|
الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت
أحمد سعده
(أيمï آïم)
الحوار المتمدن-العدد: 4152 - 2013 / 7 / 13 - 03:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الحكم الإخواني السلفي مازال يتشبث بالشرعية المزعومة حاشدا جموعه في محاولات يائسة لاستعطاف الغرب الذي لا يتعامل مع دول التدخلات العسكرية من باب النفاق الزائف لدعم الديمقراطية، تدخل الجيش المدعوم بثورة الشعب وإطاحته بحكم الإسلام السياسي كان بهدف رئيسي تم تجاهله طبعا، يتمثل في حماية الطبقة الرأسمالية التابعة ونظامها ودولتها، ثم بعد ذلك تأتي أهداف أخرى يتم الترويج لواحد منها على أنه الهدف الأسمى ألا وهو حماية الشعب واستعادة ثورته المسروقة، بما يخلق حالة من المشاعر الإيجابية والأوهام التي تتغنى بوصول الثورة لسلطة الدولة، نفيق منها لنجد أنفسنا في نفس الدائرة الشريرة لمواجهة الثورة المضادة الفلولية العسكرية التي استعادت سلطتها بعد تصفية حساباتها مع الثورة المضادة الاسلامية بحكم التناقضات الطبيعية داخل نفس طبقة الرأسمالية التابعة، لكن هذه المرة بغطاء ليبرالي من قيادات الأحزاب المدنية وبعض شباب الثورة، والذين لن يتوانوا في مساعدة الجيش على احتواء وتصفية الثورة والتحول كمقاتل عنيف ضد كل تصعيد أو احتجاج أو نضال، واقحام الثورة في السرداب المظلم لمتاهة الاستفتاءات والانتخابات لقلة الوعي الثوري حينا عند هذه القيادات أو عن انتهازية أصيلة حينا آخر، وبالتالي فإن مشاركة الجماهير في مهازل الانتخابات في زمن الثورة تفتت طاقات الثورة هباءا كما أنها اعتراف موثق بشرعية مؤسسات لامناص من مواجهتها لنضال جماهير الثورة، نحن إذن بصدد نقطة تحول تسعى فيها الرأسمالية التابعة عن طريق ممثليها السياسيين والحزبيين للإمساك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية وبمشاركة للإسلاميين من نفس الطبقة كنوع من الاحتواء تحت مسمى المصالحة الوطنية بعد صدمة الإطاحة بهم، في أقوى محاولات الثورة المضادة لاستعادة نظامها والرقص على جثة الثورة، والويل كل الويل لمن قاموا بنصف ثورة..!! ما كل هذا التجمع الغير مسبوق في صفوف الثورة المضادة العسكرية والليبرالية والإسلامية التي تلتحم رغم تصارعها المرير في كتلة فولاذية لاقتسام وتقسيم غنائم الثورة والمضي قدما في سبيل تصفيتها.؟ ولا غرابة في أن غياب الخبرة لدى شباب الثورة رغم مجدهم الحقيقي كان سببا مباشرا في تبني الانتخابات الرئاسية المبكرة كمطلب قدسي لمرحلة مابعد مرسي، في تكريس مستمر لإنتاج دولة رئاسية يتسابق المتسابقون من شخصيات سياسية وانتهازية كبيرة على رئاستها، تتجاهل ما تحتاجه مصر للإنتقال المباشر لجمهورية برلمانية تحقق قدرا من الديمقراطية الشعبية يكون للبرلمان فيها صلاحيات واسعة بعيدا عن قمة سلطة الدولة التي لاتعدو أكثر من آداة وسلاح فتاك في أيدي الطبقة الاستغلالية في مجتمعنا الطبقي الذي لا مفر من أن يبقى ديكتاتوريا بحكم طبقيته وخضوعه وتبعيته للامبريالية التي ستُوقف نمونا ولن تسمح لنا بالتقدم كلما حاولنا، بل ستعمل على إبقاء أوضاعنا على مانحن عليه (مجرد أسواق وملحقات تجارية وأفنية وزرائب خلفية). إن انتقال شباب تمرد سريعا من الميادين الى الأروقة والإجتماعات والشاشات انعكس بشكل سلبي على هبوط حركة جماهير الثورة، وأصبحت الميادين الآن محتشدة بمئات الألوف من أنصار تيار الإسلام السياسي التي تتجه بحكم الفقر المادي والفكري نحو بؤس الحل الديني، هذا الوهم الذي لا يقود إلا لتمزيق المجتمع، ما قد يدفع بمستويات جديدة من العنف ويسمح للنظام الجديد بعقد تحالفات وصفقات مع جماعة الإخوان المسلمين وميليشيات الإرهاب والتطرف التي كان ينبغي حل أحزابها فورا بعد أن تسببت في مزيد من تقسيم المجتمع المصري وقادت البلاد لخطر الحرب الأهلية. المرحلة القادمة من المتاهات الفقهية والدستورية والانتخابية الممتدة ربما حتى لعامين قادمين ستتوجه اليها الأنظار كالعادة وتهرول إليها الأحزاب السياسية بما فيها تلك التي داخل جبهة الإنقاذ كخير ممثلين ونواب ووسطاء عن طبقة الرأسمالية التابعة بعيدا عن النضال الثوري رغم أن قواعد تلك الأحزاب من جماهير الطبقات الشعبية لكنها بالطبع لاتدرك أن الحزب هو عدوها الأول الذي سيُجمِّد جهودها الثورية لأدنى حد يسهُل التعامل معه بعد أن تستطيع الطبقة الرأسمالية الحاكمة مباشرة أو بواسطة مندوبيها وممثليها استعادة الاستقرار وكفاءة أنظمتها المغلفة بالشرعية التي نكون قد منحناها إياها. وهنا تطرح الأسئلة نفسها: مافائدة برلمان في دولة لاتعدو فيها المؤسسة التشريعية أكثر من ملحق ثانوي يتم التشريع فيه بأوامر من الحزب الحاكم؟؟ وما فائدة الرئيس في ظل نظام رئاسي سينقلب على الثورة فور تنصيبه إلها بسلطات مطلقة في غياب الفصل بين السلطات وتحت سيطرة العسكر؟؟ إن ما طرحته سابقا عقب ثورة يناير وما اطرحه من الآن ليس موقفا سلبيا مستمرا في مقاطعة المسار الإنتخابي الذي لم يحدد ميعاده بعد، بل هو موقف أتبناه في هذا الزمن تحديدا ألا وهو زمن الثورة، ومحاولة استباقية مني لتذكير كل الفلاسفة والفصحاء الذين يدفعون الجماهير نحو صناديق تزييف إرادتهم للتصويت ضد مصالحهم الحقيقية تحت دعاوي المشاركة الايجابية، ولو كلف هؤلاء الفلاسفة عناء البحث والقراءة لتأكدوا أن المشاركة في الإنتخابات في زمن الثورة هو بعينه طريق الآلام المزين بالورود لإنهاك وتصفية الثورة وارهاق قواها، كما أن الجماهير بحكم عفويتها مازالت لم ترتقي بعد إلى الوعي الثوري المتكامل لاختيار ممثلين حقيقيين لمصالحها، وبخاصة مع وقوفها الآن كمتفرج وانحصار السباق والصراع داخل معسكر الثورة المضادة ممثلا في دولة مبارك التي تسيطر بشكل فعلي على أقسام مهمة من الاقتصاد والإعلام والقضاء وفي قلبها الجيش والشرطة إضافة لقادة الأحزاب الليبرالية التي تمثل قمتها جبهة الإنقاذ، وكل تيارات الاسلام السياسي ورغم أن كل هؤلاء يتغنون بكونهم يمثلون الثورة لحما ودما، إلا أن واقع الثورة يتبرأ منهم جميعا ومن عبثهم بثورة المصريين وشعارها العبقري الغائب الذي يلخص معاناة الجماهير ومطالبهم الحقيقية (عيش-حرية-عدالة اجتماعية). إن مصير الثورة المصرية السياسية في ظل التبعية الاقتصادية وسيطرة الرأسمالية العالمية لن يختلف كثيرا عن مصائر ثورات مضت في أماكن متفرقة من بقاع الكرة الأرضية، وهي مصائر كئيبة للغاية من حيث انكسار الآمال والتطلعات التي تطلقها فى حينها، وإن أقصى مايمكن تحقيقه هو الوصول لديمقراطية حقيقية شعبية تكون نواة للانطلاق وفتح آفاقا رحبة من التحديث الشامل والتطور والانتقال بمجتمعنا إلى نمط انتاج رأسمالي فعلي بعيدا عن الشعارات الديماجوجية الجوفاء. إذن فالحلم الحقيقي الناجز وضوء الأمل الوحيد معقودا على الديمقراطية الشعبية، شرط أن تقتنع القوى الثورية وشبابها أنها غير جاهزة لسلطة الدولة على الأقل حاليا، وأن عليها البناء من أسفل ومواصلة نضالها نحو ديمقراطية حقيقية. لكن ماهي الديمقراطية هذا المجهول الغامض؟ الديمقراطية أن يمتلك الشعب أدوات نضاله وتحريره وانتزاع حقوقه وممارستها، هي الطريق الذي يرغبه ويفرضه على الطبقة الحاكمة ودولتها، هي الصحافة الحرة الحزبية والنقابية التي تمثل الطبقات الشعبية العاملة والفقيرة، هي الاستقلال الكامل للأحزاب والنقابات المهنية والنوعية عن سلطة الدولة وقدرتها على الدفاع الحقيقي عن حقوق وحريات الطبقات الشعبية وحمايتها من نفوذ وسيطرة السلطة، هي استقلال القضاء وحمايته للمواطنين من شبح المحاكمات العسكرية والاستثنائية، هي كل ماتستطيع الجماهير انتزاعه من مكاسب اجتماعية واقتصادية كالتطبيق العادل للأجور بحديه الأقصى والأدنى وربط الأخير بغلاء الأسعار، وتحقيق بيئة عمل مناسبة وآمنة، وتطوير حياة الفلاحين والحد من المخاطر المحيطة بمجتمعهم الريفي وأراضيه، وتقديم رعاية صحية متكاملة ومظلة تأمين صحي شاملة، وتطوير التعليم ومناهجه بمختلف مراحله وحماية مجانيته، والمساواة الكاملة بشكل ينص عليه الدستور بعيدا عن أي تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو النوع ذكرا أو امرأة، وإعادة صياغة الدستور بشكل واضح وحاسم يفصل بين السلطات ويتضمن كل الحقوق والحريات والواجبات بعيدا عن أي مجاملات دينية أو حزبية ومتوافقا مع المعايير العالمية لمواثيق حقوق الانسان، الديمقراطية الشعبية قادرة على فرض سيادة القانون عن طريق نضالاتها المتواصلة، باختصار: الديمقراطية الشعبية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ولصالح نفسه. ومما لاشك فيه أننا أمام جبل هائل من المجهودات والتضحيات والتحديات لخلق ديمقراطية شعبية تحتاج لطاقات الثورة التي يجب ألا نبددها في صناعة مؤسسات تشريعية ورئاسية هزلية عديمة النفع ولاقيمة لها ولاطائل منها، كما أن مواصلتنا للنضال الشعبي تدعم قدرتنا على إجبار السلطة الحالية واللاحقة على تلبية مطالب الثورة التي ستكون الضمانة الفعلية لانتظام الحياة الطبيعية واعادة البناء والإنتاج بشكل منسجم مع تطورات الثورة التي لا تريد بالطبع الفوضى، بل تسعى لإنصاف الشعب وامتلاكه للقدرة على انتزاع حقوقه وحرياته وأدوات نضاله ليس فقط للتطلع لحياة كريمة انما كذلك إلى التصنيع والتحديث الشامل لانقاذنا من المصير البائس الذي نسبح في اتجاهه بسرعة مرعبة قد نغرق معها في بحر الانهيار الشامل.
#أحمد_سعده (هاشتاغ)
أيمï_آïم#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|