|
تأمُّلات مصرية!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 13:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مصر الآن، والتي توشك أنْ تودِّع نفسها، أرى كثيراً من "الماضي" يَحْضُر؛ فجماعة "الإخوان المسلمين"، وأقرباؤها، يتوفَّرون على استحضار الماضي (بأرواحه وشخوصه وشعاراته..). إنَّهم، في "رابعة العدوية"، يُصارِعون وكأنَّهم في "غزوة الأحزاب"؛ أمَّا خصومهم فشرعوا يستعيرون ما تيسَّر لهم من العهد الناصري، ومن الخصومة القومية الناصرية للولايات المتحدة، التي يتَّهِمونها بالانتصار لجماعة "الإخوان المسلمين". وهذا الذي أراه في مصر الآن لا يشذُّ عن منطق الميلودراما التاريخية؛ ففي كثير من أحداث التاريخ، نرى، عادةً، "الماضي" يحضر، أو يُسْتَحْضَر، ليُلوِّن الحاضر بلونه الجميل.. حتى "الموتى"، مع كثير من الأشياء التي ماتت، وشبعت موتاً، يُسْتَحْضَرون؛ وكأنَّ حُكْم الأموات للأحياء (الذين يتوَّفرون الآن على صنع الحدث التاريخي) لم ينتهِ بعد. إنَّه "تناقض" يُلازم، عادةً، كل حدث تاريخي عظيم؛ فالبشر المنشغلون بخلق شيء جديد؛ لكن ليس من "العدم التاريخي"، يُبْدون ميلاً قوياً إلى "استحضار أرواح الماضي"؛ وكأنَّ الحدث التاريخي قَيْد الصُّنْع، مع محتواه الواقعي، يحتاج إلى "شكلٍ" يَسْتَمِدُّ الجَمَال من "الماضي"، أيْ مما مضى واندثر وأصبح أثرا بعد عين؛ ولكن "ظلاله"، من فكر، ولغة، وأزياء، وشعارات، لم تفقد بعد نفوذها في عقول وأفئدة الأحياء، صُنَّاع الحدث التاريخي، الذي يكتسي جديده (وهو "المحتوى") بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم"، و"القِدَم". البشر لا يَسْتَحْضِرون الماضي، أو أرواح الماضي، إلاَّ لمآرب ومقاصِد هي بِنْتُ الحاضر؛ فنراهم يستعيرون من الماضي الأسماء، والشعارات القتالية، واللغة، والأزياء، ليبدأوا العمل التاريخي؛ وكأنهم يمثِّلون مسرحية على مسرح التاريخ؛ فهذا القائد الجديد نراه يرتدي رداء ذلك القائد القديم؛ فالسيسي يرتدي عبد الناصر؛ وهذا الحدث الجديد نراه يُلْبَس لبوس ذلك الحدث القديم، فيجتمع في العمل التاريخي العظيم "الخلق" و"التمثيل". كَسْو "محتوى" الحدث التاريخي الجديد، أو الذي قَيْد الصنع، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم" هو عمل، لا يخلو، على أهميته وضرورته الواقعيتين، من الوهم والخداع؛ فالباحث، في جِدٍّ وموضوعية وعلمية، في التاريخ، بأحداثه الكبيرة، وشخوصه الشهيرة، سيقف على أنماط غريبة من التفسير والتعليل والفهم؛ وهكذا تجتمع في الزمان نفسه الحقائق والأوهام. إنَّنا، ونحن مشدودين إلى مشاهدة فصول هذه "المسرحية التاريخية"، التي ليست بالأولى ولن تكون بالأخيرة، ننسى أو نتناسى حقيقة بسيطة، هي أن "القيادة" لا تعدو أنْ تكون "اختراعاً" تلده "الحاجة" كما تلد سائر الاختراعات؛ فالبشر، وفي كل مناحي حياتهم، لم يخترعوا، قط، ولن يخترعوا، أبداً، شيئاً لم تشتد حاجتهم إليه من قبل؛ فالحاجة تظل تضغط، وتفعل فعلها في عقول الناس وقلوبهم حتى تلد على أياديهم "الاختراع"، الذي بفضله يتمكنون من تلبيتها وإشباعها. أرى الآن في مصر كثيراً من الحقائق والأوهام والمفارقات؛ فأقول: • ﻻ-;- أمل في انتصار حقيقي ونهائي للثورة المصرية ما بقي الجيش خاضعا لسلطة وهيمنة الجهاز البيروقراطي العسكري. يجب إنهاء هذا الجهاز، وإعادة بناء الجيش سياسيا ودستوريا. • لا تخدعنَّكم "الأسماء" في مصر الآن؛ فـ "الظلام" استحدثوا له حزباً أسموه "حزب النور"! • أعداء جماعة "الإخوان المسلمين"، وأعداء كل تسييس للدين الإسلامي، ولكل أسلمة للسياسة، معظمهم من المنافقين؛ لأنَّهم يقولون، في الوقت نفسه، إنَّ لـ "السياسة" مبادئ راسخة في صُلْب الإسلام! • مصر كلها الآن "إخوان": "الإخوان المسلمين" و"إخوان الشياطين" و"الأخوة الأعداء". • الثورة في مصر أراها عندما أرى رجال الدين يعودون إلى الجوامع والكنائس، والجيش يعود إلى ثكناته، والشعب يظل في الميدان. • حليفان للولايات المتحدة في مصر، يتصارعان الآن، أقدمهما الجيش، وأحدثهما جماعة "الإخوان المسلمين". • إذا غضب الله على قوم أكثر من شرعياتهم؛ وفي مصر حتى الآن: شرعية دستورية وشرعية انتخابية وشرعية دينية وشرعية ثورية وشرعية شعبية.. • السيسي قال لبشار: لقد نَجَحْتُ في عسكرة الحكم في مصر؛ فقال له بشار: أمَّا أنا فنَجَحْتُ في عسكرة الثورة في سورية. لقد اختلفا في العسكرة؛ لكنَّهما اتَّفقا في الدافع إليها، وهو "البقاء"؛ فبئس "بقاء لحاكِمٍ" لا يبقي على الوطن! • "الديني" و"العلماني" في مصر، لا أعرف لماذا يتصارعان. "الديني" يريد بناء المستقبل؛ لكن بقوى من الماضي؛ و"العلماني" يريد إعادة بناء الماضي؛ لكن بقوى من المستقبل! • ما اجتمع "الهلال" و"الصليب" إلاَّ وكان الجنرال ثالثهما! • "الإخوان" يتَّهِمون "العلمانيين" في مصر بخيانة الديمقراطية؛ و"العلمانيون" يتَّهِمون "الإخوان" بخيانة الإسلام! • ليس بذي أهمية، عندي، الكلام "السياسي ـ الديني" لجماعة "الإخوان المسلمين"، وأقربائهم من جماعات "الإسلام السياسي"؛ فإنَّ ما يستأثر باهتمامي هو إجابة السؤال الآتي: لماذا يَقَع كلامهم هذا على أسماع شعبية تشبه سمعهم؟ • حتى يشتغل الشعب بثورةٍ، منه وله، يجب أن يكف طرفان عن اﻻ-;-شتغال بالسياسة: رجال الدين والعسكر. • مِنْ دمج أسوأ ما في الليبرالية واليسارية يأتي الحكم الإسلامي؛ أما البديل منه فيأتي مِنْ دمج أفضل ما في الليبرالية واليسارية. • إن رجال الدين والعسكر إذا دخلوا ثورة أفسدوها. • رئيس مصر المؤقت قال في كلمته إنَّ زمن عبادة اﻷ-;-صنام قد ولَّى وانقضى؛ ثم قيل إنَّ هناك قيادات من جماعة "اﻹ-;-خوان المسلمين" ستُحاكم بتهمة إهانة القضاء؛ فهل القضاء من البقرات المقدسة؟! • في انتخابات ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت المعادلة: جماعة "الإخوان المسلمين" + سائر الأحزاب = حُكْم المرشد. وفي انتخابات ثورة الثلاثين من يونيو تكون المعادلة: الأحزاب - جماعة "الإخوان المسلمين" = حُكْم العسكر. • ما اجتَمَع رجل دين وعسكري إلاَّ وغادرتهما "الدولة المدنية"
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنَّها الثورة المضادة يقودها بونابرت صغير.. فالحيطة والحذر!
-
مِنْ -مرسي- إلى الأَمَرِّ منه.. -المُرْسيسي-!
-
هذا ما أتوقَّعه في الساعات المقبلة
-
ما يجب أنْ يُقال قبل فَوْت الأوان!
-
-يناير- الذي تجدَّد في -يونيو-!
-
عندما تُزيَّف حقيقة الصراع في مصر!
-
مصر التي توشك أنْ تودِّع مصر!
-
هل سمعتم ب -الطلقات الخنزيرية-؟!
-
-جنيف 2- كما يراه المعلِّم!
-
ظاهرة اشتداد الطَّلَب على الفتاوى!
-
الثلاثون من يونيو!
-
لماذا -المادة الداكنة-؟
-
بينيت وقصة التملُّك بالاغتصاب والأسطورة والجريمة..!
-
حربٌ وقودها الأحياء ويقودها الموتى!
-
-مِنْ أين لكَ هذا؟-.. عربياً وإيرانياً!
-
إطالة أمد الصراع في سورية هي معنى -الحل السياسي-!
-
حركة الزمن عند تخوم -ثقب أسود-
-
ما معنى -بُعْد المكان الرابع- Hyperspace؟
-
-الخطأ- الذي تحدَّث عنه عريقات!
-
ما سَقَط في سقوط القصير!
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|