|
النقد الفني
إبراهيم بن نبهان
الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 02:56
المحور:
الادب والفن
إن عملية شرح و تحليل لغة جسد العمل التشكيلي كإنتاج أثر مؤسس على عدة مقاييس فكرية و فنية، لابد أن تتخلله مقاربة لإبداع لغة نقدية، تدرك خصائصها المعرفية انطلاقا من منهجية متأقلمة في تبويبها لمقومات المسار الفني من أسس جمالية و عناصر تشكيلية (أشكال خطوط و نقاط و ألوان و حركية و مواد...) و مؤثرات و تقنيات هذه المقومات السالف ذكرها، هي التي تعي دورها الفعال للنمط التشكيلي. ليبرز العمل الفني في نطاق إنتاج فني ينحصر في نطاق مؤسساتي و يدخل في نطاق يحكمه قانون العرض و الطلب في إطار علاقات اتسمت بكونها مترابطة من الناحية الفنية و الفكرية. وفي اطار الابعاد الجمالية للعمل الفني يمكننا ملاحضة النقد الاجتماعي لمفهوم الجملية الذي يتغير من متقبل الى اخر عبر حكم التذوق الجمالى و بالتحدد تلك الجملية التي تطور في ذوق المجتمع و تنميه و في هذا الاطار نستند الى مقولة وولف جانيت "كما يعمل التحليل الاجتماعي للفن على مساءلة المعاير المطلقة في نقد و علم الجمال، مما ينبهنا الى صعوبة تبسيط الأمور و إدراج الفن الراقي في وضع معارض مع الثقافة الشعبية و الثقافة الجماهرية" . لعل من الطبيعي أن تتداخل السبل لتكشف و توضح حقيقة كون ان نقوم بتأويل التراكم الفني التشكيلي المعاصر و أن نبرز ملامحه و خصوصياته لتنجلي بعض الغشاوة بحيث يتعرى جوهر الأثر الفني في بعض التجارب الفنية العربية إما أن يكون الفنان متبعا غربيا بحتا أو مرتبطا بجذور الحضارة العربية و مرتهنا في التعبير عن الهوية العربية بسياقات تجاري العصر سواء باستعمال المواد أو من خلال نمطية أعماله التشكيلية. هنا في هذا المقام هل يستوجب علينا الاستعانة بنظريات الفن و علم الجمال و بعلوم أخرى حتى نقوم بعملية توضيح هذه الإشكالية المتعلقة بفراغ الإنتاج الفني من خصوصية التجاوز كما يمكننا طرح ما هو دور علم التاريخ و الجمال ، و علم الاجتماع و الاقتصاد و علم النفس في التأثير على العمل الفني و على الفنان على حد السواء؟ إذن ماذا يعني لنا الحديث عن الخطاب التشكيلي و التعامل معه على اعتباره إنتاجا إبداعيا خالصا مستقلا بذاته و لذاته منغلقا حول الخصوصية العربية في عديد التجارب العربية نذكر مثال تجربة كل من مع إدراكنا بشمولية النمط التشكيلي وتداخله كوحدة إنتاج متكاملة تشكلها عديد الخصوصيات و العلاقات. هنا السؤال يطرح نفسه : نعم إن السؤال أعمق من أن يصاغ بطرق تقنية بمعناه الحرفي أو الصناعي حول خصوصية الممارسة التشكيلية ، وان يطرح من خارج العملية الإبداعية وعيا و ممارسة بضرورة الولوج داخل الواقع الفني هذا الواقع الملغوم بالبحث و الإشكاليات الحارقة في خطاباتنا التشكيلية. في هذا الإطار يمكن القول حقا أن الفنان قد تحرر في إنتاجه الفني بعد سقوط الأنظمة المتعسفة أم هو في خضم مخاض جديد مع أنظمة مختلفة وواقع نعيشه بكل إيديولوجياته و تأثيراته المباشرة و الغير المباشرة. إن البحث عن إقامة مسافة بمدلولاتها التشكيلية و خطابها الفني بين المتداول و المتفق عليه في طرح اشكالياتنا و الطمأنينة التي تقودنا في رصد اهتماماتنا و مشاغلنا المحكومة بهاجس التجاوز الفني المسبقة قبل حتى دخول الفنان في عملية إنتاج الأثر الفني و طبيعة تطلعاته في ما ينصب إليه من تشكيل مساحات شاسعة من الإشكاليات التي تدفعه اليوم للانشغال في هذه الفضاءات و هذا الواقع المتحول على عديد الأصعدة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية. فالعمل الفني يكون محورا حاملا لقضايا تهم الجمهور يحملة رسالة تكون مباشرة أو غير مباشرة يرتكز على إحداث الواقع بما يحتويه من متغيرات و في هذا الصدد يقول الدكتور مصطفى محمود محمد يحيى "العمل الفنى رسالة ذات سمة خاصة موجهة من الفنان الإنسان الفرد إلى الآخرين.. فهو يحمى ويدرك أن لديه رسالة أو قيمة أو فكرة غير موجودة لدى الآخرين" يطرح الفنان العربي هواجس التشكيل و قلق الانجاز في انجاز مسار فني يرنو به نحو التجاوز وإبراز مكانة عالمية من خلال تجسيد الواقع في أعمال فنية خاضعة للقيم الفنية المعاصرة المؤثرة على الجمهور مهما كانت اختلافاته الفكرية. ذلك فأن الفن العربي المعاصر يتطلب المساءلة النقدية الجادة، التي تتجاوز النظرة النرجسية للماضي ، المشحونة بعاطفة الانتماء او بمركبات النقص و العجز، و التوق الى بلورة هذه المساءلة التي تستوجب اساليب جديدة للتفكير في معالم الفن العربي سواء كان تراثا يجسد في جسد العمل الفني او كان معاصرة و تجديد يجب ان يكون الحس النقدي مستقلا بذاته عن الدراسات الاستشراقية ، و عبر تحليل و دراسة الخبرة الفنية العربية المعاصرة التي بدورها تمثل محطة من البحث، بالتحديد ضمن سياقاتها المعرفية ، والاستيطيقية وباعتماد شبكة للقراءة تتحدد منظوماتها المفهومية والابستيمولوجية من داخل الثقافة العربية المعاصرة على اعتبار أن قراءة الإنتاج التشكيلي الجمالي هي ضرورة لا تقل أهمية عن ضرورة التثاقف مع الأخر التلاقح معه. لذلك فان العمل الفني هو ذلك الثمرة التي تنضج في رحم الفكرة و في التزام الفنان بخصوصية أسلوبه و في ذات الحين اقترانه بوحدة التجاوز. ما جعل من الفنان التشكيلي التونسي الناصر بن الشيخ يبدع فنا قائما على خصوصية فردية تقترن بمحتوى جوهر الفكرة وقائم على أسلوب خصوصي ينبع من باطنه، فعند التدقيق في عمل من أعمال الناصر بن الشيخ يأخذنا التأويل إلى أن العمل الواحد يشكل مجموعة من الأعمال في نفس الوقت تتشعب تتداخل لتبوح لنا بخصوصية التقنية و برفادة التجريد الذي ينطلق في أصله من فلسفة أولية تمكنه من إبداع عمل تشكيلي يخضع إلى خصوصية الاختلاف و التجاوز، خاصة و انه متعلق بفلسفة ابن عربي العميقة في التصوف و الأبعاد الروحانية. بحيث تبوح اعماله من حيث لا تنطق تكون متخفية صعبة التأويل و القراءة و في هذا الاطار يمكن لنا الاستناد على مقولة عايشة الفلالي:"تتميز أعمال الناصر بن الشيخ الأخيرة بصمتها: إنها مجموعة متتالية من التخفيات حيث يبرهن أن الرسام الذي يسكن عمله بحق لا يكون دائما سيد الموقف على ركح إبداعاته" و في إطار أخر يمكننا التوجه بهذه الكلمات إلى أن تجربة الفنان التشكيلي توغل في التقدم و الانجاز التشكيلي المعاصر خاصة وانه قد توجه بتجربته الفنية إلى مسار فني جديد على الساحة التونسية بحيث تعمق بالفن الرقمي و تعمق في خصوصية الزخرفة الفنية الحاملة لأبعاد نقدية ثقافية و خصوصية فردية يسعي من خلالها إلى التجاوز المستمر ليبوح لنا بهويته الفنية المختلفة و المتجذرة فيه رغم التحول الفني الذي شهدته الساحة التونسية. المراجع: وولف جانيت، علم الجمالية و علم اجتماع الفن ، المجلس الأعلى للثقافة 2000 ص.9. مصطفى محمود محمد يحيى ،حلقة الاتصال فى التذوق الفنى ظاهرة الاغتراب فى الفن التشكيلى فى البيئة المصرية، تكنولوجيا التعليم سلسلة دراسات و بحوث المجلد الثاني الكتاب الثالث ،صيف، ،1992 ص 2. مجلة الحياة الثقافية ماي 1999 ص 104.
#إبراهيم_بن_نبهان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن و حضور السلطة
-
الثقافة و حرية التعبير
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|