محمد بطيخ
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 12:25
المحور:
كتابات ساخرة
(*)
إنه يعود من الممشى منهكاً من تريّض اليوم, يبدو أن ممارسة الجنس في الصباح مع زوجته اللي تمكث في المنزل في تلك الساعة قد أنهكه. كل ما يبحث عنه هو الماء, متسللاً إلى السرير الذي فوجئ بتواجد امرأته مطروحة عليه على الرغم أن الساعة تجاوزت الرابعة عصراً.. إذن, فهناك مشكلة ما..
إنها تنام 18 ساعة باليوم!!!, إنه النوم الاكتئابي المُعدي .. حسناً, أنا أرى فيلماً لا شئ حقيقيّ ها هنا. وأتدرون شيئاً ؟ : لا شئ حقيقيّ مما تقرأونه الآن حتى لو أقسمت لكم بكل المقدسات الأخلاقية التي اكتسبت من التقديس ما جعلها تُحفر في أنثروبولوجيا أجيالنا على مر ألاف الأعوام .. حديثي المنمّق ها هنا لا يعبر عن عبوسي الحيويّ بالكليّة .. ولا برودي المُستفزّ على المقهى .. ولا ارتباكي في العمل .. ولا رثاثتي في البيت .. إنه يعبر –فقط- عن اختفاء الكائن منّا في هذا العصر وراء شاشة تنقل –على الفور In Instant- كل ما تضرب به بأصابعك على لوحة حساسة تتكون من ملايين الترانزستورات –على حد علمي الضئيل جداً في الأليكترونات, فقد فضّلت قسم الهندسة المدنية على هندسة الاتصالات من أجل العمل وأكل العيش وهكذا..- .. كعازف للموسيقى على بيانو حديث, أو قديم -مجرد لعب بالكلمات-. هل يمكن أن تمتثل بأي شكل من الأشكال لتلك الموسيقى التي يمكن أن تؤلّفها أصابعك جرّاء اللعب بدرجات السلّم الموسيقي؟؟ - لا, لا أيها الفاشل المزيّف.
أنت, هييي, لا تذهب مني, أريد أن أعود بك إلى المشهد الذي بدأت به, إن انتبهت معي ولم تشتت عقلك في التفكير في ذاتك الموجعة نرجسيتها كثيراً ,ومراجعة ما كنت تفعله طيلة الـ(ضع سنّك على هيئة رقم) سنة التي عشتهن.. فأنا أريد إذن أن اسجّل ارتيابي الدائم من كلمة "المعدي", ولأنني أفكّر كثيراً, في كل شئ, حتى في تلك البديهيات التي أريد أن أحسم أمرها بتتويج انتصار عقلي على العادة أو البديهة التي ورثتها ,وأعلن انتصار ذاتي بقرارات حاسمة,, أو في تلك القضايا الشمولية العالمية التي لم يتفق على حسمها بشكل واحد فيلسوفان من الذين تتصدر صفحاتهم أكبر عدد من الإعجابات على الفيس بوك, ويتناقل "المتثاقفين" ( محاولي التثقف, كمريض الإمساك الذي يحاول الإخراج في المرحاض بالساعات, ولا يكاد يفلح في ذلك) كلماتهم حتى لو كانت جملة واحدة!! يااه!! إنني أتذكّر كم أني قد تحدثت كثيراً, وكثيراً جداً ولم يلتفت إليّ أحدهم وأنا ها هنا على قيد الحياة!! وربما أحتاج لأحدهم لكي يلتفت... لا أعلم ربما لكي لا أشعر أني أواجه ذلك العالم القاسي المادي وحدي, أو لكي أشعر بشرعية ذاتي في الحياة, أو ربما هي تلبية للحاجة الأساسية للإنسان في المشاكرة مع الآخرين : أفكر
و نعم , ذلك التفكير الكثير يعد نوعاً من الجنون! يا إلهي,, إنه جنون بحق...
ونتيجة لذلك النوع من الجنون, فإنني ارتاب لمجرد قراءتي أو سماعي لكلمة "المُعدي", لأنني بت أشعر مؤخراً كثيراً بأني "مكرراً". نسخة وراء نسخة وراء نسخة في عالمنا الذي جعلته الرأسمالية علب من السردين المتطابقة, لا تختلف إلا في صورة السمكة على غلافها الصفيحيّ.. ولأنني قد نجحت في السقوط عدة مرّات في محرقة "الكليّة" (أسمّيها محرقة, كتعبيراً نفسياً عن الحنق والغضب والحقد والملل المنصب من شاب بمواصفاتي على مكان كهذا, وكل من تجاوز الثانية والعشرون سيفهم بشكل وجداني معنى ذلك الكلام), وضاعت مني شرعيتي للبقاء التي تريدها الأسرة, والمحيط الأكبر, والعائلة, والبلدة,, والحكومة, والمجتمع,, فإنني قد فقدت الثقة بكل شئ في ذاتي. ولكي أتأكد أنني فعلاً بشراً حقيقياً ولست في حلم ثقيل جداً يقترب من كونه كابوساً, اتصل بحبيبتي لتؤكد لي أنني الأجمل, الأوسم, الأذكى, والأفضل بين كل الناس, وأنني استحق التقديس فوق كل البشر,, ومع ذلك, يزداد ارتيابي من كوني غير حقيقياً, وتزداد فكرتي للإنتحار قوة ... الأمر الذي لا يلتفت إليه أحداً في الكون كله إلا حبيبتي أيضاً, فلا أحد في المنزل يريد أن ينظر إلى وجهي, ولا حتى يتكلف عناء إلقاء تحية الصباح عليّ "صباح الخير"....
بالمناسبة : "صباح الخير",
كأنني في منفى,,, وحب معشوقتي المجنون,, يشعلني شكاً وعدم استقرار!!.
يااه, اتذكر ذلك اليوم الذي كنت فيه مع أخي في سيارته المتوسطة, -مثل طبقته الشبه متوسطة أيضاً-, يسألني بشكل مباغت "ثقتك في نفسك راحت فين؟؟"... والعجيب, مع أنني كنت حينها على وضع أفضل ألف مرة "دراسياً" من وضعي المزري الآن, إلا إنني أتذكر كم كنت مكتئباً وحزيناً, بالقدر الذي يمكن أن يجعل من مثرثر على مواقع التواصل والمقاهي الفاخرة "مقاهي الطبقة المتوسطة أيضاً" أخرس غير قادر على سوق مبرر واحد, أو تقرير, أو نفي, أو حتى استطراد ....
حبيبتي الآن سبب قوي وكافِ لكي أحاول استنتساخ كل النماذج التي ربما تروق لها كل يوم.. كل يوم نسخة جديدة, هنا نموذج لشاب في العشرينات, عاطل بالتأكيد, يحمله الزهوّ بذاته بالإثم فيصف حالته أنها عبثية, وأن "المزيكا" هي متنفسه الفزلكي العدمي الفلسفي العميق... وهناك نموذج لفتاة ثلاثينية سليطة اللسان, تجذب "المؤدبين" حول جرأتها فتأسرهم في مملكتها... نموذج المدوّن, نموذج الحكيم.. الحكّاء.. السياسي.. العالم.. الفيزيائي.. وأخيراً : المهندس, مهنتي المستقبلية (ان وجدت عملاً) و محط دراستي (ان استطعت وانهيتها).
- محمد ..
- نعم يا حبيبتي..
- ممكن اضيف صديقك فلان على الفيس؟؟
- يا سلام!! آه يا روحي ممكن, وتستأذنيني ليه يا قلبي؟؟, انتي ليكي مطلق الحرية إنك تختاري العالم اللي بتتواصلي معاه, أمال احنا ازاي تقدميين؟؟ (لم احبذ استعمال علمانيين ولا ليبراليين لأنني أكرههم, ولا "شيوعيين" حتى لا تشير المقالة –بفضح- إليّ أنا بالذات)..
- (بداخلي بيني وبين ذاتي) : آه يا بت دين الكلب... كس أم الفيس على كس أم كل المواقع عالصبح ...
اسارع على صفحة ذلك الصديق, وإذ بي أُصعق بأني أرى "Like" من حبيبتي على أحد منشوراته التافهة, إنني أراها تافهة على كل حال على الرغم من عدد التعليقات والإعجابات الكثيرة على هراءه,, وماذا, هل تلك معايير؟؟ هل ذلك الكائن الأزرق معيار أصلاً للحكم على البشر؟؟ بالعكس, إنني أحكم على الشخص في واقعه بعكس على ما يبدو على المواقع الافتراضية ... أقرأ كلامه جيداً, مرة واثنتين وثلاثة مرات,, لا أجد شيئاً مميزاً فيه. لا, بل أجد كل شيئاً مميزاً, كل الكلام مميز ورائع, ولكنني أنكر تلك الروعة لكي لا يتهدد كياني أمام نفسي, وأمام حبيبتي... ياااه, إنني اتعرض لهجوم شرس فاشي غير أخلاقي, من وراء تلك الشاشة!! سأضغط زر الـ "Like", لا!! لن اضغطه .. سأتهكم عليه,, لا , سأثني عليه بتعليق أفضل من كلامه .. لا, نعم, كيف, ماذا أكتب, ماذا أفعل, أين أنا, ما الساعة الآن,,, اغلق شاشة اللاب توب وكأن وحشاً يخرج منها يلتهمني, وأشعر براحة فظيعة بعدما فعلت ذلك ..
وبعد ساعة من الهدوء,, وشرب كوب من الشاي, في رمضان, الهاتف يرنّ, إنها حبيبتي, آه, لقد اعتقدت أنكِ نسيتني للأبد, لكني إذ أكتشف أني لا زلت فارسها الأول الذي لم يتغير, وأنها مشتاقة لسماع صوتي.
(**)
ها أنا الآن أمرّ عبر وسط البيت لأصل إلى السلّم, وعيناي الجاحدتين الواسعتين لا يرتفع مدى نظريهما إلى نصف قامتي.. يااه, هذا منذ سنين, لا أنظر في وجه أحدهم, ولا أحدهم ينظر في وجهي,, وكأني ضيف ثقيل جداً جداً, وقد تثاقلت نفسه على ذاته, وأضحى العالم كله أمامه لا يساوي شيئاً, وأضحت الحياة في نظره أرخص من أن يُدفع فيها ثمن, وشر لابد من التخلص منه ... ولكنّي لمحت أبي, الشيخ الكبير, فوق السلّم الحديديّ يعلّق زينة بسيطة, أفضل ما يقال عنها أنها بسيطة, لا رخيصة ولا كلاسيكية, فقط "بسيطة" في وسط البيت ... احمرّ وجهي خجلاً بشدة, وأدرت وجهي بشكل واضح بسرعة عن اتجاه المشهد, ولا ينخدع أحدكم بتفصيلات ردة فعلي, في أن أحداً منهم قد لاحظها!! هاها!! إنهم لم يلحظواْ حتى مروري أيها السادة المنخدعون بذلك الذي يكتب إليكم من وراء الشاشة,,,,,
ولكني شعرت بأن ذاتي هي العالم كله, والعالم كله محرج أمام ذاتي,, شعرت ذلك الشعور الغريب العجيب الغير منطقي. إن سيكولوجيا الشعور كلها غير منطقية,, فمن هنا يريد أن يمنطق مشاعر صعلوك مثلي لم ولا ولن يهم أحداً أو شيئاً؟؟!!
ما الذي أتى بسيرة التكرار ومزجها برمضان؟؟ بالتأكيد عقلي المريض بإعجابه بنفسه. ولكن, دعوني أقول لكم الحقيقة, أنه مهما كانت تلك الإتهامات بالسخف والعته والتيه التي أكيلها إلى كلماتي, فإنني استطيع "خصوصاً" في هذا المشهد أن أؤكّد أن تلك ليست مجرد ثرثرة, بل إنها "استنجاد"... أين رقم النجدة؟؟. ألم أخبر ثُلّة من المقرّبين مني أنني على وشك الانتحار؟؟ , إنني ربما أأخذ الأمر على محمل الجد, ولكن في الأصل, أقصد في أصل الوجدان ومكمن الشعور, أنا –فقط- في حاجة لكي يتم إنقاذي, لا لكي انتحر..
هل تريدون أن تسمعواْ قصة رمضان الذي لم نعد نشتم رائحة بهجته منذ أن تزوّج كل أخواتي ورحلن؟؟, في تلك اللقطة من المشهد –فقط- أحب أن أقول يا سادة أن الأخوات سر بهجة حقيقية بداخل كل منزل..
أو العيد الذي لم يعد يصيبنا بفرحة الاشياء الجديدة؟؟ . "العيدية" التي توقف عندما ظنواْ "سوءاً" أني قد كبرت!! على الرغم من أنني لا أعمل ومهدد بالطرد من المنزل والانقراض؟؟ , أو توقفت بسبب تلك الصدمات "المالية" التي أخبرتنا بالحقيقة التي كان عبط "واستعباط" الطفولة يغطي عليها ؟؟ : "أننا في وضع طبقي حرج"؟؟
رمضان؟؟ أتذكرت الآن يا أبي أن تعلّق زينة رمضان؟! بعد اليوم السابع؟ وبعد أكثر من خمس سنوات من حياتي يمرون أمامي وأنا أصرخ من الداخل على انسلاخهن مني كالنسخ, نسخة, وراءها نسخة, وراءها نسخة, وراءها نسخة, وأنا لا أتحرك من مكاني, وأنتم تموتون كالمومياوات في أماكنكم؟؟ ما ذنبي أنكم تكبرون, وأنني أطلب الحياة؟؟, أن يتم إرعابي وإفزاعي بشخوصكم على تلك الشاكلة ومنذ سنين؟؟
ولهذا السبب –أيها السادة- احمر وجهي خجلاً, بل, وتصببت عرقاً , واحسست أن جسدي يخرج الحرارة والبرودة في نفس الوقت!! إنها بعض علامات الصدمة لا أكثر.. وقد اعتدت عليها كثيرا ًخاصة- الثلاثة سنوات الأخير- .. حتى أن حبيبتي قد اضحكتني أمس, عندما أخبرتها كيف أني قد شعرت أن عضلات فمي الـ 14 قد آلموني عندما ابتسمت!!
تساءلت :-
- معقول يا محمد عضلات الابتسامة في وجهك تيبست على وضعية العبوس؟؟
لم أتفوّه بكلمة. فقط كلمتي "تيبست" و "العبوس" كانتا كفيلتان بإصابتي بالخرس لبضعة ثوان.....
#محمد_بطيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟