هيثم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1190 - 2005 / 5 / 7 - 11:06
المحور:
الادب والفن
(( التَرْكيدُ المَُمَنْهَج ))
هيثم حسين
[email protected]
في هذا الزمن الموصوم بالقمع , بالتجهيل , بالتخليف , بالتأزيم , بالتزييف ...
في هذا الزمن المتحوَّل وفق الأهواء والمساير للأنواء غير متحدِّيها , وهذه المسايرة عن رغبة حقيقيّة في المحافظة على ما هو عليه والخوف من آتٍ قد يحرّك التركيد الممنْهج نقديّاً فتفوح رائحته والتجهيل المعمول له وعليه والتخليف المشتغَل لتعميقه والتأزيم المراد تجذيره والتزييف المطلوب دوامه ...
في هذا الزمن المُعاب – رغم أنّ العيب فينا – يسلب ذو الرأي غيره رأيه في ما لا يلاقي هوىً في نفسه ..
وما يجب أن نعي بأن النقد يهمّ المنقود مثله في ذلك مثل الإطراء وأجزم أكثر لأنّه يدلّه على موضع التقصير لديه , هذا التقصير الذي يعتبره الناقد كذلك ويصفه به , شرط ألاّ يكون هذا النقد من حاقدٍ جاحدٍ جارحٍ سالبٍ . أمّا إن كان نقداً – كما لابدّ منه أو كما يجب – أي موضوعيّاً واعياً مستقصداً تقدّماً أو تسريع تقدّمٍ فأهلاً به و ( ميت مرحبا ) .
رغم نسبيّة المعايير والاختلاف في النظرة والرؤية من شخص لآخر كلّ حسب خلفيّته الفكريّة والثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة و .. والخ . يبقى على من يريد أن يتقدّم – بل ينبغي عليه – في مجاله احترام وجهة النظر الأخرى والتي ليس بالضرورة أن تطابق وجهة نظرنا فنكون بذاك نسخاً فوتوكوبيّة عن بعضنا البعض وبذلك (( لن نتطوّر أبداً )) حسب تعبير الكاتب التركي عزيز نيسن في كتاب قصصيّ له مسمَّى ومعنون بهذه الجملة , لأنّنا سنصفّق لبعضنا ونعظّم بعضنا ونسقط كلّ ألقاب تجاهليّة الألفيّة الثالثة على بعضنا ومن ثمّ ممارسة التجهيليّة بحقّ من قد يتجرّأ ويخالفنا .. له الويل كلّ الويل ..!
وهل يحتاج الواحد منّا أن يتقهقر معاوداً وعائداً للتحصّن بخطوط دفاع وهميّة متوهَّمة عن كلّ من قد يتجرّأ على المسِّ بمقدّساتنا وآلهتنا التي خلقناها لنعبدها أو يمارس الفواحش والقباحات والموبقات بتجاوزه الخطوط الحمراء الموضوعة وهماً أيضاً لإيقاف وتوقيف كلّ ما قد يفنّد الوهم فينا ...
وأما كفانا تسليباً للرأي من قبل الحكومات حتّى لنسلب بعضنا الآراء ؟
ألم نعتبر من كلّ نقدٍ لإلغاء الآخر ومصادرة رأيه لنا فنلغي بعضنا تحت ذرائع شتّى منها :
عدم الكفاءة – كلام فاضي – ومين هو حتّى يقول هالحكي ؟
- وشو محلّو من الإعراب ؟ - عيفك منو هادا نكرة .
وحسب القاعدة النحويّة : بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال .
فلا بأس من صفة ترِدُ بعد نكرةٍ أو من نكرة – حسب رأي المتلقّي غير المرتاح للنقد تعصّباً- لتفصح وتشرح حال معرَّفٍ بأكثر من ( ال ) تعريفٍ حسب الرغبة والهوى والتعصّب .
وهل من أملٍ بأن نهجر الشلليّة المصابة بداء النقرس عن فقر فكريّ لا عن وفرة غذائيّة وغنىً غذائيّ مليكيّ ليغدو النقرس داء الأقلام بدلاً من داء الملوك أو العظام كما كان يشاع .
كما أنّ الردّ على الردود ثمّ الردّ على ردود الردود و الالتهاء بالتلاسن أو التكاتب أو التراسل ( إيميليّاً ) لا يفيد الموضوع بشيء إن لم يكن ثمّة إضافة تذكر وتُشكَر .
وليس من المحمود أن تقزّم غيرك لتستعظم ذاتك لا لشيء فقط لتمويهه وتلبيسه لباس إبليس مارق والتباهي بثوب الإمبراطور المزركش دون حلي ومن ثمّ اتّهام الغير بالعمى .
ولا بدّ هنا تذكير القارئ بكلمة لمفكّر عربيّ لا يحضرني اسمه قال :
إنّ الحرّيّة الممنوحة في الوطن العربيّ كلّه لا تكفي مبدعاً واحداً .
وفي هذا الحيّز الضيّق يتوجّب علينا أن ننقد ونُنقَد دون أن نتعصَّب أو نعصِّب القلوب قبل العيون كي نترك في هذا الحيّز الأضيق من ضيّق فسحة لتسامحٍ قد يتسرّب إلينا فيعدي بعضنا بعضاً بالتسامح – إن أمكن -. وهذا هو الأمل المرتجَى الذي لن يتحقّق , على الأقلّ كما يبدو في الأفق المحسوس و ما بعد المنظور ,ولو أنّ الحرّيّة لا تمنح ولا تستجدَى منحاً بل تؤخَذ بعد سلبٍ وهي ليست هبةً أو منّةً إنّما هي حقٌّ لكلّ فردٍ طالما يتنفّس هواءً لا هباءً فيقول كلاماً أو يكتبه ليوصَف بعدها المُقال أو المكتوب من الكلام غير المرحّب به هراءً في هراءٍ ...
ولأعرّج وأوضح بالنسبة للنقد المتضمَّن في المقال المنشور في صحيفة الاتّجاه الآخر / العدد 197 – 2004/ بعنوان :
(( كاظم الساهر يغتال قصائد نزار )) .
انصبّ النقد كما هو واضح في المقال المذكور تحديداً على ألبومه الأخير ( إلى تلميذة ) وبالتخصيص على الأغنية تلك ( المشوَّهة ) لحنيّاً, هذه القصيدة النـزاريّة الأكثر من معروفة ومعشوقة لقرّائه ومحبّيه أكثر من كلّ معروفٍ أو معشوقٍ لكاظمٍ بالنسبة لعشّاقه ..
وههنا أشكر الأخ ( ساهر ) من المملكة الساهريّة على نصيحته التي تكرّم بها عليّ ألا وهي :
(( قم بزيارة طبيب نفسيّ مع احترامي الشديد )) .
وكما هو معلوم بأنّ النصيحة كانت بجمل واليوم غدت – إن أُعطيت - مع هذا الكمّ الكبير من الهذر والتشاطر بـ قمل . مع عدم إغفال مفعولها ( القمليّ ) في امتصاص الدماء و مغزاها التنقيصيّ التجهيليّ .
وقد يكون الناصح أعظم مَن يحتاجها لطالما أعلن نفسه مملوكاً وأشهر مواطنيّته وولاءه لمملكة وهميّة – لا أفلاطونيّة بل ساهرونيّة - لن تشاد إلاّ في حِمى التعصّب المنبوذ .
ولكم يحزّ في النفس ونحن في الألفيّة الثالثة أن نستجهل مستجلبين جاهليّات من مثل / عليهم عليهم , معاهم معاهم / فهذا لَعمري كبرى الكبائر وعظمى البلايا وما لا يُوزن ولا يعادَل من رزايا ...
ويبدو بأنّ الأخ القارئ ( المعلِّق نقداً وردّاً ) لم يقرأ المقال إلاّ قراءة ( لا تقربوا ..) دون إكمال لما ابتدأ به أو ابتداء لما أنهاه , و دون تعمُّدٍ من قبلي لتطبيقٍ سياسة ( ضربة عَ الحافر وضربة عَ السندان ) أو بالتجريح والمداواة ...
ومقصدي من ذلك هو نزع التقديس والتنـزيه عن كلّ فعلٍ إنسانيّ , وفي هذا المجال ليس بالضرورة أن يكون كلّ عاشقٍ لنـزار عاشقاً لكاظم أو العكس بالعكس فندخل من باب المجاز في عوالم القضايا المنطقيّة والكلّ و البعض ...
فالبعض من عشّاق نزار يعميهم عشقهم له حتّى تجدهم ينكرون على كلّ مجتهدٍ في هذا المجال ؛ مجال تلحين قصائده , كلّ اجتهادٍ إلاّ ما ندر , لأنّه – حسب ظنّهم – سيسيئون إلى تراثه / تراثهم .
وقد يكونون محقّين ...!
كما يقابل هذا البعض بعضٌ آخر من عشّاق الساهر المتسهِّرين كذلك يعميهم عشقهم له ولموسيقاه ولأغانيه فيكفّرون و يجرّمون كلّ من قد يقول أو يتهيّأ للتفوّه بنقدٍ , سواء كان نقد الحاقد أم نقد المحايد أم نقد الواعي .. كما يشكّكون شكّاً مطلقاً بكلّ شكٍّ – كما يتبدّى -وإن كان ذاك الشكّ حقّاً بقولهم : كلمة حقّ يراد بها باطل .
وأنا عندما كتبت كلماتٍ مثل المتاجرة والاغتيال والتشويه فقد وردت في سياقها الذي أردتها أن تكون فيه وأوردتها فيه بما أريده لها موظّفاً كلّ ذاك عن وعي بما آتيه من مرامي ومعاني ومدلولات , ولا أنتوي تجميل أيّ معنى أو تحايلاً عليه بإقصاء مقاصدي وإبعادها عن مغازيها ...
ولا أستجدي – كما فُهم من قبل البعض أو أسيء الفهم أو لربّما لم يتجاوز الفهم – شهرةً عن طريق الإشهار بشهيرٍ تجاوز كلّ حدٍّ للشهرة . كما وصفه أحد العشّاق المبالغين في تعصّبهم .
ولا يجوز التعامي عن أيّ تقصير وهذا من باب الحرص على المستوى المراد التقدّم فيه وعليه و تحاشي العودة للبدء من اللاشيء المسمَّى صفراً وتجاوز مقولات التجريح والتشكيك ومنها :
(( وفجأة .. جالس يتّهم القيصر في الموسيقى ))
(( كلامه كلام فاضي .. وكان عم يجبر ويكسر ))
(( تمهّل ... ممنوع التجاوز )).
أتمنّى ألاّ يكون مادح القيصر ( بروتوس : ـهُ ) .
لا أدري ما المقصود هنا بالتجاوز ..؟
هل هو التمادي على مقدَّسٍ بهتكه ...؟
هل تجاوز الخطوط الحمراء السلطويّة المتجاوَزة والمهتوكة من قسمٍ ولمصلحة قسمٍ آخر ..؟
أم هل يماثل ضمناً بين المعشوق والنقل للمنقول ..؟
وآخر يقول :
(( هو الوريث الشرعى لشعر الراحل الكبير
وذلك لأحقيته بذلك
لكونه الاقدر على تلحين تلك الروائع
المكتوبه لجعلها بعد ذلك مسموعة ومقروءة
بل ومصورة
مثل اكرهها وقولى احبك وحافية القدمين
طبعا على سبيل المثال لا الحصر)) .
وكنت قد ذكرت وكتبت في المقالة السابقة ما يلي وأؤكّد ما قلته وكتبته ( هنا والآن ) :
(( ولأنّه يجب علينا الدفاع عن موروثنا كي لا تتشوّه ذاكرتنا وذاكرة الأجيال القادمة بعدنا, ولأنّ التمثيل بالموتى حرام, فكاظم يمثّل بقصائد لا تموت ولن تموت ما دامت خالدة في قلوب عشّاق نزار وفي قلوب كلّ الغيارى على تراثه الشعريّ الإنسانيّ.وإن كان نزار قد منحه رخصة تلحين وغناء ما شاء من قصائده دون حفظ لأيّ حقّ, فإنّ القصائد تصبح بعد نشرها ملكاً للقرّاء والعشّاق والمعجَبين ويشاركون كاتبها جميع الحقوق.))
وأختتم بمقولة للمفكِّر اللبنانيّ المغتال / مهدي عامل / في كتابه الأخير ( نقد الفكر اليوميّ ) :
(( النقد من موقع اللاّ موقع ليس نقداً )) .
فلنحدّد مواقعنا ولننقد بوعي وصراحةٍ وثقةٍ بالذات وبالآخر في سبيل تقدّم الجميع ...(( للكلّ وبالكلّ )) ...
#هيثم_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟