فرهاد شيرين
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 12:01
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بات لزاماً على المتتبع لشؤون الثورة السورية ومن يسبر أغوارها المحاطة بالتطرف والراديكالية الاعتراف الصريح بأنها صارت تأخذ منحى مغايراً بل مناقضاً وخطيراً يهدد روح المطالب والتطلعات الثورية الأصيلة في الكرامة والحرية ودولة مدنية ديمقراطية قوامها الحق والقانون والمساواة . إذ يغطي المشهد جنوحاً ملحوظاً نحو الأدلجة الدينية المتشدّدة المغلقة , ولاسيما في ثنايا العسكرتاريا الثورية . إلى جانب التشرذم المتفشي بكثافة في الجسد العسكري . والذي يوازيه تشرذم ٌ وهشاشةٌ على صعيد آخر عند أهل التمثيل السياسي والدبلوماسي ممن فشلوا , بكل المقاييس , في ضبط الحالة العسكرية والحدّ من استمرارية تشرذمها وانحرافاتها وتجاوزاتها وتهديدها لكيان الثورة ومصيرها . فشلٌ يضاف إلى فشلهم الرئيس والفادح في تغطية غليان الداخل بدعم خارجي , سياسي وعسكري , عربي وغربي .
يمكن القول , بملء الفم , أن إنفاق الثورة كل هذا الزمن الطويل نسبياً والمليء بالدم والدمار والتشرّد والهلاك ونزف النسيج المجتمعي من دون تحقيق استحقاقات الشارع الثائر , أكسب الواقع السوري , يوماً تلو يوم , انقساماً حاداً لدرجةٍ أصبح لا يقبل القسمة على أثنين . حيث يملك أحدهما الشرعية الأممية ودعم سخي من حلفائه أدامه على سعيه لإجهاض الثورة وتعرية الشارع المحتج من مبتغاه وخضوع الشعب وغضبه وقهره المتراكم , وبعد كل هذه التضحيات الجسام , لواقع ما قبل الثورة والعودة لاحتكار السلطة والفعل السياسي وربما بعثنة المشهد الوطني من جديد !! أما الآخر فلا قوة له سوى ما تتمتع به روحه من دوافع صلبة للحياة ومعنويات عالية علو تطلعاته وتوقه لغد مشرق . مذيّلٌ بدعم خجول أحياناً , ووعود بالدعم اللازم أحيان أخرى , بما يتقاطع ومصالح الغرب ورؤى تيار الحمائم فيه , في المقام الأول .
إن ديمومة هذا الانقسام والانفصام في الشخصية السورية يخدم , مما لا شك فيه , مصالح النظام وأجندته في صوملة البلاد وإبقاء الأوضاع في عنق الزجاجة وإطالة أمد العنف والفوضى واللااستقرار الاجتماعي والسياسي أكثر فأكثر , سعياً حثيثاً منه لاختراق جسد الثورة وامتصاص معنوياتها وآمالها وبالتالي الإطاحة بها بفعل التعب واليأس وفقدان الأمل , وربما رغبة التراجع لدى البعض إلى ما قبل خط 15 آذار 2011 م !! زد على هذا السعي الدؤوب للنظام في إطالة أمد الثورة , محاولاته الحثيثة في إفراغها من جوهرها الوطني , تبدأ بسياسات تطييفها ولعلها لا تنتهي عند جرّ المنطقة بأكملها إلى صراع طائفي بغيض لا ينجو منه أحد !
لا شك في أن ثغرات حراكنا الثوري , بأوجهه المختلفة , عديدة . لا يدع النظام فرصة إلا ويستفيد منها . فبروز التيار المتشدّد , والقاعدة على وجه الخصوص , يضعف مقومات البناء الوطني والثوري على حد سواء . إذ يضرب عرض الحائط كل المفاهيم والصيغ الوطنية الجامعة لأبناء الوطن . ويلفت أنظار التخوف والحذر إلى التعاطي الدولي مع القضية السورية . ويمكن تلخيص القول إلى أنه إفشالٌ للثورة عاجلاً أم آجلاً . والحال أن التيارات الأيديولوجية المتطرفة هذه مستنبتة من واقع القمع الشديد الذي أفضى إلى نتيجة واقعية موضوعية مؤسفة متمثلة في عسكرة الحراك الثوري الذي بقي منزو غير مسنود فأشتد عود تطرفه أزيد فأزيد . ناهيك عن تغذية النظام لهذا التطرف بشراسته من جهة , وضربه على وتر الطائفية من جهة ثانية , واستجلابه للتدخل العسكري لحلفائه من جهة ثالثة . نقول أن هذه التيارات تعيش اغتراباً لا مثيل له , خاصة أنها تفتقر للحاضنة الشعبية لحمل الشارع السوري أجندة مغايرة لا تتمثل في اختزال الكيان السياسي السوري في مقولة دينية نهائية ضيقة , وإنما في فضاء رحب من الحياة المدنيّة الديمقراطيّة التعدّديّة . يقودنا هذا الكلام إلى القول بحتمية صِدام الفصائل المتشدّدة والخارجة عن الإطار الثوري الشعبي بالمجتمع من جهة , وشركائها في ساحات القتال من فصائل معتدلة من جهة أخرى . وهذا ما أنذرت به وقائع عدة , ربما كان آخرها اغتيال أحد قادة الجيش الحر في الساحل . تجاوزٌ مستنكرٌ أثار شجباً وسخطاً من قبل الشارع والرأي العام , وتعالت النداءات المطالبة بالحدّ من تواجد من يقف خلف تجاوزات كهذه في المشهد العسكري وحماية الثورة منهم .
وتأسيساً على المعطيات الراهنة من ضيق في آفاق الحسم العسكري في ظل عدم انبثاق أي دعم خارجي لازم لقلب الموازين على الأرض في وجه التدخل العسكري المباشر لحلفاء النظام , ووجود عقبات جمة أمام عقد "جنيف 2" بصورة تلاقح رؤى الطرفين والأخذ بيد البلاد نحو الانتقال إلى مربع الاستتباب والسلام والأمان والخلاص الأبدي من الاستبداد وفق مرحلة انتقالية لا تحوي شيئاً من النظام , كذلك احتمالات الانزلاق إلى صراعات داخلية شرسة بين الأقطاب العسكرية , وتراجع الروح المعنوية الشعبية بشكلٍ أو بآخر , فإنه وبالرغم من إمكانية الحديث عمّا يعتبره الكثيرون من نافلة القول حول استحالة سماح بعض الدول العربية والغربية ببقاء النظام لتقاطع مصالحها وسياسات أمنها الوطني مع فكرة التخلص منه , فإن سؤال سقوطنا وانتكاسة الثورة بات ملحاً في الأوساط السياسية والعسكرية وحتى الثقافية , لا من قبيل فقدان الأمل وما قد يرافقه من تليين للرؤى والمواقف تجاه النظام , وإنما من قبيل تصويب المسار الثوري وتجاوز الواقع الراهن المثقل بالتشرذم والفوضى والتطرف . وكهذا سؤال , على ما أعتقد , تستدعي الإجابة عليه بالنفي تجاوز الأزمة السياسية المتعفنة للمعارضة من جهة , وهي أزمة الافتقار لوحدة الصف وشفافية الخطاب الوطني , وأزمة الافتقار لخارطة طريق تبيّن معالم المرحلة الانتقالية , وأزمة خمول العمل الدبلوماسي . وتجاوز الأزمة العسكرية من جهة أخرى , من خلال جمع شتى الفصائل وهيكلتها في مؤسسة عسكرية وطنية , وتطهيرها من التهويمات الايديولوجية والتجاوزات الحقوقية . لتعاد الثورة إلى مسارها الحقيقي . ولا يغادر الأمل روح شعبٍ ضحى بما يصعب على العقل البشري استيعابه أو حتى تصوّره . كل ذلك , وقد تحمل قادمات الأيام في طياتها الأكثر , في سبيل حياةٍ تسوده الكرامة والحرية والمساواة وإرساء مقومات الدولة المدنيّة الديمقراطيّة التعدّديّة والتداول السلمي للسلطة , وإعلاء كلمة القانون والعدل .. وغيرها من مفردات أحلامنا وتطلعاتنا , والتي يصونها أملنا الجميل في الخلاص وعدم السقوط !!
#فرهاد_شيرين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟