|
إختفاء رباب ماردين 16
حوا بطواش
كاتبة
(Hawa Batwash)
الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 17:13
المحور:
الادب والفن
رسالة
"يبدو لي،" قلت دون تفكير، "أن كلوديا مهتمة جدا بالكابتن منصور." "كلوديا؟" قالت ليندا متعجّبة. "كلوديا تهتمّ برجل؟ لا أصدّق." نظرت اليها في استغراب. "ولِم لا؟" "لأن كلوديا لا تهتم بهذه الأمور على الإطلاق." سمعتها تقول. ثم أضافت: "أنا صديقتها منذ زمن طويل وأرى الشباب مسحورين فيها ويلاحقونها وهي لا تأبه بواحد منهم. ربما يكون الكابتن منصور واحدا من هؤلاء. المسكين!" ضحكتُ بخفة، ثم قلت بمناورة: "ربما ما زالت صغيرة... او عاقلة... او كلاهما!" "صغيرة؟ ألا ترين كم هي جميلة وفاتنة؟! ولكنها لا تهتم بهذه الأمور." "او ربما يكون أحدهم قد احتلّ قلبها." قلت بتساؤل. "كلوديا؟!" ضحكت ليندا. "كلوديا تحتلّ بلدا بكامله ولا يحتلها أحد!" ثم ظهرت كلوديا من خلفنا وهي تسأل: "من التي تتحدث عني في غيابي؟" جلست بيننا، فيما تبادلنا الابتسامة أنا وليندا. "ماذا كنتما تقولان عني؟" سألت. "كنت أقول..." قلت وأنا أكسو لهجتي بالمزاح، "... أنك مهتمة بالكابتن منصور!؟" "أنا؟!" هتفت مندهشة. "ما هذا الكلام؟ إنه مدربي فحسب!" "ولكن يبدو أنك معجبة به!" قلت لها بمناورة. "طبعا معجبة، ولكن فقط كلاعب وكمدرب. ليس أكثر." قالت وقد لاح عليها الضيق. وأضافت: "ثم إني... لا أهتم بهذه الأمور." "هكذا كنت أقول لها." قالت ليندا. ثم توجّهت اليّ قائلة: "أرأيتِ؟" "حسن، حسن." قلت متضاحكة. "لم أقل شيئا. كنت أمزح فقط." بعد وقت قصير، تركت ليندا مودّعة وبقينا أنا وكلوديا وحدنا. نظرت اليها، فرأيتها ترمقني وعلى وجهها بدت علامات الضيق. "ماذا هناك؟!" سألتها. "لماذا تنظرين اليّ هكذا؟" قالت بنبرة جادة: "هل حقا كنت تمزحين فقط؟" "ماذا تقصدين؟" ظلت ترمقني بنظراتها المرتابة، ثم قالت: "أنت فضولية جدا... وحادة النظر. أحيانا أرتعب منك." أحسست بشيء من الحرج. قلت: "أنا آسفة. لقد بالغت. ولكنني لم أقصد تجريحك او إزعاجك بأي شكل. أنت تعلمين معزتك عندي." "لا بأس." سمعتها تقول. "انزعجت فقط لأنه كان أمام ليندا. لا أحب الحديث عن شؤوني الخاصة أمام أحد، حتى لو كانت ليندا. صحيح أنها صديقتي المقرّبة، ولكن... لا أثق بها. أعني... بأني أخاف أن يزلّ لسانها فتنقل عني ما لا ينبغي. لذا، لا أشارك أحدا بشؤوني الخاصة. ولكن، معك... أحسّ بالارتياح. لا أدري لماذا. ربما لأني أحسّ أنك جديرة بالثقة." "ذلك يسعدني جدا، يا كلوديا، وتأكدي أنني لن أخذلك في ذلك الى الأبد." ابتسمَت برقة ولم تضِف شيئا. ولكنني كنت عازمة على معرفة قصتها مع الكابتن منصور. نظرت اليها في تساؤل، وابتسامتي تحاول أن تخفّف عن ازدياد حشريتي. "إذن؟؟" أرخت رأسها بحياء وأجابت بعد لحظات بصوت هادئ جدا: "أنا أحب منصور. وهو يحبني. أعرف أنني ما زلت صغيرة، ولكنني أحبه كثيرا. أحب صحبته، ضحكته، حديثه... " رفعت عينيها الى الأعلى في تطلع وأمل. وبعد لحظة استطردت بتخوّف: "ولكن، أرجوك أن لا تخبري أحدا بذلك. وخاصة... أمي." "ولِم أنت خائفة؟" استغربت. "إنها لن تفهم. فهي تريدني أن أكمل دراستي العليا، وربما تعتبر مثل هذا الأمر عائقا أو إزعاجا لي. لن تفهم هذا الأمر." أجابت بشيء من التردد. ثم دققت النظر الى وجهي، وسألت: "هل ستخبرينها؟" "لا، طبعا." قلت. أطلقت تنهيدة خفيفة، ثم رأيتها تتأملني باهتمام وتبتسم، وقالت: "تعلمين؟ أنت دائما تسألين... ولكن، لا تقولين الكثير عن نفسك." "وماذا أقول؟" قرّبت مني وجهها وقالت هامسة: "عنك وعن وسام مثلا." "وسام؟" "نعم، وسام. وسام ماردين." "ماذا عنه؟" "اعترفي أنك مهتمة به." "أنا؟؟ ما يربطني به ليس أكثر من صداقة عادية." قلت ببساطة. "ألا تصدقين؟" بعثت الي نظرة غريبة التعبير، ثم قالت: "أصدق. ولكن... أريد أن أقول لك شيئا كي تكوني على علم..." "ما هو؟" قالت بعد تفكير: "وسام... كان يخون أخاه مع رباب." "ماذا؟!" "هذه هي الحقيقة. لقد كان يلتقي بها سرا وأنا رأيتهما بنفسي عدة مرات. لهذا... أردت أن أنبّهك. ربما من الأفضل لك أن لا تثقي برجل مثله. من يخون أخاه ليس جديرا بالثقة. أنا أقول لك ذلك فقط لخشيتي عليك." فوجئت بأنها تعرف عن علاقتهما السرية. ولكنني قلت لها: "لا تخشي عليّ. ليس بيني وبين وسام أي شيء. ولكنني أشكرك على خشيتك. هذا يعني لي الكثير." ابتسمت كلوديا برضا، وأنا كنت سعيدة لثقتها بي وخشيتها عليّ. أحسست أن محبتها في قلبي تزيد يوما بعد يوم. ورغم ذلك، استغربت من موقفها تجاه ليندا. لماذا لا تثق بها؟ الفتيات في مثل عمرها يحببن مشاركة صديقاتهن المقربات بأسرارهن. فلماذا لا تخبرها عن علاقتها مع الكابتن منصور؟ حتى أن المسكينة ليندا تظن أن صديقتها لا تهتمّ أبدا بأمور الرجال. ولماذا أخبرتني أنا بالذات بسرها؟؟
..............................................................
بعد عدة أيام، التقيت بوسام ماردين بعد الظهر حين كنت جالسة في حديقتي الصغيرة المحبّبة أقرأ كتابا. "عرفت أنني سأجدك هنا،" قال وهو يقترب مني، ثم جلس الى جانبي. "لم أعُد أراك كثيرا في الآونة الأخيرة." "فعلا،" قلت، "منذ أصبحت مديرا لم نعد نلتقي كثيرا." "إنها مشاغل الشركة والمسؤوليات الكبيرة." قال وهو يتنهد. تأملت في وجهه بدقة. "من كان يصدق أن تصبح أنت كثير الأشغال بينما أخوك يقضي أيامه في النادي." "في النادي؟ وماذا يفعل هناك؟ إنه لم يذهب الى النادي من قبل." "إنه يسبح ويتشمّس. ألم ترَ كيف لوّحته الشمس؟" "وكيف أنت تعلمين ذلك؟" "رأيته هناك عدة مرات." وجدته مستغربا لذلك، ولكنه لم يعلق بشيء. بعد لحظة صمت، قال: "سأسافر غدا لبعض الأعمال وأغيب مدة." قال. "حقا؟" "سأشتاقك." قال بصوت هادئ وهو يحدق في وجهي طويلا. "وما الفرق؟ إن كنت لا تراني حتى وأنت هنا؟" قلت. "وهل كنت تودين رؤيتي؟" "قصدت أنك لا تراني إن كنت مسافرا او لا." "إذن لا يفرق عندك إن كنت مسافرا او لا. فهمت." بدا عليه الضيق. "أنا أقول فقط إنك بعيد حتى لو كنت قريبا." "لينة... لا تغضبي مني، أرجوك. الشركة تحتاجني الآن أكثر من أي وقت مضى." "لست غاضبة." ابتسم بامتنان. "عرفت أنك ستتفهمين الأمر. وهذا ما يعجبني فيك." "لم أعرف أنك معجب بي." "ألم أقل لك ذلك من قبل؟" "لا." "إذن، ها أنا أقول لك الآن: أنا معجب بك." "هذا إطراء جميل منك." "هذا ليس إطراءً، بل هو إحساسي الحقيقي منذ أن عرفتك." "ولكنك لا تعرفني جيدا." "أعرفك بما يكفي كي أعجب بك." نظرت اليه، فوجدت وجهه يكبر في ذهني ويثقل عليه. كنت مضطربة. لم أعد أشعر بالارتياح اليه كما كنت أفعل سابقا. كان لما اكتشفت عنه في الآونة الأخيرة تأثير كبير في نفسي، غير قابل للتجاهل. ولكنني لم أرغب في انكشاف ذلك على وجهي. اصطنعت ابتسامة ورميتها في وجهه.
.........................................
اتفقت مع حسام لتلقي أول درس في التزحلق على الأمواج عند الخامسة بعد الظهر. وحين وصلت، كان قد نزل الى البحر وبدأ بالتزحلق. وقفت أراقبه للحظات، وحين لمحني قفز من لوحته وعاد الى الشاطئ. انتصب أمامي بثياب التزحلق وفي يده لوحته. "لقد أحضرت لك لوحة." قال وذهب الى مظلة قريبة ليأتي بها. "مستعدة؟" سأل وهو يناولني إياها. "نعم." "حظك جيد،" قال عندما كنا ندخل الماء. "الأمواج ليست عالية جدا اليوم. إنه يوم ممتاز للتزحلق." بدأ يعلمني أول درس ووجدته متحمسا لتعليمي وصبورا لأخطائي. ومرت ساعة كاملة دون أن نحسّ بها. وقبل أن أغادر اتفقنا أن نلتقي كل يوم في نفس الوقت، ونفس المكان لتلقي الدروس. وبعد مرور أسبوع بتّ قادرة على التزحلق بشكل مقبول، والأهمّ من ذلك أن التفاهم بيني وبينه قد ازداد. وجدت فيه إنسانا مختلفا غير الذي عرفته في السابق. كان لطيفا، ظريفا وضحوكا. وكنت سعيدة للتقرب الحاصل بيننا. وفي يوم، بعد انتهاء الدرس، سألته بينما كنا ما نزال في داخل الماء: "هل تتزحلق منذ وقت طويل؟" "منذ كنت في الثالثة عشرة." أجاب بعد تفكير بسيط. "أنت بارع جدا،" قلت، ثم أضفت وأنا أبتسم: "ومعلم جيد." أطلق حسام ضحكة خفيفة لسماع قولي، وقال: "إنها أول مرة أعمل فيها معلما." "وقد نجحت." أطريت له. "ربما لأنني أحب هذه الهواية." قال مبتسما برقة. "إن مهنة التعليم لا تشبهني، فأنا سريع الغضب وفارغ الصبر." "ولكنك صبور معي." رد وهو يغرس نظراته في عينيّ: "أنت تختلفين عن غيرك." "كيف؟" "أنسيتِ أننا شركاء؟" هززت رأسي بتفهم. "فعلا." قلت وكان بي إحساس أن استعدادي لتأدية دور الشريكة قد ازداد. ألقيت نظرة عليه. قلت: "أريد أن أعترف لك بشيء." نظر اليّ متعجبا. "ما هو؟" قلت بنبرة بالغة الجدية: "سبق أن قلت لي إن رباب كانت تخونك مع رجل آخر. ورغم أنك لم تقُل من كان ذلك الرجل، فقد اكتشفت بنفسي أن ذلك الرجل كان... أخاك... وسام." تقلصت ملامحه في قلق. "كيف اكتشفت ذلك؟" سأل. "من كلوديا." "كلوديا؟ وكيف هي عرفت؟" تعجب. "تقول إنها رأتهما بنفسها عدة مرات وهما يلتقيان في السر." "هذا غريب." "وكيف أنت اكتشفت الأمر؟" "لا شيء يبقى في الخفاء طوال الوقت. كل شيء ينكشف عاجلا ام آجلا." "رباب كانت تحبه منذ صغرها. إنها كانت تحدثني عنه وعن حبها له خلال سنوات. وحين تزوجت، جعلتني أظن أنها تزوجت منه. فاستغربت حين جئت الى هنا وعرفت عن خلافاتها الزوجية. وبعد مدة، اكتشفت أن الرجل الذي كانت تحبه وتحدثني عنه هو وسام، ولكنها تزوجت منك أنت." قال حسام: "هذا يعني أنها تزوجتني وهي ما تزال تحب أخي." "ولكن... لماذا تفعل ذلك؟" سألته بعد تردد. "لا أدري." "ومتى تظن أنها بدأت تخونك؟" "بعد وقت قصير من زواجنا. فقد تغيرت كثيرا." "ألم تواجه أخاك؟" "وماذا أقول له إن كانت زوجتي هي التي تخونني؟" "ما زلت لا أصدق أن رباب فعلت كل ذلك!" قلت بتأسف. ساد صمت بيننا. كان حسام غارقا في حزنه. أردت أن أقول شيئا ما يخفف عنه، فقد عرفت كم صعب عليه هذا الأمر، ولكنني وجدته يسبقني الى الكلام. "هناك رسالة... وجدتها بين كتبها بعد اختفائها، كتبتها لك ويبدو أنها لم تلحق أن ترسلها." "رسالة؟" تعجبت. ثم سألته: "هل قرأتها؟" أومأ برأسه وقال: "أتذكرين حديثنا على الشرفة حين سألتك لِم أنت مهتمة برباب؟ خطر لي عندها أنك ربما كنت تعرفينها. فعدت الى غرفتي وبحثت في أشيائها عن أي شيء يدلني اليك. فوجدت تلك الرسالة ورسائل أخرى بعثتِها أنت لها وصورا تظهرين فيها معها." "هكذا عرفت إذن أنني صديقتها؟" "نعم." "وأين هي تلك الرسالة؟ هل لي أن أقرأها؟" "سأعطيك إياها." "متى؟" "متى تشائين." "إذن، تعال بها غدا الى الحديقة الصغيرة عند الرابعة. سأكون بانتظارك." أثارت تلك الرسالة فضولي. ترى، هل أجد فيها شيئا ما ذا أهمية؟ يتبع...
#حوا_بطواش (هاشتاغ)
Hawa_Batwash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إختفاء رباب ماردين 15
-
إختفاء رباب ماردين 14
-
شركس 100%
-
إختفاء رباب ماردين 13
-
ضميني
-
إختفاء رباب ماردين 12
-
اختفاء رباب ماردين 11
-
إختفاء رباب ماردين 10
-
إختفاء رباب ماردين 9
-
إختفاء رباب ماردين 8
-
إختفاء رباب ماردين 7
-
اختفاء رباب ماردين 6
-
الرجل غير العادي
-
إختفاء رباب ماردين 4
-
اختفاء رباب ماردين 3
-
شيء من دفء- قصة قصيرة
-
إختفاء رباب ماردين 2
-
اختفاء رباب ماردين 1
-
المستعجلة
-
أنا أحس
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|