|
ما العمل؟ المسائل الملحة لمرحلة ما بعد الإسلامويين في مصر (2)
براء الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 09:49
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كان الشعار الأساسي الذي رفعه الشعب المصري في أول يوم من أيام ثورته في 25 يناير 2011 هو "عيش - بمعنى الخبز- حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية" ولا شك أنه جسد المعاناة الحقيقية التي كان – ولا يزال - الشعب الذي قام بالثورة يرزح تحت نيرها: و"الخبز" يعني الطعام الضروري لاستمرار الحياة، ذلك الذي تناهشته الطبقة الحاكمة (بجناحيها الديني والبيروقراطي تحت قيادة عسكرية كانت دائما بمثابة الطليعة التي تقودها إلى احتكار السلطة) فلم تترك لبقية الشعب سوى الفتات الذي لا يقيم الأود بقدر ما يصيب بأمراض لا علاج لها في مستشفيات ليست موجودة أصلا، و"الحرية" تعني تلك الكلمة العظيمة التي تحولت بفعل الطبقة الحاكمة إلى كلمة جوفاء يتم تحتها أفظع محاولات السلب والنهب المنظم، فتحت لافتة "حرية العمل" تتم عملية قهر العمال لدرجة القتل إذا ما تجرأ بعضهم على مجرد احتجاج محدود بعدد أكثر محدودية من العمال، أو إضراب جزئي عن العمل في أي مصنع من المصانع سواء المملوكة للدولة أو لأشخاص لا يمكن اعتبارهم رجال صناعة بقدر ما هم من الوكلاء والسماسرة لمؤسسات عالمية، أما "العدالة الاجتماعية" و"الكرامة الإنسانية" فقد تم الاستعاضة عنها بظلم رهيب وإهدار حقيقي لكرامة الإنسان، ومن يظن أن خلع الشعب للرئيس الإخواني "المنتخب ديموقراطيا" قد قضى على "عشيرته" قضاء مبرما فهو مخطئ في ظنه فمازالت "العشيرة الإخوانية" لها جذورها الممتدة في عمق فئات متعددة من البروليتاريا الموصوفة دائما بـ"الرثة"، ومن بعض فئات البرجوازية الصغيرة بالإضافة إلى بعض الفئات الأكثر فقرا ومرضا وجهلا ورجعية من أصدقاء طائر "أبي قردان" ذلك الطائر البديع الشكل "صديق الفلاح" والذي لا يقتات إلا من ديدان الأرض التي تهبها له السماء في تقتير شديد، ومع تجذر الإخوان المسلمين بين كل هذه الفئات في المجتمع المصري لم (ولن) يدفع الملايين من الجماهير التي غطت بأجسادها وأصواتها الهادرة كل شوارع مصر للتخلي عن مكاسبها في طرد الإخوان المسلمين من السلطة بل إن هذه الجماهير المليونية زادها إصرارها على قطع ذلك الحبل السري الذي يربط الإخوان المسلمين بالسلطة، ذلك الغضب الشعبي الذي بدا أمام كاميرات الفضائيات العالمية في شكل نيران مشتعلة في كل المقرات الرئيسية للإخوان المسلمين واقتحام مقرات حزبهم العلني الحاكم "حزب الحرية والعدالة" بالرغم من أن كل ذلك حدث كرد فعل على إطلاق الرصاص الحي والخرطوش من نوافذ وأسطح المقرات التي أحرقها المتظاهرون، حيث فطنت هذه الجماهير بوعيها اللامرئي بخطورة محاولات الإخوان المسلمين في إشعال جذوة الحرب الأهلية المسلحة انتقاما منها على تجرؤها على الجماعة التي بدا أن تمسكها بالسلطة سوف يدفعها إلى قتل كل من ينازعها السلطة، ولكن الجماهير الغاضبة كانت قد أصرت على إسقاط ذلك التاج المزيف من فوق رأس ذلك الرئيس القابع خلف أسوار القصر الجمهوري في الاتحادية، ذلك الكئيب المتغطرس الذي كان يحمل لقب "أول رئيس جمهورية منتخب" في انتخابات "ديموقراطية" ومثل ذلك الهراء وتلك المصطلحات التي تم لي عنقها حتى يحصل الإخوان المسلمون على التعاطف الشعبي وتأييد الإعلام العالمي، فسرعان ما راحوا يروجون لأن ما حدث ليس سوى "انقلاب عسكري"، وقد اتخذت مصطلحات مثل " رئيس منتخب" و"ديموقراطية" و"انقلاب عسكري" تكئة لبعض "اليسارجية" هؤلاء الذين يدعون أنهم "يساريين" يتكئون عليها للقفز فوق درجات السلم الانتهازي في رشاقة البراغيث متعاونين في دأب وإصرار على مساندة بعض فضائيات الإعلام المحلي والعالمي لرأسمالية متوحشة لنزع "الشرعية" عن ذلك "الحراك الشعبي الثوري" وساعدهم بعض أشباه الليبراليين الساقطين ليشكل هؤلاء جوقة الضفادع التي راحت تنقنق بأن ما حدث ليس سوى "انقلاب عسكري" ضد رئيس جمهورية منتخب ديموقراطياً، "وهذا ينطوي على تناقض في المصطلحات، الانقلاب تحديدا هو حيازة مجموعة صغيرة على السلطة من غير أن يعكس ذلك إرادة جماهيرية، ولكن في مصر كانت القوة الدافعة للتغيير الذي حصل هي الجماهير نفسها، وإذا كان الماركسيون يؤيدون الديموقراطية، ولكنه ليس التقديس العبودي لآليات الديموقراطية الشكلية البرجوازية، إن تقديس هذه الأشكال يتم بالتوازي مع تجاهل للجوهر الحقيقي للديموقراطية إن القول أن مصر كانت على طريق الديموقراطية تحت حكم مرسي، هو محض كذب، إن هؤلاء الذين يرددون ذلك يتناسون ذكر المئات الذين تم تصفيتهم، والآلاف الذين تم اعتقالهم، من الناشطين. إنهم ينسون ذكر الصفقات التي عقدها مرسي مع المجلس العسكري والجهاز الأمني للنظام القديم، وكيف أنه سمح بإطلاق سراح معظم مجرمي حقبة مبارك. وهم كذلك ينسون كيف أرسل الجيش لقمع الإضراب العام في بورسعيد. وهم أيضاً لا يذكرون محاولة تكريس سلطته بشكل ديكتاتوري من خلال الإعلان الدستوري في نوفمبر الماضي. تم تشريع ذلك من خلال مجلس تشريعي تم انتخابه بـ 10% من الأصوات. أقحمَ كل زملائه في الإخوان في معظم المناصب الرسمية، تم التضييق على الناشطين في مجال حقوق الإنسان وفي المجال الديموقراطي، وتم قمعهم وفبركة اتهامات باطلة تجاههم. كذلك، تم اعتقال العديد من الصحفيين خلال حكمه، منع الإخوان تمرير تشريع كان من شأنه أن ينظم الضرائب بطريقة أكثر تقدمية، وقد منعوا الحق بتشكيل اتحادات عمالية مستقلة من خلال التصويت الحر في أماكن العمل. عوضاً عن ذلك، اقترحوا أن تتنظم الإضرابات ودعموا أصحاب العمل، وهذا يبرز بوضوح الموقع الطبقي للإخوان المسلمين، وحتى بشكل مخالف لتوجهاتهم المعلنة، استمروا في مشاريع الخصخصة وبيع المصانع المؤممة سابقاً، بأسعار تم تخفيضها بشكل غير شرعي، بعبارة أخرى، قد تصرفوا كعصابة من رجال الأعمال الجشعين الذين يعملون من أجل نهب الدولة والشعب، كان "مرسي" والعصابة الإسلاموية مصممين على أسلمة كل أوجه المجتمع المصري، وقد بقي "مرسي" صامتاً حيال التهديدات والتهجمات البلطجية على الأقليات الدينية، عندما يتم النظر إلى كل ذلك، نخلص إلى أن فوز مرسي بأغلبية شكلية وغير حقيقية يعتبر أمراً غير ذات أهمية، ويصبح أيضاً أمراً تافهاً عند الالتفات إلى أن الكثير ممن صوتوا له السنة الماضية انقلبوا ضده الآن، أو كما يقول "خليل كلفت" في مقاله المنشور في الحوار المتمدن: كما ظل الحكم الإخوانى يقيم رهانه على شرعيته المزعومة أمام الغرب أو الشمال الذى لا يتسامح بسهولة مع الانقلابات العسكرية والحكم العسكرى؛ بالطبع من باب النفاق تأكيدا لمزاعمه المتصلة بنشر الديمقراطية فى العالم، وبالفعل كان من المستحيل تقريبا على قيادة الجيش أن تقوم بتدخل عسكرى لحسم الصراع مع الإخوان لو لم تكن هناك موجة جديدة كبرى لثورة يناير يمكن توظيفها كغطاء شعبى ضد اتهامات الانقلاب العسكرى، وهى اتهامات بدأت بالفعل بالمواقف الدولية التى يمكن أن تترتب عليها إزاء مصر، على حين أننا لسنا إزاء انقلاب عسكرى، كما سنبيِّن بعد قليل، بل بالأحرى إزاء انتصار القطاع غير الإسلاموى على القطاع الإسلاموى من الرأسمالية المصرية التابعة، أمامنا إذن انتصاران وهزيمة واحدة؛ انتصار الثورة الشعبية على الحكم الإخوانى، وانتصار الجيش ممثلا للقطاعات الحاسمة من الرأسمالية المصرية التابعة على الحكم الإخوانى أيضا، والطرف المهزوم الذى تلقَّى ضربة تاريخية قاصمة فى الحاليْن هو هذا الحكم الإخوانى السلفى؛ ولا يستبعد هذا مواجهة حاسمة لا مناص منها مع مقاومة مسلحة بدأت بالفعل للتطورات الجديدة من جانب الإخوان والسلفيِّين؛ مهما كانت احتمالات تطور العمل الإرهابى فى مصر فى المستقبل، وهنا تبدأ إشكالية الطرفين المنتصريْن: الثورة الشعبية لم تنجح بعد فى إسقاط نظام مبارك أو خلفائه، ونظام مبارك أو خلفائه لم ينجح بعد فى تصفية الثورة ولهذا فإن الصراع بين الثورة والثورة المضادة مستمر بين الطرفين المنتصريْن. لن يستطيع الحسم والانتصار النهائي سوى "الثوار" الحقيقيون وأن تقوم الجماهير صاحبة الثورة باستلام السلطة فيما نؤكد على أهمية وضرورة أن يستلم السلطة تلك الطبقة الثورية الحقيقية الوحيدة في المجتمع فالذي ينتج الثروة لابديل أمامه سوى التحكم في كل قوى الإنتاج مع الوضع في الاعتبار أن التظاهرات حتى لو كانت مليونية هي أحد الأدوات التي لا تمانعها سلطة الطبقة الرأسمالية في الديموقراطية الكاذبة كنوع من تنفيس بخار الغضب من داخل القدر الكاتم الذي يغلى بالغضب والتناقضات الحادة، لتكون هذه التظاهرات بمثابة صمام الأمان لتنفيس البخار من ذلك القدر الكاتم وبذلك تضمن بقاء السلطة الطبقية الفاسدة لكن إذا ما تم تنظيم التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وتنظيم كل أدوات الصراع للتخلص من تلك السلطة حتى يبدأ كل هؤلاء "الديموقراطيين" في الهلع والولولة والصراخ عن أن ما يحدث ليس سوى "فوضى" وبالطبع ليس ثمة "فوضى" لكنها حالة نادرة لاسترجاع الشعب الثائر لمصير حياته من أيدي السياسيين الانتهازيين والبيروقراطيين الفاسدين ، وهذا هو بالضبط معنى الثورة، الثورة التي لابد لها من تنظيم شعبي قادر أصبح انبثاقه اليوم مسألة ملحة وضرورية، أما كيف يتم ذلك؟ فهذا هو ما سوف نطرح تصورنا له في المرة القادمة.
#براء_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما العمل؟: المسائل الملحة لمرحلة ما بعد الإسلامويين في مصر (
...
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|