جمال عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4149 - 2013 / 7 / 10 - 03:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تحت وقع اقدام عشرات الملايين , فى الشوارع والميادين , فى الثلاثين من يونيو , ظهرالى الوجود , مشهد غير مسبوق . اهتزت لة الارض , وعواصم الثورة المضادة العالمية فى واشنطون وتل ابيب وحلفائهما . كما تزلزلت بة اركان اعداء الثورة المحليين من سلطة جماعة الاخوان , والمؤسسة العسكرية , ورجال دولة مبارك , وخدمهم من كل الانتهازيين الساعين الى السلطة .
ومع نهاية اليوم الاول , اطاحت الموجة الثورية الراهنة بحكم اليمين الدينى الرجعى . ولكن العسكر ومخابراتهم كانوا قد استبقوا الموجة الثورية بافكار من قبيل سحب الثقة من مرسى , واجراء انتخابات رئاسية مبكرة . ذلك الطعم الذى ابتلعتة حركة "تمرد"وغيرها , لتستثمرة المؤسسة العسكرية فى اللحظة المناسبة .فتقطع بة الطريق على الموجة الثورية الراهنة , وتسريبها فى مسالك شرعيتهم المزعومة ـ انتخابات واستفتاءات ودستورـ التى يسيطرون بها على المجتمع , والتى جربها الشعب على مدى عامين ونصف . هى عمر الثورة . ونتائجها المرة مازال يتجرعها الجميع حتى الان . من حكم العسكر الى حكم الاخوان , ثم العسكر ثانية من خلف ستار . فهل من العقل او الثورة , ولمصلحة الفقراء والكادحين ان ننخدع ثانية فى هذا الامر ؟
واذا كانت الموجة الثورية الراهنة قد اطاحت بمرسى وجماعتة فاشية الطابع , كما اطاحت الموجة الاولى بمبارك , الا ان المؤسسة العسكرية قد نجحت بشكل مؤقت فى السيطرة على الوضع الثورى بدعم من رجال "جبهة الانقاذ" و"تمرد" , ورجال مبارك , واجهزة المخابرات للحفاظ على النظام الراسمالى القائم بمؤسساتة وسياساتة .وابعاد شبح الثورة الذى يحوم حول السلطة من خلال انتخابات رئاسية مبكرة , وحكومة تكنوقراط , وتعديلات على دستور الاخوان . لعلهم يديرون ازمة حكم متفاقمة منذ ماقبل 25 يناير 2011 , ويتمكنون من التقاط الانفاس فى مواجهة غضب جماهيرى واسع لم ينقطع منذ سنوات. نتيجة لازمة اقتصادية واجتماعية طاحنة وصلت الى حد الكارثة الانسانية فى ظل ازمة اقتصادية عالمية تمسك بخناق البشرية .
فانتقلت جماعة الاخوان وحلفائها لممارسة كل اشكال الصراع والقتل من اجل استعادة الحكم , الذى يرونة حقا ابديا منحتهم اياة السماء , وليس من حق احد الطعن على شرعيتهم ,حتى لو كانوا ثلاثين مليونا من الشعب صاحب الشرعية الثورية والوطن . . خاصة وان امريكا و"اسرائيل" تدعمان شرعيتهم المغدورة من قبل العسكر ورجال مبارك .فتتوالى الضغوط الامريكية على المؤسسة العسكرية , حليفهم الرئيسى فى النظام المصرىمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بقصد اعادة الاخوان الى الحكم . ولكن الثورة الشعبية المصرية ولاول مرة منذ ذلك التاريخ المشئوم تفرض على المؤسسةالعسكرية رفض الاملاءات الامريكية حتى الان بعودة سلطة الاخوان ثانية , وهو مايؤسس للحظة جديدة فى تاريخ المنطقة .
وكانت الادارة الامريكية بعد ثورة يناير , قد وقفت بقوة مع صعود تيار اليمين الدينى الرجعى للسلطة فى مصر وتونس وعدد من البلدان العربية . وقد بنت استراتيجيتها فى السيطرة على المنطقة العربية ومحيطها , ولعقود قادمة , على ان مصالح قادة هذا التيارالمرتبطة بها , وامكانياتة فى استخدام الدين فى السيطرة على المجتمعات الثائرة , واستعدادة المعادى للثورة والشعوب والتقدم الانسانى , ان يلعب دور الخادم المطيع لامريكا و"اسرائيل" مقابل مساندتة فى تحقيق حلمة القديم فى حكم مصر, والمنطقة برمتها مهما كان الثمن . ولكن تجربة حكم الاخوان المذرية لم تصمد امام الثورة الشعبية المصرية اكثر من عام . وهو ما وضع الاستراتيجية والادارة الامريكية فى مازق خطير . وقد ملاْها الرعب من تقدم الثورة المصرية بما يهدد اساس السيطرة السيطرةالاستعمارية فى المنطقة برمتها , بل والعالم باسرة .
لقدغذت تجربة الحكم القصيرة لدى الاخوان مزيد من الاوهام حول قوتهم , وحقهم الالهى فى السيطرة على مصر والبلدان العربية و"الاسلامية" الى ما لانهاية . وان زلزال الموجة الثورية الراهنة الذى اطاح بحكمهم واوهامهم عن قوتهم , واعادهم لحجمهم الطبيعى المحدود , ليس فى شرعهم الا اختبارا من اللة لمدى ايمانهم إ إ وماعليهم الا ان يقبلوا بة . وان يقبلوا التحدى لاستعادة سلطتهم حتى لو كان الطريق معبدا بالقتل والمذابح , طريق الحرب الاهلية بكل بشاعتها . وقد اندفعوا فى هذا الطريق ..ومجازرهم فى سيناء والقاهرة والاسكندرية وغيرها خير شاهد على ذلك .
ولكن الشعب وقواة الثورية لم يرتعب امام وحشيتهم وتسليحهم , بل تصدى لهم بكل بسالة , بماوقعت علية ايديهم وهو قليل , ولقنوهم درسا لن ينسوه فى معارك ميدان النهضة , وسيدىجابر والمنيل وعبد المنعم رياض وماسبيرو, واسيوط وغيرها من المدن والقرى . مما يجعلهم الان يترددون , ولكنهم اكثر شراسة فى مواصلة طريق سيكونون الخاسر الاكبرفية , طريق الحرب الاهلية . .
وعندمايترك العسكر الجماهير لمواجهة عنف الاخوان الرجعى وحدها ودون اى مساندة , كما حدث فى معارك عبدالمنعم رياض والمنيل وجامعة القاهرة , واذا اتوا ياتون متاخرين لاعلان وجودهم فى المشهد الدامى , بعد ان تكون القوى الثورية قد قامت بالدفاع عن حياتها , وردت القتلة من الاخوان وحلفائهم بقوة عددها وعزيمة الثورة , وقليل من التسليح الفقير والمحدود لديها . فهذا يكشف حقيقة موقف العسكر المعادى للثورة والشعب , والا فعليهم ان يسلحوا الجماهير, ان كانوا صادقين فيما يزعمون عن حماية الثورة والشعب . والحقيقة المرة ان المؤسسة العسكرية , خاصة قيادتها لن تسلح الشعب , لانها تخاف منة ومن ثورتة . ولان مصالحهم الاقتصادية والاجتماعة تتناقض مع مصالح الغالبية الساحقة من الشعب وهى من الفقراء والكادحين . وقادة الجبش فى حقيقتهم رجال اعمال يمتلكون المليارات على مدار عقود مضت . مثلهم فى ذلك مثل رجال اعمال نظام مبارك والاخوان القائم على الاستغلال والسرقة والفساد.
وقد جاءت الوقائع اليومية بما يفوق الخيال , وباسرع مما نتخيل , فى فضح موقف العسكر من الثورة والاخوان .
فهل من المصادفة ان يحدث فى فجر نفس يوم معارك الجيش ضد الاخوان بهذة الفظاعة امام مبنى الحرس الجمهورى , وقبل نهايتة , يصدر الرئيس المعين من قبل العسكر اعلانادستوريا بمثابة صفقة مع الاخوان والتيار الدينى الرجعى . اذ ينص فى مادتة الاولى على الشريعة بذات نص المادة فى دستور الاخوان الرجعى , والتى اثارت استياءا ورفضا عاما فى حينها من القوى الثورية لما تحملة من اكثر الاشكال تخلفا وفظاظة ومعاداة للحرية والمساواة وحقوق المراْة والانسان عموما كما يكرس هذا "الاعلان الدستورى" لدكتاتورية العسكر وصنيعتة الرئيس المؤقت لفترة قادمة لا يعلم مداها احد .
وهذايفضح انتهازية العسكر , ودفاعهم اولا واخيرا عن مصالحهم , واستمرار النظام القديم بمؤسساتة وسياساتة, وكيف انهم على استعداد بان يغدروا بمن ركب معهم باسم الثورة من"تمرد "او"الانقاذ" او غيرهم من المخدوعين من بسطاء الشعب كما غدروا بالاخوان . ولكن غدرهم بالاخوان جاء ليضعوهم فى الحجم الذى يريدونة بعد ان تغولوا فى اجهزة الدولة والسوق اكثر مما ينبغى , ولم يكن لتناقض المصالح العدائى كما هو حال تناقضهم مع الثورة والشعب . فهم حلفاء لانهم جزء من نظام مبارك الفاسد والمعادى للفقراء والكادحين . وعداء العسكر للثورة لا يقارن باختلافة مع الاخوان وتياراليمين الدينى الرجعى عموما , الذى لا يكف عن مغازلتة فى ذات وقت الصراع الدامى معة , ودعوتة الملحة بعدم الاقصاء , لاحتياجة لهم فى المدى القريب , ما دامت الثورة مستمرة . ومن المفيد ان تنفضح مواقف العسكر سريعا ـ كما انفضحت مواقف الاخوان ـ امام الشعب وبعض قوى الثورة المضللة . فالمؤسسة العسكرية كل همها بقاء النظام , ومصالح قادتها كرجال اعمال واصحاب ثروات ضخمة قبل ان يكونوا قادة عسكريين , فالشئ لزوم الشئ للحفاظ على الثروة والسلطة .
وفى كل الاحوال , لقد احرزت الثورة انتصارا مدويا . بالاطاحة بسلطة الاخوان فاشية الطابع , واحلامهم بالدولة الدينية . وهو لايقل قيمة عن الاطاحة بالطاغية مبارك , واضعاف آلة الدولة القمعية , ولكن المؤسسة العسكرية قد تمكنت من اعاقة الثورة ان تصل لانتصارها النهائى بتحقيق سلطتها الثورية من الميادين , سلطة الجمهورية الديموقراطية الشعبية , سلطة الفقراء والكادحين , ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية باستعادة الثروات المنهوبة
من قبل رجال النظام القائم وعسكرة من اجل حياة حرة كريمة للجميع , والثورة مستمرة حتى تحقيق اهدافها .
وفى هذا الاتجاة على قوى الثورة ان تستعد لاحتمالات الحرب الاهلية بتشكيل لجان شعبية مسلحة للدفاع عن الثورة فى الشوارع والاحياء والمدن والقرى دون الانخداع بما تروجة اجهزة الاعلام عن حماية المؤسسة العسكرية للشعب والثورة . فهذة المؤسسة تحمى فقط مصالحها , ونظامها المعادى للثورة فى كل اللحظات منذ 25 يناير 2011 , وتجارب الايام الاخيرة تؤكد ذلك . فلا ينبغى ان تثق الثورة فى اى من اعدائها , مهما كان حجم الخلافات او الصراع بينهم . فما بين العسكر والاخوان من مصالح , وعداء كل منهما للثورة بغير حدود , يؤكد التقائهما من جديد ولو بعد حين لتصفية الثورة عدوهم المشترك .
لقدنجح العسكر مؤقتا بالسيطرة الجزئية على المشهد , وابعاد شبح الثورة الشعبية الذى يحوم حول السلطة . الا ان ذلك لن يدوم طويلا امام تجذر الثورة واتساعها , وانخراط الطبقات الشعبية فيها , وتقدم خبرتها ووعيها وتنظيمها على طريق انتصارها النهائى , وتحقيق سلطتها الثورية الشعبية من الميادين . .
المجد للفقراء والكادحين . . . المجد للشهداء . . . والنصر للثورة
#جمال_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟