|
المجتمعات العربية المعاصرة بين إشكالية الإستلاب وأزمة الإغتراب
محمد جلال
الحوار المتمدن-العدد: 4158 - 2013 / 7 / 19 - 22:00
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إبان الخمسنيات من القرن الماضي خاضت مجموعة من البلدان العربية الإسلامية نضالات بطولية ضد المستعمر الأجنبي لنيل الحق المشروع في الحرية والتحرر من واقع القهر والإضطهاد ، وبعد أن تحقق لهذه البلدان مطلبها المشروع في التحرر والإنعتاق من نير المستعمر أخذت تبحث لها عن نموذج يقتدى قصد بناء الدولة العصرية بمؤسساتها وأجهزتها والقادرة على الإسهام في تطوير المجتمع العالمي بما يخدم تطلعاتها الذاتية ، والحال أن هذه البلدان المنهكة القوى، والتي لم تخرج إلا بالكاد من حالة الحرب نحو حالة الإستقرار النوعي وجدت نفسها أمام خيارين أساسيين تهتدي إليهما لبناء الدولة التي يطمح إليها كل فرد في أي قطر من الأقطار العربية الإسلامية، فمن جهة نجد أن هذه البلدان وبحكم إنتماءها الى ملة الإسلام تطرح مشروع الدولة الإسلامية التي تهتدي الى شرائع الدين في بناء الدولة ، ومن جهة أخرى نجد خيارا آخر وهو خيار اليسار السياسي الناطق باسم التحرر والثورة ، علما أن هذا الخيار وجد له أنصار هم من نخبة نخب هذه الشعوب العربية الإسلامية ، ولم يخفى على هذه النخب التجربة المحنكة التي خاضها الإتحاد السوفياتي وما تلى هذه التجربة من إزدهار على كافة الأصعدة ، إلا أن هذه المجتمعات التواقة الى مسايرة النهضة الأروبية أضاعت وقتا كبيرا في التأمل في هذين الخيارين بدل الإهتداء الى أحدهما ومن ثم الشروع في العمل به بما يكفل لها النماء والإزدهار المنشودين ، وفي ظل هذا الإرتباك برزت أقلية بورجوازية احتكرت كل شيء بما في ذلك السلطة وقبلت عن طيب خاطر أن تكون خادمة مطيعة في يد الإمبريالية العالمية ، ولعل السؤال الذي يتبادر الى ذهن القارئ الكريم الآن هو : ما مكمن الإستلاب الذي تعاني منه المجتمعات العربية ؟ وهل حالة الإستلاب هته فرضت قصرا على المجتمعات العربية الإسلامية ، أم أنها نتيجة طبيعية آل إليها واقع يتسم بالإرتباك وعدم الإستقرار ؟ . الحق أن الجواب المباشر يحمل نوعا من التعسف في الحكم على واقعة الإستلاب التي تعاني منها المجتمعات العربية الإسلامية ، فهذه المجتمعات المتلهفة الى البناء والتشييد والنماء والتطور أصيبت بخيبة أمل كبيرة جراء *الفشل* في بناء الدولة العصرية استنادا الى النموذج الذي كانت تطمح اليه ، مما سمح لأقلية بورجوازية بالسيطرة على كل القطاعات والتغلغل في مفاصل الدولة ، وهذا ما جعل هذه الطبقة المسيطرة –البورجوازية- تتجاهل إنشغالات الشعوب العربية الإسلامية والسعي الى تحقيق مآربها الذاتية، من هنا يمكن القول أن أن واقعة الإستلاب هي صنيعة أيادي هذه الطبقة البورجوازية المسيطرة، حيث انها وبعد أن سمحت لنفسها بأن تكون خادمة مطيعة تحت إمرة القوى الإمبرياية العالمية بدأت –البورجوازية الحاكمة- تعمل على استيراد قوالب جاهزة من إنتاج الآخر الأوربي أساسا، وبفعل حالة الركود والتردي والعجز وقفت الشعوب العربية الإسلامية منبهرة أمام ما وصل اليه الغرب وما كان لها إلا أن قبلت كل ما يقدم لها فأضاعت بذلك الجزء الكبير من أصالتها وتطلعها الى الإبداع الذاتي ، وبقيت أسيرة مستلًََََََََبة وفاقدةَََ للإنتماء، وهنا بالضبط أحست هذه المجتمعات العربية بغربتها في عالم يتسارع تطوره كل يوم، فهذه المجتمعات وجدت أمامها مثلا تقنية رفيعة، لكنها غريبة عنها، كما وجدت شعوبا تجاوزت مطالب الدفاع عن حقوق الإنسان متجهة الى الدفاع عن حقوق الحيوان ! وجدت أيضا شعوبا لا تسن السيوف وتقطع الأعناق لزرع الإعتراف بالله، وليس بدعا أن نجد أن المجتمعات العربية الإسلامية قد عملت حتى على إستيراد منظومة القيم لكنها عبثا حاولت تطويع كل هذا في ظل بيئة تتسم بالإستكانة والتصدع قياسا بمجتمعات لا تضع للعقل وللمعرفة حدودا، هنا يحق لنا أن نتساءل لما لم تعمل الشعوب العربية بمقولة المهاتما غاندي صاحب أكبر عصيان مدني في التاريخ ، والذي قال: علي أن أفتح نوافذ بيتي لتهب علي رياح كل الثقافات، بشرط أن لا تقتلعني من جذوري؟ . لعل الجواب قابع في إحدى أركان المسار التاريخي للشعوب العربية ، هذه الشعوب التي صعب عليها جدا رفض المغريات التي تقدم لها على طبق من ذهب من قبل الآخر الغربي وبعد أن بقيت ردحا من الزمان تئن تحت حد السيف وجدت لتوها سبيلا للإعتاق ، لكنها تقوى على تفهم ما تستورده أو العمل به بالشكل السليم كما أنها فقدت الجزء الكبير من أصالتها فصدق في هذه الشعوب المثل القائل ذهب الحمار يطلب قرنين فعاد مقطوع الأذنين. والآن لنطرح السؤال الكلاسكي الذي طرحه فلادمير لينين : ما العمل ؟ ما العمل في ظل واقع الغربة والإستلاب هل نظل عن طيب خاطر مستلبين مغتربين، أم نثور ونقول كلمتنا ؟ . وحده التاريخ ووحدها الشعوب العربية من يمتلك جوابا على هذا السؤال.
#محمد_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انا وانت والمساء
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|