|
سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد في حوار شامل مع البيان
الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)
الحوار المتمدن-العدد: 1189 - 2005 / 5 / 6 - 11:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
جريدة البيان 4 مايو 2005 سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في حوار شامل مع «البيان»: وضع الوطن تحت الحماية أخطر من تسليم مواطنين للمحاكمة بقلم :عمر العمر اعترف سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد الخارج إلى العلن بعد أحد عشر عاماً في العمل السري بوجود خلل صاحب عودته من الاختباء وقال ان أبرز ملامح المجتمع السوداني حالياً يتمثل في الأجيال الجديدة المتحفزة للاندماج في العصر وبحور الفوارق الاجتماعية حيث يوجد ثراء فاحش مقابل فقر مدقع. وقال نقد رغم انهيار الموديل السوفييتي وانحسار خط التوجه الاشتراكي في البلدان النامية لا يزال على قناعة بأن إسهامات ماركس تمثل أفضل أداة للصراع ضد الرأسمالية، غير انه اعترف في الوقت نفسه بتخلف الخطاب السياسي لحزبه وبضرورة تطويره وإثراء لغته وقال ان التحديات التي تواجه السودان عامة والحزب خاصة مصيرية وتتطلب خطاباً بحجمها، وأكد ان الشباب من الجنسين ستكون له الغلبة في القيادة المرتقبة للحزب. وقال نقد في حوار مع «البيان» ان اتفاقات نيفاشا تمثل بارقة أمل للخروج من المأزق السوداني إذا أفلح طرفاها في تمليكها للمجتمع السوداني وطالب دعاة الوحدة بالعمل معاً والاتفاق على برنامج عمل لضمان خيار الوحدة ودرء الانفصال، مؤكداً على ان الوحدة ليست معركة قرنق وحده بل هي قضية وطنية في الشمال والجنوب. ونادى كذلك بتبني خطة تنمية شاملة تعمل على التكامل بين كل أقاليم السودان ولا تعتمد على استبدال خام النفط بخام القطن إنما تلج عالم صناعة البتروكيمائيات وتعيد رسم خارطة التنمية على مستوى القطر وإعادة توزيع الموارد والثروات وفق معادلة تفضيلية للمناطق المتأثرة بالحرب والمجاعة. وتلك المتأثرة بالنازحين من جحيمي الاقتتال والجوع، وطالب بعقد مؤتمر لقبائل دارفور، وقال ليس بابوجا وحدها يتم حل أزمة دارفور كما انه ليس بالجنوب وحده يتوحد السودان وقال في الشرق أزمة منسية لا تقل معاناتها عن الجنوب، والغرب، وأضاف ان المحافظة الشمالية تعرضت لتفريغ سكانها وقصدها الهاربون من الجنوب والغرب. وانتقد بشدة أداء الحكومة ومواقفها إزاء القرارات الدولية وقال إن الأخطر من تسليم بعض المواطنين للمحاكمة في الخارج هو وضع الوطن تحت الحماية وفيما يلي نص الحوار: * خروجك إلى العلن صاحبته دراما أبطالها قادة جهاز الأمن. هل كان ذلك بفعل خلل في التأمين الحزبي أم اختراقاً من رجال الأمن؟ ـ سؤالك أو واشفاقك عن خلل التأمين أو الاختراق أمران مشروعان. عندما نفرغ من تجميع الخيوط والملابسات سننشرها على الرأي العام وذلك من حقه علينا سواء ما أبداه من اشفاق أو غمرنا به من ترحاب. * كيف كان صدى العودة داخل المحيط الخاص؟ ـ الاحتفاء والترحيب من الأهل والأصدقاء ومواصلة الحديث كأنما افترقنا البارحة وليس قبل أحد عشر عاماً. * ما هو إحساسك تجاه المشهد السوداني العام بعد الرجوع العلني إليه؟ ـ الإحساس بديمومة الأزمة الوطنية ـ الأجندة ذاتها والمواضيع ذاتها وذات الأسئلة الجماعية والبحث عن إجابات عن أزمة مستمرة ومستفحلة. * هل راكم لديك ذلك المشهد قدراً من التشاؤم أم ترى فيه ما يعين على التفاؤل؟ ـ بل قل ثمة رنة حزن وشائية تشاؤم غشيت عفويتنا السودانية المحببة وذلك الفيض من التفاؤل الذي استعنا به على اجتياز المفازات والموانع المتعاقبة أو قل هي أزمة ممتدة متعددة الفصول والمنعطفات، لكني واثق تماماً من قدرة حركتنا السياسية والنقابية والاجتماعية والقبلية والجهوية على استرداد عافيتها مع تسارع إيقاع النشاط السياسي فلهذه الحركة السياسية بكل روافدها مخزون يعينها على ذلك. * ثراء فاحش قليل الحياء * ما هو الملمح الذي لفتك أكثر في النسيج الاجتماعي بعد هذا الغياب؟ ـ الأجيال الجديدة، وهي ليست جديدة فقط من زاوية العمر وإنما نوعياً كذلك ـ فهي مندمجة مع العصر في علومه ومخترعاته وموسيقاه ووسائله للترفيه وبطولاته الرياضية وبتطلعها الجاد نحو اقتناء المعرفة المتواجدة في الخارج فهي لا تمارس السفر من أجل الترفيه وإنما في سبيل الاكتشاف والمعرفة حتى لا يفوتها قطار المعرفة. * ألم تر ملمحاً شائعاً في النسيج الاجتماعي؟ ـ ذلك يتجسد في فجور الفوارق الاجتماعية حيث يوجد ثراء فاحش قليل الحياء بل هو لا يستحي مطلقاً في مواجهة فقر مدقع. * هل هناك بارقة في هذه العتمة؟ ـ بين جميع المشاهد انفة الذكر تبدو نيفاشا وكأنها كوة ضوء وبارقة أمل ان أفلح طرفاها في تمليكها للمجتمع السوداني بوصفها حقاً مشتركاً ينعم به الجميع دون توزيع أنصبة بترولية وغير بترولية وهذا أمر ممكن ومتاح. * هل ثمة قيادي آخر من الحزب لايزال في حالة اختباء؟ ـ ربما نخص «البيان» باعلان خروج الاستاذ سليمان حامد يوم «الاثنين 2 مايو» من الاختباء لـ «شم النسيم» وبالمناسبة فان الاستاذ سليمان حامد حول البيت الذي اختبأ فيه إلى حديقة منزلية أنيقة وبخروج الأستاذ حامد نسدل الستار على ممارسة الاختفاء وفقاً لقرار الدورة الاستثنائية للجنة المركزية في 14 يناير 2005 التي قررت خروج الكادر المختبيء في الوقت المناسب وتركت للسكرتارية تنفيذ القرار. * اسأل المهدي والميرغني وطه كذلك عن الاختباء * ما هي فلسفة الاختباء؟ ـ الاختفاء أسلوب وممارسة في ظروف الديكتاتورية والقمع من أجل ضمان وجود واستقرار حلقة صغيرة من الكادر القيادي لمواصلة حياة الحزب ونشاطه ولو في أضيق نطاق إذ ان أغلبية الكوادر تتعرض في مثل هذه الظروف للملاحقة والرقابة والاعتقال والاختباء بهذا المعنى ضرورة وليس خياراً إذا أجبرتك الظروف للاختباء يوماً فتجربتنا تحت تصرفك. ربما لا يجافي الحقيقة القول إن في العيش خارج السودان ضرباً من الاختباء. * لماذا يمارس الشيوعيون وحدهم الاختباء مع ان كل القوى السياسية تتعرض إلى ظروف القمع والديكتاتورية في منعطفات من الزمن؟ ـ إذا كان الاختباء حصراً على الشيوعيين في فترات ماضية فقد أصبح ممارسة مشاعة بجميع الأحزاب.لماذا لا تسأل السيد محمد عثمان الميرغني أين قضى العشرة الأوائل بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989؟ ولماذا لا تسأل السيد الصادق المهدي أين قضى الأيام السبعة التي أعقبت الانقلاب؟ ولماذا لا تسأل الأستاذ علي عثمان محمد طه اين قضى ثلاثة أسابيع بعد حملة نميري ضد قادة الجبهة وحتى انتفاضة 6 ابريل 1985؟ ـ هكذا في السودان يمكن ان تكون رئيس وزراء وتختبيء وتختفي وتصبح فيما بعد نائباً لرئيس الجمهورية أو زعيماً للتجمع الديمقراطي المعارض. المرحوم الدكتور عمر نور الدائم قال إن العيش في السودان دون ديمقراطية ممارسة مستحيلة. * هل توازي عائدات الاختباء السياسية عدد سنواته؟ ـ لم تهدر سنوات العمل السري في العمل السياسي وحده رغم ضيق مساحة هذا العمل وضآلة عائده وبطء تواتر تراكماته،ولعلك تعلم ان أخطر المحاذير في العمل السري تتمثل في استعجال النتائج وتجاهل العائد البسيط. أحياناً يصبح مجرد عقد اجتماع انجازاً. رغم ذلك ابتدرنا مناقشة عامة لمواجهة المستجدات والتحديات منذ العام 1993 ـ 1994 ذات خمسة محاور. الأول: أسباب انهيار وفشل النمط ـ الموديل ـ السوفييتي للاشتراكية وانحسار نمط التوجه الاشتراكي في البلدان النامية مثال التجربة الناصرية ومدرسة الاشتراكية الافريقية بقيادة نايريري وسيكوتوري ونكروما. الثاني: أزمة الجمود في الفكر الماركسي. الثالث: الثورة العلمية التكنولوجية ودورها في تجديد بنية الرأسمالية في بلدان المتروبول أي أميركا ودول السوق الأوروبية المشتركة واليابان الرابع: تقويم ناقد لتجربة الحزب وتطوير برنامجه ونظامه الداخلي ومواصلة الإعداد لعقد مؤتمره الخامس العام وانتخاب قيادة جديدة. * خطابنا السياسي متخلف * ما هي توقعاتك لقسمات القيادة الجديدة المرتقبة؟ ـ في سباق الفئات العمرية للكادر فإن الشباب من الجنسين سيشكل أغلبية القادة. * إلى أي مدى سيتمسك الحزب بتراثه الماركسي وإلى أي مدى سيذهب على طريق التجديد؟ ـ الماركسية وحدها لن تسعفك إن لم تمتلك ناصية خصائص شعبك بدءاً من تراثه وتاريخه ومعتقداته وحتى تكوينه النفسي ومزاجه... الخ. * أما زلت أنت قابضاً على قناعتك في الماركسية؟ ـ مازلت على قناعة فكرية وعقلانية أن فهم ماركس وإسهامه في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي يشكل أفضل أداة للصراع ضد الرأسمالية ومنازلتها وهي في أوج سطوتها وغلوائها. * الا يحتاج الخطاب السياسي للحزب إلى تطوير؟ ـ تسعدني إشارتك إلى خطابنا السياسي واعتقد ان تستعمل كلمة «خطاب» على نهج المدرسة البنيوية أو كما يستعمله محمد عابد الجابري وأركون وكتاب المغرب العربي. لا أجد حرجاً في الاعتراف بأن خطابنا لا يزال متخلفاً ونمطياً إذ يكتفي بتوصيل الموقف أو إعلانه ويلزمنا بالتأكيد تطوير خطابنا ولغتنا ومفرداتنا وتوسيع مخزوننا اللغوي وإتقان التنوع في الخطاب بما يستجيب ويتجاوب مع تنوع وتعدد ثقافتنا وأعراف المجتمع السوداني إضافة إلى استيعاب ما يضيفه العصر من علوم ومخترعات وإبداع. التحديات المطروحة أمامنا مصيرية وتستلزم خطاباً بحجمها. * كيف تنظر إلى مصير السودان في ضوء العلاقة المستجدة بين الشمال والجنوب؟ ـ الخيار للوضع السوداني من زاوية الجنوب يبدو وكأنه محدد بحد السيف فاما وحدة أو انفصال. وأنا متفائل ومن يتعاطى مع السياسة في السودان يلزمه التحلي بفضيلتين هما التفاؤل والنفس الطويل. إذا أحسنا التعامل مع مستلزمات الفترة الانتقالية ونأينا بها عن المماحكات السياسية سوف ينتصر خيار الوحدة. ذلك ان دعاة الانفصال ينظرون إلى الماضي بينما ينظر دعاة الوحدة إلى المستقبل ويستخلصون من الماضي العبر وليس المرارات. * إذن هناك صراع بين دعاة الوحدة وأنصار الانفصال؟ ـ من أهم عناصر الوحدة ان قرنق قائد الحركة الشعبية رجل وحدوي وهذا يشكل وزناً لا يستهان به داخل الحركة وفي مجتمع الجنوب ولكن للانفصال أنصاره داخل الحركة خاصة وفي مجتمع الجنوب عامة. أما في الشمال فتيار الانفصال ضعيف ويتصرف برد الفعل ولا يطرح أفقاً بديلاً مقنعاً. * برنامج عمل وليس ميثاقاً * كيف يمكن حسم الصراع لصالح الوحدة؟ ـ المعركة من أجل الوحدة ليست معركة قرنق وحده، كما انها ليست مهمة تيار الوحدة داخل الحركة فقط، بل هي معركة وطنية في الشمال والجنوب. ولهذا أرى أن تتفق قوى الوحدة في الشمال والجنوب على برنامج عمل ـ أقول برنامجاً وليس ميثاقاً ـ لأن هذا المصطلح تم استهلاكه من ميثاق الجامعة العربية إلى ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي. * هل نستبق التقاطعات الخارجية؟ ـ المناخ الأفريقي من حولنا لا يشجع على الانفصال. إذ يخشى هذا المحيط انتقال العدوى. فباستثناء مصر كل دول الجوار لديها مشكلات أقليات ومشكلات قومية. * مصر نفسها لا تخلو من مثل هذه المشكلات... ـ هذا كلامك وليس قولي. * لنعد إلى القضية السودانية، فما هو العنصر الحاسم فيها؟ ـ العنصر الحاسم في رجحان خيار الوحدة هو استقرار وحسن أداء حكومة الجنوب، لأنها أولاً باكورة خيار الوحدة، فإذا اقتنع المواطن الجنوبي بأدائها سينحاز إلى الوحدة. أقول هذا وأنا أعلم حجم المشاكل التي تواجه كل الحكومات الأفريقية بما في ذلك حكومة جنوب أفريقيا وحكومة ناميبيا (أحدث الحكومات في القارة) هذه الحكومة الجديدة تشكِّل نواة لما ينبغي أن يكون من عمل سياسي كبير ومبرمج تتفق عليه القوى المناصرة للوحدة، فلدعاة الانفصال أسلوبه وحججه، وهو لا يتردد في استخدام وسائل غير جديرة بالاحترام. * قبل إطلاق برنامج ضمان الوحدة، نحن نواجه مأزق المرحلة الانتقالية؟ ـ لدينا أكثر من تجربة انتقالية، فقد اختزلنا الأولى وهي مرحلة الاستقلال بإعلانه من داخل البرلمان، ثم حكومة أكتوبر الانتقالية واستمرت نحو ستة أشهر، ثم الحكومة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة أبريل 1985 وامتد عمرها سنة. ورغم أن أوان الفترة الانتقالية الناجمة عن نيفاشا يستمر ست سنوات، إلا أنها فترة مزدحمة. لا أحتاج إلى استدلال منطقي ولكني أقول: كان من المفروض عقب التوقيع في 6 يناير إعداد الدستور في غضون شهر، غير أن شهوراً مرّت ولم يتم إنجاز المهمة. أعتقد أن مثل هذا التأجيل سيتجدَّد مع كل البنود، ولكننا سنصل إلى الاستفتاء في النهاية. * ما السمة الغالبة لهذه المرحلة الانتقالية؟ ـ الفترة الانتقالية نفسها فترة صراع بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية في الجنوب.. صراع حول كل البرامج، مثال إزالة آثار الحرب، عودة اللاجئين، إعادة تشكيل الولايات في الشمال، توزيع الموارد. السودان يغلب عليه الازدحام بطبعه على نحو لا يصبح مهيأ لمزيد من الأثقال. طبيعة المجتمع هكذا، لعلك تلاحظ ذلك في البيت والشارع والسوق، فالاستعداد لرمضان لا يكون إلا عشيته، وفي كل مرة نقول العيد فاجأنا. لذلك استمر الجدل طويلاً قبل بدء المحطة الأولى لتنفيذ نيفاشا. * ما أبرز المحطات التي قد تستنزف مثل هذا الجدل؟ ـ تشكيل هياكل الحكم في مستوى قاعدته الولائي في الشمال والجنوب يتطلب وقتاً طويلاً، فالكيانات القديمة لن تستسلم بسهولة الجديدة، تحتاج إلى وقت وتمويل. مشكلة إعادة توزيع الثروات ـ وليس البترول وحده ـ الطريقة التي تم بها التوزيع أشبه بممارسات تجار السوق. * الزراعة أهم من البترول * لو أخذنا مسألة توزيع الثروة، ما هو في تصورك النموذج الأفضل لتجنب ممارسات التجار؟ ـ خطة التنمية الشاملة التي على أساسها يتم توزيع الثروات من بترول وذهب أو غيرهما مع معادلة تفضيلية أولاً للمناطق المتأثرة بالحرب وفي مقدمتها الجنوب، ثم جبال النوبة، ثم الفونج، ويشمل ذلك دارفور والشرق. هناك موارد أكثر أهمية من البترول كالزراعة. النفط له عائدات جاهزة لذلك هو أكثر إغراءً ولكنه في الوقت نفسه أكبر مصدر لفساد الحكام. وأكتفي بالإشارة إلى تجربتي نيجيريا والمكسيك. لا بد من وضع خطة شاملة للتنمية الكلية من نيمولي إلى حلفا. بالطبع الأولوية للجنوب، ولكن إذا كانت الأولوية فيه للطرف فإنها تكون لجهة الشمال. حيث السوق السودانية المشتركة. أفهم أن يكون هناك خط حديدي أو طريق بري إلى ممبسا لاختصار الزمن، ولكن الأولوية لطرف داخل الجنوب نفسه، ولاختصار المسافات مع الشمال، حيث السوق التي يمكن تأريخها منذ تم في عهد محمد علي وضع حدود السودان. * ما هي الخطوط الحمراء التي يمكن إضاءتها أمام الحكومة الجنوبية؟ ـ المرحلة الانتقالية فتحت أبواباً واسعة أمام المناصب الدستورية. حكومة الإنقاذ أعادت تقسيم ولايات الجنوب من ثلاث إلى عشر، بعضها كان مركزاً، فهناك عشر حكومات وهذا استنزاف للكثير من المال والامتيازات والتجهيزات. آمل أن يتجنب قادة الحركة مخاطر ما حدث عند تنفيذ اتفاق أديس ابابا. توزيع المناصب كشف عن صراعات وتطلعات غير مؤسسة. وعندما أعاد نميري هيكلة الولايات دمّر أبناء الجنوب المسؤولون كل ما كان تحت أيديهم، فيما أطلقوا عليه ممارسة «الكوكورو» حتى لا يعثر من يخلعهم على شيء مفيد. ربما يكون في وجود قادة سياسيين عاصروا تلك الفترة ممن نثق في رجحان عقولهم، من يعين حكومة الجنوب الجديدة في تفادي الكثير من المشكلات والمصاعب. * إعادة هيكلة التجمع * كيف تنظر إلى التجمع في المرحلة الانتقالية؟ ـ كل أطراف التجمع مقتنعة بضرورة استمراره، لكن هناك ظروفاً جديدة أهمها أن هذا الاستمرار في الداخل ولا بد من إعادة هيكلة التنظيم وتحديد مهامه. بحيث يواكب الفترة الانتقالية وهذا أمر مفتوح للجدل والنقاش بين الفصائل وسبق أن قدمنا مقترحات وأبرزها أن يضع التجمع برنامج عمل يتم الاتفاق عليه للسنوات الست . ولا بد أن يتسم التنظيم بالمرونة واستيعاب القوى الراغبة في الانضمام والتقيُّد بمواثيقه والعمل على تنفيذ برنامجه، ولا بد من بناء الجسور كذلك للتواصل مع القوى التي تظل خارجه، وحدث أن تم تبني خوض الانتخابات المرتقبة بقائمة موحّدة وهي فكرة جيدة، لكنها تتطلب المزيد من النقاش لمعرفة إمكانية تطبيقها. * وماذا عن مأزق المشاركة في لجنة الدستور الذي يواجه التجمع حالياً؟ ـ تجاوز مطب الدستور رهين بمحادثات القاهرة. هناك عقبة لم يتحسسها اتفاق السلام الذي لابد أن ينص أو يتسم بالمرونة. المشكلة فرضها طرفا الاتفاق النص لا يتضمن أنصبة. الدستور قضية تتطلب إجماعاً وطنياً. أنا مدرك للمصاعب التي ستعترضنا في الفترة الانتقالية وذهني مهيأ لاستمرارها أكثر من 6 سنوات. ولكن هل يخدمنا الحظ مرة ثانية. ففي اتفاقية 1953 كان هناك نص على إجراء استفتاء على الوحدة مع مصر أو الاستقلال وتم الاستغناء عن الاستفتاء والإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان.فهل يخدمنا الحظ هذه المرة ونستغني عن الاستفتاء؟ هذا ليس بكثير على الله وليس بالكثير على تقلبات السياسة السودانية. * الإنقاذ فاقمت أزمة دارفور * وماذا عن تطورات الصراع الدامي في دارفور؟ ـ تلك حرب موارد بين الرعاة والزرّاع على الأرض والماء، وهو صراع تقليدي له آلياته الأهلية لحلّه كلما تصاعد. سياسات حكومة الإنقاذ في دارفور على وجه التحديد أخلّت بالتركيبة الإدارية والقبلية، وفرضت أجهزة إدارية في «حواكير» بعض القبائل.في العُرف الأهلي يتم فتح المسارات أمام الرعاة في رحلاتهم السنوية من الشمال إلى الجنوب وعند العودة تغشى حيواناتهم الأرض الزراعية لتخصيبها. إعادة تقسيم المحافظات في عهد الإنقاذ انحاز إلى قبائل ضد أخرى وتبنى فكرة لا مبرر لها تتمثل في إيجاد حزام عربي إسلامي في الغرب، وهذا لا يكون إلا على حساب «قبائل الزرقة» التي سُمي الإقليم باسمها. هذا التدخل فاقم الأزمة وأدى إلى تفجرها.كان من الممكن احتواؤها بموجب توصيات «مؤتمر الفاشر» غير أن الحكومة رفضتها. * ما هو المخرج؟ ـ محادثات أبوجا أو طرابلس لن تغني عن عقد مؤتمر قومي، شامل ـ سمه ما شئت ـ يجمع كل قبائل دارفور، ويتم تقنينه. لعلك تذكر في حواري معك قبل 3 سنوات ناديتُ بعقد مشاكوس أهلي من أجل إنقاذ دارفور.ليس بأبوجا وحدها تتم معالجة الأزمة هناك. ليس سوء الطالع وحده الذي حوّل السودان من مكان تتم فيه معالجة الأزمات الأفريقية حيث شهد لقاءات لحل مشاكل بلاد مثل أوغندا والكونغو وكينيا، إلى بلد يُصدّر مشاكله إلى الخارج بحثاً عن حلول في نيروبي، القاهرة، طرابلس وأبوجا. * السودان مثل طائر السمندل * هل أصابك قدر من القنوط؟ ـ أبداً، فالسودان مثل طائر السمندل قادر على النهوض من تحت الرماد، غير أن الكُلفة أصبحت باهظة. أخطر ما في الأمر أن تركيبة وسط السودان بدأت تتغير ملامحها نتيجة تدفق أبناء غرب أفريقيا على السودان. وعندما تتوقف حرب الجنوب ستحدث هجرة مماثلة من دول الجنوب الأفريقي الملامسة للإقليم. * إذا حملت سياسات الإنقاذ مسؤولية تفاقم الأزمة في دارفور، فهل نُسائلها عن المشكلة مع مجلس الأمن بشأن تسليم المطلوبين للمحاكمة؟ ـ السودان قبل استقبال لجنة التحقيق الدولية التي وضعت تقريراً اشتمل على حيثيات واضح توجهها نحو المحاكمة. وقبل ذلك شكّلت الحكومة لجنة برئاسة القانوني المعروف دفع الله الحاج يوسف، وقد اطلعت بنفسي على تقريرها وفيه مؤشرات واضحة لمن يجب محاكمته، أي أن هناك تهمة. ولو أن الحكومة بادرت لعقد محاكم لحالت دون التدخل الدولي أو على الأقل خففت من غلواء ذلك التدخل.
ثانياً عندما صدر قرار مجلس الأمن كان على الحكومة عدم التعامل برد الفعل، بل تطلب من وزيري العدل والخارجية دراسة القرار وتقديم بدائل. أنا واثق أنه كان من الممكن الوصول إلى مخارج ـ القضية قانونية ومثل هذه القضايا تتطلب جهداً من الدفاع والاتهام ـ رد الفعل الغاضب فاقم الأزمة. الأخطر من المحاكمات والذي كان يتطلب تعاملاً حكومياً أكثر وعياً ومبادرة هو وضع السودان تحت الحماية، ذلك يتمثل في قبول قوات أجنبية وشرطة متعددة الجنسيات وقيادات عسكرية ومدنية، فهذه مسألة أخطر من تسليم عدد من الناس للمحاكمة إذ أنها تمس سيادة دولة وشعب ووطن، لكن الحكومة تصرفت برد الفعل تحت هواجس من هُم المطلوبون للمحاكمة؟ * الحكومة اعتبرت في المطالبة بالمحاكمة في الخارج مساساً بالسيادة من منطلق انتقاص القضاء السوداني؟ ـ محاكمة مرتكبي الجرائم في الداخل أو الخارج مسألة لا خلاف عليها، أما الحديث عن القضاء السوداني فلا يُقصد منه المساس بهيبته أو النيل منه، بل هو نتيجة منطقية للكثير من الممارسات المتراكمة منذ العام 1989. وهي ممارسات أفقدت المواطن السوداني الثقة في النظام القضائي، إذ غلبت عليه السياسة فتم تشريد عدد كبير من القضاة لأسباب سياسية. تصرف الحكومة حرمنا من مهاجمة موقف أميركا اللاأخلاقي، فهي لا تسمح بمحاكمة أي من جنودها في الخارج ومارست مناورة مكشوفة عندما امتنعت عن التصويت من أجل تمرير القرار في مجلس الأمن. لو عرفنا استثمار ذلك الموقف لقدنا حملة عالمية ضد أميركا ولكننا أضعنا الفرصة. * هل ترى في الشرق جذوة يمكن أن تشتعل على نحو ما حدث في دارفور؟ * صندوق لترويض الحكام ـ لو عايز الجد، فالشرق أولى بالثورة أكثر من الجنوب والغرب، فتلك أزمة منسية وفيها معاناة لا تقل مأساوية من المنطقتين.أعتقد أن التوجه نحو منبر خاص بمناقشة مشاكل الشرق يمثل خطوة نحو الحل. * هل يطال سيناريو الثورة الشمال حيث توجد إرهاصات؟ ـ السؤال عن الشمال مشروع حتى الآن، ولكنه مجرد احتمال، لكن ضع في الاعتبار أن عدد سكان منطقة أم بدة يتجاوز حالياً عدد سكان المديرية الشمالية التي تمتد من شمال الخرطوم إلى جنوبي مصر. هذا وفقاً للإحصاءات الحكومية الرسمية. مشكلة الشمالية أنها تم تفريغها من السكان وأصبحت مفتوحة لهجرة النازحين من مناطق الحرب والجوع في الجنوب ودارفور، وعلى نحو يومي إذ يجد فيها هؤلاء متسعاً للاستقرار في ظل وفرة الأرض والماء والأمن.تخصص الدولة أموالاً للشمالية أكثر من ولايات دارفور الثلاث من صندوق دعم الولايات، وهو صندوق مهم في رئاسة الجمهورية وغايته ترويض حكام الأقاليم. وفيما تبدو الشمالية بولايتها تأخذ نصيباً أوفر، إلا أن هذه المبالغ تصرف على الأجهزة البيروقراطية وأجهزة الحزب الحاكم والموالين له. جانب مهم آخر يجب أخذه في الاعتبار أن الحقبة الاستعمارية ركزت على تنمية مثلث الخرطوم ـ سنار ـ كوستي، ولم تعد الحكومات الوطنية التي أعقبت الاستقلال رسم خارطة التنمية خارج المثلث. لكنه انهار فيما بعد، فمشروع الجزيرة انهار تماماً والسكة الحديدية توقفت وصناعات النسيج في الوسط لم تعد تعمل بأكثر من 15 في المئة، والصناعات القائمة حالياً لا تتعدى الحلويات والبسكويت والصابون والمياه الغازية، فالحكومة لم تعد تهتم حتى بالوسط. * إذن كيف تعيد رسم خارطة التنمية؟ ـ القضية تتطلب خطة تنمية شاملة تقوم على أساس التكامل بين المناطق والأقاليم والموارد السودانية، فلا يتحول الاعتماد من القطن الخام إلى البترول الخام. يجب التفكير في صناعات البتروكيمائية الحديثة، ليس بالجنوب وحده يتوحد السودان، يجب العودة إلى منصة الانطلاق وتجميع الموارد القومية ورسم خطة تنمية شاملة توزع الموارد حسب الأولويات مع معاملة تفصيلية للمناطق التي تأثرت بالحرب والمجاعة والتي تأثرت كذلك بالنازحين من جحيمي الحرب والجوع. حوار ـ عمر العمر
#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)
Sudanese_Communist_Party#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكري أول مايو يا عمال السودان و قواه الديمقراطية اتحدوا
-
حركة الضغط المطلبية واجب العمال الاول
-
بيان من الحزب الشيوعي السوداني حول اعتقال الزميل محمد إبراهي
...
-
في سبيل حركة جماهيرية فاعلة
-
جريدة الميدان تحتفل بعيد ميلادها الخمسين
-
قومية الحل أو الطوفان
-
دارفور: امتداد للأزمة العامة.. وليست مجرد صراع قبلي
-
نيفاشا.....أمل... أم خيبة أمل؟!
-
كلمة جريدة الميدان (العدد 1993) 27 مايو 2004
-
المؤتمر القومي الجامع هو مفتاح الحل لمأساة دار فور
-
أول مايو، عيد العمال
-
يا جماهير دار فور..اتحدوا
-
في الدولة الإرهابية
-
دولة الإرهاب، والهوس الديني
-
نضال الحركة الجماهيرية:
-
سفر الخروج ولوثة العداء للحزب الشيوعي
-
لا لميزانية الجوع والإذلال وإفقار الجماهير
-
رأي الحزب الشيوعي السوداني في الإتفاق الإطاري بين الحكومة وا
...
-
لا... لزيادة أسعار السكر والبترول
-
رأي الحزب الشيوعي السوداني في الإتفاق الإطاري بين الحكومة وا
...
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|