|
شعب بلا تاريخ
هشام مطشر البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 4159 - 2013 / 7 / 20 - 16:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نسمع ونرى ونقرا ونكتب في كل ان ومكان تلك القضية التي اصبحت من المسلمات والبديهيات القائلة بان الشعب العراقي هو من اقدم الشعوب البشرية التي ظهرت على وجه الارض والذي يمتد عمره لما يزيد عن السبعة الاف سنة . والعراقيين اليوم هم ابناء تلك المدن الضاربة في اعماق التاريخ الانساني مدن سومر واكد وبابل واشور ...الخ . في هذا المقال اود ان احلل هذه القضية تحليلا منطقيا كي نعرف مدى صدق او كذب هذه المسلمة البديهية ؟ ولنبدا اولا بمعرفة الاصول الدموية والمكونات الاساسية التي ينتمي اليها ابناء الشعب العراقي المعاصر. فلا يخفى على احد إن الشعب العراقي الحالي هو شعب يتكون بصفة أساسية من مفهوم القبيلة والعشيرة وهذا المفهوم بالذات لا ينتمي أو يمت بأي صلة إلى الحضارة العراقية القديمة حضارة وادي الرافدين ، فهو مفهوم " وافد " من شبه الجزيرة العربية ، إذ إن العرب يتميزون بعلم خاص بهم ويكاد يكون العلم الوحيد الذي يتقنوه وهو علم " الأنساب " وهذا العلم يرجع كل شخص إلى أصلة وفصله ومن اي مجموعة بشرية قد جاء وانحدر . حيث كانوا ولا زالوا يتفاخرون بانتماءاتهم سواء إلى هذه القبيلة أو تلك ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد اسماء قبائل عندهم مثل " قريش ، الاوس ، الخزرج ...الخ" ، وهذه هي قبائل عربية اصيلة تسكن شبه الجزيرة العربية . وعندما دخل الجيش الاسلامي بلاد الرافدين في اثناء الحروب التي خاضها العرب ضد الاقوام المجاورة " الكافرة " في نظرهم وجدوا سكان العراق الاصليين الذين يملكون لغتهم الخاصة وعاداتهم وتقاليدهم المختلفة كل الاختلاف عن عادات وتقاليد العرب . فالمجتمع العراقي القديم لا ينتمي لاسماء من مثل ( قريشي ، زبيدي ، طائي ، ساعدي ، جبوري ...الخ) ، بل هو مجتمع ذو لغة وقيم وثقافة مختلفة كما قلنا عن المجتمع العربي . ولكن نتيجة لدخول ألاف الافراد والعوائل العربية لارض السواد حيث المياه والانهار العذبة والارض الخضراء المثمرة تغيرت معالم وخارطة العراق الديموغرافية و تلاشت لغة حضارة وادي الرافدين شيئا فشيئا لتحل مكانها لغة الدين الاسلامي – اللغة العربية – وبدا السكان الاصليون ينتسبون إلى القبائل العربية الوافدة لاسباب كثيرة منها لدرء الخطر الذي ربما يتعرض له هذا الفرد أو ذاك ولضمان الحماية عند انتمائه إلى قبيلة من القبائل المستوطنة ، كذلك للحصول على الامتيازات التي يتمتع بها العربي الوافد على هذه الارض ، وغيرها من الاسباب الكثيرة والذي يهمنا هنا هو انصهار سكان العراق الاصليين مع العرب الوافدين وانمحت لغتهم وقيمهم وثقافتهم وعاداتهم لتحل محلها قيم العشيرة والقبيلة العربية . واذا ما قارنا هذا الحدث بما جرى في بلاد فارس ، فسنجد إن الشعب الفارسي رغم خضوعة للجيوش العربية الاسلامية بعد معارك جرت عقب اسقاط الحضارة العراقية القديمة لكنة بقا إلى يومنا هذا محافظا على نظامه الاجتماعي ولغته الخاصة فلم يستطع العرب إن يخضعوا هذه الحضارة وشعبها لقيمهم وتقاليدهم كما اخضعوا حضارة وادي الرافدين من قبل . فلا نجد في اي مدينة من مدن ايران مفهوم عشائري وقبلي مثل ما نجده في المدن التي سيطر عليها العرب اللهم الا في مقاطعة الاهواز التي خضعت إلى حكم عربي صارم فانتقل معظم ابناء العشائر العربية إلى تلك المنطقة واستوطنوا فيها . والان اود إن اطرح القضية الاساسية في هذا المقال مجددا واقول هل إن الشعب العراقي( الحالي) يمتلك بالفعل حضارة عمرها 7 الاف سنة ؟ اذا كان الجواب بنعم فسيكون هنا استفهام واجب إن يطرح وهو مشتق من تعريف المجتمع العراقي القديم كما بينا في السطور السابقة . كيف يمكن إن نهدي حضارة تمتد لالف السنين لشعب عشائري وافد من شبه الجزيرة العربية !! وهم لا يمتون بأي صلة لابناء تلك الحضارة القديمة ؟ فهذا تناقض واضح لكل من يملك أدنا بصيرة . اما اذا كان الجواب بالنفي فمن الواجب إن نكف عن هذا النفاق والتجني على تاريخ الشعوب ولنعد صياغة الاقوال والافعال من جديد بما يتطابق مع الحقيقة الواضحة . ربما سيقول بعض من يقرا هذه الكلمات إن الموضوع لا يحتاج إلى كتابة أو اثارة أو نقاش فنحن ابناء اليوم اما الماضي فقد ذهب إلى الابد . ولكن اقول لاصحاب هذا الراي إن الامر اعمق بكثير مما يتصور هؤلاء واذا قمنا بالفعل بحل هذا الاشكال وهذا التناقض الكبير الذي يعاني منه الفرد العراقي فسيتخلص ابناء هذا البلد من اللعنة الدائمة التي تلاحقه في كل زمان وسيعيشون حياة حرة وكريمة . والمهم في كل هذا و المخرج من كل هذه الاشكالات التي يعانيها ابناء العراق هو ان يختار العراقيون امرا واحدا لا ثاني له فأما ان يعلنوا انهم ينتمون الى الامة العربية ذو الاصول الحجازية واليمنية وغيرها من البلدان التي اوفدتهم قبل مئات السنين وهم لا يملكون تلك الحضارة التي يتفاخرون بها بين شعوب الارض ، وهذا يعني انهم يستمرون على نفس النهج التقسيمي الى عشائر وقبائل ، ومضار ذلك سنناقشه بعد قليل . واما ان يتخلوا عن العشائرية والقبلية ويعلنوا انهم شعب ينتمي الى تلك الحضارة التي لا تمت الى العرب وشبه الجزيرة باي صلة . واذا تحقق الامر الثاني وهو المرجو بالفعل ، فسيعيش العراقيون حياة المساواة ، حياة المواطنة والحب والسلام بعيدا عن الالقاب والاحقاد والقتل والضياع الذي تدعو اليه قيم القبيلة والعشيرة . وفي الحقيقة ان من اخص خصائص القبيلة انها لا تدعو الى المواطنة والولاء للوطن والمساواة بين الناس بل وكما هو معروف انها تدعو الى الولائات الشخصية المتمثلة بشيخ القبيلة وابنائه واحفادة والمقربين منه !! لذلك – ونقولها بصراحة -، ان الفرد العراقي اليوم لا يفهم معنى الوطنية والمواطنة ولو بابسط معانيها الانسانية ، فالولائات متعددة لديه فمعظم الافراد في هذا الشعب يحملون معهم شعور الغزاة عندما يذهبون الى اي مكان خارج نطاق او حدود القبيلة او المدينة او المحلة التي ينتمون اليها ؟؟ ولو كانوا داخل ارض الوطن الذي يحتضنهم !! وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى تلاشي بل انعدام المفهوم الانساني والمواطنة المتساوية فيما بين افراد الشعب . فلا معنى للبناء والاعمار والعلاقات الحميمة فيما بينهم بل هناك ثقافة الحقد والخراب فيما بينهم وهذا ناشئ بطبيعة الحال من الشعور بالولاء للقبيلة وليس للوطن وكما يقول المثل العراقي وهو لسان حال ما قلناه ونقوله " انا واخي على ابن عمي ، وانا وابن عمي على الغريب "!!؟ وببساطة ان لدى الشعب العراقي شعور عن عدم انتماء الى هذه الارض وهذه التربة بل ان الشعور الذي يكتنفهم انهم اقوام مختلفة ودماء متنوعة قد وفدت من هنا وهناك الى هذه الارض المسماة ارض بلاد ما بين النهرين فهم شعب بلا تاريخ ؟ الا ان يرفضوا عشائرهم وقبائلهم ويذهبوا الى المواطنة ويؤمنوا بانهم شعب ينتمي إلى اعرق الحضارات في تاريخ الانسانية . وائمل إن نناقش في مقالات مقبلة حضور الدين وتاثيره على الفرد العراقي سلبا ام ايجابا .
#هشام_مطشر_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لحظة قفز رجل من مقعده أثناء ركوبه لعبة -الأفعوانية-.. شاهد م
...
-
للحصول على السلام بالقوة.. ترامب يعين جنرالا سابقا موفدا إلى
...
-
فرنسا تحدد موقفها بشكل واضح بشأن مذكرة توقيف نتنياهو
-
الداخلية الكويتية توضح بعد فيديو كميات كبيرة من -الحطب- تحت
...
-
مقتل نحو 100 شخص في معارك عنيفة على مشارف حلب السورية بين قو
...
-
تحذير استخباراتي ألماني من تصعيد روسي محتمل ضد ألمانيا والنا
...
-
مشاركة عزاء للرفيق رائد حجاج بوفاة خالته
-
الجيش السوري يعلن عن -هجوم كبير- تشنه تنظيمات إرهابية على من
...
-
سيارة شرطة تصطدم بسيارة تقل رئيس وزراء نيوزيلندا
-
الصين تدعو إلى ضبط النفس بخصوص تسليم أسلحة نووية إلى أوكراني
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|