|
خصام العلم والأخلاق والسياسة
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 4150 - 2013 / 7 / 11 - 06:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل الخصام البنيوي بين العلم والأخلاق من جهة والسياسة من جهة أخرى أضحى من السهل عندنا بالمغرب أن تصبح رئيس حزب للاضطلاع بمهمة وزير أول . يكفي إتباع الوصفة التالية: "ربّي موشتاش كث ودبّر على شهادة ابتدائية، ولو مزورة ، واعتمد المبادئ الآتية: - خالف تُعرف - ولو طارت معزة ( أي التشبث بالرأي مهما كان الأمر وعدم التزحزح عنه) - كبّرها تصغار ( الهروب إلى الأمام بتضخيم الأمور) - هبل ترباح " ( التظاهر بالبله لتحقيق أهداف غير معلنة) إن مثلث العلم والسياسة والأخلاق. كل ضلع منه يتأثر بالضلع الآخر، وإذا ما برز صِدام بين رؤى كل واحد من هذه الأضلاع فإن الحياة الإنسانية ستصاب بالخلل والتأزم. وهذا ما نحياه الآن بامتياز. إن الأخلاق والعلم يشكلان الأرضية الخصبة للحوار الذي يُعدّ أنجع سبيل لحل المشاكل. وهذه الأرضية هي السبيل للنجاة من عالم القحط السياسي الذي يلفنا منذ أمد . إن ركائز الحياة الاجتماعية هي الأخلاق، وهي لا تنحصر بالأحكام والتنظير الأخلاقي بل إن كل ما ينظم حياتنا ويسجل حضورنا في المجالات الفردية والاجتماعية ويرتب علاقتنا مع العالم الإنساني وكل ما يبلور أفكارنا وأعمالنا. إن كل هذا يمثل الشأن الأخلاقي. فما هو السبيل للتغلب على هذا الظلام الدامس الذي نعيشه؟ هناك سبيل وحيد لا مندوحة عنه، إنها الأخلاق التي تشكل اليوم – بعد أن جربنا كل المتاهات- إحدى تباشير الخلاص من الكثير من المعضلات والطامات. الظلم والظلام لا ينهاران إلا التي تشكل الأرضية الخصبة لأي حوار بين الحضارات. بعد مرور حول ونيف على الحكومة الحالية ، لا تزال الحياة السياسية على رتابتها وخمولها وعبثها. والشباب الذين - من مشاربهم المختلفة- انتظروا منها جزء من التعويض عن الحرمان والتهميش والإقصاء، عادوا اليوم إلى قنوطهم من غد واعد الذي طال انتظاره. الانتظارات كانت كثيرة، ومرت الأيام ولم يحصد شباب سوى الخيبة تلو الخيبة. فكان أن ألغى معظمهم أحلامهم البسيطة، واقفلوا عائدين إلى ساحات الاعتصام وفضاءات تجعل أجسادهم قرابين لهراوات الحكومة التي عقدوا عليها الآمال. فأقفلوا أبواب الأمل الخادع وتوجهوا إلى النضال المستميت رغم شراسة "سياسة الزرواطة الحكومية"، وهذا في انتظار فرص أخرى، لا يبدو أن معالمها تلوح جديا. فالكل يدرك – قولا - أن السياسة يجب أن تقوم على الأخلاق أولاً، وبعدها تتوالى بكل جوانبها حسب ضروراتها وأولوياتها. وسيد الأخلاق في السياسة العدل بين الجميع، كي لا ينمو القهر والاستبداد في تدبير الأمور، والتطرّف والعنف، وبالتالي تتشوّه كل المُثُل الخيّرة والقدوة الصالحة، وتفقد الثقة بين الجميع. فالمجتمع يرى – قولا - أن الأخلاق سامية جدا، ويرى – معاينة وممارسة - أن السياسة شر وانتهاز واستغلال. حيث بات منتشرٌ أن الأخلاق الحميدة في ركح السياسة لم تعدْ تجدي نفعاً، فالكذب أجدى من الصدق، والنفاق أجدى من الصراحة، ممّا شوّه الرابطة الوثيقة لهدف السياسة والأخلاق، ألا وهو منفعة البشرية وخيرها. -;-فإذا-;- -;-كان-;- -;-العلم-;- -;-دون-;- -;-ضمير-;- -;-خرابُ-;- -;-الروح،-;- -;-فإن-;- -;-السياسة-;- -;-بلا-;- -;-أخلاق،-;- -;-خراب-;- -;-الإنسانية-;-. إن ما نعاينه هو حضور منطق القوة والنفوذ والعنف (الفعلي والمعنوي، المباشر و"الناعم") في رسم مسارات حياتنا وتوجيهها، وتنامي شعور يميل نحو التحلل من الضوابط الأخلاقية وإباحة كل الطرق والوسائل لتحقيق الأهداف السياسية والمصالح. نعيش اليوم أبشع صور السلوكات "الميكافيلية" ( نسبة لميكيافيلي صاحب كتاب "الأمير" الذي يغلّب السياسة على الأخلاق ) . ولا يقصد بالأخلاق في ميدان السياسة حزمة القيم الشائعة عن الصدق والوفاء والشجاعة على أهمية هذه القيم وضرورتها في العمل السياسي النظيف بل أساساًً تلك العلاقة الشائكة والمعقدة بين الهدف السياسي والوسائل المفضية إليه. فليس ثمة غاية مهما بدت سامية أو مقدسة يمكن أن ترتفع فوق حق الإنسان المتساوي في الحياة والحرية والكرامة. فالأخلاق والسياسة ماهيتان مختلفان بطبيعتهما ومن المحال احتواء إحداهما للأخرى، لكن يمكن دمجهما في تفاعل متبادل ترعاه أجواء الحرية والاعتدال والانصاف، لأن الفضيلة السياسية أو الأخلاق في السياسية لا يمكن أن تنمو في مناخات اليأس والإقصاء والتهميش ومع غياب حقوق المواطنة والعدالة والمساواة والمشاركة. وقد ميز المفكرون والفلاسفة منذ أفلاطون الفارق الكبير في البنية الأخلاقية بين الفرد الذليل والمدفوع وراء أهوائه ونزواته ومصالحه الخاصة الضيقة عن الذي يتمتع بكامل حقوقه الطبيعية، المدنية والسياسية ويصبو لقيم الخير والحق والجمال والعدل، ما يجعل الديمقراطية الخيار الأكثر إلحاحاً لبناء مجتمع معافى وإنسان سوي وأيضاً لإرساء قواعد سلوك سياسي كفاحي تنظمه القيم الأخلاقية الإنسانية وليس قواعد المكر السياسي والحوازيق (القوالب). نسمع دائما شعار "لا سياسة بدون أخلاق"، لكن على أرض نعاين ممارسة سياسية لا علاقة لها – قطعا – بالأخلاق، نعاين تجرد السياسة من أي اعتبارات أخلاقية. علما أن "السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه" في منظور ابن خلدون. نعيش زمن انهيار الركن الأخلاقي في السلوك السياسي. لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، أضحينا نعيش في غابة شرسة، يتصارع فيها الجميع مع الجميع، ومن يحاول أن ينأى بنفسه عن الصراع، عليه الرضا بأن يكون هو الضحية. لا وسطية، ولا تعادلية، فإما أن تكون مفترِسا، أو مفترَسا. هكذا يحدثنا واقعنا الآن بشكل جلي. قد يظن بعض السياسيين عندنا أنهم لا يزالون يتمتعون بقدر ما من الأخلاق في عملهم السياسي لكن الواقع يفضح الجميع .
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغاربة يقاتلون بسوريا هل هي ظاهرة أو مجرد حالات معزولة
-
الهروب من السجون والمعتقلات من الحماية إلى اليوم
-
2013 المغرب تحت مجهر التقارير الدولية
-
قضية الصحراء: أول نجاح للمغرب لدى البرلمان الأوروبي
-
-لادجيد- المخابرات العسكرية أو الخارجية : ظلها في كل مكان
-
هل من الحكمة المطالبة بإلغاء معاش البرلمانيين والوزراء الساب
...
-
ضرورة فضح الديون الكريهة -المكسي بديال الناس عريان-
-
فاز -الإصلاحيون- في إيران فهل تتحسن العلاقات المقطوعة بين ال
...
-
المغرب: السلفيون يلجون السياسة من بابها الواسع
-
الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الاسباني هل بات المغرب يشك
...
-
اغتصاب الأطفال عندنا أضحى مقلقا جدا عندنا
-
ضلّلونا بأكثر من مقلب
-
الجزائريون ينتظرون رئيسهم من سيحصل على تأشيرة ولوج قصر المرا
...
-
لا حديث عندنا إلا على الأزمة فما هي مشكلتنا بالضبط؟
-
الجنرال إدريس بنعمر العلمي أسد حرب الرمال الذي أسر الرئيس ال
...
-
إذا انكشف السبب سقط العجب: خبايا الرد الجزائري العنيف للمطال
...
-
الفاسدون وما أدراك بالفاسدين
-
الإصلاح الضريبي لازال الامتحان مؤجلا
-
على خلفية مرض الرئيس الجزائري ماذا بعد عبد العزيز بوتفليقة؟
-
للذكرى ليس إلا الشاعر محمد الطوبي
المزيد.....
-
شاهد.. -غابة راقصة- تدعوك لإطلاق العنان لمخيلتك في دبي
-
بعد مكاسب الجيش في الخرطوم.. هل تحسم معركة الفاشر مآل الحرب؟
...
-
هواية رونالدو وشركاه .. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
أكثر من 20 مرتزقا أمريكيا في عداد المفقودين بأوكرانيا
-
باكستان قلقة من الأسلحة الأمريكية المتروكة في أفغانستان وتحذ
...
-
وزير الدفاع السوري يتفقد ثكنات الجيش بصحبة وفد عسكري تركي (ص
...
-
تركيا.. شاورما تنقذ حياة -مسافر الانتحار- (صور)
-
من أمام منزل السنوار.. تحضيرات إطلاق سراح 3 رهائن إسرائيليين
...
-
سوريا.. من هم القادة العسكريون الذين شاركوا الشرع -خطاب النص
...
-
وارسو.. اجتماع وزاري أوروبي لبحث الهجرة والأمن الداخلي وترحي
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|