|
حركة البلاك بلوك: النشأة والمفهوم
وفاء داود
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 11:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بلاك بلوك Black Block تعني الكتلة السوداء، وهي جماعات منظمة لاسلطوية يسارية عنيفة ليس لديها أطر فكرية أو إيديولوجية، وتقوم بالمظاهرات والمسيرات مرتديه الملابس السوداء والنظارات والأقنعة وخوذات الدراجات النارية المبطنة أو غيرها من الأشياء التى تحمى وتخفى الوجه، لإخفاء هويات المشاركين فيها وتسمح لهم أن يبدون وكأنهم كتلة موحدة كبيرة. وبشكل عام، ترتبط "البلاك بلوك" بفكر الأناركية، وهى فلسفة سياسية ترى الدولة غير مرغوب فيها، وغير ضرورية، وتعارض السلطة، وتتكون كلمة "الأناركية" اليونانية الأصل من مقطعين: الأول "أنا"، والتي تعني "دون"، والثاني "آركي" والتي تعني "رئيس" أو "سلطة"، ولهذا فهي فكرة تدعو إلى مجتمع دون رؤساء أو دون سلطة، ويؤمنون بأن المجتمع يجب أن يدير نفسه بنفسه من خلال المنظمات التطوعية بلا حكومة ولا رئيس؛ أي حالة اللادولة، ولذلك كان البعض يطلق على هذا المذهب السياسي الاجتماعي الفلسفي قديماً اسم الفوضوية Anarchism والمنتمون لهذا المذهب عادة ما يكونوا من الحركات الإشتراكية التحررية أو الاشتراكية الثورية. وتضيف النظريات العلمانية والإلحادية في هذا الشأن، أن حركات البلاك بلوك تؤمن بأن الكون خلق من فوضى، ومن هنا يأتي سبب تصنف مجموعات البلاك بلوك ضمن الاحتجاجات اليسارية المتطرفة. وكان أول ظهور للفوضويين إبان الثورة الفرنسية 1789م، والذي أطلق على مجموعة راديكالية متطرفة تعارض وجود الحكومة والقانون والمُلكية. وتقوم فلسفتها على النظرة المتفائلة لإمكانات البشر الذي تراهم طيبين بطبعهم لكن يفسدهم خبث الساسة وتراكم أرباح قلة مستغلِة من المُلاك على حساب الغالبية الكادحة. في تلك الأثناء صدر كتاب عن العدالة السياسية 1793م للمفكر الإنجليزي ويليام جودوين الذي يرجع له الفضل في إعطاء الاعتبار للفوضوية، رغم أنه لم يستخدم هذا المصطلح كمذهب سياسي. وقد أيد جودوين أفكار الفوضويين في الثورة الفرنسية لكنه رفض أساليبهم العنيفة، مقراً بأهمية وجود الدولة والحكومة، وقد أثرت أفكار جودوين بشدة في المفكر الفرنسي برودون فكان أول من أعلن مذهب الفوضوية وأول من أطلق على نفسه لقب فوضوي؛ ونال شهرته من كتابه "ما هي المُلكية؟"عام 1840م، وتميزت أفكار برودون بالسلمية. ومع طرح المفكر الروسي باكونين عام 1876 برامج الفوضويين إنتقلت من الساسيات الاجتماعية السلمية إلى سياسية عنيفة تؤمن بقتل قادة الدول والمؤسسات الرأسمالية لإسقاط الدولة، الأمر الذي أدى إلى قتل قادة الدول أمثال الرئيس الفرنسي سادي كانو عام 1894، ورئيس وزراء إسبانيا كاستيلو عام 1897، والملك الإيطالي أومبيرتو عام 1900، والرئيس الأمريكي مكينلي عام 1901. وفي مطلع القرن العشرين ازدهرت الفوضوية في مجال النقابات الانقلابية في أوروبا وأمريكا، كثورة اجتماعية لشل مفاصل الدولة وإسقاط الرأسمالية، وبلغت ذروة نشاطها في الثلث الأول من ذلك القرن، لكن الحركات اليمينية المتطرفة كالفاشية والنازية قمعتها بوحشية قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ومع موجة الثورة الثقافية في الستينيات عاد نشاط الفوضويين مع جماعات الخضر زاعمين أن حماية البيئة لا تتناسق مع وجود البناء السياسي للدول القائمة على النظام العالمي الذي تهيمن عليه القيم الرأسمالية الغربية. وبدأ الفوضويين في استخدام مصطلحات آخرى على نفسهم مثل مصطلح البلاك بلوك والذي يعكس نفس توجهات الإيديولوجية الفوضوية ولكن بشكلها الجديد وهو الكتلة السوداء، وكان أول ظهور للفوضويين باسم بلاك بلوك في ألمانيا تحت اسم "Schwarzer Block" حيث ظهورت فى الثمانينات من القرن الماضى، واتسمت سلوكياتها السياسية في المظاهرات بالعنف وإثارت الشغب، ويدأ نمو هذا التكنيك بعد زيادة استخدام الشرطة الألمانية القوة ضد مظاهرة بروكدورف عام 1977 والتى كانت تستهدف على وجه الخصوص النشطاء المناهضين للاسلحة النووية وواضعي اليد على الأراضى والممتلكات، وكان التوزيع الجغرافي لتمركز حركات البلاك بلوك في هذا الوقت في كل من هافنستراب، وهامبورج، وكروزبرج، وبرلين، حيث قام هؤلاء المنشقين فى هذة المناطق بإحتلال المساحات الاجتماعية وفضلوا إنشاء مؤسسات اجتماعية خاصة بهم على أساس العيش المشترك والمراكز المجتمعية البديلة. وفي يونيو 1980 ، قامت الشرطة الألمانية بإخلاء "جمهورية وندلاند الحرة" بالقوة ، وهو معسكر احتجاج ضد الطاقة النووية في جورلبين وندلاند، وأدى هذا الهجوم على 5000 من المتظاهرين السلميين أن أصبح العديد من دعاة السلام السابقين على إستعداد لإستخدام الأساليب العنيفة لاسيما بعد أن نظمت حكومة مدينة برلين في شهر ديسمبر من نفس العام سلسلة متصاعدة من الإعتقالات الجماعية ، تلتها حملات مماثلة من السلطات المحلية الآخرى في جميع أنحاء ألمانيا الغربية، مما أدى ذلك إلى أن نُظمت مظاهرات لدعم المواطنين الذين تم اعتقالهم في العديد من المدن الألمانية وقد أطلق علي هذا اليوم اسم الجمعة السوداء عقب مظاهرة في برلين خرج فيها ما بين 15,000 و 20,000 شخص إلى الشوارع ودمروا منطقة تسوق فاخرة، وكان المتظاهرون يرتدون ثياب سوداء وأقنعة مماثلة، وأطلق عليهم الإعلام الألماني مسمى "دير شوارتز بلوك" "Der Schwarze Block" أو الكتلة السوداء. وتوالت إحتجاجات حركة البلاك بلوك في المانية على خلفية هذه الحادثة أدت في نهاية المسيرة إلى أن شرعت الكتلة السوداء في قتال الشوارع مما أجبر الشرطة على التراجع، وإشعال النار في نحو 13 متجر في هامبورخ وخسائر قدرت بنحو 10 مليون دولار، وتكرر هذا التكنيك في مواجهات آخرى مع النظام في قضايا مختلفة مثل قام نشطاء مسلحين مناهضين للتكنولوجبا النووية بإستخدام هذا التكنيك في كارثة تشيرنوبيل، وضد عودت رونالد ريجان عام 1987 إلى برلين، وفي مايو 1988 نظمت جماعات اليسار المتطرف مظاهرة عيد العمال خلال كروزبرج برلين، وآخرى في نفس العام عندما اجتمع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمناهضت الرأسمالية، أيضاً في يونيو 2007، خلال قمة مجموعة الدول الصناعية الثمانية رقم 33، وقامت الكتلة السوداء أو البلاك بلوك ببناء حواجز وأضرموا النار فى السيارات وهاجموا الشرطة خلال مظاهرة جماهيرية في روستوك، وكذلك أحداث هامبورج عام 2008 التي أحيت أعمال شغب عيد العمال في برلين. وقد انتشرت البلاك بلوك من موطنها الأصلي في ألمانيا إلى دول آخرى، ففي أمريكا سجلت حركة البلاك بلوك أول ظهور لها عام 1989 أمام البنتاجون، وكذلك في أحداث يوم الأرض فى وول ستريت عام 1990 واحتجاجات فبراير عام 1991 ضد حرب الخليج، والمظاهرات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية عام 1999، وتنامت معدلات مظاهرات حركة البلاك بلوك خاصة خلال قمة الدول العشرون عام 2010 في تورونتو، والتي أضرت بعدد من مواقع البيع بالتجزئة بما في ذلك محلات Urban Outfitters "تجار الملابس في المناطق الحضرية"، و America Apparel "الكسوة الأمريكية"، ومتاجر أديداس، وستاربكس ومؤسسات مصرفية عديدة. وعن أروبا، انتقلت حركة البلاك بلوك إلى إيطاليا فى الأحداث التى استمرت من (19-22) يوليو عام 2011 أثناء إنعقاد اجتماع الدول الصناعية الثمانية فى جينوفا. كما قامت حركة البلاك بلوك باحتجاجات مناهض للتخفيضات من نفس العام فى لندن حيث قامت بمهاجمة منافذ السلع الراقية والمباعة بالتجزئة، وهناك عدد قليل من المجموعات اليمينية المتشددة تشكل حركات البلاك بلوك مثل بعض "القوميين الإستقلاين" في أوروبا أو الفوضويون الوطنيون فى أستراليا، اتخذت أسلوب أو تكنيكات وملابس "الكتلة السوداء" فى مظاهراتها.
#وفاء_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركات الاجتماعية: المداخل والنظريات
-
الحركات الاحتجاحية في مصر بعد الثورة
-
الحركات الإحتجاجية الجديدة: المراحل والوظائف
-
افتكاسات ديمقراطية على الطريقة المصرية
-
هل تسير البرتغال على الطريقة المصرية
-
هجين الإنقلاب العسكري: كيفية تدشينه وإسقاطه
-
هجين الإنقلاب العسكري
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|