|
عن التاريخ والفكر وزالانسان
عادل أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1188 - 2005 / 5 / 5 - 13:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
- 1 – عن التاريخ والفكر والإنسان
1/ ا لحياة الإنسانية هي وعي التاريخ ، الذي هو حركة الزمن ، أو حركة في الزمن . وإذ تنبثق الأفكار من العقل ، من الوعي ، فان الفكر والحالة هذه هو محصلة لحركة التاريخ وصيرورته ،حركة التاريخ المتضمنة حركة الزمن وحركة الناس . فالتاريخ ، الذي هو صيرورة دائمة للإنسان واللغة والفكر ، هو بنفس الوقت ، سيرورة للأحداث ، وتعاقب للزمن . التاريخ تقدم نحو الأمام ، ليس تقدما خطيا صاعدا ولا دائريا ، إنما هو تقدم حلزوني حسب مفكرنا الياس مرقص والذي يعيده إلى الماركسية . وفي كل تقدم هناك جديد ، هذا الجديد إنما يولد في رحم القديم وعبر الصراع معه . فالتاريخ لا يعرف الانقطاع .. وفي صيرورته التراكمية والصاعدة ، نتلمس التناقضات والصراعات التي تلد لنا لحظة تاريخية نوعية جديدة . لكل لحظة من هذه اللحظات لغتها وفكرها ، معطياتها وثوابتها . إذ نزعم أنه ليس في التاريخ لحظتان متماثلتان ، نؤكد في الآن نفسه على إمكانية وجود تشابه ما بين لحظة تاريخية وأخرى . وفي كل مرة يقفز فيها التاريخ نحو الأمام ، تقفز معه وبه طبقة اجتماعية جديدة ، كما يقفز معها وبها ، ثم تحمله على أكتافها رزحا من الزمن تشيخ فيه ، في حين تكون قد تكونت خلال ذلك طبقة جديدة أخذ ساعدها يشتد وشبابها يزداد نضارة . من الحق القول أن هذه الفكرة لا تشكل قانونا ينطبق على كل اللحظات التاريخية ، فلكل قانون استثناء ، ومن الممكن لهذا الاستثناء أن يحدث في مجرى التطور التاريخي هنا أو هناك ،وعليه فان المنطق يفرض علينا أن نحدد القانون ، وأن نتعرف على الاستثناء حين يحدث .
2/ إن الدارس لتاريخ المنطقة يمكنه أن يتعرف بسهولة ويسر على أنها لم تكن الموطن الأول للإنسان فحسب ، بل كانت أيضا الموطن الأول لنشوء الحضارة . وحين نقول الحضارة نعني الزراعة ، الثقافة > Culture الإسلامي ، الرحمن ، الرحيم ، الغفور، القوي ، القادر ، القاهر ، القدوس ، التواب ، هو العبراني الذي مركبته السحاب وصوته الرعد ، انه المنتقم ، الجبار ، العظيم كسلفه حدد العظيم السومري ومردوخ البابلي . ( لمزيد من الإطلاع ، يرجى العودة إلى : فراس السوّاح – لغز عشتا ر ) . وليس التقارب بل والتشابه بين اللغات السامية من كنعانية وآرامية وعبرية وعربية وغيرها إلى حد تصنيفها في عائلة واحدة ، إلا شكلا آخر من أشكال عملية التفاعل والتلاقح الحضاري الذي عرفته المنطقة في عملية تطورها التاريخي . والى جانب ظاهرة الانشداد نحو الآباء والأجداد التي قصرت تطلع الإنسان نحو الماضي وحدت من تطلعه نحو المستقبل إلى حد كبير ، تدهشنا ظاهرة أخرى ، فريدة ، بل واستثنائية ، وهي أن الديانات التوحيدية الثلاث التي عرفتها البشرية ، قد ولدت في هذه المنطقة ، ومنها انطلقت لتنتشر في أنحاء الكوكب . استثنائية هذه الظاهرة ، فرادتها ، لا تكمن في وحدة الموطن فحسب ، وإنما تتأتى من أن هذه الأديان – متميزة عن العقائد الأخرى – لم تنشأ نتيجة ل / وعبر الانشداد نحو الماضي والتطلع إلى الأجداد فقط ، بل إنها إضافة إلى أن كل منها كمل الآخر وأضاف إليه وطوره ، وضعت هذا الماضي دعامة لها وركيزة . لقد تطلعت ليس إلى الماضي فقط ، بل إلى الأمام ، إلى المستقبل ، إلى الكلية والشمولية واللانهائية ، وبالتالي ، كانت تعبيرا منسجما عن قانون التطور التاريخي وتأكيدا عليه . 4/ إننا حين نوافق على القول أن التوحيد كان تعبيرا عن الحاجة إلى كيان اقتصادي واجتماعي وسياسي كبير وموحد ، يخدم المصالح الطبقية والسياسية لفئة أو طبقة أو مجموعة من البشر ، ندرك في نفس الوقت أنه كان تعبيرا – بهذه الدرجة أو تلك – عن طموح وتوق لتحقيق العدالة ،، وقفزة نوعية على صعيد الأخلاق ، وهو كذلك تعبير عن رغبة البشر الدفينة في تحقيق الكمال ، وتأكيد على نمو وتطور الحالة الفكرية والروحية والنفسية للإنسان . وعن اكتسابه ميزة جديدة ،
-3-
هي النظر إلى الكون والطبيعة والإنسان في إطار وحدة جدلية لا تنفصم عراها ، وهي التي عبر عنها الفكر الإسلامي بتعبير "" وحدة الوجود "" . ولنا كل الحق أن نعجب وباندهاش لقول النبي محمد (ص) : " لا نبي بعدي " . ترى هل كان يؤكد على أزلية الفكر والطبيعة كما رآها وصورها من خلال الوحي الإلهي عبر القرآن ؛ أم أنه كان يدرك أن الصيرورة والتقدم - اللذين لا يتوقف إطلاقا – ستخلقان حالة اجتماعية واقتصادية وسياسية وروحية جديدة تمنع حدوث – بالأصح – تقبل نبوة جديدة .؟ المهم في الأمر ، أن هذا الذي تم يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي : لماذا ؟ وكيف ؟ وتحت أية ظروف ، تحولت رسالة التوحيد إلى كابح للتطور ؟ مع أنها في الأصل ، هي التي فتحت طريقا بلا نهاية نحو تطور موصول ودائم ، ليس على صعيد الحياة الدينية فحسب ، بل وعلى صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية . وقبل أن نتابع ، لا بد من التأكيد أننا بهذا التساؤل لا نحمل فكرة التوحيد وبالتالي الدين بشكل كامل ، مسؤولية إعاقة تطورنا وركود مجتمعاتنا ، وإنما نقصد أنه تهيأت ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية قادت إلى تربع شرائح وفئات اجتماعية معينة على سدة السلطة في لحظة – بل لحظات – تاريخية محددة ، فاستفادت من ذلك وصادرت فكرة التوحيد وشوهتها ، ثم حنطتها في إطار جامد ، وحولتها إلى قدوس مقدس ، موظفة إياه لخدمة مصالحها واستمرار سلطتها ، لاغية بذلك دور البشر في صنع تاريخهم . إن تلك الظروف ، وما رافقها ونتج عنها ،حولت دور فكر التوحيد من أن يكون عامل تطور وتقدم ، وجوهر رقي وتسام ، وحولته ليكون سيف ديموقليس المطل لكل تطور وتجديد ورقي ، وخاصة في ميدان الفكر الذي ألقى بظلاله الكئيبة على كل الميادين الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
5/ تغيير الواقع – شأنه شأن أي موضوع آخر – يفترض إعادة النظر فيه ، كما يفترض تغييرا في التعامل معه . إن علم التاريخ وحده هو الذي يمكن من اكتشاف حركة هذا الواقع وقواه وقوانينه ، ويتنبأ بلحظاته المحتملة القادمة . انه ليس تنبؤا يقينيا ، بل هو تنبؤ يعتمد الاحتمالية المتوقفة على ظروفها وشروطها الموضوعية والذاتية . والعلم ، منهج ، وهو على تناقض مع الأيدولوجيا ، لأنها تكبحه وتحوله إلى مفاهيم جامدة وقوانين ميتة لا حياة فيها وغير صالحة لمعالجة حركة التاريخ وصيرورته والتفاعل معهما . ومع أن الذاكرة لا تسعفني باسم صاحب القول التالي إلا أني سأستعين به : " لا يجب النظر إلى التاريخ كحلم سرمدي تتعاقب فصولح وحوادثه المقررة منذ الأزل . والا لالتقينا مع اللاهوتي المسيحي ليون بلوا حين يقول : ( إن التاريخ أشبه بالحلم لأنه يشاد على الزمان والزمان وهم ) . ودراستنا للتاريخ لا تتطلب أن نتحرى عن الله فيه ، وتبحث عن يده في جميع حوادثه..فتاريخ الإنسان إنما يصنعه الإنسان وحده " . فهل تدفعنا اللحظات الراهنة ، والتحولات التاريخية الكبرى التي تحدث أمام أعيننا ، إلى إعادة النظر في تاريخنا البعيد والقريب ، علنا نكتشف كيف يتحول ، وحركة هذا التحول وقواه وقوانينه ، وكيف نستطيع التأثير فيه لنجعله ينسجم ، ويخدم ، قدر الامكان ، تطلعاتنا ومصالح أوطاننا وشعوبنا .؟؟. اللاذقية 20/4/2005 عادل أحمد
#عادل_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة الوطنية كأداة أساسية في مواجهة المخاطر
-
سوريا : التغيير وأدواته
-
رؤيا عامة لحالة سياسية جديدة
-
رؤية عامة لحالة سياسية جديدة
-
كي لا نفتح بوابات المجهول
-
نحن والليبرالية
-
تهنئة بالعام الجديد
-
من أوراق السجن : صلاة اليك
-
عرفات : الرجل الرمز
-
سوريا كما نراها وكما نريدها
-
بين رفض الخارج واستيعابه
-
اعلان عن ولادة حزب جديد
-
أرض الحجارة
-
نظرة تاريخية مكثفةالى واقعنا الفكري
-
بين - الوطنية - و - الخيانة -
-
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ...
-
الديموقراطية هم العصر واهتمامه
-
تمتمات العجز الأخرس
-
أفق مسدود
-
الحزب الشيوعي السوري: محطات ودروس
المزيد.....
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
-
تيسير خالد : يدعو الدول العربية والاسلامية الانضمام إلى - مج
...
-
التخطيط لمظاهرات في ألمانيا لمناهضة التعاون مع اليمين المتطر
...
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
-
هيئة الدفاع في ملف الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمي تعلق ح
...
-
مقترح ترامب للتطهير العرقي
-
برلماني روسي يستنكر تصريحات سيناتورة تشيكية حول حصار لينينغر
...
-
غزة: لماذا تختار الفصائل الفلسطينية أماكن مختلفة لتسليم الره
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|