اسماء منصور ابو الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 22:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يرجع تاريخ الإسلام في مصر إلى المرحلة التأسيسية للدولة الإسلامية في سنواتها الأولى، ويعود بالتحديد إلى عصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حينما عزم على فتح مصر ونشر رسالة الإسلام بين أهلها، وكان قائد فتح مصر عمرو بن العاص. فقد حدد المؤرخون تاريخ مصر الإسلامية من عام 21 هـ 641 م وحتى 1517 م بنهاية دولة المماليك وتحويل مصر إلى إمارة عثمانية.
فمنذ آلاف السنين ومصر تنعم بالإسلام ويعيش شعبها تحت رحاب الدين الإسلامي ومبادئه السمحة التي أبهرت العالم من عدل ومساواة بين جميع البشر ,فلا عنصرية بغيضة ولا طبقية مقيتة , كما حرم البغي والعدوان والظلم وحرم قتل النفس بغير نفس أو فساد في الأرض .
فظل المجتمع المصري يعيش في مجتمع يتمتع بأخلاقيات تقبل الآخر وتقبل الأديان ألآخري دون الشعور بالتمييز أو الشعور بعنصرية دين على أخر .
فاختلفت درجات التدين بين الأفراد في المجتمع المصري كما تتباين البشر في عديد من الأشياء ألآخري من ثقافات أو أراء أو ميول واتجاهات فكرية , لا يشترط أطلاقا ان يتطابق فيها مجتمع بأكمله , مثلما اختلاف العادات والتقاليد والثقافات في قرية عن قرية آخري أو قبيلة عن قبيلة أخرى داخل مجتمع واحد .
ولكن هناك شتان بين التدين وبين التشدد, فالفرق بين الكلمتين شاسع لا يوجد بينهم أي تقارب أو تشابه فالتدين يعنى "يَتَدَيَّنُ تَدَيُّناً مَزيجا مِنْ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ" والتشدد يقصد به " التشدَّدَ في الأمر أى بالغ فيه ولم يخفَّفْ . فقد ظهرت جماعات كثيرة في مصر سلكت اتجاهات دينيه متشددة والآخرى بدأت كجماعات دعوية وإصلاحية وانتهت بالطموح إلي السلطة .
ومن هنا يبدأ التمعن والتأمل في العديد الاتجاهات التي سلكتها هذه الجماعات في تنظيمها وتكوينها ونشر أفكارها ومبادئها .
فنتحدث أولا عن "الجماعات الإسلامية" التي نشأت في مصر في أوائل السبعينيات من القرن العشرين والتي دعت إلى "الجهاد" لإقامة "الدولة الإسلامية"، ثم انطلقت لإعادة "الخلافة الإسلامية من جديد" ولكنها اختلفت عن جماعات الجهاد من حيث الهيكل التنظيمي والتكويني وأسلوب الدعوة , فنشأت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية في أوائل السبعينات على شكل جمعيات دينية، لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة ونمت هذه الجماعة الدينية داخل الكليات الجامعية، واتسعت قاعدتها، واتخذوا اسم: "الجماعة الإسلامية" ووضعوا لها بناءً تنظيميًّا بدأ من داخل كل كلية من حيث وجود مجلس للشورى على رأسه "أمير" وينتهي ب"مجلس شورى الجامعات" وعلى رأسه "الأمير العام" الجماعة الإسلامية" .
وثانيا السلفية , وهي "منهج إسلامي دعت إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والابتعاد عن كل التيارات والأفكار الغريبة التي تبتعد عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف" .
كما ظهرت أيضا السلفية الجهادية وهو مصطلح أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض جماعات الإسلام السياسي والتي تبنت الجهاد منهجاً للتغيير، تم بروزه كتيار فكري مميز في عهد السادات. كما حملوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي .
وأخيرا جماعة الأخوان المسلمين التي سنتوقف عندها كثيرا ليس لأنها جماعة بدأت بوصف نفسها كجماعة إصلاحية وانتهى بها المطاف للسعي والوصول إلي السلطة وزيادة الطموح والآمال لعودة الخلافة الإسلامية التي تناقضت مع مسألة القومية المصرية والدولة الحديثة .
فكانوا يهدفون إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل في مصر, فقد ذكر مؤسسها حسن البنا إن خصائص دعوة الإخوان التي تميزت بها عن غيرها من الدعوات ببعدها عن الأحزاب والهيئات وهو ما نجده مخالفا لما يحدث على ارض الواقع من هذه الجماعة التي تشبثت بحلمها وآمالها للوصول إلي السلطة والمشاركة في الحياة السياسية وأخذت الناس تلتف حولها باسم الدين , وبسبب رغبة البعض وخيالهم الواسع في عودة الخلافة الإسلامية التى نادت به هذه الجماعة مستغلة أحلام البعض فى نقص الشعور بقوة الدولة فى زمن ضعفت فيه الدول العربية والإسلامية , فحلموا هؤلاء الأفراد في العودة إليها وتطبيق الشريعة الإسلامية التي نادي بها أفراد وقيادات هذه الجماعة , وبالفعل ربطوا وجود قيادات جماعة الأخوان بوجود الإسلام وبقائه في المجتمع , وكأن هؤلاء الأفراد هم الملائكة المنزلة من السماء للحفاظ على بقاء الإسلام وان وجودهم هو وجود الإسلام دون النظر إلى معنى الخلافة الإسلامية أساسا .
وذكرت الموسوعة الحرة ويكيبيديا ان مصطلح الخلافة الإسلامية هي كلمة مشتقة من الفعل خَلَفَ أي تبع في الحكم , فالخلافة الإسلامية هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية. وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف محمد رسول الله في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد.
وقد ذكرت معنى الخلافة الإسلامية في القرآن في سورة "ص" : يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ .
كما ذكرت في سورة البقرة وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ .
وذكرت أيضا موسوعة ويكيبيديا أن معنى الخلافة الإسلامية دلت في الأحاديث الواردة في الكتب السنية بأنها تنحصر في قبيلة قريش، وأنها ستستمر بعد محمد لفترة 30 عاما، وهي فترة حكم الخلفاء الأربعة "أبي بكر وعمر وعثمان وعلي" إضافة لعامين من الخلاف بين " الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان" يعتبرها السنة خلافة راشدة للحسن .
وقد ثار جدلا كبيرا في الفترة الأخيرة بعد ثورة 25 يناير حول تطبيق الشريعة وعودة الخلافة بين فئات المجتمع المصري , فنجد أن العلمانيين والليبراليين لم يلقوا أي اهتمام لهذه المسميات بل تصدر اهتمامهم الأكبر إلي مفهوم الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات , بينما سعت الجماعات والأحزاب الدينية إلى التصدي لهذه الأفكار وترويجها في المجتمع وإقناع الناس بها واستخدام نزعة التدين لدى الشعب المصري ونجحوا بالفعل في التفاف الشعب حولهم وساعدهم في ذلك أن الشعب المصري من أكثر الشعوب المتدينة وأكثر الشعوب تعاطفا مع من وقع عليه ظلم كما حدث مع الإخوان في النظام السابق وقد أجادوا استغلال هذا التعاطف جيدا .
فأنقسم الفكر المصري داخل المجتمع بين مؤيدين ومعارضين لمفهوم استعادة الخلافة بل أدي الى صراع بين العقل والدين , نعم العقل الذي يريد تقييم الأمور والأحداث من حوله دون توجيه من شيخ أو أزهري يعين رقيب على فكره وإدراكه للأمور , والدين الذي يتربى عليه الفرد منذ الصغر ويرسخ فى قلبه وروحه لإيمانه بمبادئ دينه وقناعاته الخاصة بها .
لعل العالم الآن يتحدث عما يسمى بالحداثة وهو ذلك المفهوم الذى نشأ من فكرة التجديد واستخدام العقل والدين معا بعد ان كانت قديما استبد رجال الكنيسة بالعقول والهيمنة على الفكر ومصادرته هما كان هذا الفكر منيرا وبناءا ومطورا وكانت سلطتهم فى هذا المنع هى احتكار الدين ولعلم الجميع آنذاك ان الدين ليس حكرا على احدا فظهر من التيارات الدينية وداخلها من ثار على هذه الفكرة ونادي بحرية استخدام العقل وهذا لا يخالف ديننا الأسلامى بل على العكس دعا القران الكريم للتفكر والتدبر واستخدام العقل وورد أكثر من مرة هذه الآيات :
أفلا تعقلون
أفلا ينظرون
أفلا تتدبرون
أفلا يعلمون
أفلا تتفكرون
وهذا ما حاولت اغلب الجماعات ان تلغيه وان تزرع فى عقولنا أن الدين يؤخذ عن طريقهم فقط وأننا قاصرون بعقولنا ولا نستطيع تعلمه بدونهم كي يظلوا هم المسيطرون على عقولنا كما كان حال كل أعضاء هذه الجماعات حتى لو كانت هذه الأفكار تهدف لبناء المجتمع وحرية الفكر واستخدام العقل الذي خلقه لنا الله وأعطانا هذه الحرية , وحينما يجدوا أن زمام السيطرة على وشك أن يفقدونه كفروا كل هذه الأفكار وكل هذه التطورات بل وكل من نادي بها وكأنهم ملاك الصكوك التي تمنح لدخول الجنة او النار
ولنتحدث عن إحدى المفاهيم التي كان حولها جدل والتي كان فى جوهره البناء والتطور فى الدولة والتي تستخدمها العديد من الدول المتقدمة وهو مفهوم الحداثة التي اختلفت الآراء, فالبعض رأى أن الحداثة من أكثر الصور التي ستؤدى إلى الارتقاء والتطور بالمجتمع ويقصد بالحداثة من وجهه نظرهم بالأخذ والبحث عن كل ما هو جديد وحديث ولكن إذا تناسب وتوافق مع المعايير الأخلاقية والمجتمعية والدينية التي نشأ عليها الفرد في بيئته سواء من تطور تكنولوجي أو مادي أو أيديولوجيات وافدة من الغرب أو أى مجتمع آخر مخالف لنا , والبعض الآخر رأى أن هذا المصطلح انه يؤدى إلى الاقتلاع من الجذور التي تربى عليها الإنسان من خلق ودين وتقاليد وعادات .
ولكن السؤال الذي يستوجب علينا طرحه الآن وهو من السبب في هذا ؟ من الذي شوه معنى الحداثة ومفهوم بناء دولة حديثة؟ من الذي لعب بهذه الكلمات في عقول الناس وصورها لهم بأنها شيطان عدو للدين والإسلام ؟ ومن نفس المنطلق نريد ان نوضح أيضا ما هو السبب الذى جعل كثير من الأفراد يرتابون من فكرة عودة الخلافة وتطبيق الشرعية ؟
هل السبب فى ذلك هو سهولة تأثر البسطاء بما يطرح على الساحة من أفكار خاصة حينما تطرح من خلال أشخاص يثق فيهم الناس رجال دين كانوا او من يتحدثون عن همهم بالبسطاء ؟ هل العامل الأكثر وضوحا فى ذلك هو دور الأعلام فى نقله الصورة التى يريدها هو وليس نقل الصورة بحيادية للمتلقي وترك الاختيار له ؟ ام العامل الأكثر وضوحا لهذا هو الجهل وعدم الاطلاع على كل ما هو مطروح أمامنا على الساحة من مصطلحات وأفكار لا نسمع عنها او مدخلات جديدة علينا لا نعرفها أو نعلمها ؟
فكل هذه التساؤلات لن أجيب عليها بل ادعك أنت تفكر وتكون وجه نظرك بنفسك , فليس من الصواب أن ننتقد أسلوب أو ندافع عن الآخر دون الرجوع إلى عقلك أنت , فالمرجعية السليمة لأي فرد هي عقلة وتفكيره وتقييمه للصواب والخطأ من منطلق البحث والقراءة وتقييمه لما وجده ولما رآه .
ومن هذا يتضح لنا أن الفساد الحقيقي الذي نعيشه الآن هو أخذ الآراء والأفكار والتوجيهات من فم رجل دين متأثرين به دون النظر في مدى تقبل عقلك لما تسمعه أو يلقى عليك , فأنا لا أدعو إلي التشكيك أو السير على نهج الشك في تقييم الأمور بل أدعو إلى التعقل والبحث كما أمرنا الله ولعلى أتذكر كلمة للشيخ الشعراوى حينما قال انا ألوم سائل الفتوى اذا كانت الفتوى خطأ لأنه ذهب لرجل واحد فقط يسأله الفتوى ولم يذهب لأكثر من عالم فليس الدين حكرا على احد وإلا لم يكن لدينا اجتهاد فى الدين مفتوح الى الآن ولم يكن هناك الا مذهب واحد فى الفقه لكن حتى أصحاب المذاهب الأربعة الأوائل كانوا فى منتهى التفهم لقيمة الاجتهاد واستخدام العقل والتفكر وعدم احتكار الدين بل لم يكفر الإمام مالك الإمام ابو حنيفة لانه اختلف معه مثلا او استخدم عقله فى تفسير او فتوى فإذا كان هذا حال من استخدموا العقل فى الدين بهذه السماحة فلماذا نخشى الآن استخدام عقولنا فى البناء والتعمير او نكفر ذلك بل نعمل عقولنا كما أمرنا الله ولا نجعل عليها رقيب الا الله فلا ندع من يفكر عنا ويتخذ القرار نيابة عنا تحت اى مسمى فنحن نتحمل مسئولية تفكيرنا وأفعالنا لا احد سوانا .
#اسماء_منصور_ابو_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟