فادي كمال الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 00:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قصة خلق آدم والأحداث التي رافقتها من صراع بين الله والشيطان, من القصص التي أخذت حيز مهم في القرآن ,فقد وردت في عدة سور : البقرة
الاعراف,الكهف ,طه ,ص ,الحجر ,الاسراء, ولا يمكن الاحاطة بكل تفاصيلها الواردة في القرآن إلا بدراسة تفاصيل أحداثها الموزعة في تلك السور .
تبدأ القصة القرآنية بإخبار الله ملائكته بخلقه لبشراً :
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ {ص/71}
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {الحجر/28}
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً .. {البقرة/30}
فما كان من الملائكة إلا أن قالوا : قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة/30}
هنا لا بد من التساؤل كيف علم الملائكة بأن هذا المخلوق سيفسد الأرض و يسفك الدماء ,بما أنهم لا يعرفون البشر ولم يختبروا تصرفاتهم قبلاً, لاسيما أنه لا يوجد أي إشارة من القرآن وغيره من الكتب المقدسة تدل على خلق و وجود بشر قبل البشر الحاليين.
وكان الله قد نبه الملائكة: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ {ص/71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {ص/72} , وقبل أن يأمر الملائكة بالسجود قام الله بتعليم آدم الأسماء: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {البقرة/31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {البقرة/32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {البقرة/33}, هذه الأسماء التي احتارت عقول المفسرين المسلمين حول ماهيتها, ولا نجد إلا بإقتباسها من نص توراتي في سفر التكوين الثاني: "وجبل الرب الإله من الأرض جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، وأتى بها الإنسان ليرى ماذا يسميها. فكل ما سماه الإنسان من نفس حية فهو آسمه. فأطلق الإنسان أسماء على جميع البهائم وطيور السماء وجميع وحوش الحقول. وأما الإنسان فلم يجد لنفسه عونا بناسبه" (تكوين 2 : 19-20)
في هذه المرحلة نجد أن البشر المخلوق هو آدم فقط دون زوجته حواء, حيث يطلب الله من الملائكة أن تسجد له : ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {الأعراف/11}, فمن جملة الملائكة رفض ابليس السجود ,الذي يتبين في آيات أخرى أنه من الجن وليس ملاكاً: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ {الكهف/50}, كما هو معلوم في ميثولوجيا الأديان أن الملائكة كائنات نورانية لا يمكن ان تعصي الله, فمن سياق القصة حتى هذه النقطة كأن الله أراد بهذا الأمر أن يختبر أبليس الجني دون سواه .
بعد رفض ابليس السجود لآدم ,استجوبه الله بقوله في عدة آيات:
- مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {الأعراف/12}
- قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ {ص/75} قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {ص/76}
- قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ {الحجر/32} قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {الحجر/33}
يمكن ملاحظة الاختلاف بين الايات في نقل الكلمات التي قالها الله بسؤال واحد سأله لإبليس .
مقابل التكبر تمرد إبليس ,نقل لنا القرآن في عدة أيات أن الله قال:
- قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ {الأعراف/13}
- قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {ص/77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {ص/78}
- قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {الحجر/34} وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {الحجر/35}
نلاحظ ان رد الله جاء بأمر ابليس في آيتين بأن يخرج و نقلت آية أخرى أمراً مختلفاً بأن يهبط, فلا يمكن أن يجتمع نقل جملة واحدة بإختلاف بين أمر اخرج وأهبط , وهذا ما يشكل خلل في النقل لا يقع فيه إله.
والمشكلة الأخرى التي تظهر من القصة, أنه غير معلوم ومحدد مكان ابليس الذي يجب أن يخرج منه أو يهبط منه , هل هو في الجنة أم قرب عرش الله الذي تحف من حوله الملائكة كما يذكر القرآن: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الزمر/75}.
بما أن القرآن استخدم صيغة المؤنث للمكان ,( فَاخْرُجْ مِنْهَا, فَاهْبِطْ مِنْهَا), يمكن اعتبار أن المقصود بالمكان هو الجنة.
لم ينفذ ابليس الأمر عقوبة الله فوراً بل طلب من الله أن يمنحه الحياة الى يوم البعث فجاءته الموافقة فوراً :
- قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {الأعراف/14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ {الأعراف/15}
- قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {ص/79} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {ص/80} إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ {ص/81}
- قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {الحجر/36} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {الحجر/37} إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ {الحجر/38}
- و جاء المطلب بصياغة مختلفة في هذه الآية : أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً {الإسراء/62}
بعد نيل إبليس الحياة الى يوم البعث ,كشف عن هدفه من وراء مطلبه:
- قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {الأعراف/16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف/17}
- قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {ص/82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {ص/83}
- قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {الحجر/39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {الحجر/40}
يلاحظ من هذه الآيات أن إبليس أراد الانتقام من قرار الله بإبعاده عبر إغواء البشر لإبعادهم عن طاعة الله , لكن كيف علم إبليس بأنه سيوجد على الأرض بشر كثر ,بما أنه لم يرى سوى آدم البشري الأول الذي أمر أن يسجد له وأبى ذلك.و كأن إبليس خدع الله بطلبه الحياة ليوم البعث واستدرجه للموافقة قبل أن يكشف نياته المبيتة.
كشف إبليس نياته و اهدافه بالانتقام من البشر و إذا بنا نجد أن الله قد غضب و إرتفع مستوى تهديده و وعيده لإبليس, بقوله
- قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ {الأعراف/18}
- قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ {ص/84} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {ص/85}
- قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ {الحجر/41} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {الحجر/42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ {الحجر/43}
- قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا {الإسراء/63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {الإسراء/64}
- قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا {الإسراء/63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {الإسراء/64}
الاشكالات على هذه الايات كثيرة أهمها الاختلاف الكبير في نقل مضمون الرد و عدم وقوف الله بوجه مشروع ابليس الفتنوي بعدما كشف عن حقيقة نواياه التي لم يقولها إلا بعد أن وافق الله على ابقاءه حياً الى يوم القيامة.
بعد الغضب الالهي على إبليس ,قال الله لآدم:
- وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ {الأعراف/19}
- فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {طه/117}
- وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {البقرة/35}
في هذه الآيات نجد أن هنالك متغير جديد دخل في القصة و هو زوجة آدم , فبعد أن كان السياق السابق يدل على وجود آدم إذ بنا دون سابق إنذار نجد أن لآدم زوجة لم يكن لها أي ذكر في كل الأحداث التي سبقت ولم يرد أن الله قد خلق زوج لآدم, فإن كان زوجة آدم موجودة حين طلب الله من الملائكة السجود لأدم وهذا ما يتوقع من احداث القصة القصيرة, لماذا لم استبعد الله حواء من أن تسجد الملائكة لها مع آدم, هل الله ذو نزعة ذكورية يصنف المرأة كمخلوق درجة ثانية أمام الرجل ؟!
لا نجد في هذه الآيات أن هنالك أمر إلهياً بفرض عبادة ما على آدم و حواء سوى مطلب بسيط ,عدم الاقتراب من شجرة واحدة في جنة عرضها السموات والأرض, وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران/133} ؟!
كما و نجد أن الله أمر آدم و حواء بالسكن في الجنة وليس كما قوله السابق : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً .. {البقرة/30}.
بعد أن قام الله بتحذير آدم و حواء من الاقتراب من الشجرة ونبههما بأن ابليس هو عدو لهما, حتى لا يخرجوهما من الجنة , تمكن إبليس من التغلب على تدابير الله للحيلولة دون إخراج إبليس, آدم وحواء من الجنة:
- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {الأعراف/20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ {الأعراف/21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {الأعراف/22}
- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {طه/120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {طه/121}
كيف تمكن إبليس من الدخول الى الجنة يقف على بابها خزنتها, حيث ذكر القرآن عن وجود حراس لأبواب الجنة : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {الزمر/73}.
وإذا تجاوزنا مسألة وجود حراس لأبواب الجنة ,نجد أن إبليس تمكن من كسر كلام الله الذي قال فيه بإستحالة دخول الذين استكبروا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط : إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ {الأعراف/40}, ولا بد من التذكير بأن إبليس قد إستكبر بآيات صريحة من القرآن قبل أن يدخل الجنة ويوسوس لآدم وحواء :
- فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {ص/73} إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ {ص/74}
- قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ {ص/75}
- وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة/34}
إنطلت وسوسة إبليس على آدم بعد أن لعب على وتر وعدهم بالخلد والملائكية:
- وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {الأعراف/20}
- قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {طه/120}
هل آدم وحواء الى هذه الدرجة من بساطة التفكير لتنطلي عليهم زائفة الوعد بالخلد ولا سيما أنهما في الجنة و من سيماتها أنها جنة الخلد ؟ ,كما ورد في هذه الآية: جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا {الفرقان/15} لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولًا {الفرقان/16}
و هل هنالك ما يستوجب أن يطمع به آدم وحواء بأن يصبحوا ملكين بعد أن وضعهم الله في مستوى أرقى من الملائكة و أوجب على ذلك أن يسجدوا لهما, ولا ننسى أن تكريم الله لآدم على الملائكة كان من أسباب تمرد إبليس و رفضه للسجود,بنص هذه الآية: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً {الإسراء/62{
بعد سقوط آدم و حواء في الامتحان الالهي ,عاقبهم الله بأن أهبطهم الى الأرض بعد أن أزلهما الشيطان بتعبيره :
- قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {الأعراف/24}
- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {البقرة/36}
ما يستغرب في قرار الله بعقاب آدم و حواء عبر تنزيلهما الى الأرض ,أن خلقهما كان في البداية لأجل أن يكون البشر خليفة في الأرض, وعليه اذا اعتبرنا أن هبوطهما الى الأرض عقاب على معصية ارتكباها فلا ذنب لذريتهما في العيش ضمن مكان و ظروف بمثابة عقاب على معصية لا ذنب لهم بها , ولاسيما أن بمقتضى العدالة التي يذكرها القرآن: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الإسراء/15}
ولا بد من ذكر اشكالية اخرى ناتجة عن هذه القصة, هي إشكالية أخلاقية جراء كيفية تكاثر البشر من وراء رجل وإمراة, حيث ذكر القرآن أن خلق البشر جاء من ذكر وأنثى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ {الحجرات/13}, فبالطبع أن هذا التكاثر جاء في قسم منه عبر سفاح القربى بزواج الأخ من أخته , ألم يكن بإمكان الله المدبر الحكيم أن يخلق زوجين مقابل آدم وحواء لتتكاثر البشرية دون الاضطرار لفاحشة سفاح القربى وحافظ على إنسانية ونقاوة العلاقة بين الأخ وأخته وأمه ؟!
خلاصة البحث نجد أن إبليس هو المحرك الرئيسي لأغلب أحداث القصة ,بينما نجد أن الله يقف في موقع ردة الفعل , فقد تمكن إبليس من فرض مطالبه والنجاح بتنفيذ تهديداته, وتغيير مسار الخطة الالهية بعد أن أهبط آدم وحواء الى الأرض, ونجد ضبابية في هدف الله من خلق البشر وعدم ترابط في تفاصيل القصة , كما لا نجد خطة مدروسة من إله حكيم مدبر عليم سوى ردات فعل على تصرفات إبليس التمردية, لم يتضرر منها إلا إنسان الذي يمكن إعتباره بناء لهذه الميثولوجيا ضحية صراع الاله والشيطان.
#فادي_كمال_الصباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟