ــ ملايين يا رجل..
ــ إنه المزاج.. ( دقة قديمة )
كانوا يأتون دكان الإسكافي.. يحاولون استمالته طامعين بالموقع الاستراتيجي الذي يحتله الدكان من السوق.. وفي كل مرة يأتونه فيها.. كان الإسكافي يتابع عمله، يرفض سماعهم، ويفتح سيره المفضلة، عن أن البلد في تدهور، وهو يعرف هذا من جلود الأحذية الوطنية، ومن كعوب النساء التي تطول كل سنة سنتيمتراً كاملاً.
كان منطقياً أن يرفض الجميع الإصغاء لتحليلٍ استشرافي من فم الإسكافي.

* * *

ــ الأسبوع الماضي لم يكن (على الحشيشة)
ــ خرَف يا رجل.. ( العمر إلُه حقه )
مؤخراً ردد الإسكافي لكل زبائنه أن على أهل البلد ــ دون استثناء ـ رمي أحذيتهم، وشراء أحذية جديدة.. فحتى هو نفسه المخضرم المتمرس بدأ ييئس من إصلاح يومي لأحذية البلد:
ــ توقفوا عن المشي، أو استبدلوا أحذيتكم، أو فازحفوا.. عجزت عنكم.

* * *

عندما فرغت صدورهم من الحكايات، انصرف الزبائن باحثين عن إسكافي آخر.

* * *

لم يختف الإسكافي، ولم يهاجر، ولم يُعتقل.. ما حدث أنه أغلق دكانه باكراً على غير العادة.. ثم اتجه إلى رأس الشارع، أخذ مكان صديقه المجنون.. وقف هناك ينظر بدهشة للمباني العالية، ويحرك يديه في كل اتجاه. يلبس بنطالاً خاكياً.. ومعطفاً لا يناسب مطلقاً حرارة آب. تخرج من فمه كلمات متداخلة.. ومن عينيه يترنح الخوف. الحزن يتأرجح بالقرب منه, سكرانا من كثرة الكبت.. لم يكن الإسكافي يرقص أبدا. فقط .. كانت قدماه حافيتين.



#ليندا_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - أقدام حافية